أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - عندما يكون الصحافى مجرد بوق للنظام















المزيد.....


عندما يكون الصحافى مجرد بوق للنظام


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4580 - 2014 / 9 / 20 - 11:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



تصف الثقافة المصرية السائدة الصحافى محمد حسنين هيكل بعدة أوصاف بغرض المديح والتبجيل أشهرها (الكاتب الكبير) وفى طليعة الثقافة السائدة الناصريون وأغلب الماركسيين . فهل يستحق هيكل أوصاف المديح ؟ وهل الصحافى الذى سخـّر قلمه وموهبته للدفاع عن نظام حكم دكتاتورى يستحق صفة (الكاتب الكبير)؟ وهل الصحافى الذى رضى لنفسه أنْ يكون مجرد (بوق) لرئيس الدولة ، ويُردد ويُروّج لكل ما يقوله رئيسه يستحق صفة (الكاتب الكبير)؟ خاصة إذا كان رئيسه دأب على تضليل شعبه بشعارات عن (اشتراكية زائفة) وعن معاداة العمال برفض إقامة نقابات مستقلة أو اتحاد عمال مستقل كما هو الوضع فى إسرائيل (المزعومة) كما روّج الإعلام الناصرى ، بل إنّ عبد الناصر أصرّ على عضوية الاتحاد القومى ثمّ عضوية الاتحاد الاشتراكى ، كشرط للانضمام لعضوية النقابة (بالاجبار) وهل الصحافى الذى يتطابق مع رئيسه فى قمع المختلفين مع النظام واعتقالهم وتهديدهم يستحق صفة (الكاتب الكبير) ولعلّ أشهر الأمثلة ما حدث بعد هزيمة عام 1956 (حرب العدوان الثلاثى) التى صوّرها الإعلام الناصرى على أنها انتصار على الدول الثلاث (بريطانيا، فرنسا وإسرائيل) رغم أنّ خسائر مصر وفشل القيادة السياسية والعسكرية فى التصدى للعدوان لا يختلف كثيرًا عن هزيمة بؤونه/ يونيو67. فبعد هزيمة عام 56 أعلن عبد الناصر ((انتهاء المعركة مع الاستعمار وبدايتها مع اليسار)) وفى هذا الشأن ذكر د. فؤاد مرسى فى شهادته للدكتور فخرى لبيب ((كانت حكاية انتهاء المعركة مع الاستعمار وبدايتها مع اليسار، رتبّـتْ لها أمريكا بالذات ، ومن هنا جاءتْ زيارة (راونترى) نائب وزير الخارجية الأمريكى إلى مصر، وهى زيارة ذات دلالة خاصة ، لأنها بُنيتْ على أساس مناقشة عبد الناصر والنظام المصرى فى طبيعة (الثورة) المصرية ومستقبلها. فى تلك الزيارة قال نائب وزير الخارجية الأمريكى لعبد الناصر ((نـُـهنئكم على نجاحكم فى المعركة الوطنية ضد الاستعمار. لقد كسبتم معركة النضال الوطنى وتحرّرتْ مصر نهائيًا من الاستعمار. لقد انتهتْ المعركة مع الاستعمار، وبدأتْ المعركة الداخلية بين الطبقات ، وعليكم أنْ تنتبهوا لهذا ، لأنّ المعركة الطبقية هى التى يمكن للشيوعيين أنْ يضربوكم فيها. كما أنّ النظام المصرى يمكن أنْ يكون مانعًا للمد الشيوعى فى المنطقة العربية)) وما قاله نائب وزير الخارجية الأمريكى ردّده عبد الناصر (بالحرف) فى خطاب 23 ديسمبر58. وللتحضير لهذا الخطاب تمّ القيام بحملة إعلامية- منظمة ودقيقة- كانت من أبرع الحملات التى تمّتْ – دفاعًا عنها وتأصيلا لها – شارك فيها أحمد بهاء الدين ، محمد عودة وغيرهما ، ثمّ جاء الدور على الأستاذ المقدس (هيكل) ليُـترجم كلام عبد الناصر (الذى ردّدَ كلام نائب وزير الخارجية الأمريكى) فكتب فى الأهرام (بصراحته) التى لا يخشى معها أحد غير رئيسه قائلا أنه ((يتوجب على الشيوعيين أنْ يضعوا على أفواههم أقفالا من حديد وإلا...)) (د. فخرى لبيب- الشيوعيون وعبد الناصر- ج1- مطابع الأمل- عام 90- ص51، 52، 112) فهل الصحافى الذى سمح لضميره أنْ يكتب هذا الكلام ويستخدم لغة التهديد البوليسية يستحق صفة (الكاتب الكبير)؟ ونظرًا للدور الذى لعبه هيكل ضد الشيوعيين المصريين والعرب ، وهجومه عليهم (خاصة أثناء فترة اعتقالهم) صدر عن أحد التنظيمات الشيوعية المصرية (ردًا على مقالات هيكل) منشور بعنوان (بصراحة أم شعوذة) (المصدر السابق – ص121)
والسؤال الذى لم يطرحه أحد (وفق قراءاتى لتلك المرحلة السوداء من تاريخ مصر الحديث) لماذا استخدم نائب وزير الخارجية الأمريكى مصطلح (الاستعمار)؟ وهل الاستعمار يتمثل فقط فى بريطانيا وفرنسا؟ وهل معنى ذلك أنّ أميركا ليست دولة استعمارية ؟ ثمّ بلغ التضليل لدرجة تملق عبد الناصر، عندما قال له ((نـُهنئكم على نجاحكم فى المعركة الوطنية ضد الاستعمار. لقد كسبتم معركة النضال الوطنى)) رغم أنّ أصغر محلل سياسى يعلم أنّ الجيش المصرى- بسبب قيادته انهزم هزيمة مروعة عام 56، وأنّ الانسحاب من مدن القناة لم يتم إلاّ بعد الانذار الأمريكى (ليس حبًا فى سواد عيون شعبنا) وإنما لسببيْن الأول : أنّ أميركا قرّرتْ (بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية) أنْ تكون هى (زعيمة الامبريالية العالمية) ولا بأس من ترك بعض الفتات للاستعمار العجوز (خاصة بريطانيا وفرنسا) ومن هنا كان من مصلحتها خروج بريطانيا وفرنسا من مصر. السبب الثانى هو موافقة أميركا على شروط إسرائيل من أجل الانسحاب ، حيث أصرّت جولدا مائير (رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك) فى كلمتها أمام الأمم المتحدة بأنّ الانسحاب الإسرائيلى سيتم من منطقتىْ شرم الشيخ وقطاع غزة وفقــًا لقرار مجلس الأمن رقم (1) لسنة 57 مقابل حرية الملاحة الإسرائيلية فى خليج العقبة ومضايق تيران)) لذا كتبتْ جولدا مائير فى مذكراتها عن نتيجة حرب 56 أنّ ((هجمات الفدائيين قد انتهتْ. ومبدأ حرية الملاحة من خلال مضايق تيران قد تحقق وتمّ فرضه على مصر. وسوف تتمركز القوات الدولية فى غزة وشرم الشيخ . لقد أحرزنا نصرًا صنع تاريخنا العسكرى)) وكتبتْ أيضًا ((بدأتْ حملة سيناء صباح 29/10/56 وانتهتْ فى 5/11/56. لقد أخذ الجيش الإسرائيلى أقل من مائة ساعة لاجتياز الحدود والاستيلاء على كافة قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من المصريين ، وهى منطقة تبلغ مساحتها ضعفىْ مساحة إسرائيل . ولقد اعتمدنا على عنصر المفاجأة والسرعة وتشويش الجيش المصرى . وقد تحققتُ بنفسى من مدى النصر الذى أحرزناه عندما ذهبتُ لزيارة شرم الشيخ وقطاع غزة . لقد كانت هزيمة المصريين تامة. وتمّ الاستيلاء على مئات الآلاف من قطع السلاح وملايين الأطنان من الذخيرة معظمها صناعة روسية. وانهار ثلث الجيش المصرى وتمّ أسر خمسة آلاف جندى من أصل ثلاثين ألفــًا تبعثروا فى الصحراء لانقاذهم من الموت عطشا . وتمّ تبادل الأسرى المصريين بجندى إسرائيلى أسره المصريون)) (جولدا مائير- فى كتابها حياتى – الناشر دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية - عام 89- من ص 135- 138) فمن الذى انتصر؟ إسرائيل التى فرضتْ شروطها؟ أم مصر التى تم تدمير مدن القناة وأسْر خمسة آلاف جندى مصرى وقتل آلاف المدنيين والعسكريين وتهجير الملايين إلى مختلف محافظات مصر؟ ورغم كل ذلك فإنّ المبعوث الأمريكى يقول لعبد الناصر ((نـُهنئكم على الانتصار على الاستعمار)) وهو نفس الكلام الذى دأب الإعلام الناصرى على ترديده ، وكان الأستاذ المقدس (هيكل) على رأس ذلك الإعلام.
