أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - ابن الله ( الفصل (12) من الملحمة الأدبية ( رحيل معلن إلى رحاب المطلق الأزلي )















المزيد.....



ابن الله ( الفصل (12) من الملحمة الأدبية ( رحيل معلن إلى رحاب المطلق الأزلي )


محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)


الحوار المتمدن-العدد: 4581 - 2014 / 9 / 21 - 00:19
المحور: الادب والفن
    


( 12 ) ابن الله !
يتأمل محمود أبو الجدايل اللوحات على الجدران من حوله ، لعله ينسى جحيم الأهوال الجارية في سوريا ، صواريخ ثقيلة تمطر المدن ، براميل متفجرة لا تفرق بين طفل وامرأة ، بين مسجد وكنيسة ، بين مدرسة ومستشفى . قطع رؤوس ، أيدي ،أرجل ، جنون الجنون في حرب سريالية لم ير التاريخ مثيلا لها . لايبدو الأمر ممتعاً له لكثرة ما تأمل لوحاته ، وأهوال القتل لا تغادر دماغه .وصورة الملك لقمان والملكة نور السماء لم ترغبا كما يبدو المثول في مخيلته. أعاد اللوحات منذ أيام من معرض أقامه في صالة عرض وعلقها على جدران بيته وأعلن على الفيس بوك عن افتتاح معرضه الدائم في مرسمه . لم يبع في الصالة إلا لوحة واحدة بثمن مقبول ، ابتاعتها الأديبة شهلا العجيلي . شعر أنه في حاجة لأن يمشي ، لعله ينسى أو يتناسى ما يحدث في سوريا ، لعله ينسى بيته الجميل في دمشق، البيت المتحف ، الأقرب إلى قلبه من كل بيوت العالم لما يحويه من فنون وتحف ومؤلفات ومكتبة زاخرة بالكتب القيمة .
ارتدى ملابسه وخرج .. صعد طلعة شارع الباعونية بخطى واثقة لا تنم عن كهولة ، هو في الحقيقة لا يحب السير المتمهل ، يسير دائما بسرعة ورشاقه حين يكون ذاهباً إلى عمل ما . نادرًا ما يسير بخطى متهالكة ، حين يكون في حال نفسية سيئة ، أو حين يعاني من مشكلة ما ، تمهل قليلاً في ساحة جامع الشريعة ، ليتبادل تواصله المعتاد مع صديقته الشمس . نظر نحوها رافعاً رأسه ، وما أن لامس شعاعها تجويفي أنفه حتى دهمه العطس . عطس مرتين ، ونظر نحو الشمس ثانية . عطس مرة ثالثة . ( شكرا أيتها الصديقة ) وأخرج منديلا ورقياً ناعماً وراح يمسح أنفه .
اتجه نحو حديقة المتحف الوطني للفنون الجميلة . صادفه طفل متسول يمد يده نحوه راجياً أن يساعده ، أخرج من محفظته نصف دينار أعطاه له .. راح الطفل يتمنى من الله أن يرزقه بعشرة أمثاله ..
ابتسم وتابع طريقة . هنا في المتحف شارك منذ أيام في معرض جماعي للفنانين الأردنيين ، بعد أن أقنع القائمين على المتحف بهويته الأردنية رغم ولادته المقدسية وإقامته الدمشقية ! شارك بلوحة صغيرة فيها ثلاث نساء بالزي التراثي المطرز ، واحدة بحجاب عادي يكشف وجهها ، وواحدة بنقاب يكشف عينين ، وواحدة بنقاب يكشف عينا واحدة فقط ، وهو في العادة يضيف امرأة رابعة إلى النساء بنقاب لا يكشف من وجهها شيئاً .
افتتحت الملكة المعرض ليجد نفسه للمرة الأولى في حياته يصافح ملكة حقيقية وليست متخيلة
كالملكات اللواتي يستحضرهن في أدبه وفنه . لم يتحدث عن أحواله إلى الملكة بعد مصافحتها . اكتفى بالقول أنه هارب من جحيم سوريا وقد ترك كل شيء هناك ، واختصر شرحه للوحة حتى لا يطيل وقوف الملكة التي كانت مضطرة إلى مصافحة كل فنان والوقوف معه . قال إنها لوحة تراثية ، وأنه يتعامل في فنه مع التراث قديمه وحديثه ، والحق إن اللوحة تحمل ما هو أعمق من هذا التفسير ، فالمرأة ذات الوجه تشير إلى اسلام منفتح في بداياته ، وذات العينين تشير إلى إسلام بدأ ينغلق ، وذات العين الواحدة تشير إلى الإمعان في الإنغلاق ،أما المرأة الغائبة من اللوحة والتي لا يرى الناظر شيئا منها فهي تمثل حاضر المسلمين ! كان يقول هذا الشرح لمن يمكن أن يتقبله . وثمة شرح آخر هو رؤية كل امرأة للعالم من وجهة نظره هو ، كان يقوله لآخرين .. وهو في الغالب لم يكن يرغب في شرح لوحاته ، وللمشاهد أن يرى في اللوحة ما يشاء حسب رؤيته وفهمه .أكثر ما أثار دهشته في هذا المجال أن مشاهداً رأى في لوحة له يوم القيامة ، مع أنه لم يفكرفي ذلك حين رسمها ، لكنه كان منفعلاً وغاضباً على أثر مشاجرة له مع العائلة ، ورسم اللوحة تحت وطأة هذا الإحساس .
شكواه عن وضعه البائس قال بعضاً منها للأميرة وجدان التي تعاطفت معه ، وطلبت إلى وزير الثقافة أن يساعده ، غير أن الوزير تغير دون أن يقدم حلاً ناجعاً لوضعه ، سوى موافقة الوزارة على دعم نشر كتاب قصصي له .
فكر في أن يدخل إلى إدارة المتحف ليسلم على المديرالذي تعرف إليه في وقت سابق . غير أنه عدل عن الأمر ودخل إلى الحديقة .. انزوى في ركن من الحديقة وافترش العشب في ظلال شجرة كينا . خطرت السيجارة بباله ، كان قد قرر التخفيف من التدخين إلى خمس عشرة سيجارة في اليوم بدلا من قرابة أربعين ، في محاولة جادة لترك التدخين بعد أن أدمنه لما يقرب من خمسة وخمسين عاما . إنها المحاو لة الأخيرة بعد عشرات المحاولات الفاشلات. أخرج سيجارة وأشعلها ، وهو يحاول أن يطلق العنان لخياله ، هل يتابع رحلته في البحث عن الله مع الملك لقمان أم يطرق عالماً جديداً ؟
شعر أنه غير قادر على التوغل في أعماق فضائية مجهولة تتطلب خيالاً واسعاً ، فراح يستعيد رحلته مع الشيطان ليلة رأس السنة التي انتهت به إلى طفل في الثانية من عمره اختاره الله ليكون ابناً له *!!
كان مفلساً تماماً وما يملكه من نقود لا يكفي حتى لمتطلبات انتحار يليق بأديب مثله ، كأن يشتري مسدساً ينتحر به حسب ما يفكر حالياً .. وليلة رأس السنة من عام 1995 أوشكت أن تبدأ دون أن يتذكره أحد ، ودون أن يدعوه أحد إلى سهرة ما . وفيما كان يستلقي في السرير ويقرأ كتاباً عن الجن ، فوجىء بشخص يشبهه تماماً يقف في مواجهته . سأله : من أنت ؟
ابتسم الرجل معتذراً عن تطفله عليه وأخبره أنه الشيطان وأنه رآه وحيداً حزيناً فحضر ليدعوه إلى حفل رأس السنة في قصره السماوي .
