|
بدون المسيحيين ، لايكون العراقُ جميلا
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4517 - 2014 / 7 / 19 - 20:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لايتخّلى المرءُ عن بيتهِ ، منزلهِ ، دارهِ .. إلا حينَ تُسَدُ جميع الطُرُق في وجههِ . فبيتهُ هو وطنهُ المُصّغَر ، الذي من المُفتَرَض أن يشعر فيهِ بالأمان والطمأنينة .. فحينما تترك منزلك ، وطنك .. فأنك مُعّرَضٌ للضياع . ولكن حين تصل الأمور ، الى حَدٍ ، تحُسُ فيهِ ، أن لا أحدَ يحميكَ ، لا دولة ولا حكومة ، بما يتبعها من جيشٍ وشُرطة وقوى أمن ومحاكم .. الخ ، وأن تهديد قُوى الظلام المنفلته ، قد يصلَ إليكَ في أيةِ لحظة ، فأنكَ تتركُ كُل شئ ، وتنفذُ بجلدك أنتَ وأفراد عائلتك ! . تاركاً المنزل بِما فيهِ ، متخلياً عن جميع الأشياء التي أفنيتَ عُمرك ، حتى تُوَفرها لأبناءك وبناتك . عند هذه النُقطة ، عندما تشعُر بأنك ( وحيد ) ولن يُساندك أحد ، ولا مَنْ يحمي ظهرك ، فلا يبقى معنى للصمود ولا للمُقاوَمة ، وتفقدُ الماديات قيمتها وغلاوتها . هذا الموقف ، ليسَ غريباً عَلَيّ ، فلقد خبرتهُ في نهاية آذار 1991 ، حين نزحنا من مدينتنا ، تاركينَ كُل شئ ، خوفاً من بطش صدام وجيشهِ وأجهزته القمعية ، بعدَ تَخّلي المجتمع الدولي عن إنتفاضة الشعب في آذار . وتوجهنا الى حدود إيران وتركيا . حينها ، كانتْ الأمور واضحة وبسيطة : شعبٌ أعزَل يهربُ من ظُلم وقمع ، نظامٍ فاشي . خمسين يوماً ، كانتْ مُدة النزوح ، ففي حينها ، تدخلتْ الأمم المتحدة وأجبرتْ صدام ، على إعتبار كردستان ( منطقة آمنة برعاية الأمم المتحدة ) ، فرجعنا الى بيوتنا . وللحَق أقول ، أنه لم تكُن هنالك أوامر من النظام الصدامي " رغم فاشيته " بتفجير المنازل ولا نهب الممتلكات ، بل ان السرقات المحدودة التي حصلت ( حسب القِلة من الناس الذين بَقوا ولم يُغادروا دورهم ، لأسبابٍ مُختلفة ) ، قامَ بها بعض ضعاف النفوس . أما ما يحدث اليوم في الموصل ، فالأمرُ مُختلفٌ كثيراً : فعصابات إرهابية ، سيطرتْ على المدينة الكبيرة ، وأصدرتْ قبل شهر ، ميثاقها الرافِض للآخَر المُختلِف ، دينياً ومذهبياً وسياسياً . ولَما لم تَجِد ردود أفعال قَوية ، من المالكي ولا من أقليم كردستان ، ولا حتى من الدول الأقليمية والمجتمع الدولي ، فأن " داعش " تشجعتْ وقررتْ ( تنفيذ ) بنود ميثاقها العار ، عملياً وعلى الأرض : فقامتْ بتأشير بيوت المسيحيين ووضع علامة [ ن ] عليها ، بإعتبارهم نصارى ! . وأعطتْهُم مُهلة تنتهي في ظهيرة 19/7 : أما بإعلان إسلامهم " أسلِمْ تَسلَمْ / أو دفع الجزية كونهم من أهل الذمة / أو ترك منازلهم والخروج من الموصل . ومَنْ لا يلتزم بأحد هذه الشروط ، تُستباح دماءهم وأموالهم !! . صدام بكل فاشيته وإجرامهِ ، لم يصل الى هذه الدرجة من الإنحطاط !. أعلنتْ داعش ميثاقها الإجرامي ، قبلَ شهر .. ولم يأخذ العالم ، الأمر ، بِجدية ، ولم يهتم أحد إهتماماً يُذْكَر .. خُطِف العشرات من الشبك الشيعة ، ولم يعترض أحد / حُوِلَتْ جامعة الموصل العريقة الى ثكنة لعصابات داعش ، ولم يُحَرك المالكي ولا الأقليم ولا اليونسكو ، ساكناً / قُتِل العديد من الإيزيديين وشُرِد الآلاف غيرهم ، وكأنهُ شئٌ عادي / اُجبِرَت الجوامع على ترويج سياسات داعش التكفيرية ، وسكتَ الجميع / مُنعَتْ النساء من العمل وفُرِضتْ عليهن ممنوعات قاسية ، ولم يُبالِ أحد / والآن يُفّرغون الموصل من أهلها المسيحيين ، أو يجبرونهم على الإسلام او دفع الجزية ، وردود الفعل ضعيفة وخجولة في الداخل والخارج / وبالتأكيد ، سوف تفرض داعش ، غداً ، أحكامها الإجرامية ، على ما تبقى من إيزيديين وشيعة الشبك والتُركمان ، في الموصل .. وبالتأكيد سوف يحاولون ، مَد نفوذهم وسيطرتهم ، على محيط مدينة الموصل ، المُكتظ بالمسيحيين والإيزيديين .. وما جرى في " الحمدانية " قبل إسبوعَين ، خير دليلٍ على ذلك ، فعصابات داعش الإرهابية ، وجهتْ نيرانها الكثيفة ، للمدينة الآمنة وحاولتْ دخولها وإستباحتها ، ولولا مُسارعة البيشمركة ، للدفاع عنها والوقوف بصلابة بوجه داعش ، لحدثتْ مجزرة كبيرة هناك . وفي أية فُرصة سانحةٍ أخرى ، ستقوم داعش بمحاولات السيطرة أينما إستطاعتء الى ذلك سبيلا . كما يبدو ، فأن المالكي وجيشه وقواته الأمنية ، لايُبالون كثيراً بما يجري هنا .. فعلى حكومة أقليم كردستان ، ان تتحمل مسؤولية حماية كافة المواطنين ولاسيما المسيحيين والإيزيديين والشيعة ، جميعاً ، من حدود سوريا الى سهل نينوى وصولاً الى أطراف الموصل . فكما هو واضح ، فأن داعش ، عدوٌ للجميع بلا إستثناء . ينبغي حماية المسيحيين من أي إعتداءات ، وتوفير الأجواء المناسبة لبقاءهم في مناطقهم .. وعلينا الإعتراف ، بأنهم أي مسيحيو العراق ومسيحيو الموصل خصوصاً ، هُم الأكثرُ مُسالمة ورُقياً وأصالة .. فبدون المسيحيين ، لايكون العراق جميلا ! .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكُرد وإسرائيل
-
هل علينا أن نَقلَق ؟
-
حقول نفط كركوك
-
حدود الدُوَل ليستْ ( مُقّدَسة )
-
لو كانَ الأمرُ بِيَدي
-
أقليم كردستان .. المَطالِب الشعبية والخَطَر الخارجي
-
دولة كردستان . خطوات على الطريق
-
التطمين .. ثُم التطمين
-
حولَ ( دولة كُردستان )
-
كوتا الأقليات .. وبيضة القّبان
-
الإيزيديون والمسيحيون في الموصل
-
مُقاربات حول الوضع الراهن
-
بعض ما يجري على الساحة العراقية
-
نازِحونَ خَمِس نجوم ، ونازحونَ عاديون
-
الموصل و - وثيقة المدينة -
-
على كُلِ تَلٍ ، صّدامٌ صغير
-
الرابحونَ والخاسرونَ ، مِما يجري في الموصل
-
إنهيار الموصل .. إنهيار ( قِيَم ) ما بعد 2003
-
الموصل تحت النار
-
بعض ما تَشهدهُ الموصل
المزيد.....
-
هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا
...
-
مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
-
رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
-
الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
-
-على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
-
شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد
...
-
ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا
...
-
مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
-
مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
-
تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر
...
المزيد.....
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
-
شئ ما عن ألأخلاق
/ علي عبد الواحد محمد
-
تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|