وفى شهادة لطفى الخولى ذكر أنّ هيكل زاره فى المعتقل ، وعندما قال عن تجربة الاعتقال ((أشياء فظيعة. أشياء من القرون الوسطى)) فإذا بضابط المباحث وقائد المعتقل كما لو كانا قد تحولا إلى قطط وديعة بعد أنْ كانا نمريْن مفترسيْن. وقال ضباط المعتقل له ((أى طلبات نحن مستعدون لأى خدمة. أنتَ فقط . كان المعتقلون يدفعون بك فى مواجهتنا)) (المصدر السابق- ص267) فى تلك الشهادة تبدو سطوة هيكل واضحة على زبانية التعذيب ، لدرجة أنْ يتحولوا من نمور مفترسة إلى قطط وديعة وفق وصف لطفى الخولى أى أنّ هيكل (الصحافى) تمكن من بث الرعب فى قلوب عتاة المجرمين المحترفين فى وسائل التعذيب وبث الرعب فى قلوب المعتقلين ، نظرًا لتدريبهم على وسائل التعذيب فى البعثات التى حصلوا عليها فى الولايات المتحدة الأمريكية باعتراف الشيوعيين والناصريين الذين كتبوا مذكراتهم عن تلك الفترة الحالكة من تاريخ مصر. وقد أفاض د. فخرى لبيب فى شرح ذلك فى كتابه (الشيوعيون وعبد الناصر) فى الجزءيْن، وأكثر من ذلك ما ذكره عن أنّ التعذيب فى معتقلات عبد الناصر، فاق ما كان يحدث فى معتقلات النازى (ج2- ص213، 233) وإنّ أدوات التعذيب أمريكية الصنع (ج1- ص234، 367) والأكثر فداحة وإجرامًا اجبار المعتقلين على الهتاف للجلاد الأكبر الذى أمر بإعتقالهم ، ومن رفض أنْ يُغنى فى طابور التمام الأغنية الفجة (يا جمال يا مثال الوطنية) كان مصيره القتل من شدة التعذيب أو وضعه فى البكابورت (الذى تتجمع فيه افرازات المعتقلين من بول وبراز) كما حدث مع العامل نجاتى عبد المجيد (ج1- ص364، 428، ج2- عدة صفحات)
وبينما الأستاذ المُـقدس (هيكل) رضى لنفسه أنْ يلعب دور (المُبرراتى) لكل قرارات عبد الناصر، بما فيها من وسائل تعذيب دموية ، فإنّ والد أحد المُعتقلين أجبره ضباط مباحث النظام لكى يُقنع ابنه بالعدول عن الاضراب عن الطعام ، ولما ابنه رفض قال الأب ((يا ابى انتو مش قد عبد الناصر. دا يقدر ينسف الشرابيه فى الليل.. ولما الناس الصبح يسألوه عن الشرابيه.. ح يقول لهم : هو كان فيه هنا شرابيه)) (ج2- ص313) فهذا الأب (الأمى) أكثر وعيًا وأكثر وطنية من الأستاذ (المقدس) هيكل الذى رضى لنفسه أنْ يكون مجرد بوق لعبد الناصر.
