أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاك جوزيف أوسي - يوميات مدينة منسية - الجزء الثاني














المزيد.....

يوميات مدينة منسية - الجزء الثاني


جاك جوزيف أوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4518 - 2014 / 7 / 20 - 18:50
المحور: الادب والفن
    


(3)

يؤمن أتباع الديانات السماوية أن الله عندما خلق الأرض باركها وجعلها طاهرة من كُلِّ دنس ورذيلة، وأمر الإنسان بأن يعمّرها ويأكل من خيراتها. ولكن النفس الإنسانية أمّارة بالسوء، فقرر البعض أن يُسيطر والأخر أن يحتكر ويتملّك ويُكدّس الذهب والفضة. لا يعبئ بجاره الفقير ولا بعابر السبيل المسكين، ولا بباحث عن لقمة الخبز كي يُطعم طفله الجائع، ولا بمريض كان القليل من المال يعني له ولعائلته الكثير كي يسّد وأدهم ويقيهم الفاقة والعوز.
وكما قِيل، أن المال أصل كل الشرور، فهؤلاء ضربوا بعرض الحائط بالقيمة الأخلاقية والمشاعر الإنسانية، وبرروا سلوكهم بكلمات مثل الذكاء والشطارة. ووضعوا نواميس ورسموا قوانين وقواعد تحكم مسيرتهم وتحدّد سلوكهم وتنّظم حياتهم.
أما الفقير والمسكين والمحتاج فقد وضع نُصب عينيه الحكمة القائلة: القناعة كنّزٌ لا يفنى، وشمّرَ عن ساعديه واقتحم غمار الحياة مجاهداً مكافحاً باحثاً عن ذاته في هذه الحياة. لكن بعضهم استسهل طريق الغنى فتجرّد من إنسانيته وقرر أن قوانين الغاب هي الأفضل له كي يتنعّم بمباهج الحياة الزائلة.
وبالنتيجة كانت الأرض عند بدء الخليقة طاهرة، لكن تصرفات البعض دنستها، وأصبحت بعض الأماكن تُمثل التناقض بين الفضيلة والرزيلة، القناعة والطمع، العلم والجهل. وكان الإنسان وسيظل هو من يُعطي القيمة للمكان بسلوكه وتصرفاته. فأقداس مكان يُدنّس إن سكنته الرذيلة ... وأنجس مكان سيُطهر إن سكنته الفضيلة.
وهذه هي قصة مدينة منسية كانت في يوم من الأيام، نقطة الانطلاق للرسائل الإنسانية والمبادئ الأخلاقية، ومنارة تنشر العلم والمعرفة، والمهد الذي أنجب عباقرة في شتى صنوف العلوم والفنون والآداب. وأصبحت بعد أن سكنتها الغيرة والجشع والطمع بؤرة للرذيلة تجد في سًكانها كل مَذمّة ونقيصة، إلا قلة قليلة كانوا كقوم لوط في سدوم وعمورة.


المجنون

أينما أدرت وجهك في أراضي الله الواسعة وبلاده العامرة سترى أن المجنون جزءٌ لا يتجزأ من التركيبة السكانية في أي مجتمع، فلكل مدينة كبيرة أو صغيرة، أو قرية عامرة أو خرِّبة، مجنونها الذي يقول ما لا يُقال. وكأنه العاقل الوحيد في هذا المكان وهذه هي عظمة الحكمة الإلهية في تدبير أمور الكون.
تراه يسير على طرقات المدينة يُحدّث نفسه بأمور فيها الغث والسمين بما يكفي لقول المستور وكشف المخبوء، منهم من يرتدي الأسمال البالية وبعضهم لا تكاد تميزهم عن علية القوم وأعقل العقلاء حتى يبدأ بالحديث. وبعضهم لا يخرجون من مناطق سُكناهم، يُلدون ويعيشون ويموتون فيها. تراهم واقفين على تقاطع الطرقات أو الزوايا يكلمون أنفسهم طول النهار، لا يُزعجون أحد حتى يُستفز عندئذ ترى ما لا يُحمد عُقباه.
أسلوب المجنون هو الأسلوب المفضل لدى سكان هذه المدينة المنسية عندما يُريدون توجيه رسالة لأحد، فتراهم يمرون أمام الشخص المعني ويبدؤون بالحديث بصوت خافت لا يكاد يسمع منه المخاطب شيء، والغريب عن المدينة عندما يرى هذا المشهد يعتقد أن المتكلم هو أحد مجانين المدينة أو إنه يُحدث نفسه من كثر الهموم والمصائب التي يتعرض لها.
هذا الأسلوب هو إحدى الطرق الاستفزازية في مدينة الرذيلة هذه، فإن أردت الرد على الكلام الذي يُسمعك إياه أحد أفراد هذه المدينة عليك أن تُحضر نفسك لمعركة قد تخرج منها منتصراً لكنك ستكون قد أهنت شرفك وقللت مقامك بالعراك مع أشخاص لا يرّدعهم رادع أخلاقي أو قانوني. ومن أراد أن يحتك معهم عليه أن يترك كل مبادئه وقيمه وأخلاقه وهو داخل إلى هذه مدينة أو وهو خارج من منزله، فالأسلوب الوحيد الذي يفهمونه هو أسلوب القوة فهؤلاء القوم لا يُساقون إلا بالعصا التي يجب إشهارها بين الفينة والأخرى إن أردت أن تحظى براحة البال.



#جاك_جوزيف_أوسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات مدينة منسية - الجزء الأول
- تداعيات إعلان الخلافة الإسلامية على دول المنطقة والعالم
- صراع القوى الإقليمية على رقعة الشطرنج العراقية
- ماذا يحدث في الموصل؟
- ليلة سقوط الموصل
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية -جمول-
- سورية ... والصراع على هوية الشرق الأوسط
- موسكو بكين.. القضاء على هيمنة القطب الواحد
- قراءة لبعض بنود بيان الحزب الشيوعي السوري الموحد الذي صدر تح ...
- مخاطر مزج الدين بالسياسة
- النازية ... الفاشية أصل كل الشرور
- مذابح -سيفو-... إحدى الفصول المنسية من تاريخ شعوب ضُحِّيِ به ...
- ترشّح المشير عبد الفتّاح السيسي ... بين المؤيد والمعارض ... ...
- امّرُؤ القيس ... التُرّكي
- الأرمن يُهجّرون من جديد
- المسألة الأوكرانية ... والصراع على شبه جزيرة القرم
- نار تقسيم ... توقد الصراع بين قابيل وهابيل في تركيا
- تصّدع في البيت الخليجي ... قطر تُغرّد خارج السرب
- أحاديث شرقية
- الأزمة الفنزولية


المزيد.....




- -ذخيرة الأدب في دوحة العرب-.. رحلة أدبية تربط التراث بالحداث ...
- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاك جوزيف أوسي - يوميات مدينة منسية - الجزء الثاني