أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عصيد - هل يعرف العرب معنى النصر ومعنى الهزيمة ؟














المزيد.....

هل يعرف العرب معنى النصر ومعنى الهزيمة ؟


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 4597 - 2014 / 10 / 8 - 08:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما انهزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية اضطرت إلى التوقيع على وثيقة الاستسلام والاعتراف بهزيمتها أمام الولايات المتحدة، وقررت القطع مع ماضيها السيئ المليء بالمذابح والعنف الوحشي ضد جيرانها، والانكباب على إعادة بناء اليابان الحديثة الناهضة مثل المعجزة من بين أطلال الحرب وخرائبها. بعد بضعة عقود أصبحت اليابان قوة اقتصادية هائلة منافسة للولايات المتحدة في العلوم والتكنولوجيا، ولم تعد أبدا إلى المغامرات الحربية والأوهام الأمبراطوية العتيقة .
نفس الشيء حدث لألمانيا، فبعد هزيمتها وخراب بلدها خرابا تاما بسبب الأوهام التوسعية النازية، قررت أيضا إحداث قطيعة حاسمة ونهائية مع ماضيها السيئ، والاتجاه نحو بناء الذات بناء على إرادة الشعب الألماني القوية، وعلى العقل العلمي الجبار الذي استطاع تحقيق ما أصبح معروفا في التاريخ بـ"المعجزة الألمانية"، وها هي ألمانيا اليوم تحتل الرتبة الأولى في الاتحاد الأوروبي بقوة إنتاجية تصل إلى 35 في المائة.
الملاحظ في الحالتين معا أن المنهزمين اعتمدا أسس نجاح الأقوى الذي انهزموا أمامه، ودخلوا في منافسة معه في مجال قوته التي تعتمد مرتكزين اثنين: القوة الصناعية العلمية والتكنولوجية، والنظام الديمقراطي المبني على حقوق الإنسان. ولم يعد الألمان واليابانيون إلى الماضي للاستنجاد بالأجداد أو التذكير بالأبطال القوميين القدامى والسابقين، كما لم يلجئوا إلى الكنائس أو الأديرة أو المعابد البوذية لمطالبة السماء بالتدخل لصالحهم والانتقام لهم من العدو، أو زلزلة الأرض من تحت أقدامه أو ترميل نسائه وتيتيم أطفاله وجعل أمواله غنائم لهم، ولم يقرروا النبش في كتبهم الدينية القديمة عن النظريات العلمية التي اهتدى إليها الغرب بمهاراته وأبحاثه حتى لا يعترفوا له بالقوة والتفوق، ولم يقرروا بشكل انتحاري المغامرة بخوض حرب عصابات طويلة المدى ضد العدو حاملين وهما مزمنا بإمكان تركيعه و"مسح العار" والبرهنة على أنهم "الوارثون" وأن العاقبة لهم في النهاية وأن العدو خلق ليخضع لهم ويُسخر في خدمتهم، أي أن البلدين العظيمين لم يتبنيا فلسفة "ولو طارت معزة !".
في البلدان العربية الإسلامية، التي تسمى كذلك لأن "العقل العربي الإسلامي" هو الذي يتولى فيها القيادة والتدبير والتسيير (ولهذا يفرض لغته وحدها وثقافته وحدها وتاريخه وتراثه وحدهما )، في هذه البلدان للهزيمة معنى مغاير، كما للنصر كذلك معنى آخر.
فالهزيمة هي أن يكتسب العرب المسلمون ثقافة العلم والتنوير والصناعة وحقوق الإنسان وفصل السلط ودولة المؤسسات، لأن هذا "تقليد للعدو" الذي هزمهم في معارك سابقة، فخلافا لليابان وألمانيا فكل ما يعدّ من أسباب قوة العدو ينبغي تجنبه لأنه هزيمة مضاعفة و"ركوع وخنوع واستسلام".