فى مارس59 قرّر عبد الناصر تأميم والأدق (تكميم) الصحافة ، وكان تبريره أنّ الصحافة رجعتْ للوراء عشرات السنين . ثمّ سخر من (الدكاترة الماركسيين الشباب) وكرّر كلامه الفج عن (العهد البائد) وهنا امتشق هيكل قلمه المسموم وكتب سلسة مقالات تحت عنوان (لم تـُؤمم الصحافة بل أعيدتْ إلى الشعب) (أهرام 28مايو، 1، 3يونيو61) هكذا يرى هيكل أنّ تعيين رؤساء مجالس إدارات الصحف ورؤساء التحرير، وتبعيتها للدولة البوليسية من خلال الاتحاد الاشتراكى الذى يُشرف عليها وتؤول حقوقها إليه ، يرى أنّ ذلك معناه أنها (عادتْ للشعب) ويتصوّر أنه يُخاطب مجموعة من البلهاء سيُُـصدقونه. وكتابات هيكل فى التضليل تحتاج لموسوعة مستقلة ، من ذلك تزويره لنتائج حرب السويس وتصويرها على أنها انتصار لمصر، ولا يكتفى بذلك بل يُسقط هذا المعنى على التحولات الاجتماعية ، فيأخذ خطابىْ عبد الناصر فى 23، 26يوليو61 ويكرّر ما جاء فيهما بأسلوبه (متصورًا أنه أضاف جديدًا) وذلك فى مقال بعنوان (السويس الاجتماعية) الذى كتب فيه أنه ((لا مفر من القيام بسويس اجتماعية))(أهرام 28يوليو، 18 أغسطس61) فهل فى وصفه بأنه (بوق) للنظام أى تجاوز؟
ولم يكتف هيكل بالقيام بدور(البوق) ولكنه (مثل أى محترف يُجيد صنعته) زايد فى تملقه لعبد الناصر فكتب سلسلة مقالاته الشهيرة تحت عنوان (أزمة المثقفين) التى شنّ فيها هجومه البشع على المثقفين (المغضوب عليهم والضالين من وجهة نظر رئيسه - خاصة الليبراليين والماركسيين) وطرح سؤالا تصوّر أنه كالسهم سيُصيب خصومه فقال ((أين كان المثقفون قبل يوليو52؟ وأين كان دورهم الطليعى فى قيادة الجماهير؟)) ثم يلقى بسهم آخر فكتب أنهم كانوا بعيدين عن المعركة. وكان بعضهم يقف فى الصف المُعادى للجماهير)) وينتهى إلى أنّ ((هذه الفئات المثقفة كانت عاجزة عن أداء دورها الطليعى)) (أهرام 2يونيو61)
أعتقد أنه لا يوجد تعليق أدق من أنّ هيكل كان يكتب بمرجعية فى خلفية رأسه من شقين: الأول تأكده أنّ لا أحد سيرد عليه (تحت سياط منظومة الحكم الأحادية والزعيم الأوحد والصحافى الأوحد) الشق الثانى أنه صدق نفسه بأنه يُخاطب مجموعة من البلهاء أو (يكتب لملايين المُريدين الساجدين فى معبد الناصرية) فى حين أنّ أصغر محلل سياسى يعلم أنّ المثقفين قبل يوليو52 لم يكونوا بالصورة السيئة التى رسمها هيكل عنهم. وفى مكتبتى عشرات المراجع التى تؤكد على حقيقة دورهم الوطنى، سواء ضد الإنجليز، أو ضد مظاهر الظلم الاجتماعى . وقبل أنْ أذكر بعض الأمثلة يهمنى التأكيد على مغالطة هيكل عندما كتب أنّ دور المثقف يكون ((فى قيادة الجماهير)) فليس من مهمة المثقف قيادة الجماهير، وإنما دوره الأهم أنْ تصب كتاباته فى تعميق وعى الجماهير، من حيث حب الجمال وكراهية القبح بكل أشكاله والدفاع عن الخصوصية الثقافية للشعب والتحريض ضد المحتل الخ. أما المغالطة الثانية فى كلام هيكل : إذا كان من رأيه أنّ دور المثقف (قيادة الجماهير) فلماذا أمر رئيسه باعتقال المثقفين الماركسيين أمثال فؤاد مرسى ومحمود أمين العالم وفخرى لبيب ورمسيس لبيب ولويس إسحاق وإسماعيل صبرى عبد الله الخ الخ؟ ناهيك عن الليبراليين أمثال لويس عوض . أليست هذه المغالطة من الأستاذ المقدس تدل على أنه كان وفق تعبير الأميين من شعبنا ((بيقول أى كلام))
