أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شعوب محمود علي - ذهب ولم يعد الجزء ما قبل الاخير















المزيد.....



ذهب ولم يعد الجزء ما قبل الاخير


شعوب محمود علي

الحوار المتمدن-العدد: 4509 - 2014 / 7 / 11 - 14:16
المحور: الادب والفن
    


ذهب ولم يعد

والغطس في القليب الذي ليس له قرار .
احمد نحن في المقهى ولسنا في حضرة الحجّاج.. ولا ثالث معنا , لماذا هذا التحسّب , والتردّد عن قول الحقيقة . كما انّنا لم نكن تحت الاضواء, او امام مكبّرات الصوت , ولن نقترب من كورة الدبابير فلماذا الخوف في قلوبنا ؟ . الرجل لست خائفاً على نفسي فسفينتي قرينة للسفينة التي خرقها الرجل الصالح .. وقد اعترض المرافق له , وقبل ان يفترقا . نهض الرجل وقال ارجو ان لاتغضب : فليس لهم من يحميهم من بعدي .
كان الرجل مثل مشرط انسلّ من نسيج احمد ليرسم له
جرحاً جديداً, يضاف الى جروجه القديمة .
كلّما تحرّكت عقارب الساعة : كان الروّاد يخرجون
الواحد بعد الآخر .
ظلّ احمد يعوم في بحر تخيّلاته وهو يتحسّب للغد القادم بسرّه المكتوم
وان لاحت طلائعه على لسان ببغاء المدير العام لكّنه يأمل , ويطمح بدماثة خلق المدير , ثمّ ما مصلحة المديرفي فصلي انا , خاصة انّه يجهل الظروف المحيطة بي .
نهض أحمد وكان آخر الخار جين .
دخل احمد البيت وآوى الى فراشه , وراح ينظر الى القبّة السماويّة
كفلكِيّ يستقرئ مواقع النجوم , والكواكب,
والرجوم التي تخترق الحجب لتدخل في جوّالارض وهي تسحب خلفها
ذيولاً ناريّة . عاش احمد تلك اللحظات ليستعرض كرنفالاً ساحراً ينفتح
على الجمال , وعلى عظمة المبدع خلال النسيج الكوني الذي يقف الانسان
على حافّته صاغراً , ومندهشاً رغم ما حقّق من انجازات على السطح ,
وفي اغوار كوكبه الارضي , وهو يرسل اشاراته بين الطلّسم والقمقم,
في صندوق الكون المغلق .
بعد ان اتعبه التحديق للبعيد , وانهكته حركة الاقدام في ذلك الصمت المطبق. عاوده النعاس . غاص في نوم عميق . سرح في انسيابية , واستدرجته صور الاشباح . كان يتحرّك على مهل والخوف يلفّه بين طيّاته وهوينظر , ويتفحّص كلّ منعطف ثم اقبل احد ضبّاط الشرطة باتجاهه .
وكلّما اقترب ازداد وجيب فؤاد احمد وهو يتذكّر كلمات الضابط المحقّق
حين قال له سنطلق كلابنا خلفك . وما ان اقترب الضابط منه حتى قال
له اين انت؟ . لقد قلبنا الدنيا وما فيها ونحن نبحث عنك .
هل اختبئت
في قوقعة داخل اعماق البحر الاحمر؟ ام في كهف من كهوفكم السرّيّة .
جمد الدم في عروق أحمد . ارتبك ولاحت صورة الجب , ومناورات
الضابط المحقّق , ومحنة انقطاعه عن العالم المحيط به .
وقبل ان يجيبه استيقظ من نومه مرعوباً فزعاً , وكاد ان يصرخ .
فوجد نفسه وحيداً متحفّزاً ليطلق ساقه للريح وهو يسبح في عرقه.
تعوّذ من الشيطان ,
وظلّ يسحب الحسرات تلو الحسرات لملازمته هذه الكوابيس .
عاد الى النموم وهو فريسة لاحلام مختلفة . استيقظ للمرّة الثانية على اصوات تسبيحات الديكة وهو تعب , ومنهك حدّالانسحاق . نهض من فراشه مثل زورق اعياه الموج وهو يروم الرسو على شاطئ المدينة التي تقذف بالانسان من هرم الخليقة الى زاوية من زوايا الاهمال والنسيان ,
والغائه من كتاب القيم الانسانيّة وان وجد على صفحات الدستور , والقوانين في حقل الحقوق , والواجبات اكاذيب تستسيغها رومانسيّة العصر في بلد متخلّف , وغارق بالجهل والاميّة وهو يرتدي قفطان المدنيّة . الانسان فيه مرمي على السفح . كرمز من الرموز المنسيّة
في جدول الانواع .
حاول ان يبتعد , او يخرج من دوّامة هذه الافكار : والّا
سيصاب بالجنون لا محالة .
تحرّك ليغسل وجهه وقال لهديّة احضري لي الفطور . نعم ولكن ما كنت راغبة في خروجك وانت في حالة تعب , وانهاك كما يلوح لي .
لقد عصرتك الايّام , واصبحت مثل ثمرة فجّة لا لون , ولا طعم , ولا نضارة ومع هذا
ان الدنيا ما زالت بخير . ازح عن كتفيكَ جبال الهموم وانفتح على الحياة , وابتسم فحياتنا مثل البحر , ونحن بين المد والجزر.
