|
الموت للساسة و للسياسة
عماد عبد الملك بولس
الحوار المتمدن-العدد: 4531 - 2014 / 8 / 2 - 12:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الموت الذي أقصده هو موت المهنة التي صارت سيئة السمعة و بالتالي سقوط ثياب الوظيفة و تَعَرٍي المتغطين بها فلا يعودون للاشتغال بها و يتوبون عما امتهنوا و عن المهنة التي صارت حقا يُرادُ به باطل و خيرا لا ينتهي إلا لشر، و كلام حلو لا يحتوي إلا السموم.
فالساسة يبيعون لنا الكلام الذي لا يجيدون غيره، و بثمنه يتسيًدون علينا و يملكون رقابنا و يقذفون بنا في حمأة الفقر أو أتون الحروب أو ما هو أشر: فقدان الهوية الإنسانية أو الوطنية، و يدًعون الفهم و العلم أكثر من المواطن العادي و هم بهلوانات لا تجيد إلا ألعاب المشي علي سلك الكلام بلا نتيجة، يُحَلٍلون المصائب بدلا من مواجهتها، و يتأملون الكوارث بدلا من القضاء عليها، و يملأون المشاهد و يحيطون بالأسماع و ينتشرون في هواء تنفسنا ليستقروا في عقولنا كالوسواس و الهلاوس و المرض العقلي الآسر المدمر، و يفاجئوننا إذا استطعنا النوم منهم في كوابيس و يغتالون أحلامنا و سعادتنا بأوهام يبيعونها لنا كالعقيدة و المقدسات و الآثار النفيسة المُطَهًرة.
يبيعون لنا مباديء معلَبة و محفوظة و مُخَلًقة و دخيلة و غريبة بلا أي فائدة إلا ابتزاز مجهودنا و أعمارنا بل و مستقبل أولادنا بل و خيرات بلادنا لحشو جيوبهم بالمال و تدعيم استقرارهم علي كراسي السلطة، أو في بورصة تجارة الأحلام، و يقلِبون و يُقيمون المعاني و التفسيرات كما يتراءي لأهوائهم و أهدافهم، و يخبروننا بالشيء و عكسه، و يستحلٌون دماءنا ثم يُحَرٍمونها كما شاءوا و كما أشارت لهم المصلحة و المنفعة، التي ليست في الغالب مصلحتنا و منفعتنا. ثم هم لا يفتأون يُصِرٌون أن بضاعتهم هي الأرقي و الأنفع و الأجدي بل و الأقدس (!) و مثلهم كمثل أمراء الأديان، يجتذبون الأتباع كالذباب ثم يهشونهم كالذباب أيضا.
يتدافعون إلي مجلس الأمة أو مجلس الشعب، أو أي سلطة أو نافذة إعلامية أو حتي كرسي أستاذية مقدس (ليمتهنوه) و يشترون الكرسي ليس فقط بالأموال، و لا بالدسائس و لا بالخيانة و لا ببيع المباديء التي يدعونها فقط و لكن ببيعنا نحن أيضا – الذين ننتخبهم – لمن يضمن لهم استمرارهم في اللعبة السياسية بأي شروط، فمن شروط اللعبة التجارة بالبشر، و ليس فقط بعرق و أفكار و أجساد البشر، و لكن بما هو أعلي و أغلي، بأحلامهم، بآمالهم، بحريتهم، و بمستقبلهم و في كل الأحوال بدمائهم.
هي مهنة بلا شروط أو مؤهلات، فمن حق أي مدعٍ بلا أدني مؤهلات، ولا حتي القراءة و الكتابة، أن ينتسب لها، فلا يوم صنع و لا يوم زرع و لا يوم خَدَم أحدا، و للسخرية يظل يرتفع و يترقي حتي يصير نصف إله، أو حتي إلها كاملا يُعبَد و يُسمع كلامه و تسكت لكلامه العقول، و تستكين الهمم بل و تنقاد حتي الضمائر و النفوس و السواعد و المصائر و المآلات... و كل ما يميزه هو القدرة علي اللعب بالكلمات و ليٍ الحقائق و رسم الأوهام الملونة المغلفة بالعسل و المدهونة بالمتناقضات الجذابة و الغموض المثير لخداع قليلي العقول.