وافق الأديب محمود أبو الجدايل على الدعوة بعد حوارمطول مع الشيطان حول غايته من الدعوة وتعهده بأن لا يقوم بغوايته ويقوده في دروب الضلال .
أثبت له الشيطان أن لا غاية له سوى أن يشهد أمام الناس أنه محب لله ومخلص له ، إذا ما ثبت له ذلك خلال مرافقته له .
وافق الأديب محمود أبو الجدايل على الصعود مع الشيطان الذي تم بلمح البصر وأبو الجدايل يمني نفسه بالسهر مع كليوبترا وزنوبيا وهيلين الطروادية وحور العين الشيطانات ، غير أنه وجد نفسه في بحر معلق في السماء تمخره الحوريات الجميلات العاريات والدلافين والأسماك والظباء وأنواع كثيرة من الحيوانات . ووجد نفسه يتنفس تحت الماء وملابسه لا تبتل بالماء ، وموسيقى تصدح ، وأغان وتراتيل تنشد ، وسجاد أحمر يمد ، وملكات شيطانات خارقات
الجمال بأجساد سباعية يصطففن لاستقبال الشيطان وضيفه الأديب ، بعد أن استعاد الشيطان هيئته الملائكية وارتدى زياً ملائكياً .
تعرف الأديب إلى ملكة سباعية الجسد ذات جمال أخاذ وقع أبو الجدايل في غرامها قبل النظرة المتمعنة الأولى ، قدمها الشيطان على أنها ملكة السماء وقد أصرت أن تستضيفهما في قصرها السماوي قبل أن يذهبا للحفل الذي أعده الشيطان .قادتهما إلى حفل أقيم في حدائق قصرها تحت الماء ، حضره الآلاف من الملكات الجنيات و الملوك الجن وبناتهم وأبنائهم .
كان كل شيء يجري تحت الماء دون أن يحس أحد بوجود الماء ، حتى شواء الظباء والخراف والأرانب والبط والدجاج والحمام والحجل والأسماك بأنواعها كان يتم تحت الماء ، وشرب الخمور تحت الماء ، وماء البحر لا يطفىء النار ولا يبلل الشواء ولا يدخل الكؤوس ، ففي عالم الشيطان تتآلف المتناقضات وتتعايش في علاقة لا يفهمها إلا الشيطان نفسه ، حتى الصحون والكؤوس والملاعق والسكاكين ، تتحرك وحدها ، دون أن يصطدم شيء بشىء ، فما أن يشتهي المرء شيئا ، ما عليه إلا أن ينظر إليه ، فحين اشتهى محمود أبو الجدايل قطعة من فخذ خروف كان يشوى على مقربة منه ، قطع الفخذ نفسه وطار ليتلقاه صحن كبير تحف به السكاكين والشوك والملاعق وقطع الخضار ، وحط نفسه أمام الأديب الذي كان جالسا بين الملكة والشيطان . وكانت الحال نفسها تتم مع الخمر .
كاد الأديب محمود أبو الجدايل أن يفقد عقله في عالم الشيطان ، وما أطار صوابه أكثر هو الجسد السباعي للملكة ، فهو لم يعد يعرف إن كان يجلس مع سبع ملكات أم مع ملكة واحدة .
وعبثا حاول أن يقنع نفسه أنه أمام ملكة واحدة بسبعة أجساد ، كل جسد يمكنه أن يطير عقول
مئات الرجال المؤمنين وغير المؤمنين ! وحين دعته الملكة إلى غرفة نومها أعلى قصرها الشاهق واعدة إياه بأن تنسيه همومه كلها ، راح يسألها عما إذا قبلها هل تحس الست الأخريات بالقبلة ؟ ولا يمكن لأحد أن يتصور مدى دهشته حين أخبرته الملكة بأنهن يحسسن بالقبلة لكن الأجمل أن تحيله إلى سبعة رجال كي يقبل السبع معاً !! رفض محمود أبو الجدايل مستنكرا هذا الجنون الشيطاني ، رغم توقه الشديد للهروب ونسيان العالم الأرضي الذي تركه خلفه ، وشعر أنه واقع في غواية شيطانية رهيبة خلاف ما وعده الشيطان ، فراح يتضرع إلى الله تذاهنا أن يقف معه وأن يقيه غواية الشيطان .
أحس الشيطان بتخوفه مما يجري معه فخاطبه تخاطرا من أعماق البحر مؤكداً له أن لا غواية في الأمر ، وأنه بإمكانه أن يعيده إلى الأرض إذا يشاء . أخبر الشيطان أن لا رغبة له في العودة إلى الأرض التي خلفها على بعد مئات السنين الضوئية ، غير أن الملكة تضعه أمام خيارات صعبة ليس في وسعه أن يرفضها وليس في وسعه أن يقبلها بسهولة ، وأخبر الملكة أنه يشعر بعطش فظيع ، فأشرعت نهدها وألقمته فمه وهي تهمس " اشرب يا حبيبي ارتوِ " راح يرضع سائلا لذيذاً لم يكن ماءً ولم يكن خمرًا ، سألها وهو يتوقف ليتنفس عما رضعه ، أخبرته أنه إكسير الحياة ، وراحت تهمس في أذنه مؤكدة أنه خمرغير مسكر من خمر الجنة ممزوج بالعسل وماء الورد من يتذوقه من نهودها السبع اليسرى يعيش مدى الحياة !
شهق محمود أبو الجدايل من أعماقه واحتوى نهدها بيده وراح يغب الإكسير غباً حتى ارتوى ،
وشرع يتنهد ملتذاً بما شرب ، معلناً عن سعادته التي لن تكتمل إلا بتحقيق كل رغبات الملكة حتى لو تطلب الأمر أن يحال إلى سبعة رجال !! ولم تمهله الملكة أكثر من ذلك فأشرعت نهدها الآخر وألقمته إياه . مج بضع مجات من سائل طعمه ألذ من الشهد ولا هو بالشهد أو الخمر أو الماء ، فهمس متسائلا " ما هذا يا حبيبتي ؟
ولا يمكن ولا بأي حال من الأحوال تصور مدى دهشته حين هامسته الملكة وهي تضم رأسه إلى نهدها " هذا ماء الكمال ، وهو ماء من ماء الجنة ، من تذوقه من نهودي السبع اليمنى بلغ الكمال المطلق " !!

تساءل بدهشة وهو يرفع نظره نحو وجهها " يا إلهي هل تقصدين أنني سأبلغ الكمال ألإ...!" ولم يجرؤ على لفظ الكلمة . ضمت الملكة شفتيها وأوقفت سبابتها عليهما وهي تهمس " هس "
وكأنها تريد أن تبقي الأمر سرأ بينهما ، ودفعت رأسه إلى مفرق نهديها لتقرب فمه منه ، لينبثق
منه حلمة جمالها أخاذ ، التهمها الأديب وراح يرضع ، وحين توقف بعض بضع مجات وهو يلعق شفتيه ملتذاً بما رضع ، لم تدعه الملكة يتساءل فهمست " هذا خمر الجنة من ارتوى منه من أجسادي السبعة ، فقد ذاكرته وغدا أسير حبي مدى الحياة ، ومن أدمن عليه ، فقد وعيه مدى الحياة إلا من حبي "
ونظراً لأنه كره كل أشكال الحياة الأرضية فقد غب الحلمة ثانية وراح يرضع دون أن يتساءل ، وحين توقف ،أخبرته أن ما يطمح إليه لن يتم ما لم يرضع من أجسادها السبعة .
همس بعد برهة صمت وهو يلقي رأسه بين أجمل نهدين أبدعهما الخلق " أحيليني إلى سبعة
رجال ، ودعيني أغرق في حبك وحده حتى الموت "
لم يكن يعرف أنه سيكون أمام مفاجأة جديدة حين قررت الملكة أن تستدرجه خطوة أخرى لتحيله إلى ما تطمح ، فقد همست :
" سأحيلك إلى سبعة رجال مختلفين "
كان حتى حينه يظن أنها ستحيله إلى سبعة رجال يشبهونه تماماً ، ولم يكن هيناً عليه أن يرى نفسه في سبعة رجال مختلفين ، والأهم أنها أخبرته ، أنه في مقدوره أن يغير هؤلاء السبعة
إلى سبعة آخرين إلى ما لا نهاية . وراحت توضح له ما هية الأشخاص الذين يمكن أن يتحول
إليهم .
مر في مخيلته صور بعض المشاهير في الأدب والفن والفلسفة يمكن أن يتحول إليهم : ثربانتس ، شكسبير ، دوستويفسكي ، جوته ، أفلاطون ، أرسطو ، سقراط ، بتهوفن ، فان كوخ ، دافنشي ! المتنبي !
راقت الفكرة كثيراً له.. سألها عما يمكنها أن تفعله من نفسها . لم يفاجأ حين قالت له أنه في مقدورها أن تحيل نفسها إلى أية امرأة يريدها حتى لو كانت كليوباترا ، أو زنوبيا ، أو هيلين الطروادية ، أو حتى لو كانت ربة مثل ، إنانا ، عناة ، أفروديت ، أو حتى لو لم تكن قد وجدت
في ماضي الزمن أو حاضره ! وألقت ذلك شعراً عليه *

******************
راح محمود أبو الجداليل يمعن خياله في قدرات الملكة الخارقة ، وبعد اطراقة وجيزة بينه وبين نفسه جزم خلالها من وجود الله في قلبه ، قرر أن يغامر ويجعلها تحيله في البداية إلى سبعة مثلاء يشبهونه تماماً !
ضمته الملكة إلى حضنها وأ لقت رأسه ثانية عند منبع الخمر بين نهديها ، وفيما كان يتلذذ بنهكة الخمر همست له " انتهى يا حبيبي ، انظر إلى نفسك " !
لم يجرؤ على رفع رأسه من بين نهديها خوفاً مما سيراه ، لكنه أحس قبل أن يرفعه أنه أصبح انساناً بسبعة أجساد وسبعة عقول وسبعة أرواح ، وسرت رعشة منعشة في جسده . رفع رأسه
ليرى نفسه في سبعة مثلاء يعانقون الملكة في الوضع ذاته ، وقد تحلقت أجسادهما على السرير
الدائري لترسم دائرة انعكست في المرآة الماسية من سقف القبة القوسي لغرفة نوم الملكة !
بدا للأديب والفنان محمود أبو الجدايل أنه في عالم مدهش يفوق الخيال ، ابتسم كطفل يرى نفسه في المرآة للمرة الأولى ، فابتسم مثلاؤه الإبتسامة ذاتها !!
احتوى نهد إكسير الحياة ومج جرعة ، أحس بطعم ونكهة سبع جرعات ، وسرت نشوة لذيذة في جسده ، توسل إلى الله أن ينسيه كل ما في ذاكرته من ماض أرضي ليتوحد مع هذا العالم الرباني !
فوجىء بالملكة تهمس له مرشدة :
" يجب أن تفرّد أكثر مما توحد يا حبيبي "
لم يفهم ( الأحمق ) ما تقصده الملكة ، فتساءل فهمست له :
" أنت الآن جسد ليس له بداية وليس له نهاية وقد خرجت من سلطتي المباشرة "
ولم يفهم ( الأحمق أيضاً ) خاصة وأن الملكة عقدت الأمور أكثر حين قالت له :
" أنت الآن المطلق والعدم ، وما قبل العدم وما بعد المطلق ، إلى ما لا نهاية من الإيغال في ما قبل العدم وما بعد المطلق " !!
شعر أن الملكة تقوده إلى متاهات فلسفية بينما هو في حاجة إلى معرفة لغة واحدة فقط هي لغة الجسد ، فرجاها أن تخاطبه بها فهمست :
" يا حبيبي ، بدلا من أن تجعل مثلاءك يرضعون من نهد واحد من نهدي السباعيين ، وزع أفعالهم ،كأن يرضع أحدهم من نهد الكمال ، وآخر من نهد الحياة ، وآخر يجترع من خمر الجنة ، وآخر يرتشف من رحيق شفتي ، وآخر يداعب بطني وفخذي ، وآخر يلثم فرجي الصغير الجميل الذي لا يعرف البول والدم والإنجاب ، وآخر يقبل ردفي اللذين لم تفح من بينهما إلا رائحة المسك والعنبر " !!
صعق الأديب بما لم يكن يعرفه رغم أنه أدرك أبعاد إرشادات الملكة ، فتساءل عما إذا كانت الملكة لا تتبول ولا تتبرز ، فأجابته مؤكدة :
" لا يا حبيبي هل سمعت عن حورية تتبول وتتبرز مثل الإنسيات ؟"
أجاب بأنه حقا لم يسمع وحاول أن يفرّد كما أشارت الملكة ، غير أنها فاجأته من جديد حين همست :
" وكل هذا التفرّد ليس إلا البداية يا حبيبي "
" ماذا هناك أيضا يا حبيبتي "
" كمال التوحد في كمال التعدد ، وكمال الحقيقة في كمال التحول ، والجوهر هو الجوهر الواحد الذي لا يتغير ، في تحوله وتجليه وتعدده وصيرورته وتوحده ، إنه الحق إنه ألله " !!
ضاع محمود أبو الجدايل في فلسفة الملكة . رجاها أن تعيده إلى لغة الجسد لعله يعرف إلى أين تقوده ، وأعلن أنه غدا مهيئاً إلى التعدد مهما كان شكله ، همست :
" بالتأكيد يا حبيبي ليس من كمال التعدد أن تبقي نفسك في سبعة أشخاص يشبهونك ، ولهم نفس عضوك وكل أعضاء جسدك ، فالأجمل أن يكون لك سبعة أعضاء مختلفة الحجم ، أما الأكثر كمالاً أن لا تبقي على شكل هؤلاء الأشخاص ثابتاً ، بل متغيرا ، فتغيرهم إلى سبعة آخرين بأجسام وألوان وأشكال وأعضاء مختلفة ، وهكذا إلى ما لا نهاية "
وراح محمود أبو الجدايل يردد في سره ، مع أن الملكة تعرف ما يدور في سره :
" يا إلهي يا إلهي يا إلهي ، هل ما تزال في قلبي يا إلهي "
فوجئ بالملكة تهمس له "
" لقد حلت روح الله في قلبك يا حبيبي فاطمئن ولا تخف " !!
أقنع نفسه أن روح الله لم تكن في قلبه من قبل ! فأسلم أمره له .
*****************
حين أدركت الملكة أن الأديب أصبح طوع يديها راحت تنشد مغنية :
" الآن الآن يا حبيبي طاب المرام ، فارتشف من طل شفاهي قطرا ،وتذوق من رحيق ألسني شهد السماء ،واجرع من خمر نهودي كؤوس الثمالة ،والثم عيونا هي السحر هامت بالغرام "
رد عليها من قلب أثقلته صروف الدهر وراح يغرق جاهدا ليهيم بجمالها :
" دعيني يا حبيبتي أطهر جسدي من أرجاس كوكبي، وأغتسل بماء سمائك ، قبل الشروع في تجرع شهد المدام "
وخلال لحظات وجد الأديب نفسه يحمل على أكف سبع ملكات ليمددنه في حمام واسع من الألماس ،ويشرعن في غسل جسده بروح الند والنارنج والنردن ، ويدلكنه ، بشذا الفل والياسمين ، ويمسجن أصابع يديه وقدميه بعطر الزنبق والقرنفل ، ويضمخنه ، بالمسك والعنبر والنسرين .
