|
خانقين دون غيرها
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 4582 - 2014 / 9 / 22 - 21:50
المحور:
المجتمع المدني
ليس تعصبا مناطقيا او تمييزا او تفضلا لمنطقة مقهورة في تاريخها على اخرى، و انما هناك حقائق مرة لابد من قولها و طرحها من اجل الاعتبار و استخلاص الدروس منها، لان المدينة لا تتحمل الاكثر . صحيح ، كل منا يحن لمحل ولادته و ينحاز اليه، الا انني اكتب عن خانقين ليس كوني من ابناء المدينة فقط، و انما اريد ان ابين مدى الحيف الذي لحق بهذه المدينة العريقة و هي لا تستحقها بحياد كامل . ان لم ابالغ تتسم هذه المدينة بخصائص ليست موجودة في غيرها رغم صغرها، تاريخها العريق و الحوادث العديدة التي مرت بها منذ العهود القديمة قبل مئات السنين، والى ما عاشته خلال حكم الطاغية الدكتاتور العراقي في سنين حكمه العجاف، و التغييرات الديموغرافية المجحفة التي حصلت لها، و المعاناة المتعددة الواجه التي عاناها سكانها الامنين المسالمين المتآخين و المحبين للانسانية، و الخراب الكبير الذي حصل لهذه المدينة ، و يقطنه شعب يحملون الافكار التقدمية المحبة للحياة و الانسانية و تاخره بشكل فضيع رغم عراقة تاريخه . انها خانقين صاحب الاثار التاريخية التي تدل على قدمها و عراقتها و مراحل تاسيسها و خرابها وكيفية بناءها و اعادة ترميمها مرات من قبل ابناءها هم دون غيرهم، و من ثم معيشة و ظروفها المتناقضة في النواحي السياسية الاجتماعية التي اثرت عليها من جميع الجوانب و ما تهم ابناءها . لو نظرنا اليها من حيث البناء، لها ما يمكن ان يُبحث من قبل الاثاريين و له من التاريخ حافل يشجع المنقبين للغور في ما تخفيه اراضيها من المعالم التاريخية الغنية منذ تاسيسها و حتى الماضي القريب. الطبيعة الاجتماعية التي تميزها عن غيرها من المدن، هو تقارب مستوى المعيشة بين سكانها و انها سميت بالموسكو الصغير ليس تشبها بابنيتها و انما لتميزها بالمساواة الواضحة ونسبة العدالة الاجتماعية المنشودة في النظام الاشتراكي التي اتصفت بها خانقين قبل مجيء الفكر و الفلسفة الماركسية، و تاثر ابناء المدينة باليسارية نتيجة تاثيرات واقعهم الاجتماعي الثقافي و الاقتصادي عليهم الى حد كبير و بما تؤمنه الاشتراكية فكرا و فلسفة و هدفا مستقبليا نقريبا لهم، و تضمن ضمن طيات ظروفها الاجتماعية التعاون و تكافؤ الفرص الى حد معقول الا اذا استثنينا ما استهدفه النظام الدكتاتوري في تشويه البنية الاجتماعية لها و ما وصلت ايديه اليه من حيث التخريب و احداث فجوات بكل الطرق و الوسائل المتاحة لديه، و نجح نسبيا هنا و هناك، و اما في معيشة و ما تاثر ابناءها بالافكار و الفلسفات المحبة للانسانية الا دليل على عراقة المدينة و الموروثات الايجابية لتاريخها دون اي مبالغة تُذكر . الا ان من نافل القول ان القدر و التاريخ و ما فعلته السلطة الدكتاتورية اخيرا ايضا هو احداث هذا التخلف المخيف في المدينة من حيث البنية التحتية قبل الفوقية و انشغال ابناءه دون ناتج مراد، وهي المدينة التي كانت حضارية بمعنى الكلمة و تعود بها الظروف الماسآوية التي مرت بها الى الازمنة الغابرة من كافة النواحي لمار محزن و مؤسف، الا ان المفرح في المقابل ان العمق الفكري الحضاري لازال له تاثيراته المباشرة على مستوى الثقافة العامة التي يتمتع بها ابناءها و نظرتهم للحياة التقدمية المبنية على حب الحياة بذاتها دون التاثر بما وفدت الى المنطقة من الافكار السوداوية المعيقة لمسار الحياة و ما تريده من الشباب من تاجيل او