صِرنا أمة ملتبسة، حائرة تائهة غارقة في شبر أفكار، لا تُمَيٍز الفكر الصحيح من الخاطيء، لا تفهم الأبجديات، و تتوه عن هويتها، و تتساءل عن ألمها و هو فيها مقيم و زاعق بالوجع، صرنا لا نري الحقائق حتي إن أكلناها و شربناها، صرنا لا نفقه صالحنا و لا نميز ما يؤذينا مما ينفعنا، و حقً علينا قول المتنبي: و ليس يصِحٌ في الأفهامِ شيءٌ إذا احتاجَ النـهارُ إلي دلــيــلِ
فإن كانت أفضل نتائج العلم و الحكمة كلاما ملتبسا لا يؤدي إلي فهم و تنوير و إيجابية و تغيير حقيقي، فلا لزوم لهذا العلم و لا لهذه الحكمة، إن كان كل نتاج السياسة تأملا و اطمئنانا إلي الفهم ثم لا شيء فما أتفهها، و ما أتفهنا إن صَدًقناها، و ما أجرمنا إن اتًبَعنا أساطينهم و اتخذناهم أولياء بل وكلاء أبديين علي مستقبلنا و مستقبل أولادنا. فنحن أيضا مجرمون لأننا تُهنا و خُدِعنا و تصورنا أن السياسة و الساسة طوق النجاة، و أنهم بديل عن العمل و الاتحاد و الانتباه إلي اللصوص و الدفاع عن حقوقنا من القريب قبل الغريب. البديل هو قادة حقيقيون لشعوب فاهمة، متيقظة، مُهَدًفَة، لا تتوه عن هدفها أو مصلحتها، شعوب تُدرِكُ الخدعة و تنأي عنها، و تشتري الصدق و الأمانة، البديل هو قادة فاهمون لشعوب فاهمة يستنير فكرها، شعوب تُقيم العدل و الحق داخلها و بفعلها و ليس بالكلام و الطنطنة و الغناء الفارغين، و هؤلاء القادة يُنتجهم هذا الشعب الفاهم و المتمسك بحقه حتي إن لم يطلبوا سلطة و لم يسعوا لها.
و لا بديل لنا نحن الشعوب العربية عن أن نستفيق و أن نمسك بزمام مصيرنا و نتحري العدل و الحق داخلنا قبل أفواهنا، و أن نتحد فلا نتفرق بالكره القاتل لجميعنا، و لا بالكِبر المدمر، أن ننفجر فهما و تمَسُكا بالحق – حق الكل – فرعب أكبر سوف يجيء كما قال المرحوم صلاح عبد الصبور في "يوميات نبي مهزوم يحمل قلما ينتظر نبيا يحمل سيفا": "هذا قولي انفجروا أو موتوا رعب أكبر من هذا سوف يجئ لن ينجيكم أن تعتصموا منه بأعالي جبل الصمت أو ببطون الغابات" ....
#عماد_عبد_الملك_بولس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب المركزية علي مصر الآن
-
ماذا حدث للمصريين في ثلاث سنين؟
-
الهروب إلي المؤامرة (الغرق في رمال الذات الناعمة)
-
من يختبئ وراء الإسلاميين؟
-
أخيرا مصر تستجيب لإعلان الحرب
-
أحمس
-
أغنية لعدوي
-
حياتنا اليومية
-
من سبارتاكوس القديم إلي الآتي
-
نحن .. أيضا (!)
-
نحن
-
هل لحظة الصفر لإتمام تمكين التطرف هي تمرير الدستور الخفي؟
-
؟؟؟
-
الحل الأكيد (زجل)
-
متي تًعلَن الحرب علي مصر؟
-
الأقباط يهدرون حقوق الأقباط
-
في حزن مصر
-
ميعاد مع بكرة
-
الجائزة الكبري و فك طلسم الكنز
-
مظاهرة -غباء-
المزيد.....
-
نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية
...
-
شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
-
دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
-
نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص
...
-
اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
-
رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي
...
-
الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق
...
-
شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
-
ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
-
وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|