أحس الأديب بجسده يكاد يطير وروحه تهيم محلقة في مطلق المتعة ، فتساءل :
" يا حبيبتي هل أنا الآن بين أيد ملكية أم بين أيدي الله أم بين أيدي حور العين "
أجابت الملكة :
" كل الأيادي يا حبيبي التي تحاكي جسدك وتدب بأناملها على عنقك وظهرك وكتفيك ،وتدلك صدرك وبطنك وفخذيك ، وتسحب أصابع يديك ، وتطقطق أصابع قدميك ، وتناغي مسامات جلدك ، هي أيادي محبوبتك فاتنة السموات ومليكتها ومليكة حور العين "
" يا حبيبتي ، أستحلفك بمن أوجد الكائنات ، أأنا في حلم أم يقين ؟"
" يا حبيبي ، وهل يثمل من يرتشف من شهد شفاهي ويتجرع من خمر نهودي في المنام ؟ "
" يا حبيبتي ، أنا لا أصدق نفسي من هول فرحي ، وفرط سعادتي ، بكل هذا البهاء وطيب الغرام "
" صدق يا حبيبي لتحيا بجمال الخالق والخلق ، وتحلق كما النشيد ، وتسمو إلى العلا ، وتغرق بكليتك في لجة الهيام "
" أخاف يا حبيبتي أن لا أنسى أوجاعاً ، حملتها معي من كوكب الإنس، فلا يتاح لي أن أسمو بكمال التوحد وروعة الإنسجام "
" سأنسيك يا حبيبي أفراحك وأتراحك وكل صورة حوتها ذاكرتك منذ ما قبل خلق الأنام " !
" خذيني يا حبيبتي إلى سريرك الملكي ، ودعيني اغرق في بحور هواك "
" تعال يا حبيبي إلى صدور أشرعت لضم الرؤوس وأجساد تاقت إلى طيب الوصال "
احتوينه واحتواهن ليغرقوا كلهم مع كلهن في الإحتواء :
يرضع هو ( وهم ) من ماء الكمال ، ومن إكسير الحياة ، ويجترع من خمر الجنة ، ويرتشف من رحيق الألسن ، وقطر الشفاه الوردية ، ويقبل سحر العيون والوجنات ، والشعور الحريرية ، ويلثم السرر المضوعة بالمسك ، والبراعم الفستقية العابقة بالندّ، وأصابع الأحلام ، والركب الساحرات ، ويحبو على الأرداف الزبدية المفوّحة بالعنبر ،والأفخاذ الديباجية ، والسيقان الماحقات ، فيما هي (وهن ) يفرّدن ويعددن أفعالهن ليداعبن أجساده من قمم رؤوسها
حتى أخماص أقدامها .
شرعا في الهمس التذاهني وهما يحاولان الغرق في متعة الوصال السباعي المتعدد المتوحد . همس الأديب :
" ساعديني يا حبيبتي لأنسى ما في ذاكرتي لأتوحد بطيب وصالك "
" اجرع من خمر الجنة وابدأ بمحو الظواهر الخارجية من خيالك يا حبيبي " !
" هل أبدأ بمحو الوجود " ؟
" أجل يا حبيبي ، انس الوجود ، وكل ما في الوجود ، انس الشمس والقمر ، النجوم والكواكب ، الفضاء والغمام ، الرعود والبروق ، الأمطار والوان قوس قزح ، الزلازل والبراكين ، السديم والسراب والندى . انس القارات والبحار والمحيطات ، الأنهار والينابيع ،الجبال والهضاب ، الجزر والشلالات ، الصحاري والغابات ، الوحوش والحيوانات ، الحقول والكروم ، الثمار والفواكه ، الورود والحبوب . إنس الثلج والماء ، البر والربيع والسهوب . انس الدلافين والأسماك والحيتان ، انس البلاد ! انس المجازر والحروب ، المدافع والصواريخ والطائرات ، الدبابات والمصفحات . انس السيوف والرماح والدروع والسهام . انس الجيوش والشرطة والمخابرات ، البوارج والطوربيدات ! السفن والغواصات وحاملات الطائرات .. انس يا حبيبي المدن والعواصم . إنس التاريخ ! إنس الأدب . إنس الفن .إنس الشعر! إنس الكتب ، وكل ما قرأته فيها "
" يا حبيبتي عقلي مثقل بألاف الأسماء وألاف الكتب وألاف الأبطال ،ومئات الشعراء والأدباء والفلاسفة والعلماء والمتصوفين والحكماء والآلهة والأرباب والحكايات والأساطير "
" إنس الأسماء .. إجرع من خمر الجنة وانس "
" أخاف أن لا ينسيني خمر نهودك ولا يسكرني "
" بل يسكر وينسي يا حبيبي ، لكني خائفة على عقلك أن يضيع "
" ليذهب عقلي إلى الجحيم إلا منك يا حبيبتي ، فدعيني أسكر بخمر نهودك حتى الثمالة "
" اجرع وانس يا حبيبي اجرع وانس "
" من هذه الملتهبة بين أحضاني يا حبيبتي ؟"
" أنا سارانيو يا سورياي وإندراي "
" آه يا حبيبتي ، أشم كل عبق الهند وجمال أشعار طاغور وروح الفيدا والأوبانيشاد من بين نهديك "
" انس يا حبيبي ! اجرع من خمر نهدي وانس "
راح الأديب يغرق في التحوّل والتعدد والنسيان ، وكلما ذكرت له الملكة اسماً نسيه ، وكلما تذكر هو شيئاّ نسيه ، إلا ما أرادا أن يتمتعا به ، فكانا يبقيانه إلى أن ينتهيا منه .
اختفت سارانيو من بين أحضانه ليجد نفسه يعانق هيلين الطروادية وليتحول خلال ومضة إلى باريس ويشرع في عناقها . ومع جسد ثان من أجساده السبعة ظهرت حورية راحت تلهب جسده بالقبل وهي تردد "يا حبيبي يا شمشوني " فأدرك أنها دليلة الفلسطينية ، فأبى أن يكون شمشوناً ، وهتف لها مصححا " بل أنا كنعان وجليات وعناق يادليلتي " وراح يغرق في بحر جسدها إلى أن رآها تنطفئ بين يديه لتظهر بعدها انثى خارقة الجمال راحت تصهل هائجة تحته كمهرة قطعت أعنتها . سألها من أنت ، فأجابت " أنا إستير يا احشويروشي " فصرخ " آه آه يقتلني صهيلك تحتي ، دعيني اتروّض برضع فرات نهديك ورشف رضاب شفتيك "
راحا يغرقان في هذا التحوّل والتعدد غير المـتناهي ، فقد تحولت الملكة إلى كليوباترا ونفرتيـي وإيزيس وزنوبيا ، وإنانا وعشتاروعناة ، وأفروديت ، وتحول هو إلى العديد من الملوك والقادة والآلهة الذين أنهاهم برع وأخناتون ، ليغرقا في لجة الغرام . وفيما كانا يتعانقان ويتقلبان على السرير الفسيح بأجسادهما المتعددة مرت في مخيلة الاديب شخصيته الأخرى الممثلة في الملك لقمان فاستحضرها في الحال بكل قدراتها الخارقة وخلال ومضة من الزمن كان ينهي تعدده وتعدد الملكة ليظهرها ليس في شخصية زوجته الملكة نور السماء ، بل في شخصية من بنات خياله ، هي ربة الجمال المخلوقة من مسك وعنبر وفل وقرنفل وزعفران وكافور ، والتي يبدو الماء من روحها وتبدو عظامها من خلال مائة ثوب من الحرير ! همس لها :
" يا حبيبتي يا ربة الجمال ، أخاف على رقتك ، أخاف على شفافيتك ، أخاف على جمالك أن يخدشه وصالي " أجابته :
" لا تخف يا حبيبي فوصلك نسيم وجسدي الظلال "
" آه لجمالك وكمالك وطيب طيب وصالك "
*********
شعر أنه بدأ يتخفف من عبء ما تحويه ذاكرته ولم يبق فيها إلا بعض صور الموسيقا والغناء . فأخذ بضع جرعات من خمر الجنة .