نقل ما تستحقه الحياة من التمتع و العيش الرغيد بالسعادة المنشودة الى الاخرة. كانت المدينة الباسلة خانقين تتمع بعدة معالم مدنية و اقتصادية وحضارية فرض تاريخها و موقعها بناءها، فتسبب النظام الدكتاتوري و تعمد في ازالتها بقصد تشويه تاريخها و بقصد تخلفها عن مسيرتها التاريخية التي تفوقت عن المدن الاخرى حتى المشابهة لها تاريخا و عراقة. لقد تعرضت المدينة لغزوات متنوعة منذ القدم، و في التاريخ الاسلامية بالذات ومن ضمنها الصراع الفارسي العربي الى مرحلة الاستعمار البريطاني، نظرا لموقعها الاستراتيجي و انعكس موقعها المهم احيانا بالسلب عليها بسبب ما مرت بها من الجيوش الجرارة عند الغزوات التاريخية المعلومة لدى الجميع . و في المقابل، كان لموقعها ايجابية و هي ضرورة تاسيسها منذ العهود الغابرة و كانت منطقة تواصل بين الجهات المتعددة شرقا و غربا . في التاريخ الحديث لها، لم نجد ما يمكن ان نذكره الا المآسي من يد الدكتاتور من كافة النواحي، من خراب البنية التحتية و منها تدمير اول و اقدم مصفى في العراق و التي اسستها انكلترا و ازاحتها السلطة ابعثية من على الارض و و قطعت سكة الحديد و ازالت محطاتها التي كانت ايضا من اقدم ما بنيت في العراق لضرورتها في نقل شحنات النفط قبل المسافرين من اجل تضيق مساحتها السكانية و ازالة المشاريع و مؤسسات التي تؤدي الى التنمية، وبمراحل متعاقبة مستهدفين تفريغها من السكان الاصليين بحجج واهية عديدة، و هي المدينة الوحيدة التي تعرضت لعدد هائل من التهجير و التسفير و الترحيل لاسباب شتى منها مذهبية و منها قومية و منها اقتصادية قبل السياسية لكونها غنية بالنفط، فكانت المدينة و لحد الان يمكن ان نسميها منكوبة بكل معنى الكلمة، فاستغلت كثيرا و الهدف واحد هو ازاحتها و تغيير ديموغرافيتها، و هي المدينة التي تعرضت لاكبر حملة تسفير و لكون نسبة كبيرة من سكانها ينتمون للمذهب الشيعي، و تعرضوا للترحيل الداخلي لكون الاكثرية من شعبها يتمتعون بالروح القومية و انتموا الى النضال و الثورات و اعطوا عددا غفيرا من الشهداء ضحايا للثورات الكوردستانية المتعاقبة، واستغلوا حزبيا لكون النسبة الغالبة من سكانها تمتعت بالفكر الشيوعي او الشتراكي و كانوا لهم اليد الطولى في مضمار النضال الطبقي و عاشوا فيه واقعيا، هذا ناهيك عن اضرار الحرب الثمانية سنوات العراقية الايرانية التي هجرت سكان المدينة الى المدن و القصبات المجاورة و اخلتها لاشهر و من عاد منهم او لم يزل لحد الان مستقرا في المدن الاخرى . تستحق هذه المدينة الخير على ما مرت به من المآسي، و كان لابد من استقرارها و تامين حياة ابنائها و تخلصهم من القلق الدائم الذي عاشوا فيه قبل و بعد سقوط الدكتاتورية، الا انها لم تزل تعيش تحت الظروف المعيشية الصعبة من كافة النواحي الاقتصادية و السياسية ايضا، فهي لا تزال حائرة و هي تترنح بين السلطة المركزية و سلطة اقليم كوردستان و ما اثرت عليها طوال هذا العقد لم تؤدي بها الى الامان و الاستقرار، فعدم اجراء تغيير مشهود لها من اية ناحية كانت لكونها منطقة متنازعة عليها و ضمن المادة 140 و ماتضررت بها، و عليه لم تشهد اي مشروع استراتيجي يغير من مسار حياة الناس ناهيك عن ابطالة المقنعة التي تعيشها ابنائها . و اخيرا ما زاد الطين بلة بعد كل تلك التغييرات السلبية التي جرت على طبيعتها الاجتماعية السياسية نتيجة عمليات التعريب و التبعيث السيئة الصيت التي تعرضت لها، لا بل عملت الحكومة البعثية على تشويه سمعتها بعدما استغلت بعض النفوس