احمد اعلم انّ الله
لا يغلق باباً الّا ويفتح لنا الف باب. ومع علمي ان قابيل عمل ويعمل جاهداً
بيننا ليهدم مابناه هابيل, وانا اامن بأ نّ الله وضعنا على طريق الخير, ووضع لنا الخيار في ان نسلك الطريق القويم , والقلّة من الناس مع تجاربهم , و فراستهم لا يرغبون بافتراس الآخرين ,
ولا يستمرؤون الطعام من موائد الغير, ولا يهنؤون بنوم في اسرّة غيرهم , ولا يشربون الماء من غير جرارهم , ولا يرمون قدماً خارج حدودهم .
هذا الصنف من الناس هم يشكّلون الاقل الاقل , والندرة في مجتمع الجنس البشري .


وهؤلاء الاقرب من مجتمع الانبياء
هديّة علينا ان نبحث عنهم في الاساطير
احمد لماذا نبحث عنهم في الاساطير ؟

لانّك تتحدّث عن عالم من الوهم , انا اتحدّث , وابحث عن
عالم ملائكة وانبياء يندر ان يكون بينهم
يهوذا الاسخريوطي , او نيرون .
لقد مرّت البشريّة بتقلّبات , واطوار , وقد ترين من يزرع الشوك
ومن يغرس الورد. والذي اتحدّث عنه الآن قد
لا يدخل الّا في تضاعيف الاحلام , وانسجة الوهم , وقد لا تتكرّر
تلك اللوحة في مرسمي الآن ما بقيت وبقي الانسان على الارض .
ومنذ ان دارت العجلة , وادخلتنا في عصر السرعة صار الاخوة لا يلتفتون الى (يوسف) وهويستغيث داخل قعر الجب.
هديّة انت ذهبت بعيداً كحصان طائر .
انا على الارض , وانت فوق الغيوم.
اتمنّى ان اكون من مريدي هؤلاء الذين يتحرّكون على شاشة احلامي في عالم اخضر يخالطه اللون الاحمر حتى ولو في ساحة مصارعة ثور اسباني ااكّدانّك تغفلين الدور التاريخي
للهراوة , والحراب , والبندقيّة , والقفز الى اسلحة الدمار الشامل :
اسلحة الشيطان, الى جانب الدهم الحضاري..
ثمّ اكتساح ديلاب المدنيّة للانسان الخام : الذي كان يمشي شهراً , ولا يطفر نهراً. وبدل ان يقوّم قابيل زاده شغفاً في لعبة الموت داخل السيرك بتقنيّة, متقدّمة . الحياة تزوّده بمصل قاروني يضبب رؤيته للكتب المقدّسة , ولما خلّفه لنا المصلحون , والحكماء . فالخطوة المتقدّمة على عتبة الحياة
كانت وما زالت (لجنكيز خان) ول (تيمور لنك) و(هتلر) و(موسليني)
ولامثالهم .., وحين تقع عين ذلك النوع الخارج عن القطيع ..
على صفحة من صفحات كتاب الحكمة يجري عليها المسح , اويضعها في اطار لا لغرض التزوّد من عظاتها
بل للاستئناس وقتل الوقت . هديّة انت متشائم . بالامس القريب كنت تحدّثني عن اصحاب (حلف الفضول) وغيرهم ..
اجل مازلت ابحث عنهم في اجندتي ,
هم اهلي , وعشيرتي التي انتمي لها : ولكنها تبخّرت تحت حرارة تموز
كما انّي ما زلت انظر بقدسيّة واعتزازلمن يفتح صدره للريح ولا يأكل الّا في اناء (عروة بن الورد)البالغ حدود انسانيّته الصاعدة ارفع درجات التجرّد من نرجسيّته . لو فكّر الانسان , وتحسّس التناظر في الهيئة , والنسيج الطيني,
وادرك وحدة الوجود , وكيف جاء عارياً , وسيذهب عارياً لما استذئب
بين القطيع الوديع, ولما تقلّب قرير العين على فراش ناعم , وترك من يفترش الشوك , ويلتحف السماء , ولما تذوّق اصناف الطعام بجوار من ينام طاوياً : وقد قال الصحابي الجليل ابو ذر عجبت لمن ينام ظاوياً
ولا يشهر سيفه بوجه الخليفة .
هديّة ليأتي الغفّاري, وليتلمّس بيده البيضاء..
ما فعل قابيل القرن العشرين بهابيل : هابيل ما بعد القرون ..
ويحي لقد اتعبتني وانا بدوري اتعبتك في المخاضة التي ليس لها نهاية . قم تناول نصيبك من الطعام . نهض احمد وجلس قرب المائدة
وصار يتناول الطعام , ثمّ ارتدى ملابس الجباة التي غسلتها هديّة للمرّة الثانية دون ان تستطيع ازالة ما عليها من البقع الحمراء التي انطبعت على الكتف وهي تشبه النجوم العسكريّة حينما يحملها ضبّاط الجيش , او الشرطة . الّا ان تلك البقع تفتقر الى البريق ..
خرج أحمد, وراحت هديّة تبسمل, وتحوقل , وترش الماء خلف احمد , وتدعو بكلمات مبهمة . سرح احمد بخطواته , وما ان وصل الى الدائرة
قال لاحد العاملين حين لمحه يخرج من غرفة المدير العام , سأل الرجل , وقبل ان يكمل سؤاله عن المدير . قال الرجل نعم المدير في غرفته . نقر
احمد على الباب ودخل . كان المدير جالساً على الكرسي . الطاولة وضعت عليها اوراق كثيرة : منها اوامر اداريّة , ومنها شكاوى , وغير ذلك . قال احمد صباح الخير . ردّ المدير التحيّة وهو يبتسم
بودّ , وترحيب وهو ينظر لاحمد من خلف نظّارته الطبّيّة ثمّ عقّب تفضّل
واشار بيده الى احد الكراسي .