همست الملكة له متسائلة عما بقي في ذاكرته، أجاب أنه لا يستطيع أن ينسى الحزن ووجه أمه، ألقمته الملكة نهداً وهي تهمس " انس كل الظواهر المحسوسة والمجردة ، المرئية والمدركة من وعيك يا حبيبيي ، وارتد بذهنك وشعورك وكل حواسك إلى ظلماء دخيلتك وإلى أغوار نفسك "
" لكني أخاف أن أنسى جسدك الجميل يا حبيبتي "
" لن تتوحد تمام التوحد بجمال جسدي إلا إذا نسيت كل الظواهريا حبيبي ، وتوحدت بكل أحاسيسك وإدراكك مع نفسك "
" أنا هارب من نفسي يا حبيبتي وأنت تريدين أن توحديني معها؟"
" انس الكلام ، انس اللغة ، لتدرك ما هي النفس يا حبيبيي" !!
" وكيف سأذاهنك يا حبيبتي إذا ما نسيت الكلام ؟! "
" التذاهن الأكمل يا حبيبي لا يتم بتصدير صور الكلام من العقل إلى العقل "
" كيف إذن يتم يا حبيبتي " ؟
" ألم تر إلى الأطباق في البحر كيف كانت تلبي رغباتنا من الطعام بمجرد إحساسها برغبتنا
دون أن نصدر لها أية صور كلامية ، فهي لا تعرف لغة "؟ ! " " هيا يا حبيبي حاول أن تتوحد مع نفسك لتتوحد معي "!!
" هل تقصدين أن ألغي حواسي وعقلي " ؟
" إذا استطعت ذلك يا حبيبي أصبحت مثل الله ، فهو الوحيد القادر على أن يكون فوق الحواس والعقول ، وأنا لا أريدك أن تفقد عقلك الإنسي تماماً يا حبيبي" !!
" ليذهب عقلي والإنس جميعا إلى الجحيم يا حبيبتي "
" جرعت كثيراً ورضعت كثيراً يا حبيبي . مهلا يا حبيبي "
" ما زلت أدرك وجودي وأعرف بعض الكلمات يا حبيبتي "
" اجرع من خمر الجنة وارضع من ماء الكمال وإكسير الحياة .. رضعك فيه حياة ، فيه ألم ، فيه عذاب ، فيه عشق ، آه آه يا حبيبي "
*********************************
لم يعد الأديب يحس بنفسه وحتى مجرد وجوده الذي شعر أنه أخف من الريشة ! وقد فقد كل شيء حوته ذاكرته ليغدو أقرب إلى اللا شيء . وحين ذاهنته الملكة سائلة "من أنت يا حبيبي " أجاب تذاهنا " أنا العدم يا حبيبتي " !!
شعرت الملكة أنه بلغ حالة من الإنطفاء في الذات الكلية ربما لم يبلغها إنس ولا جان من قبل . وكانت متخوفة عليه من خمر الجنة الذي رضع منه كثيرا ، والذي لا تدري ما هي عواقبه على من يشربه ، خاصة وأنه الإنسي الأول الذي يثمل من خمرنهودها . وتخوفت من أن يدخل الأديب في تحولات قد لا تكون قادرة على التكيف معها ومواجهتها . سألته بعد أن رضع بضع رضعات ورفعت رأسه عن صدرها : " والآن من أنت يا حبيبي " ؟!
أوحى لها تذاهناً ببضعة أحرف أفادت معنى " أنا الرب "
ضمت رأسه إلى صدرها جاهدة قدرالإمكان أن تخفي دهشتها .وراحت تقبّل جبينه وعينيه ،وهي تهتف " ما أجملك ، ما أكملك يا حبيبي "
سألته بعد أن اجترع بضع جرعات أخرى " والآن من أنت يا حبيبي ؟"
ذاهنها كما في السابق بما معناه " أنا الحق "!!
ضمت رأسه بشدة إلى صدرها وفرحة عارمة تجتاحها واغرورقت عيناها بدموع ما لبثت أن انزلقت على وجنتيها ، وهي تدرك تمام الإدراك أنه راح يتوغل عميقا في التوحد مع الذات الإلهية .
كان يرضع لاهيا عما حوله وهي تملس براحة يدها على رأسه وتتغنى بجماله . .وتنبهت إلى أن وجهه تحول إلى جمال أخاذ تحيط به هالة نورانية . همست له " والآن من أنت يا حبيبي ؟ "
ذاهنها بثقة مطلقة " أنا الله " !!
احتوته بكل محبتها ، بكل أنوثتها ، بكل أحاسيسها ، بكل خلجات نفسها ، ودموع الفرح تنزلق مدرارا على وجنتيها . ولم تجد نفسها إلا وهي تتغنى بالجمال الإلهي "
" يا لجمالك وكمالك وكمالِ كمالِ الله يا حبيبي
يا لجمالِ جمالك وجمالِ جمالِ الله يا حبيبي
يا لكمالِ كمالك وكمالِ كمالِ الله يا حبيبي
الآن الآن يا حبيبي يا حبيبي طاب المدامُ المدامُ
ومدامُ مدامُ المدامِ !
طاب الغرامُ الغرامُ وغرامُ غرامِ الغرامِ
طاب العشقُ العشقُ العشقُ وعشقُ عشقِ العشقِ
طاب الهيامُ الهيامُ وهيامُ هيامِ الهيامِ
طاب التوحّدُ باللهِ وبجمالِ كمالِ اللهِ
يا لجمالك وكمالك وجمالِ كمالِ اللهِ يا حبيبي
***************
غرقت الملكة في ما يشبه الغيبوبة وهي تتوحد مع الأديب في ذروة الغرام وتتغنى بالجمال الإلهي ، وحين حاولت أن تستعيد وعيها وتتمالك نفسها ، وجدت نفسها فجأة أمام طفل ملائكي لا يتجاوز الثانية من عمره يرفل بثياب من السندس والإستبرق ويحتضن نهدها بيديه ويرضع
إكسير الحياة بكل براءة الأطفال ، راسما على شفتيه ابتسامة وادعة ساحرة وهالة نورانية تحيط برأسه ، مضفية نورا أخاذا على وجهه .ندت عنها صرخة خافتة وهي تحدق إليه ثم إلى الحجرة الماسية بدهشة بالغة . احتضنت رأسها بيديها وراحت تستجمع شتات ذهنها . أدركت أنها كانت تتوحد معه في شبه غيبوبة وهي تتغنى بجماله الإلهي وتغرق معه في لجة الهيام ولم تعرف ماذا جرى بعد ذلك . ماذا صارا ، ماذا كانا ، وماذا حدث ، لا تعرف ، وعبثا حاولت أن تعرف . أدركت أن الأمور خرجت عن يديها وعن طاقتها ، كما خرجت عن طاقة الملك ابليس نفسه . ، وأن الإرادة الإلهية تدخلت في الأمر . لم تعرف ما إذا كان عليها أن تضحك فرحة أم تصرخ باكية ، فمن كان حبيبها صار الآن ابنها . لم تجد إلا أن تحدق إلى الطفل وإلى جمال الطفل وإلى ابتسامته الربّانية ، وإلى الوداعة والبراءة اللتين يحتضن بهما نهدها ، وإلى فرحته بهذا النهد .