فالبرجوع لفترة ما قبل يوليو52 نجد المثقفين المصريين كانت لهم اسهاماتهم التى لا يستطيع العقل الحر انكارها منها على سبيل المثال سلسة المقالات التى كتبها المفكر سلامة موسى ضد الاحتلال البريطانى وتسبّبت فى إزعاج الخارجية البريطانية خاصة مقاله بعنوان (الامبراطورية البريطانية تـُعربد) (الصحافة والحركة الوطنية - د. لطيفة سالم - هيئة قصور الثقافة - عام 2013- ص18، 55، 158) وكتب كامل الشناوى سلسلة مقالات ضد مشروع صدقى/ بيفن . وكتب يُدافع عن الفدائيين فى مدن القناة ضد الإنجليز(المصدر لسابق- ص 57، 129) وكتبتْ منيرة ثابت سلسلة مقالات عن ((نساء وادى النيل يشتركنَ فى الجهاد والحداد) (59) وكذلك مقالات الناقد الأدبى د. محمد مندور(64، 205) بل إنّ د. لطيفة سالم من خلال تخصصها كتبتْ عن ظاهرة غاية فى الأهمية وهى أنّ الصحف التى كانت موالية للقصر، انقلبَ بعضها على الملك فاروق فى أخريات أيامه وكتبتْ ضده وأثبتتْ وجودها تجاه الحركة الوطنية (230)
وفى دراسة أخرى للدكتورة نجوى حسين خليل العديد من نماذج كتابات المثقفين المصريين التى تنفى أكذوبة هيكل ، فذكرتْ سلسلة مقالات للأديب توفيق الحكيم الذى طالب فى إحداها بتطبيق نظام (الضريبة التصاعدية على الدخل) فى مقال بعنون (لستُ شيوعيًا ولكن) نشرته أخبار اليوم فى عدد 11/ 10/47) كما ذكرتْ د. نجوى أمثلة عن الدور الذى قامتْ به درية شفيق فى مجلتها (بنت النيل) التى صدر عددها الأول فى ديسمبر45 وتناولتْ الدفاع عن حق الفتاة فى التعليم والعمل ، وأنّ الطلاق يجب أنْ يكون أمام القاضى وليس بإرادة الزوج المنفردة . وأبرزتْ دور طه حسين فى ضرورة التعليم وأنه ((كالماء والهواء)) وإذا كانت مصر قد أنجبتْ العديد من السيدات اللائى شاركنَ فى الحياة الفكرية والسياسية أمثال هدى شعراوى ومنيرة ثابت ودرية شفيق، فإنّ قليلين الذين سمعوا عن سعاد الرملى وراوية عبد الفتاح والأخيرة كانت تكتب كثيرًا فى معظم الصحف المصرية فكتبتْ مقالا فى جريدة (صوت الأمة فى 17/4/49) طالبتْ فيه ((بتجميع النساء على هيئة حزب سياسى نسائى)) (د. نجوى حسين خليل- المجتمع المصرى قبل الثورة فى الصحافة المصرية - هيئة الكتاب المصرية- عام 93- عدة صفحات) وهل يستطيع أى باحث تجاهل دور الصحف والمجلات التى أثرتْ الحياة الثقافية فى مصر، قبل يوليو52 مثل جريدة الجريدة التى أصدرها أحمد لطفى السيد عام 1907، ومثل جريدة السياسة الخ والعديد من المجلات التى أصدرها سلامة موسى ، ومجلة العصور التى أصدرها إسماعيل مظهرعام27 الخ وهل يستطيع الباحث الحر تجاهل أسماء طه حسين، محمود عزمى، عبد الحميد الحديدى، منصور فهمى الخ ، وهم الذين رسّخوا لمبدأ فصل المؤسسات الدينية عن المؤسسات السياسية. وهل يستطيع الباحث تجاهل دور مجلة الزهور (1910- 14) ومجلة (الكاتب المصرى) التى أصدرها طه حسين (1945- 48) مع مراعاة أنّ ما ذكرته على سبيل المثال فقط ، وبالتالى يكون موقف هيكل غير مبدئى وهو يُهاجم المثقفين الذين شيّدوا أسس الليبرالية فى مصر (بفرض أنه على علم بدورهم) أما لو كان يجهل دورهم فالمصيبة أكبر، خاصة أنه عمل بالصحافة قبل يوليو52 وخاصة (ثانيًا) أنه (موسوعى الثقافة) كما يُطلق عليه تلامذته البؤساء . فلماذا كان عداؤه للمثقفين؟
الإجابة تأتى على لسان هيكل الذى طالب (بصراحة) أنّ مهمة المثقفين ليس التعاون مع النظام فقط إنما الأهم ((هو الولاء السياسى)) وأنْ ((يتبنوا قضية الثورة)) (أهرام 16/6/61) أى أنّ المطلوب هو الترديد البغبغاوى لكل ما يقوله عبد الناصر. وذكر د. أنور عبد الملك أنّ هيكل لم يكتف بذلك وإنما صنع جيلا من شباب جريدة الأهرام التفوا حول رائدهم هيكل. وكانت خلاصة سلسلة مقالاته عن (أزمة المثقفين) التى جمعها فى كتاب أنّ تلك الأزمة تعبير عن ((فشل المثقفين أنفسهم)) أما السبب الذى لم يكتبه هيكل هو أنهم رفضوا المشى على حبال نظام يوليو، لأنهم لا يجيدون مهارة البهلوان ، وهو المعنى الذى صاغه د. أنورعبد الملك بأسلوبه الخاص فكتب أنّ هدف هيكل ((هو انكار حق اليسار الماركسى وقدرته على أن يكون بشكل مستقل أو حتى بالاتفاق مع النظام)) وعندما طلب النظام الناصرى من الماركسيين التعاون معه ، كان الطلب فى الوقت الذى كان فيه قيادات اليسار فى المعتقلات والحديد فى أياديهم وأرجلهم أى التعاون بشرط أنْ يتخلوا عن كل وجود مستقل وكل شخصية وكل إرادة فى تحقيق الذات (المجتمع المصرى والجيش- طبعة مكتبة الأسرة- عام 2013- من 199- 206) رفض كثيرون التعاون مع النظام الناصرى ، ووافق البعض أمثال لطفى الخولى، محمود أمين العالم، وإسماعيل صبرى عبد الله وغيرهم.
ولأنّ قداسة هيكل من قداسة رئيسه عبد الناصر، فإنّ أ. جميل مطر(وهو ناصرى، أى أنّ شهادته صادقة) نقل واقعًا مأساويًا لم يخطر على ذهن كل كتاب مسرح العبث ، إذْ كانت خطب الزعيم العروبى ومقالات هيكل الأسبوعية ، يتم تشفيرها فى وزارة الخارجية بمصر، ويتم إرسالها إلى سفاراتنا فى الخارج ، لتكون مهمة الموظفين (فك الشفرة) (جميل مطر- حكايتى مع الدبلوماسية- كتاب الهلال- إبريل2002- ص61، 177، 178) وكان تعليق أ. جميل مطر أنّ تشفير الخطابات والمقالات كان يمثل ((خرقــًا واضحـًا لأبسط قواعد التشفير ولأمن الدولة وسرية مخابراتها إذْ أنه بتجارب قليلة على هذه الرسائل كان يمكن لأى جهة أجنبية كسر الشفرة المصرية)) فإذا كانت خطب الزعيم مذاعة ونشرتها الصحف ووكالات الأنباء العالمية ، ولم تكن فى حجرة الفئران المظلمة، وإذا كانت مقالات المقدس (هيكل) منشورة فى جريدة الأهرام ومُـقرّرة على محطات الإذاعة فلماذا التشفير ثم فك الشفرة؟ هل هناك عبث أكثر من ذلك؟ وهل تلك العبثية السوداوية كان من الممكن أنْ تخطر على ذهن كافكا أو غيره ؟ خاصة كما كتب جميل مطر أنّ صغار الدبلوماسيين كانوا يقضون عشر ساعات على الأقل لتشفير الخطب والمقالات فى مقر الوزارة بالقاهرة ليقضى زملاء لهم فى الخارج عشرين ساعة أخرى لحلها. والكل يسأل عن (الحكمة) من (التشفير) والخطب والمقالات منشورة على صفحات الصحف. ثمّ تكون قمة المأساة ((خاصة وأننا كنا نتعامل مع آلة يدوية بالغة التعقيد ، فكان البعض يُهمل التشفير، ولكن الأغلبية كانت تخشى أنْ تنتهى البرقية بتعليمات أو تنتقل إلى موضوع آخر غير نص المقال))