جلس احمد الى جانب المدير العام وانفاسه تتصاعد ..
نعم تفضّل , وطلب له قدحاً من الشاي
نطق احمد وهو يرتشف الشاي .
سيادة المدير الناس يخضعون للقضاء والقدر في اكثر الاحيان .
انا نفسي احد الذين سقط في مقلب قدره .
المدير العام : ابني انا لا افهم ؟
وطرحك يكتنفه الابهام و والغموض. فارجو ان تجنح الى صميم الوضوح
والافصاح عن غرض مقابلتك لي .
نعم سيادة المدير .
لقد حصل لي انقطاع عن العمل , وقدتجاوز ما يزيد على اربعين يوماً .
ظروفي قاسية , وقد ارغمت على عدم اخبار الدائرة , ولمّا عدت لالتحق بعملي رفضت الدائرة عودتي للعمل . لماذا ترفض الدائرة عودتك اذا كان الانقطاع قسري ؟ هناك من يحصل له عارض , او حادث لا سمح الله : كأن يدهس بسيّارة, او يحصل له فقدان الذاكرة وليس له احد يخبر الدائرة
نيابة عنه فالدائرة بحاجة ماسة للعاملين فيها كونهم قد امتلكوا الخبرة , والتجربة في التعامل مع الركّاب . ومن الغباء والجهالة التفريط بامثال
هؤلاء الذين صقلتهم الايّام عبر التعامل مع الركّاب . ابني اعطني اسمك احمد عبد الحسين . على الفور ضغط المدير العام على الجرس . دخل احد العاملين وقال نعم سيّدي . اجلب لي اضبارة احمد عبد الحسين . ذهب الرجل , وعاد باضبارة احمد . ما ان فتح المدير الاضبارة
حتى عثر على بعض التقارير : ووثيقة انهاء الخدمة الصادرة بحق احمد دون علمه بذلك .
صعق المدير العام , وعلى وجه السرعة نظر الى احمد وهو ساهم .
رمق تلك البقع الحمراء الباهتة وقال كيف تأتي الى الدائرة ببدلتك هذه
وانت تحمل على كتفك الايمن النجوم. سيّدي لا امتلك غيرها . انا مضطر
على ارتدائها , وكذلك اجهل حديثك عن النجوم. وايّة نجوم ؟
اجاب المدير العام مع انقلابيّته السريعة : نجوم البطولة والشغب .
سيادة المدير جئت بملابسي هذه لكي تصدّقوا براءتي .
ابني كلّما تريد الحديث عنه ساصغي اليك, وساعاونك ولكن لا تورّطني
في الدخول الى النفق المظلم, ولو كنت مكاني امام هذا الحشد من التقارير
الخطيرة . احمد سيّدي .
ابني نحن لسنا سوى (قرقوزات) امام هؤلاء او (خرّاعات) في المزارع
فلا تحرجني, وتضعني امام ذلك الاخطبوط , ولا تنسى فانا مثلك صاحب عائلة , وحملي ثقيل , وقد يكون اثقل من حملك انت , وهمومي اكبر من
همومك وليس هناك من يستطيع حل عقدتك سوى الكواسج , وخلاصة القول : الحل والربط بأيديهم فهم الحكومة. ايّة حكومة ؟ حكومة الظل .
سيادة ال.... ابني لا تتعب نفسك ولا تتعبني . كل الابواب قد تفتح الّا بابهم السحريّة التي تأدي الى طريقين . طريق الجنّة , اوطريق النار وعلى المرء ان يختار . ثمّ ما معنى انّك تشترك في مظاهرة ضد الحكومة. ؟
سيادة المدير هذا كذب , وبهتان . حتى لو كان كذباً . كان عليك الانصياع
والامتثال لطلباتهم , والخضوع لارادتهم التي لا ترد . انا نفسي لو وقعت في فخّ مثلك لحسبت نفسي اصغر من نكرة امام بوليسهم الذي يلتحف بالقدسيّة المبطّنة , والشبيهة ببوليس محاكم التفتيش . اسمع احمد نصيحتي اليك ان تذهب اليهم فهم ايضاً رحماء في بعض الاحيان
واكثر إلفة , ويجرون الخيرات, ويدعمون الجدران التي التي تكاد تنهد , وتتهاوى . ومع قراري للتأكيد على ضراوتهم , ووحشيّتهم في التعامل مع من يقف بوجههم , لا مع من يألفهم , ويقر سلوكيّتهم .
سيادة المدير اتوسّم فيك الخير , واطمع بانسانيّتك . ابني لا استطيع الوقوف بوجه تيّارهم , ولا انكر انّ الكثير قد وقفوا امام امواجهم لكنّهم ضاعوا ,
وصفا عليهم الماء , وانا اخاف الله وقد اطلت معك الحديث , وكان هدفي
ان تذهب اليهم لكي لا تقطع عن اهلك لقمة العيش : والّا ما الذي يمنعني
من ان اختزل حديثي معك ببضعة كلمات وينتهي الامر . حصراً اقول لك
قلبي , ومشاعري معك : وفي قرار الفصل انا معهم فاذهب راشداً ,
وعد بكتاب موافقة على عودتك , وينتهي كلّ شيء والله في عون العبد
مادام العبد في عون نفسه . ذهب احمد بعيداً بعد ان سكت المديرالعام
وانقطع البث .
صار احمد في سياحة بعيدة عن المكان المتواجد فيه جسديّاً .
بدأت الصور تتداعى مثل جبل من الجليد اخذ يتهشّم , وراحت كتله العملاقة تتشظّى , وتقحمه امواج من الضباب , ورؤى تطلّ على قرية المكاسب , قرية الذل والهوان .
ماذا لو اغلقت الابواب بوجهه ؟ وعاد علماً مكسوراً , ومخذولاً .
لو حصل وذهب الى هناك ؟
قال في نفسه ومن يضمن قبولي بالعودة الى القطيع .
كاد قلبه يتفطّر , وينزف دماً .
كانت المدينة وطنه الثاني : وهي المرتجاة , والمرتقى , والفردوس قبل ان
ينكشف الغطاء , لافرق بين السراكيل , والشرطة .
كان في هذه الاثناء ينظر الى
المديرمن طرف خفي وهو يوقّع بعض الاوراق , ويستلم ما يخص امور الدائرة , ويصدّر بعض الاوامر والتوجيهات , وبين وقت وآخر يذهب اكثر فاكثر في حواره الباطني , ويريد ان يبدّد السأم , ويقضي على الوسواس الذي يجتاحه . وكذلك يحاول ان يوطّن
نفسه على هذا الوضع الشاذ , ولكي يعبر قناطر المحن دون التوقّف في الظروف التي يشوبها العذاب, وتطحنها المعاناة .
هو لا يريد ان ينتكس جوهريّاً مهما عاكسته الاقدار و عملت على تهشيمه,
وفي كلّ لحظة كان يحس انّه ذلك الرجل الحركي المشحون بالديناميكيّة الخارقة , والباعثة على التجاوز والاستشراف لتذليل ما هو عصي في الاشواط القدريّة . كان يستقريء , ويستعيد فصول حياته , وكيف يصمّم
للصعود الى الفردوس وهو في السفح من قرية المكاسب .
ظلّ يلاحق احلامه , وكوابيسه مندفعاً لمواصلة المسيرة : وباصرار حتى
يلامس باقدامه قاع الفردوس الذي كان بمثابت من الوهم الرومانسي .
انّه حقّق الوصول : ولكنّه دخل مثلّثاً شبيهاً بالمثلّث البرمودي , وليس الفردوسي . ومع هذا قرّر مع نفسه المواصلة لرفد الرحلة .
والّا فالتوقّف لا يحمل في رحمه سوى الموت المؤكّد .
بعد هذه المعاناة والمكابدة , والشعور بالتعب وتلك الهموم التي تسحق الانسان في شخص احمد . ومع انّ احمد هو الآن خارج القفص الحديدي
ولكنّه شعر وهو بين فكّي حوت ازرق . وتذكّر قول الضابط المحقّق
حين قال له ساطلق سراحك رحمة بالمسافرين على سفينتك وذلك لتحمهم
من الغرق في البحر الصاخب : وكوني لم احسن عمليّة الصيد , ولم اتقن
عمليّة اغراء , واستدراج السمك : ولكنّك ستبقى تحتي في المساحة التي
تتحرّك عليها , ولن تبعد بجرمك عن ثقب اسود وانت تدور في فلك حرّيّتك
كما تتصوّر في دنيا اوهامك.
حاول ان يزيح عن صدره الكابوس , ويلتفت الى المدير العام , ويقول
انا ذاهب سيادة المدير . وعلى الاثر نهض المدير العام ليودّع احمد
وقد سقطت من عينه دمعتان على احدى الاوراق فشوّهت الحروف التي
رسمها . ودّع المديراحمد وتصافحا . فانسحب والمدير يرسل نظراته خلفه
الى ان توارى , وغاب في ممرّات تلك الدائرة .
كان يسير كسفينة حطّمتها الامواج , والاعاصير.
الاقدام ترتفع وتهبط واحمد لا يدري الى اين يسير , ويذهب .
هل الذي حصل في اليقظة ام في الحلم؟ عثرت قدمه بقطعة حجارة
وعلى اثرها كاد يسقط ارضاً , فانتبه ثمّ عادالى حاله ليرى انّه اشتطّ
بعيداً عن هدفه المنشود ومن ثمّ عدّل مساره , وصار يراقب البوصلة
في محيط الحياة.
قال في نفسه كيف ساحافظ على الهرم الذي شيّدته: ثمّ قال ليكن ما يكون
على الاقل انّني اديت ما يترتّب عليّ . وقمت بالمهمّة بشرف , وبكامل الوعي , والادراك , والقناعة , ثمّ قال ما يسقط من السماء تتلقّاه الارض . لقد ازحت عن طريقي الاشواك , ثمّ همس في دخيلته : احمد كن عند مسؤوليّاتك كنخلة جنوبيّة تميل مع الريح قليلاً , ولكنّها لا تنكسر.
قد تحرق ريشة من قوادمك لاجل الاخر على سبيل التضحية .
وقد اخترت , ولا نكوص على عقبيك .
هذه بداية التجربة , واول الغيث في ميدان المنازلة , والصعقة القابيليّة
لتكن صبوراً والله معك مادامت قضيّتك لم تدخل في الاطار النرجسي,
وقد تمتد جذورك حيث تلتقي عروة بن الورد بسلوكه , وشعره , والدعوة
الى الطعام في الإناء الواحد . ومن ينظر لاحمد على هذه الحالة قد يظن انّه يهلوس لكثرة ازدحام الافكار , وانهمار تداعيات الصور غير المقصودة . انّها الانفعالات وردودها التي يصعب على المرء التخلّص منها
خاصة في مثل وضع احمد .
عاد الى البيت ظهراً فتلقّته هديّة بابتسامة عريضة وقالت بشّر.
قال خيراً ان شاء الله .
سحب سجارة , ووضعها بين شفتيه , وراح يحرّك عود الكبريت في المكان
المحدّد من جانب العلبة فاجّ العود وهويقرّبه من جانب السجارة فالتهبت بضعة شعرات من شاربه , ولذعت النار شفتيه . استدرك وسحب العود
بعيداً , وراح ينفث الدخان . صار ينظر لتلك السحب التي يعجز حتى الرسّام البارع عن رسم مثل تلك الاشكاليّات التي تتغيّر بسرعة مدهشة وخارقة . كان يحس بمتعة متناهية . نطق من داخل صندوقه احمد
انت تعمل لحل مشاكل الناس ومشكلتك تعجز عن حلّها .
هكذا كان يخاطب نفسه بلغة الهمس . في الغد خرج احمد مبكّراًمع خيوط الصباح الاولى واندسّ بين تجمّعات العمّال من كل الاصناف في (المسطر)
الّا انّه لم يفز بفرصة عمل , تكرّر خروجه يوماً بعد يوم , وفي كلّ يوم يعود بخفّي حنين. سحب الخطوة تلوالخطوة ولا طحين سوى جعجعة الرحى.
يأس تماماً من الحصول على عمل في رحاب ذلك الفردوس الذي كان يحلم
بالوصول اليه.
فكّر ان يزور قرية المكاسب.
سرّ هديّة فيما ينوي القيام به .
انفجرت بااكية , وقالت كيف تزورها؟
انا اجهل مغزى زيارتك , وهل هي عبارة عن جس النبض.
انا من جهتي افضّل الموت على العودة .
وبهذه السرعة التي ترافقها الهزيمة .
تريد العود كجيش مهزوم. سكت احمد , وغاص تحت السطح لما وراء النظر , والتماس كونه يدرك عجزه عن المناقشة وقد اصابت هديّة
كبد الحقيقة. كان احمد في تلك اللحظة الحاسمة يرى نفسه في نفق مغلق .
فكّر في ان يشتغل بائع خضرة في سوق الخضار , وهو نفسه يعرف ليس له قدرة فتح محل خاص به, وفي الايام التي تلت ذهابه لىسوق الخضار.
رأى الباعة الذين ليس لهم (دكاكين) للبيع كيف يطاردون من قبل موظّفي
الدولة المناط بهم تطبيق القوانين.
كان البعض يطارد , وتصادر حاجياته من مواد , وادواة بيع كالميزان
وادواة الوزن لضبط الاشياء المراد بيعها . والآخر يقف عند حاجياته آمناً غير مبال بهؤلاء .
بحث احمد عن السر .
اخيراً عرف انّ الذين يبيعون على الارصفة , وفي طريق المتسوّقين
وهم لا يخشون احداً قد عبّدوا طريقهم , ومدّوا الجسور بين الرقيب , وبينهم . اعتبر احمد هذه العمليّة لا تخرج عن نطاق الارتشاء
من قبل البائع والرقيب الفاسد تحت مظلّة
الانفلات , وعدم الالتزام بالقانون .
ابى واستعفف , واخذته العزّة بالنفس, اذ كيف تتفق هذه الممارسات والعمل
على قيادة المجتمع ؟ والاخذ بيده , ووضعه في ظل العدل والمساواة
اذن لا يمكن ولا يليق بي وبامثالي ممارسة الارتشاء , وافساد النفوس ,
وتشجيع الإنحراف .
يأس احمد بالحصول على عمل يتناسب ووضعه كعنصر واعي .
كان هناك من يلاحقه اينما يذهب , ويعد انفاسه , ويتربّص به كظلّه
اينما حلّ او ارتحل .
صار وضعه يشكّل عقبة في تطوّر, وابداع عمله الحزبي.
وفي ظرف عسير يفتقر الحزب بالذات الى الكادر , وقد تعرّض الحزب
في تلك الفترة بالذات الى هجمات شرسة من قبل عدوّه التقليدي البوليس
المناط به ملاحقة المناضلين .
اقترح على احمد بعض الرفاق من قيادة الحزب مع اعطائه الخيار في ان ينظم للكادر المحترف في منظّمة الحزب.
وافق احمد بلا تردّد , وعلى وجه السرعة انتقل هو وعائلته الى سكن
جديد مع تغيّبه عن البيت في اغلب الايّام , وقد اقنع هديّة في هذا الموضوع.
كانت عمليّة التفرّغ فرصة العمر بالنسبة لاحمد .
فالخلاص من الالتزامات الاقتصاديّة وضعت الغريق على حافة الضفة
وانهت ازمته المستعصية .
كان الحزب يقوم بالتغطية لكلّ مستلزمات العيش بالنسبة لعائلة احمد .
انغمر في قراءآت مكثّفة , وصار يطوّر نفسه ذاتيّاً .
واضب على ارتشاف ينابيع الفكر الاشتراكي , ولم يترك فرصة من فراغه
الّا واستغلّها : امّا في المطالعة , او الكتابة .
كان يلاحق الافكار , مثل الفراشات حين تتنقّل
بين الازهار في الحقول الجميلة.
قراءآته المكثّفة , واستعداده النفسي , وميوله الجماليّة : حوّلته الى متذوّق للثمار الادبيّة في عوالم القصّة , والرواية , والشعر العربي , والاجنبي المترجم من جميع اللغات , وكذلك الموضوعات الاشتراكيّة حوّلته الى كاتب من الطراز الاوّل .
كان الحزب يتلمّس التطوّر, والقفزة النوعيّة التي شكّلت لاحمد , وجعلت منه كوكباً لامعاً يدور في فلك الفكر الثوري .
وقد اصبح بحق وحقيقة من مفاخر الحزب هذا الفلّاح المنحدر من الريف
المتخلّف كيف عمل ؟ وكيف يعمل على تبلور افكاره النيّرة ؟ وقد دفعت به من السفح الى قمّة الهرم .
كان الحزب ينتدبه الى الريف من مناطق الفرات الاوسط , وفي عمق مناطق الجنوب ليقوم بمهمّاته التثقيفيّة , والتنظيميّة . كان يسد الثغرات , ويملأ الفراغ بقدراته العالية .
الشهور تمر , والاحلام تتّسع , وتتشابك , والالوان تسكب على المساحة البيضاء لتحيلها الى لوحة نابضة بالوجود مأطّرة بالغصون الخضر النضرة
لذلك الافق الذي يحتلّه تصحّر البقاع المجدبة التي افترشت رؤى فلّاحي قرية المكاسب .
استقبل الحياة بروح التفاؤل العالية , والمجنّحة بقوادم العالم القادم , والطالع بالبشر , والفرح .
كان ينفر من الفلاسفة الذين يقضون سنوات عمرهم وهم يشيّدون اهراماتهم
على انقاض اهرامات العالم القديم من خلال تفسير اللوحة وهم ينغمرون, ويدورون في محور التفسير دون لجوئهم لتغير اللوحة , وطمر الاشياء القابلة للذبول تحت سقوط الغبار المتراكم لدفنها , ولدفنهم تحت
امواج المراوحة , والتخلّف .
فالمعركة تلتهب على كل الجبهات: بين الانسان والانسان , وبين الانسان
والطبيعة .
كان احمد يعبّر في كتاباته عن معاناة ومكابدة المعدمين ,
وعن ظروفهم المعيشيّة القاسية , وكبتهم خلال هذا الواقع المر الذي يجتاح العالم .
روّض احمد قلمه على مضمار الصفحات . ظهر اوّل كاتب
عمل على بعث الزلزال , واستدراج العاصفة , واللعب مع الصاعقة .
دأب على زحزحة اهل الكهف في كهفهم المتخلّف عن التطوّر ,
وفي زمن يمتاز بارتفاع , وجنون القمع .
كانت السنوات تمر بالناس وهم يتعكّزون , ويشدون حجر المجاعة على البطون, ويرفعون الانسان الذي يطول لسانه على الصليب .
الكل ينهض من تحت حطام , المدن الغائرة للاسفل ليمدوا
القناطر , والجسور , والعمل على حفر الانفاق من بين اقدام الجبال ,
والغوص في اعماق المحيطات , وحرث الارض , وتغير جوهر الثمار لاشاعة التنوّع . .في ظرف تنفض البشريّة الرماد عن جناحي العنقاء
رماد هيروشيما , ونجزاكي , وتوقد الشموع خشوعاً على ضحايا
المواقد الذرّيّة . لقد عاد الانسان كعودة تمّوز مع الربيع لغرس البذور, ولمواصلة المسيرة باصرار حتى يطأ باقدامه قاع الفردوس .
دخل مثلّثاً شبيهاً بالمثلّث البرمودي , وداس على بقايا الديناضورات في سقر الارض ليجعل بسمة الاطفال اكثر اشراقاً , ولتلقي الامّهات حملهنّ الثقيل ,
وبعضاً من قيودهنّ: المرأة مازالت في الشوط تركض , وسيّدها
العبد لرغباته يضعها حجراً مهملاً على مربّع شطرنج لياليه البهيجة والحالكة بعد ان مُزّقت حدود , وانهارت اسوار , ومُسحت خرائط, وظهرت خرائط جديدة , واستبدلت نظماً بنظم اخرى . وظهرت معسكرات ,
واحلاف , وخرج العالم من هاوية الحرب الرهيبة والطاحنة الى واحات , وجزر للسلام .
ما ان تنفّس الانسان الهواء الخالي من رائحة البارود وانطفاء آخر جمرة للحرب العالميّة الثانية .
استبشرت شعوب الارض , وراحت لتغرس شتلة هنا وشتلة هناك وذلك لكي ترسّخ المفاهيم الجديدة بعيداً عن السنة اللهب , وامواج الدخان .
كلّ هذه الافكار كانت تدور في عالم احمد الواسع الرحيب : كانت مؤتمرات السلام تعقد ى في البلدان التي اصطلت بشواظ الحرب . ومن بينها المانيا التي انقسمت الى شرقيّة وغربيّة .
في ذلك المخاض الهائل , والعمل الدائب على تركيز مفاهيم السلام.
اعقبتها الحرب الباردة لتذر قرنيها هنا وهناك .
انتدب الحزب احمد وكلّفه الذهاب على رأس وفد لحضور مؤتمر السلام
الذي سيعقد في المانيا الشرقيّية
وذلك لرفع راية العراق عالياً , وجعل صوته مدوّياً في قاعة من قاعات الامميّة لدفع شبح الحرب عن العالم ,
وقطع الطريق امام المتاجرين بدماء الشعوب المقهورة .
كان احمد على رأس الوفد . غادر الارض العراقيّة بجواز سفر مزوّر.
كان ينظر الى البادية القاحلة , وليس امامه سوى الافق وهو يتحسّر , ويقول في حواره الصامت مع النفس.