والنصر هو أن يبقى العرب على حالهم من التخلف وأن يعيشوا بين الخرائب ولا يجدون معبرا إلى العصر، أن يعيشوا كما عاش أجدادهم تماما سواء في نسق الدولة أو في التقاليد والعادات الاجتماعية أو في أسلوب تدبير شؤون الحكم، أو في الاقتتال الهمجي الذي يعود إلى ما قبل الحضارة، فـ"القيم الأصيلة العريقة" تتضمن كل شيء، وفيها الملاذ والمنقذ والعلاج لكل الأدواء. والحداثة والحرية صناعة غربية، والغرب منحلّ وقبيح، ويمثل الشرّ لأنه يرعى مصالحه المادية، والعرب المسلمون هم الأخيار المعصومون، أنبياء العصر وأطهاره، لا مصالح لهم في أي مكان، ولم يسبق أن هاجموا غيرهم واستعبدوه أيام قوتهم العسكرية، وكانوا يعيشون قبل مجيء الغرب في بحبوحة العيش الرغيد والنعمة السابغة، حتى ملوا من المساواة والعدل والحرية، وتعبوا من الاستقرار والرخاء، ولهذا ليس للغرب أي شيء يقدمه لهم، بينما هم حملة رسالة خالدة إلى كل أمم الأرض، هذه الأمم التي إن كانت لا تأخذ ما بين يديّ العرب من حكمة، فذلك يعود إلى أنانيتها وجهالتها وعجرفتها وسوء نيتها فقط.
ومن خصائص العقل العربي الإسلامي أنه لا يرضى بالهزيمة ولا يتقبلها حتى ولو صارت أمرا بديهيا وواقعا ملموسا لا يرقى إليه شك، حيث يصرّ المهزومون على القول "انتصرنا" في كل مرة، ويخرج قادتهم من تحت الأنفاق التي اختبئوا فيها ليهللوا ويكبروا ويهتفوا بالنصر، فـ"النصر" هو أن يبقوا أحياء، وأن يموت نصفهم فقط من البسطاء والنساء والأطفال، وأن يخرب البلد عن آخره ويعاد إلى العصر الحجري.
قد يحتاج العقل العربي الإسلامي إلى وقت طويل ليدرك معنى النصر ومعنى الهزيمة، ولكن من المؤكد أنه لكي يحقق ذلك لا بدّ له من تغيير أسلوبه في التفكير، وتطليق الكثير من عاداته وقناعاته القديمة، التي لم تعد بمعايير عصرنا إلا فقاعات بلاغية.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقيقة ما يحدث في -غرداية- بالجزائر
- عندما يستنجد مسلمو الهند بالعلمانية
- إلى المقامرين بالوطن
- لماذا لا تنجح الانتخابات في بلدان المسلمين
- مأزق طارق رمضان
- لماذا نحن ضد إعدام 529 إخوانيا مصريا
- من أين تأتي جاذبية خطاب العنف والتطرف ؟
- حقوق المرأة في الدستور المغربي، مكتسبات معطلة
- جذور الإسلاموفوبيا من أجل نظرة واقعية
- من المسئول عن جعل الفنانين المصريين سفراء للعسكر ؟
- لماذا تظل الحقائق صادمة في بلدان المسلمين ؟
- ثورة القبل
- مأزق المسلمين حضاري وليس سياسيا
- لماذا لم يزهر ربيع الإسلاميين ؟
- -صامدون- ضد من ؟
- أحمد عصيد - كاتب وشاعر وباحث أمازيغي مغربي، وناشط حقوقي وعلم ...
- حول -المحاكم الشعبية الأمازيغية-
- السلفية ومستقبل المسلمين
- دور الإسلاميين في المخطط الأمريكي الجديد
- كيف نحول الإسلاميين إلى ضحايا وهم في الحكم ؟


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عصيد - هل يعرف العرب معنى النصر ومعنى الهزيمة ؟