ورغم إقامة معبدًا للناصرية، فإنّ المفكر الجليل المرحوم د. فؤاد زكريا رفض دخول ذلك المعبد ، وامتلك شجاعة نقد هيكل بعد صدور كتابه (خريف الغضب) فردّ عليه د. زكريا فى كتابه (كم عمر الغضب : هيكل وأزمة العقل العربى) الصادر عن مطبوعات القاهرة- عام 84.
وهيكل الذى أهان مجموع المثقفين الذين رفضوا المشى على حبال سلطة ضباط يوليو، وسألهم سؤاله الممجوج : أين كنتم قبل يوليو52؟ وأين دوركم الوطنى؟ الخ عليه أنْ يخجل من نفسه لأنه- كما مشى وراء عبد الناصر ثم السادات (قبل أنْ يغضب منه لأسباب لا علاقة لها بأى مبدئية) فعل نفس الشىء عندما تملق الملك فاروق، فكتب مقالا فى مجلة روزا ليوسف- عدد11- مايو1944 بعنوان (يوم عيدك يا مولاى) بمناسة العيد الثامن لجلوس فاروق على عرش مصر، قال فيه ((فى يوم عيدك يا مولاى – هذه هى الذكرى الثامنة لجلوسك يا مولاى على عرش مصر. ثمانى سنوات وأنتَ تحمل مسئولية هذا الوطن وهذا الشعب ، كنتَ فيها نعمَ الملك الدستورى فى ظروف لعلــّها أدق ما مرّ بها فى تاريخ حياتها))
000
بعين الشاعر الحكيم كتب فيلسوف الشعر المصرى (صلاح جاهين) : ((بين موت وموت.. بين نيران ونيران/ ع الحبل ماشيين الشجاع والجبان/ عجبى علا دى حياه ويا للعجب/ إزاى أنا يا تخين بقيت بهلوان؟!)) ورغم أنّ جاهين قصد نفسه ب (البهلوان) سواء عن قصد مُـتعمّد أو لشدة ترفعه عن الاساءة لأحد ، فإنّ صفة (البهلوان) فى الصحافة تنطبق على كثيرين ، من الذين امتلكوا موهبة المشى على حبال السلطة ، لعلّ أبرزهم هيكل مستشار عبد الناصر وصديقه وكاتب خطبه ومواثيقه وبيان التنحى الذى نجح فى جعل شعبنا يشنق نفسه بيديه.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الناصرية ومتوالية الكوارث
- لماذا كان الصراع بين (حور) و(ست) ؟
- العروبيون ورفض الاعتراف بالشعر المصرى
- الشعر فلسفيًا والفلسفة شعرًا
- السنة المصرية وجذور التقويم العالمى
- الحمساويون دمّروا غزة
- العلاقة بين الكلمة والفنبلة
- بيرم التونسى والشعر المصرى
- عندما تكون الرواية (وليمة للذئاب)
- الأدب والقمع الدينى والسياسى
- مصر بين العدوان الإسرائيلى والإرهاب الحمساوى
- الترجمة من المصرى للعربى
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (9)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (8)
- أحزان السياب السبعة
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (7)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (6)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (5)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (4)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (3)


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - عندما يكون الصحافى مجرد بوق للنظام