القومية العربية

محمد ابداح

الحوار المتمدن-العدد: 4549 - 2014 / 8 / 20 - 01:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تعتبرفكرة القومية العربية قديمة العهد، تواترت حتى بلغت حد العرف السائد في الثقافة الجاهلية، وبات مصطلح العرب مفهوماً للجنسية، وأخذ الحس الفطري يظهر بين القبائل بوجوب التكتل لمكافحة الأعداء، وقد تجلى ذلك حتى في أسماء الحروب والمعارك التي خاضتها القبائل العربية ضد أعداءها، كمعارك (العرب و الروم)، ومعارك (العرب والفرس)، وقد أجمع المؤرخون العرب على تقسيم القبائل العربية ضمن مراتب، وهي: شعب، وقبيلة، وعمارة، فبطن، وفخذ، فعشيرة، وفصيلة، ويكون النسب هو الأبعد كعدنان وقحطان، ثم الأقرب كالقبيلة ومنها ربيعة ومضر، ثم العمارة كقريش وكنانة، فالبطن كبني عبد مناف وبني مخزوم، وبني هاشم وبني أمية، ثم الفصيلة كبني أبي طالب وبني العباس(1)،وتعد عموم طبقات القبائل عشر طبقات هي: الجِذْم، والجماهير، والشعوب، والقبائل، والعمائر،والبطون، والأفخاذ، والعشائر، والفصائل والرهط.
ومهما يكن فإن الجماعة غالباً ما تنتمي لنسب واحد، يرجع إلى جدّ أعلى، والقبيلة تعد الهرم الأكبر في المجتمع البدوي ، فليس فوقها مجتمع عندهم، وعليه تعد تقسيمات القبيلة بمنزلة الفروع من الشجرة، أوالشرايين من الوريد ، وترجع جميع قبائل العرب إلى أب واحد(2)، باستثناء قبائل الأزد وهي: تنوخ والعتق وغسان، فلكل قبيلة منها عدة بطون، وهي حلف في الأصل، وقد شكلت النزعة الفردية عرفاً سياسياً لكافة القبائل العربية، فأضحت القبيلة نتيجة لذلك من أهم العوائق المادية والفكرية أمام تكوين الدولة المدنية الكبيرة في جزيرة العرب، ومن أبرز مظاهر الحياة السياسية السلبية حتى يومنا هذا،ويعد أقرب تفسير لأنساب العرب (الحلف الإجتماعي والسياسي) إن جاز التعبير، حيث يجتمع في هذا الحلف قبائل توحدت مصالحها، وانضم لبعضها، واحتمى الضعيف منها بالقوي، وبذلك حافظت تلك القبائل المتحالفة على مصالحا وحقوقها(3).
وقد حملت الضرورات قبائل جزيرة العرب على تكوين الأحلاف، للمحافظة على الأمن وللدفاع عن مصالحا المشتركة كما تفعل الدول، و إذا دام الحلف أمداً، وبقيت هذه الرابطة التي جمعت شمل تلك القبائل متينة، فإن هذه الرابطة تنتهي إلى نسب، حيث يشعر أفراد الحلف أنهم من أسرة واحدة تسلسلت من جد واحد، وقد يحدث ما يفسد هذه الرابطة، أو ما يدعو إلى انفصال بعض قبائل الحلف، فتنظم القبائل المنفصلة إلى أحلاف أخرى، وهكذا نجد في جزيرة العرب أحلافاً تتكون، وأحلافاً تنحل أو تضعف، ولم يكن في مقدور العشائر أو القبائل الصغيرة المحافظة على نفسها دون حليف قوي، يشد أزرها إذا هاجمتها قبيلة أخرى، أو أرادت الأخذ بالثأر منها، لذا فقد كانت معظم القبائل داخلة في هذه الأحلاف، إلا عدداً قليلا من القبائل القوية الكثيرة العدد، وقد عرفت مثل هذه الأحلاف عند سائر الشعوب السامية كالعبرانيين مثلاً، وطالما انتهت كما انتهت عند العرب إلى نسب، حيث يشعر المتحالفون انهم من أسرة واحدة يجمع بينهم نسب واحد.
إن الدوافع التي تكوّن هذه الأحلاف لم تكن ناشئة عن حس داخلي بوجود قرابة وصلة رحم بين المتحالفين وشعور بوعي قومي، بل كانت ناشئة عن المصالح الخاصة التي تهم العشيرة كالحماية والأخذ بالثأر وتأمين المعيشة، وبالمقابل فقد شكلت تلك المصلحة مرآة العلاقات العربية المتبادلة بمرور الوقت، حتى غدت العلاقة رهينة بوجود تلك المصلحة، ولاحقاً بقيمها المادية والإجتماعية مما أدى لإنحلال العديد من التحالفات العربية-العربية، نظرا لتغيّر الظروف المؤثرة على تلك المصالح، ومن الأمثلة التي نوردها على ما سبق هو حلف قبيلة كعب مع بني مازن ، وقبيلة خزاعة مع بني مدلج، وحلف بنو عامر مع قبيلة اياد، وغيرها.
وفي حقيقة الأمر، فإنه وعلى الرغم من أهمية النسب في الفكر العربي، إلا أنه وعلى مرالتاريخ، فقد شكل التعاطي مع موضوع النسب قنابل موقوتة انفجر بعضها بالفعل، كما حدث بين بعض القبائل القحطانية( المهاجرين) والعدنانية( الأنصار)، بعد وفاة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وبعضها الاخر لازال ينتظر الإنفجار، خصوصاً عند استغلال النسب لأسباب ومصالح سياسية بحتة، ويقع هذا الاختلاف لذات الأسباب المنشئة للأحلاف، والتي سبق الإشارة إليها، وعليه فإن ما يحدث الآن من خلافات عربية متبادلة يكون سببها أن الإتحاد أو الحلف الذي تم بينها أصلا لم يكن ذو أسباب وطنية وقومية بقدر ما هي مصالح بحتة.
المحامي محمد ابداح
الهوامش :
1 - الأصنام ، لهشام بن محمد بن السائب الكلبي، مرجع سابق، ط3،مجلد1، ص 41.
2 - جمهرة أنساب العرب، لعلي بن حزم الندلسي، تحقيق صلاح الدين القاسمي، ص20 الدار التونسية للنشر، تونس ،1985م.
3 - المفصل في تاريخ العرب، مرجع سابق، ج3، ص 583.

#محمد_ابداح (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل