عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4521 - 2014 / 7 / 23 - 22:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رب سائل يسأل هل من مانع من أن يتعرض النص القدسي للدراسة والتأويل والتفسير وأستخراج المعاني واحتمالات النص القصدية ,فهل هو حق حصري أم حد منهي عنه بأي صورة كانت ,فإن كان الجواب نعم فنحن أمام تعسف حقيقي من قبل الرب أولا كونه أرسل نصوصا جزمية حتمية لا تقبل الموائمة ولا تتناسب مع عقلية الإنسان اللجوجة في معرفة كل شيء عنه وعن الماحول الذي هو في التركيب جزء من الأنا ,وثانيا تعسف وديكتاتورية ناقل النص الذي أمنا به من خلال ذات النص فعدم التعرف ودراسة وجرح النص إنما يريد في الحقيقة أخفاء وطمر حقائق كثيرة فيه , أما لو قلنا لا فلم التقريع هذا والتحسس من وظيفة عقلية أساسية بأمتياز .
الحقيقة الجواب منكشف على عدة حقائق منها أن الله يأمر بالتدبر والتبيان والتفكر والتبحر قبل القبول والتصديق وبالتالي فالإنسان حتما في تدرج بالفهم من التسليم اليقيني المجرد من كل بحث فقط كون النص من مصدر ديني فهو مقبول ,وهذا الإيمان الذي سريعا ما يعطب أمام مجريات الفحص والنقد ولا يصمد أمام أي حقائق عقلية أو واقعية تكشف سذاجته , أو يكون أصعب كثيرا على التزحزح والزحزحة منه وبه لأنه لم يحتكم للعقل ولا يتحاكم به وهو الأشد والأخطر على قضية الإنسان العقل وليس الإنسان الموجود فقط هنا مثلا نستحضر قول الإمام علي عليه السلام في وصف الحالة المتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح من مكانه .
من الحقائق الأخر أن رحلة الإنسان في البحث عن خصوصيات الرب شكلت هاجس أولي في أهتمامات ليس المتدين الطبيعي الذي يفهم أنه علاقة السماء بالأرض علاقة راشد ومسترشد ولكن في عقلية المتدين الذي يبحث عن ذاته المتضخمة خارج مجال وحيز الفراغ الطبيعي لها ,لذا عندما قال فرعون أنا ربكم الأعلى لم ينقص فرعون شيء مادي ولا معنوي مقارنة بأي مخلوق أخر في زمنه ولكن لأن حدود أنانيته تعدت الوضع الحرج فزاحمت المخصوص البعيد وأحلت ذاتها فوف ما تحتمل مع العلم أن فرعون كان متدينا بصورة ما ويعرف الدين ويعرف الرب والمربوب .
لكن هل منع الإنسان نفسه في أن يتدخل مرة أخرى في حدود ما لا يعرف , أكيد أن الفضول قد يكون دافعا صحيا إذا أفترن بنتيجة إيجابية يمكن البناء عليها ليتحول هذا الفضول إلى طريق يرسم للمعرفة أبعاد إنسانية تتراكم لتشكل واحدا من روافد السعي نحو تلمس طريق الكمالات البشرية , قد يكون لعدم وجود حد فاصل بين ما هو ممكن وبين ما هو محال سببا لذلك ,أما أن يكون كل شيء بين واضح محدد والدخول في مغامرة الأكتشاف نوع من الجهالات المركبة , هذا ما ينتج دائما ظل قاتم على المعرفة المتوقعة من تلك المحاولات العقيمة .
لقد كان للأنا المتضخمة والمغرورة الدور الرئيسي والمهم بالإطاحة بالنص في غالب الانتهاكات التي مورست ضد النص وتغلغلت في زوايا بعيدة تاه فيها الدليل مع الغاية فتفرعت عن هذه الإطاحة مفاعيل تتخذ من الشعار الديني ستار قد يكون غير مقصود ولكن في النهاية تمسك به الإنسان برغم إنكشاف الخطيئة ولم يتراجع مع صيحات العقلاء كما فعل السامري بقبضة من أثر الرسول , مع علمه ومعرفته بأثر الرسول لكنه غاص في المعنى وتاه في طريق العودة ليتخذ مخرج أخر غير الذي دخل به .