هذه الارض المترامية الاطراف , وعلى امتداد النظر ,
لو استصلحت واستغلّت , لتحوّلت الى كنوز لاتنضب , ولكانت معادلاً
في ميزاننا الاقتصادي لكثير من الكنوز التي تحبل بها الارض . الزراعة
هي التي تمثّل مستقبل العالم الذي يفتقر الى الغذاء: الى جانب وجود التكنلوجيا في عالم التصنيع . ومع تدفّق , وانسياب الانهار , والروافد
في ارضنا الطيّبة والتي اهملت مثلما اهمل الانسان في ارض السواد .
كان الطريق متعباً وقد تحوّلت الشمس لتفسح المجال لسدرت الليل بنجومها المشرقة تحت قبّة السماء.
غفا احمد على مقعده , دخل بانوراما العالم الثاني .
نشطت الاحلام .
رأى رجلاً بملابس عسكريّة يقترب منه .
يطالبه بجواز السفر.
بعد التدقيق .
نظرالرجل لاحمد نظرة مريبة .
قال لاحمد تفضّل معي الى الدائرة .
ماذا تريد منّي .؟
اشك بصحّة صدورجوازك , ومدّ الرجل يده ليمسك بتلابيبه .
استيقظ وسط ضجيج , وهتافات الباعة قرب نافذة السيّارة
وهم يعرضون على المسافرين الطعام
حمد الله كونه في حلم وليس في يقظة
دخل الاراضي السوريّة بعد منتصف الليل . هبط من السيّارة .
راح يبحث عن فندق .
نام تلك الليلة قرير العين غارقاً في بحيرة السعادة .
في منتصف النهار خرج. من الفندق .
راح يتسكّع في المدينة .
عرّج لزيارة مقام السيّدة زينب ع ومن ثمّ قادته قدماه الى سوق الحميديّة ,
انسرح به لقتل الوقت , وللاطّلاع على ريف دمشق .
قال في نفسه اذا كان ريف دمشق يحتضنه هذا الجمال فكيف بالاميرة دمشق . عاد الى الفندق يجول باخيلته معالم سوق الحميديّة والشوارع , والساحات
. وفي اليوم الثاني خرج الى منطقة الزبداني وفي الطريق رأى الكثير من باعة العسل الخالص فاشترى منه , ومن ثمّ اقترب من محيط البحيرة .
كان المكان شديد البرودة في منتصف شهر تمّوز وقد نزل الى المنخفض .
بعد الغروب ذهب الى جبل قاسيون .
كان الكثير من المصطافين يتفسّحون افراداً , وجماعات وهم يطلّون على مجرّة من المصابيح المتألّقة مع هبوب نسيم دمشق . كان في نيّة احمد ان يلتقط كلّ شيء ليخزنه في الذاكرة , وذلك لكي يكتب عن تلك المعالم وما سيراه من مدن المانيا الشرقيّة .
وعلى العموم سيكتب كلّ ما يراه في البحر اوالبر .
في اليوم الثالث : خرج قاصداً الجامع الكبير الذي سمّي بالجامع الاموي .
كان احمد قد ادهشه ذلك البناء الشامخ , والمنتسب للدولة الامويّة .
زار مقام النبي يحى ع .
ثمّ عثر على مربّع في جدار المسجد: وقد اشير اليه بانّه المكان ا لذي وضع فيه رأس الحسين ع بعد مقتله في فاجعة كربلاء وحملهم الرأس
على الرمح الى دمشق .
كلّ ذلك كان قد سبق موعد اللقاء مع رفاقه من اعضاء الوفد العراقي
كان يدقّق بكثرة الاعمدة الاسطوانيّة وجماليّتها .
وهو يوغل في التاريخ , ويستحضر تلك الصور التي تدل على وحشيّة , وبربريّة ذلك النظام الدموي والفاسد في تلك الفترة التي خرج فيها الانسان عن طوره الانساني , وكيف انّ هذا الثائرالعظيم كان وما يزال يرفد نهر الثورة بالعزيمة وفيض الايمان , والاخلاص لقضيّة الاسلام , ولرفع راية القرآن , ولردع الطغاة وسحبهم الى وحل جرائمهم التي سيبقى التاريخ شاهداً عليها , ويحدّث بها ما بقي الانسان على الارض .
تمّ اللقاء مع اعضاء الوفد حسب تعليمات وتوصيات الحزب في المكان والزمان . وبعدها كان احمد مزوّداً بكلمة التعارف بشكل دقيق, وغاية في السرّيّة ومن ثمّ كانت خطة السفر هي ان يسافر كلّواحد منهم على انفراد
وفي ايّام متفاوة ومن ثمّ يتم اللقاء في الجامع الاموي في الزمان والمكان المحدّد . وكذلك المنام في اماكن متفرّقة . ومن ثمّ يتم اللقاء في الجامع الاموي , وذلك لكي يكونون بعيدين عن انظار قوى الامن السوري
تحسّباً لضربات القدر . راح كلّ واحد يطوف في ارجاء ذلك البناء الفسيح والشامخ وهو يقف على سيقانه الاسطوانيّة العظيمة
بعد مرور نصف ساعة على تعارفهم بين البهجة والقلق العاصف .
ظهر الرفيق اسعد وهو ينظر لاحمد في الساعة والدقيقة المحدّدة بعد الظهر من يوم الجمعة .
كان احمد يحمل بيده وردة حمراء .
اقترب الرفيق اسعد سوري الجنسيّة ونطق بكلمة السر , وبصوت خافت
_ يا عراق الورد الاحمر ردّ احمد منذ متى تتعشّق الاورد الاحمر
اسعد منذ ولادتي الثانية _ خطا احمد واحتضن اسعد , وعانقه عناقاً حارّاً
وقدّم له رفاق السفراعضاء الوفد العراقي , بقي احمد ورفاقه ليلة اخرى
في سوريا ومن ثمّ الذهاب الى لبنان ومن هناك رافقهم اسعد وقال
توجد سفينة على وشك الاقلاع الى وطن الرفيق الخالد جورجي ديمتروف ومن هناك تم نقلنا بالطائرة الى المانيا الشرقيّة .