الضعيفة التي انصاعت لها بالترهيب كان ام بالترغيب، و انتموا الى المؤسسات القمعية لها، و عمد البعث على نقلهم الى المدن الكوردستانية الاخرى من اجل تسقيط ابناء هذه المدينة و تشويه سمعة ابنائها المناضلة المقاومة، و النيل منهم من الجانبين، فيرحلون من مدنهم من جانب ليعتبروهم من الخونة للقضية الكوردية في المدن اخرى من جانب اخر، و هم اول من ناضلوا من اجل الثورة الكوردستانية تاريخا و انتماءا و نضالا و تضحية . بعد كل تلك المآسي التي لا تعد و لا تحصى، فاليوم تتعرض مدينة خانقين و النواحي جلولاء و سعدية و مندلي التابعة لها ايضا لافعال داعش الارهابي و الجهات العشائرية التي فرضتها البعث على المدينة من اجل تعريبها و تبعيثها، و لاتزال الاثار السلبية لتلك التغييرات الديموغرافية باقية عليها، و كأن تنقصها المآسي، و راحت ضحية الدفاع عن ارضها عشرات الشباب المتنورين و الثوريين المدافعين عن ارض خانقين و جلولاء و السعدية وعن عرضهم . فاليوم و بعد تكرار ما تتعرض له خانقين، تحتاج لهمة الجميع و للتعاون و شد السواعد و العمل على ترسيخ الوحدة السكانية بغض النظر عن انتمائهم السياسي الحزبي و الذي دفعت ايضا الثمن الكثير ايضا لهذه السلبية من التحزب الضيق و ما يجر المدينة نحو التناحر و التباعد، مما يضعف من مواقفها امام كافة الجهات و تضيع اية فرصة تسنج لهم لاعادة البناء و الوحدة و اتخاذ الخطوات اللازمة لتقدمهم و نمو سكانهم و ظروفهم المعيشية، من كافة النواحي الاقصتادية الاجتماعية الثقافية، يجب العمل على استقرارها كي ترتاح قليلا بعد تعب و هلاك و التعرض للمآسي الكبيرة طوال العقود الماضية دون توقف .
#عماد_علي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخمول يعقد الامور اكثر
-
هل المطالبة بانبثاق دولة كوردستان، شوفينية؟
-
ما هي الحياة و كيف نفهمها
-
تركيا تلعبها على المكشوف
-
سلبية توفر الحرية لمن ينفي الحرية
-
كيف تكون اليسارية في كوردستان
-
اعتبروا من درس اسكتلندا و انكلترا يا ساسة العراق
-
تاثير الجنس على عقلية القادة الاسلاميين
-
لماذا يفرض المالكي وزيرا فاسدا على العبادي ؟
-
هل بان رد فعل ايران ازاء تحالف جدة
-
موقف تركيا من التحالف ضد داعش
-
مؤتمر باريس والاولوية السياسية بموازاة العسكرية
-
شاهدت الغريب في بلد العجائب
-
ما الحل لو لم يكن هناك البديل المناسب ؟
-
هل يمكن ان يكون العبادي منقذا لما فيه العراق ؟
-
لماذا الاخطاء المتكررة للسلطة الكوردستانية ?
-
احلال البديل المناسب اصعب من انهاء داعش
-
اين المفر من هذه المنظومات الفاسدة ؟
-
مؤتمر جدة يؤسس لمابعد داعش
-
مؤتمر جدة يؤسس لابعد من داعش
المزيد.....
-
للسيطرة على حركة المهاجرين نحو بريطانيا.. الشرطة الفرنسية تع
...
-
اعتقال عميلين للموساد في طهران وجاسوس في كهكيلوية وبوير احمد
...
-
منظمة حقوقية: مقتل 657 شخصا في ايران جراء الضربات الاسرائيلي
...
-
منظمة حقوقية تكشف أحدث حصيلة لضحايا إيران من ضربات إسرائيل
-
تقرير: عودة اللاجئين السوريين تصطدم بتحديات -بنيوية عميقة-
-
بن بيه يستعرض أهمية إعلان مراكش حول حقوق الأقليات الدينية
-
السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة: لم يفت الأوان بعد أمام
...
-
وزيرة دنماركية تهاجم -ميتا-: تطلق الدعاية بدل حماية الأطفال
...
-
الأمن السوري يقبض على قيادي عسكري سابق متهم بجرائم حرب
-
اعتقال -عميل للموساد- في إيران.. فضحه -واتساب-
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|