راحت تتأمل ابتسامته وقد عم شذاها أرجاء الحجرة الماسية ناثرا الإبتسامات على السقوف والجدران القوسية ، على الرسومات والمنحوتات والأيقونات والتحف ، على الورود والمقاعد والمناضد والنوافذ ، على الثريات المتدلية من سقف الحجرة .وشعرت بها تتسرب عبر النوافذ إلى الفضاء لتعم كل شيء ، حتى الأقمار والنجوم . وفجأة ظهرت مجموعة من النوارس محلقة حول القصر مقتربة من نوافذ الحجرة القابعة في الاعالي . تجرأت ملكة النوارس ودخلت الحجرة عبر النافذة وراحت ترفرف بجناحيها فوق رأس الطفل . ابتسم الطفل ومد يداً ملائكية
إلى ملكة النوارس . حطت الملكة على كتفه . ملس بيده على رأسها وهو يرضع ويبتسم . ملست النورسة بطرف جناحها خد الطفل . أشار بيده لها أن " روحي يا نورسة " طارت ملكة النوارس لتخرج عبر النافذة وتنضم إلى أسراب النوارس المحلقة لتقود تحليقها حول العرش الملكي ، فيما كانت أسراب من كافة أنواع الطيور تهرع عبر الفضاء لتحلق بانتظام حول القصر ، تبعها أسراب من الخيول والظباء والدلافين والأسماك وكافة أنواع الحيوانات وراحت تحلق بانتظام حول القصر السامق في الأعالي . وأقبلت من الجهات أسراب من الورود والأشجار والنباتات ، وأسراب من العنب والبرتقال والتفاح ، وأسراب من الخضار ، وراحت تحلق بانتظام حول القصر وحول العرش .. وأقبلت أسراب من الحجارة والأطباق والصخور ، وأسراب من اللجين والزمرد والياقوت ،وأسراب من الشموع المتقدة وشعل النيران ، وأسراب من الندى والضباب والسحاب ، وأسراب من المنحوتات والأيقونات ، وأسراب من الألوان والإبتسامات ،وأسراب من الدموع والفراشات . وأسراب من اللغات والألحان . وأسراب من الرجع والظلال ، وأسراب من الصهيل والهديل والغناء ، وأسراب من الحروف والأشعار ، وأسراب من الرائحة والذوق والإحساس والشعور ، وأسراب من أضغاث الأحلام ، وأسراب من العدم والسراب والأماني ، وراحت كلها تحلق بانتظام حول القصر احتفالا بمن أختير ليكون ابنا للسماء !!!
***************
اندفعت ملكة اليمام حاملة بمنقارها نرجسة بيضاء وراحت ترفرف فوق الطفل والملكة الذاهلة الحائرة . ابتسم الطفل لملكة اليمام ومد لها يده الصغيرة . ألقت بالنرجسة على خده وحطت على كتف الملكة ومدت رأسها . ملس الطفل عليه بأنامله دون أن تفارق الإبتسامة شفتيه ، ودون أن يفلت حلمة النهد ، وروعة البراءة . رفرفت اليمامة ولامست بطرف جناحها جبين الطفل. أشار لها الطفل أن "روحي يا يمامة " رفرفت ملكة اليمام بجناحيها وطارت عبر النافذة لتحلق مع سربها ومع الكائنات حول العرش السامق في الأعالي .
اختلج الفرح في قلب الملكة وابتسمت ، فيما كانت ترقب من النوافذ فرح الكائنات المحلقة حول العرش ، ومدت يديها لتحضن الطفل ، وما لبثت أن دمعت ، ليمتزج فرحها بالحزن ، وليتساوى فرحها مع الحزن ، كما يتساوى في مملكتها السماوية الليل مع النهار ، والنور مع الظلام !!
أفلت الطفل النهد من فمه واندفع على صدر الملكة مشرعا يديه ليعانقها . احتوته بأن ضمته إلى روحها بكل الوله ، وكل الفرح الحزن ، وكل الحنان ، واحتواها بأن طوق عنقها بيديه ، بكل البراءة ، وكل المحبة ، وكل عشق الأمومة ، وكل فرح الطفولة ، وكل الألوهة ، وكل ما لن تعبر عنه الكلمات ولا الأغاني .
اندفعت كوكبة من الورود الجورية والياسمينية والندية والنردية عبر النافذة ، وراحت تحلق راقصة في فضاء المخدع الملكي . رفع الطفل رأسه عن عنق الملكة وابتسم للورود ، ومد يده ملوحا لها .هبطت نحوه باقة جورية حمراء ، مد الطفل أصابعه ليلامسها ، فلان الشوك الجوري وانثنى أمام أصابعه ، وأحنت الورود زهورها وذاهنته هاتفة " عليك يا ابن الله السلام "
لم تدرك الملكة تذاهن الورود مع الطفل ، غير أنها أحست من بهجة الكائنات أن من كان حبيبها وصار الآن ابنها ، غدا ابناً لله وحبيبا للسماء .
************
ذاهنها الملك إبليس من أعماق البحر غاضباً :
" ماذا فعلت بابن الإنس أيتها الملكة ؟ "
ذاهنته بكل الحزن الفرح :
" لا أعرف يا مليكي اقسم بإلهي الحبيب إنني لا أعرف ، فقد فقدت السيطرة على نفسي، وغبت عن الوعي حين بلغ ابن الإنس كمال كمال الكمال وصار الله دون إرادتي ، ليغرقني في بحر حبه ، ويوحدني مع بهاء كماله ، قبل أن يصيره الله طفلا ملائكياً "
أجاب الملك بلوعة :
" يا حسرتي ، فهل أفرح أنا أيضا أم أبكي ، جئت بابن الإنس ليشهد على براءتي من الغواية أمام الإنس ، فأغواه سحر جمالك ، وأعاده خمر الجنة المتدفق من صدرك إلى طفل لا يفقه ولا يدري "
" بل مشيئة الله يا مليكي من أعادته طفلا وليس خمر الجنة ولا ماء الكمال ولا إكسير الحياة ولا سحر جمالي ، فلا تقنط من مشيئة الله جل جلاله السامي "
" أستغفره واتوب إليه ، سبحانه . أدرك ذلك أيتها الملكة ، لكنه لم يكن ليحدث ، لو لم آت بابن الإنس من الأرض ، ولم أعرفه عليك ، وأتيح لك أن تصحبيه إلى عرشك السامق في الأعالي "
" كانت رغبته يا مليكي ، اقسم أنها كانت رغبته في أن ينسى الأرض وينسى الإنس ، وينسى القتل ، وينسى الهموم والأحزان ، فمن الله عليه بأن أراه نفسه ،وصيره مثلها ،ثم أعاده إلى الطفولة ، ليحيا ثانية الفرح الطفولي وعشق الأمومة والأمان "
" يا حسرتي ! من سيشهد على براءتي عند الإنس ، لعلهم يكفون عن لعني وشتمي ورجمي ، هل أنتظر إلى أن يرأب ابن الإنس ثانية ويطوي سني الأرض أو أيام السماء "؟!