هبط احمد مع اعضاء الوفد المرافق له
من سلم الطائرة , كان الممثّلون من منظّمةالسلام والشبيبة الديمقراطيّة
الالمانيّة يقفون وهم يحيّون الوفود من شعوب الارض .
بعد ان دخلوا صالة المطار رشقهم فتيان وفنيات الشبيبة الالمانيّة بالزهور , والورود الملوّنة والباعثة بالعطورالعبقة وهم يقرؤون نشيد الاممّية .
كان اسعد قد بذل جهوداً عظيمة حيث كلّف لكي يتلافى تأشيرة الدخول
الى الدول الاشتراكيّة , والخروج منها وذلك خاص بشعوب البلدان التي تقف موقف المعاداة من النظم الاشتراكية والتي تدور بالفلك الرأسمالي ,
وتنبح بصوت اقوى من نباح الدول الرأسماليّة .
ما ان وطأت قدما احمد تلك التربة الاوربّية التي تبعث النكهة الاشتراكيّة حيث تنفّس , واستنشق نسيم الحرّيّة .
كاد يطير من الفرح .
اخيراً انتقلوا بهم الى دار الضيافة التي تحيطها النباتات الخضراء , والاشجار المعمّرة والكبيرة , والورود الزاهية بالوانها .
كان سرير احمد قريباً من النافذة المطلّة على انواع من النباتات المتسلّقة ,
وعلى اجمل شارع من شوارع وطن الحرّية والديمقراطيّة .
احمد غير مصدّق بانّه وصل تلك البقعة التي اقتطعت من الجنّة الارضيّة
التي كانت حالة من حالات احلام اليقظة .
اجفانه لا تنطبق , وهو لا يرغب بالنوم وقد قاوم النعاس بقوّة , ولكي
يضاعف المتعة , والتذوّق للجمال الاوربي , والاحاطة والمقارنة بين قرية المكاسب وفقرها , وبين البلدالمغرق بالشفّافيّة والنعيم ,
والصفات النادرة للناس هناك , ونبل التعامل مع الضيوف بالرفعة , وكرم الخلق في التعامل الانساني . كان احمد قريناً للغربة في وطنه وهاهو يحس بين اهله واحبابه .
اجل هكذا كان احساسه بين من تجمعهم وحدة الهدف والمصير الواحد .
طاف احمد على اجنحة ذكرياته موغلاً في القدم حيث تفتّحت عيناه على
تراب تلك القرية البائسة, وكيف كان وما يزال الفلّاحون يعيشون عيشة الدواب .
احمد يحمل بين جناحيه آمالاً كبيرة , وامنيات عظيمة في ان يساهم ببناء
الفردوس الموعود للشعب المظلوم , ويحرث الارض الجدباء , وينثر البذور, ولينشأ حدائق باهرة , ومزارع كبيرة . تارة يفكّر بكلّ الشعب وطوراً يفكّر بفلّاحي قرية المكاسب التي تحوّلت الى جحيم يفصل الاسياد والاذناب من السراكيل عن الاموات الاحياء من الفلّاحين الفقراء ,
كان قد زار الاماكن التي دمّرت اثناء الحرب العالميّة الثانية . وذلك يعود للتحرّك النازي والسياسة الخرقاء واندفاعات زعيمه المجذوب والاهوج صاحب البحث عن المجال الحيوي في طيّات خرائط العالم .
زار احمد بعض مراكز الاعلام .
شاهد صوراً مروّعة لحجم الدمار الذي دفع ثمن عصفه الشعب الالماني
جرّاء نزق هتلر , وزمرته التي قادت الشعب الالماني الى الهاوية , والرجوع بالمانيا الى الصفر , وسحبها الى الخلف , وتعطيل وتيرتها
التصاعديّة في مضمار الصناعة السلميّة , والهبوط الى وحل الخراب , والدمار الشامل الذي الحق بالشعب الالماني المسكين ومازال البعض يحاول
ان يولع عود الثقاب من جديد فوق اكداس من البارود ان حصل على موقع
قيادي وهاؤلاء الاوباش لا يرون المجد الّا بدفع الآخرين لاتون الموت خلال تبريرات سخيفة تمجّد القوّة وتعتبر السلام بطاقة يتوسّل بها الجبناء



#شعوب_محمود_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يالمعان سيفك البتّار
- ذهب ولم يعد **
- (صفحة من كتاب الرمل)
- ذهب ولم يعد
- رؤيا مشوشة
- لسلام للسيّد العراق
- في غرفة مغلقة
- رواية) ذهب ولم يعدإإ ؟الجزءالخامس 4
- بين الماضي والحاضر
- رواية) ذهب ولم يعدإإ ؟ الجزء الخامس 3
- بأنتظار التحول
- رواية) ذهب ولم يعدإإ ؟ الجزء الخامس 2
- رواية) ذهب ولم يعدإإ الجزء الخامس
- رواية) ذهب ولم يعدإإ ؟ الجزء الرابع
- ذهب ولم يعد إإ ؟
- رواية : ذهب ولم يعد إإ؟ 2
- ذهب ولم يعدإإ ؟
- الملك
- الصعود لبرج بابل
- (بانتظار القصاص)


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شعوب محمود علي - ذهب ولم يعد الجزء ما قبل الاخير