لم يتوقف الإنسان مع كل هزائمه مع الله بل أصر أنه لا بد أن يجني الفوز لمرة واحدة قد تكون الأخيرة التي لا تنتهي وعاد أيضا يبحث في أرث الأنا عن مصاديق تشبه الرب أو تتشبه بالرب فقال أن الرب أجزاء منها ما فوق الإدراك لأنه يختفي بعد خط البعد المطلق والذي يمكنه وحده أقتحامه , وقد فعلها وأنكح الأنا الإنساني بما تمثله من أرضيه وبعدية رمزية محصورة بالمكان المتناقض أرض سماء ليستولد منها الأبن , على قاعدة أن الاستقرار العقلي للأشياء لا يمكن أن يثبت بالوحداني ولا حتى عبر الركيزتين الأرض والسماء , لا بد من وسيط لا ينتمي لهما وهو منها فكان عيسى أبن الله هو الرب فقط والله فوق ومريم تحت .
كل اعداء النص هم من أهل الدين والغالب فيهم أنهم مفكرون ومتدبرون وعارفون بوعي ,الغريب ليس هذا لكن الغريب في سؤال لم هذا التجاوز على النص وعلى روح وجوهر الدين , هل تفقه الأنا عظم الخطيئة التي تقترفها كل يوم باسم البحث عن الصورة وبناء تصور إن كانت جميع محاولاتها قد باءت بالفشل الذريع في أن تبني صورة لكنها نجحت في أهتزاز العقل الإنساني وأشغاله بحروب مع الرب ما كان ليتجرأ عليها لون أنه منح ذاته فرصة أن يبتعد قليلا عن التدخل في مساحة ما بعد البعد وأشغل في تحسين الواقع القريب كي يصل إلى أول الخيط الذي أرشدنا النص له من عرف نفسه فقد عرف ربه .
عند تدقيقنا بهذه المحاولات نكتشف الجانب السلبي من البحث عن صورة ما بطريقة ترهق العقل بتساؤلات أو مسائل لا تتناسب أصلا مع فكرة الإيمان بالدين والبحث عن حقيقة هل الرب واقع أو مجرد توقع مستند لشيء ما , في حالة للمقارنة نجد أن التساؤلات الإيجابية تأخذ منحى أخر في تتبع الهدف ليس لمجرد ملاحقة الهدف والخضوع له ولنتائجه بل للوصول للنتيجة العقلية نتيجة ابراهيم عليه السلام عند أكتشف بجدليته الفريدة في زمانه وببساطتها المركبة مع النفس والواقع تمكن من الوصول عبر محاور عدة ليس للبحث عن نيابة وتمثيل بل للبحث عن أفق يوصله لليقين بمسألة المتوقع من الواقع .
نحن أمام منهج أخر منهج أن تعرف حدود ما يمكن من خلال الذي لا يمكن وتقف لتتعرف من هذه الصورة على ما تريده منها , مثلا إبراهيم قال رب أرني كيف تحي العظام , الهدف كان تأكيدا وامتحانا لجزء من الفكرة وليس البحث عن سر الإحياء لتكون تجربة يمكن معاودتها أو بتعبير أصدق سرقة أسرار الرب ,. صحيح أن التجربة بالجواب أضافت لإبراهيم مزيدا من التفاصيل في قضية جزئية من صورة الرب لكنها في ذات الوقت عكست الكثير من كليات الرب له وهي كليات إيمانية تمضي مع تصديق ما يخبر عنه مستقبلا .
هل كان ما يبحث عنه الإنسان في تجربته في التدخل بشؤون الرب هو العودة إلى الدين الفطري , الدين الذي ترعاه الأنا وتسيره الحاجة وتقوده حيث الطوطم الأكبر المدفون في ذاكرة الإنسان الأساسية , هذه الذاكرة التي لا يمكن العمل حتى على تحسينها وتلميعها بالدين الرسالي ,والدليل أن الله حمله أمانة المعرفة لكنه تجرأ عليها بظلم وجهل ليس لأنه تحملها فقط لا ولكن لأنه عبث بما فيها وكشف على الجزء الذي لا من مصلحة حقيقية له فيها , ولو كان الله يعلم ما في هذه الكيفية لأفصح له عنها ولكن هناك حدود ما بين الممكن والمعقول وبين المصلحة وما غاب عنا منها إن تبدو لكم تسوئكم , هذه خلاصة العودة للطوطمية هاجس الإنسان الباحث عن أسرار .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