" لا يا مليكي . لا أظن أن ابن الإنس سيعود إلى وعيه الإنسي حين يكبر ، تكفيك محبة الله وكائناته فلا تنقصك محبة الإنس الذين أفسدوا في الأرض وعاثوا فسادا "
" بل تنقصني أيتها الملكة ، فأنا لا أحتمل أن يكرهني خلق من مخلوقات الله "
" يا مليكي لا تقنط من رحمة الله وانتظر أن يأتيك الله بآياته ، وانظر إلي وارأف بحالي ، فماذا تفعل من هي مثلي وقد فقدت تعددها وصار حبيبها ابنها ، وعليها أن ترضعه من ثدييها وتكون له أما رؤوما دون ان تفقد املها بالله أكبر الرؤومين والرؤفاء ؟"
غير أن الملك ابليس لم يحتمل وطأة الإنتظار ، وحاول أن يقنع نفسه بالفرح ،وأن يخلد إلى الطمأنينة ، فقد راح يشعر في قرارة نفسه أنه غرر بالأديب حين صعد به من الأرض ليشهد على براءته من غواية الإنس ، فلم يجد إلا أن يشرع في البكاء ،ويلغي الإحتفال برأس السنة ، لتحزن له في ممالكه كلها ، الكائنات ، لكن دون أن تفقد فرحها ، فقد تساوى فيها الحزن والفرح . وحده ابليس كان حزيناً ، دون أن يجد الفرح إلى نفسه سبيلاً.
انتقل بلمح البصر من أعماق بحره المعلق في السماء ، إلى حجرة الملكة ، ليظهر إلى جانب السرير، ويمد يديه ليأخذ الطفل ،ويحدق إليه ملياً ، ويهتف بحزن وألم والدموع تنحدر على وجنتيه :
" معذرة أيها الأديب . اقسم لك بالله أن لا شأن لي في ما حدث ، فهل تصدقني القول ؟"
ابتسم الطفل ومد يده وشرع يمسح دموع الملك . تفجر الحزن في قلب الملك وخالج شفتيه طيف ابتسامة ارتسم عبر الدموع ،وضم الطفل إلى عنقه ،واحتواه بكل ما في قلبه من محبة لله ومخلوقاته .
همس إلى الملكة وهو يضم الطفل :
" لو أعرف أني أرضي وجه الله لحاولت بقدراتي أن أعيد الطفل إلى رجولته وحالته الإنسية "
هتفت الملكة بخشية من الله وريبة في النفس :
" لا يا مليكي أرجوك ، أتوسل إليك ، أن لا تقف ضد مشيئة الله رب الأنام "
" لن أقف أيتها الملكة ، لن أقف ضد مشيئة الله ، فصبر جميل والله المستعان "
*******
ازدحم الفضاء حول القصر بآلاف النوارس واليمام والقطا ، وآلاف الكائنات المختلفة وراحت تحلق بانتظام حول القصر احتفاء بطفل السماء .
أشرع الطفل يديه نحو النافذة وهو يرقب جانبا من الطيور المحلقة .هتفت الملكة إلى الملك :
" أطلق يا مليكي الطفل إلى الكائنات لتزفه "
قبل الملك الطفل على خده وأطلقه في فضاء الحجرة الماسية .
طار الطفل محلقاً واجتاز النافذة .. أفسحت له النوارس واليمامات والطيور ممرًا بينها في الفضاء ، فاندفع عبره يحف به الكون والكائنات وراحت كلها تزغرد للطفل وتقيم له معراجاً
لولبيا في السماء .
طارت الملكة عن السرير محلقة بثياب من السندس الأخضر الأبيض الموشى بالسواد ، واندفعت خلف الطفل ، فانفع معها الملك محلقاً بذات الثياب . وارتدى الملائكة والحوريات والجنيات ذات الثياب ، إيذانا ببدء الفرح الحداد ، ليتساوى في مملكة السماء الحزن مع الفرح
كما يتساوى الليل مع النهار ، والنور مع الظلام .
دار الكون ، كل الكون ، في الفضاء ، حول القصر السامق في الأعالي ، محتفيا بابن السماء .
تتبعه الملكة والملك وتحف به ملكات حوريات الماء وحوريات السماء ,وملكات الكائنات .وسط صدح الموسيقى السديمية ورجع زغاريد السماء وشدو الكون بالأغاني وتموجات الألوان .
أفردت ملكة النوارس جناحيها للطفل فامتطاها .. وطوق عنقها بيديه وراح يضحك يضحك يضحك .. فضحك الكون والكائنات ..
مدت ملكة اليمام جناحين من حرير موشى بألوان الفرح الحداد وذاهنت ملكة النوارس راجية أن تتيح لها الإحتفاء بابن السماء .
انزلقت ملكة النوارس من تحت جسد الطفل ليحط على ظهر ملكة اليمام ويملس بيده على رأسها
المموج بريش من السندس الأخضر الأبيض الموشى بالسواد .
تشكلت ملكة الورد في جسد حورية لها أجنحة من قرنفل وزنبق وياسمين . ودع الطفل ملكة اليمام وألقى نفسه بين أحضان ملكة الورد ، ضمته إليها وقبلته على اليدِّ ،وذاهنته راجية قبلة منه ، فقبلها على شامة في الخدِّ .
استبقت ملكة الضفائر المعراج وأشرعت أجنحة من ذؤابات وخصل وضفائر ، وأشرعت أحضانها للطفل . ودع الطفل ملكة الورد واستكان إلى حنان الضفائر . لثمت الذؤابات جبينه فلثم أهداب الذؤابات .
هفهف النسيم محلقاً بأجنحة من الطلّ ليتمرغ الطفل بأحضان النسيم ، قبله النسيم على خده فقبل خد النسيم . غارت من النسيم الظلال فتشكلت في جسد حورية من ظلال ، وذاهنت ملكة النسيم أن تمنحها ابن السماء . أفلتت ملكة النسيم الطفل وتنحت ، لتحتضن الطفل الظلال ، وتغمره بقبلات من ظلال .
أفردت ملكة العشب جسدها بساطا ربيعيا مزهراً لموكب المعراح السماوي . تدحرج الطفل عليه محفوفا ببحور الشعر ، والقوافي ترف عليه ، والألحان تناغيه ، والأشعار تداريه ، وتمطر خديه بقبل القوافي ، فطفق هو يلثم حروف القوافي ، لتغرق ملكة الشعر في الفرح ،وترقص ملكة العشب ابتهاجا ، ولتحلق ملكة الألحان بالألحان لتلف الكون والمعراح.
ذاهنت ملكة الألوان الملك راجية أن يتيح لها نزع ألوان الحداد ، لتصبغ المعراج لبرهة بالألوان . أذن الملك لها بالبرهة كرمى لابن السماء ، أشارت بحركة من يدها وشمخت برأسها وارتعشت ، فأضفت على المعراج كل الألوان . تضرج الكون ، كل الكون ، وتلألأ بالألوان الألوان ، وراح يلثم عيني الطفل ، فلثم الطفل عيون الألوان .
أبرقت ملكة السراب من أفق عانقت فيه السماء كثبان الصحراء ، فبدت وكأنها بحر سطعت عليه أشعة وضاء ،حسرت الألوان ألوانها ليلف المعراج السراب بألوان الحداد ، قهقه الطفل ، والسراب يدغدغه ، فقهقه الكون والمعراج .
انتفضت ملكة السديم وذاهنت السديم .احتشد السديم مزغرداً من كل فج ، وشكل هودجا للطفل يقله براق ، وتحف به فراشات من سديم مهاق ، اعتلى الطفل الهودج باسما فانطلق البراق . ضحك الطفل ولوح للكائنات بيد مهراق !
طفح الكيل من السديم بالينابيع والشلالات والأنهار ، فصبت على جانبي طريق المعراج مطرا هراق . تمايل سنا أسراب شعل النيران وتراقصت حوريات الماء في ماء رقراق ، وحلقت في سماء المعراج أسراب القاق ، فضجت القلوب والحروف والقوافي والأطباق بالقافات ، فضج الكون والكائنات بالمرح والجنون والقيق والقاق ، وبين السديم وطفل السماء طاب في الهودج على أحنحة البراق العناق .
هاجت في الأكوان المحيطات ، وثارت الدلافين والأسماك ،وتلاطمت على الصخور الأمواج ،والتجت مياه البحار، ومخرت الحيتان العباب ،وفاضت على رمال الشطآن اللجاج ، ومارت في الأفلاك أقمار ، واضطربت في السموات كواكب ونجوم ،والتمعت بروق وقصفت رعود وناحت كلاب وعوت ذئاب وثغت معز وماءت قطط وحنًت نوق ورغت نعاج ، وتذاهنت وحوش مع طيور ونباتات مع خيول ، وماد في الكواكب أديم واصطخبت حول القصر أصوات عجعاج ، وأقبلت من المشارق أعاصير وهطل من المعصرات مطر ثجاج ، وسفت الريح في الصحاري الرمال ، فعلت في الفضاء عواصف وارتفع العجاج ، وتأججت في السماء شعل النيران ، فاضطرم الأجاج ، وهدلت حول العرش أسراب اليمام ونعق البوم ونعب الغراب ،وشدت النوارس والحداء ،وغضب العنب والبرتقال ، وانفجر العدم بالبكاء وتصدع في مرايا النفوس الزجاج .وهامت في كواكب الإنس أرواح وانتفض في الأجداث رميم العظام ، وأطل على الأكوان نور نبي وأشرق في السحاب وجه يسوع وخيم على السماء جلال العذراء ، وهتفت باسم دمشق الجراحات ، وأشرعت للطفل حضنها سيناء ، وأحنت لبوذا أغصانها الأشجار ، وكبر لاوتسه باسم التاو ،ولاح في الغيهب السحيق وجه براهمان ،وسبح باسم أهورا مازدا وإندرا ،مترا وأهرمان وزرادشت والنار ، وأّنّ في أعماق الأرض تراب الشيرازي والكندي وابن العربي وابن الفارض والجيلي والخيام ،وصرخ باسم الله رفات الحلاج . فالتعجت
في جروح دمشق اللواعج واعتلج في قلوب الملحدين المؤمنين والمؤمنين الملحدين اللعاج ، وذرف جبريل والملائكة عدا اسرافيل في عرش الله الدموع وازدحمت في مملكة السحر الكائنات ، ليعم الكون الإحتجاج ، فتلجلج في طريق الموكب السماوي المعراج !!
تذاهنت الكائنات في كل ممالك الملك إذعاناً للمشيئة الإلهية آبية الفرح الحزن ، وثائرة على ألوان الحداد ، فتذاهنت مع الكائنات الأكوان ، ليطرق التذاهن الكوني أذهان الملكات . أسرت الملكات بالتذاهن إلى مليكة السماء وفاتنة السماوات . خاطرت الملكة الملك متوسلة :
" لب يا مليكي رغبة الكائنات في إلغاء الحداد إلى الأبد ، فهي لم تعتد الفرح الحزن ولم تعرف ألوان الفرح الحداد !وأوقف يا مليكي الزمن لثانيتين سماويتين والغ حدود الأمكنة ، وقارب بقدرة الله الممنوحة لك ما بين المسافات والمسافات ، لتشهد الفرح بابن السماء كل الأكوان السماوية والكائنات .
اختلجت شفتا الملك بابتسامة واغرورقت عيناه بدمع وأوحى إلى الكون والكائنات ، من قلب لم يعرف الكره يوما ،ولم يخفق إلا بمحبة الله ومخلوقاته والآيات :
" بسم إلهي الحبيب ، الواحد الأحد ، الصامد الصمد ، الذي لم يولد ولم يلد ، ولن يكون له كفوا أحد : ليقف الزمن ! ولتلغ حدود الأمكنة ، ولتقرب المسافات ، ولتخفض الشموس حرارتها ، ولتهمد الزلازل ، ولتخمد البراكين ، ولتهدأ العواصف ، ولتسكن الريح إلى الظلال ، والنسيم إلى السراب ، وليعم الفرح وحده الكون والكائنات "
نهضت من أسافل الكون أراض ، ودنت كواكب من كواكب ،وفضاءات من فضاءات ، وشموس من شموس ، وأقمار من نجوم ، وشهب من مذنبات ، وهبطت السماوات ، سماء اثر سماء ، لتهبط السبع السماوات !
وارتفعت مياه البحار والمحيطات والأنهار ، ليلف الكون الماء ، وليختلط الفضاء باليابسة والبحار ، وليختلط الجن بالملائكة ، وحور العين بالجنيات ، ومخلوقات البر بمخلوقات البحر ، والطيور بالنباتات والورود بالقبرات ، وأديم الأعماق بسديم الفضاء ، لتختلط كل الكائنات بكل الكائنات ، وليقف الزمن ، وتقرب المسافات ، وتهدأ العواصف ، وتخمد البراكين ، وتخلد الريح إلى الظلال ،والنسيم إلى السراب ، والحروف إلى الكلام ، والنور إلى الظلام .. ليفرح الكون ، كل الكون ، والأحلام والإدراك ، والندى والضباب ، والبنات والشباب ، والآباء والامهات ، والأجداد والجدات ، والصغار والصغيرات ، وأبناء الأرضين وأبناء السماوات ، لتغرق كل الكائنات ، بكل الكائنات ! في مكان ليس مكاناً ، خارج الزمن ، وبلا حدود ،حول المعراج ، في السماء ، تحت الماء ، وبين قناديل من نجوم ، وأقمار سابحات ، وبصحبة النار ، والنور والظلام ، ترعاها عيون الله ، مبدع الخلق والمخلوقات .
*************
* ما جاء في هذا الفصل هو ملخص مكثف للملحمة الأدبية "غوايات شيطانية ".



#محمود_شاهين (هاشتاغ)       Mahmoud_Shahin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسيح الصوفي والبطل التراجيدي (2)
- الألوهة الذبيحة في المسيح الإله (3)
- قلق قلق قلق !!
- المسيح الصوفي والبطل التراجيدي (1)
- مسيحية غير يهوائية ومسيح نقيض موسى !!( ألوهية يسوع المسيح تا ...
- طفولة المسيح وألوهيته ( ألوهية يسوع المسيح تاريخيا)
- شاهينيات ( في الخلق وفناء المادة )!!
- ألوهية يسوع المسيح تاريخيا .
- تابع: ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة (5)
- تابع: ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة ( 4)
- تابع: ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة ( 3)
- تابع: ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة ( 2)
- ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة (1)
- شاهينيات : في الخلق والخالق مرة أخرى!
- آه على وطن !
- التحالف بين يهوه ( الله ) والشيطان على أيوب !
- لو أن المثقف راقصة !!* ( برسم السلطة الفلسطينية واتحاد الكتا ...
- شاهينيات في الخلق والخالق ( وإن شئتم في المادة والطاقة )!!
- تحولات الألوهة من الأنوثة إلى الذكورة !!
- محمود شاهين يوقع أبناء الشيطان


المزيد.....




- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...
- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - ابن الله ( الفصل (12) من الملحمة الأدبية ( رحيل معلن إلى رحاب المطلق الأزلي )