أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم لعرب - قصة قصيرة: لعبة الكاشكاش















المزيد.....

قصة قصيرة: لعبة الكاشكاش


عبد الرحيم لعرب

الحوار المتمدن-العدد: 4503 - 2014 / 7 / 5 - 05:22
المحور: الادب والفن
    


كانت السماء ملبدة بالغيوم. الجو مليء بالعواصف التي تتلاحق في أنين جارف. هناك كانت تسكن عائلة مزارعة تتألف من أربعة إخوان. يحكى أن أبناءهم تفرقوا أيدي سبأ. أما الأباء فلا أثر لهم منذ نكبة بعيدة.
أكبرهم إسمه " آل حماد" و الثاني "حسني عبده" و الثالث "علال". ويقال أن أخاهم الرابع "ياسر" قد لازم الفراش مصابا بمرض خطير، وانقطعت أخباره في المستشفى البعيد.
أما الإخوان الثلاثة فكانت لعبتهم المفضلة والدائمة هي لعبة الغميضة" cache-cache " . يفنون النهار على طوله وأول الليل في هذه اللعبة المسلية. لا يغادرون حقلهم إلا لدافع ضروري جدا.
حدث مرة أن زارهم بعض الغرباء ذوي بشرة رومية ولهجة غريبة عن آذانهم. إنهم بشر من بلاد بعيدة. رحب بهم الإخوان الثلاثة...تبادلوا الترحاب، الأسماء والأماكن الأصلية. وأجلسوهم بجانبهم.
"دجيمس" يقطن في بلاد بعيدة جدا، ما وراء البحار. أما "دافيد" و "إسحاق" فقد سافرا من بلاد لأخرى هروبا من ويلات الحرب. وقيل أن سبب اجتماعهم هو تجديد المودة والصداقة في أرض الميعاد. وكان الميعاد محددا في هذا الحقل المخضوضر المزهر كرما وزيتونا.
جلس هؤلاء الغرباء تحت شجرة وارفة الظل قرب آنية تستعمل في لعبة الغميضة. استمر الإخوة في اللعب. أما الغرباء فأخذوا يتأملون في هذه اللعبة المسلية، ويلاحظون حركاتهم وقوانين لعبتهم بدقة.
تقدم "دجيمس" نحو "آل حماد" وطلب منه أن يدع له دور المفتش. سمح له بذلك ولكن دون علم الآخرين. سار ليختبىء إلى جانب أخويه "حسني عبده" و"علال". لكنهما تجنباه واختبئا عنه حتى لا يراهما، ظانين أنه هو المفتش. هكذا وهما في حذر يتسللان من شجرة لأخرى، يحاولان الوصول إلى الآنية حتى يفوزا عليه.
فجأة وقعا في الفخ! إذ وجدا أنفسهما أمام مفتش جديد، لم يكن في الحسبان. ضرب " دجيمس" الآنية على الصخرة معلنا انكشافهما، وفشل محاولتهما في الوصول إلى الآنية. انزعج الأخوان من تصرف "آل حماد". و بدءا يشتمانه بأقذع السباب، حتى خرج من مخبئه مضطرا. فانكشف هو الآخر. حينها حميت وطيس المعركة بين الإخوة الثلاثة. وتحولت المشادات الكلامية إلى شجار حقيقي.
"دجيمس" تدخل في صورة المصلح ذات البين. اقترح عليهم للخروج من هذه البوتقة بدء اللعبة من جديد بإشراك صديقيه "دافيد" و "إسحاق". ولأن الأخ لا يطيق أخاه، اختاروا إدماج هذه العناصر الجديدة في اللعبة. و كل واحد منهم يود أن تستقر حجرة القرعة في يد أخيه ليتسنى له الإنتقام.
دارت الحجرة دورتها بين اللاعبين، وأخيرا استقرت عند "علال". فانطلقت حينها ضحكات ساخرة لآل حماد و حسني عبده. أما الغرباء فابتسموا هازئين، وشجعوهم على هذه الحماسة التي تجعل من الغميضة لعبة مسلية جميلة.
جلس علال تحت الشجرة لبدء اللعبة، أغمض عينيه وبدأ يعد إلى العشرة. انطلق الأخوان صحبة الثلاثي الغريب وسط خميلة البستان، يدوسون على المزروعات والنباتات. ولما ابتعدوا عن أنظاره، أعلن دجيمس خطته للفوز باللعبة. فانطلق دافيد وحسني عبده نحو مكان كثيف الأشجار. وسار دجيمس وإسحاق في الإتجاه الآخر، رفقة آل حماد المتحمس للوصول إلى الآنية.
سأله إسحاق عن حماسته المفرطة ضد أخيه. فأجابه متعصبا:"أريد أن يبقى ذاك السلوقي ضحية هذه اللعبة".
ضحك دجيمس وقال له ساخرا: "حسنا ..حسنا.. تقدم نحو صديقي إسحاق..."
مافتئ يدير وجهه لتجديد السلام حتى وجد نفسه مدرجا بالدماء، خائر القوى لم ينبس ببنت شفة. أراد أن يصرخ لكن بلا جدوى. لم ير أمامه إلا سحابة رمادية اللون أغشت بصره، ثم خر بلا حركة.
في الجهة الأخرى لكز دافيد ظهر حسن عبده بشكل مفاجئ، لتصدر منه صرخة مجلجلة أثارت انتباه علال، الذي ركض نحو مصدر الصوت مسرعا للكشف عن وجوده وإعلان انتصاره. لكنه فوجئ من الجهة الأخرى بدجيمس واسحاق اللذان قرعا الآنية بقوة على الشجرة. وأعلنا فشل علال في اللعبة. مما سيحتم عليه وفق قانونها إعادة الكرة من جديد.
أغمض علال عينيه مرة أخرى، والحقد يأكله تجاه أخويه. تطايرت من فمه أرقام غاضبة. فرح حسن عبده بدوره بهذه الخطة البارعة لهزيمة علال، و إبقائه في دوره السيزيفي. انطلق مع الغرباء الثلاثة في إرقال وتبغيل على الأعشاب اليانعة. والترب تتطاير من تحت حوافرهم التاتارية، خطوات يتطاير منها الحماس. اختبؤوا في خميلة وارفة الظل، استلقى على الأرض ليداري نفسه عن عيون علال المتربص به. فجأة ارتمى عليه اسحاق ودجيمس، وألقيا عليه بكلكلهما، وبطعنة غادرة من دافيد خر صريعا مدرجا بالدماء كظبي معزول بين سرب من الكلاب المتوحشة.
تقدم دجيمس نحو علال، مبتسما كثعلب في زي الواعظين. و قال له : "لا تتغاضى عن رؤيتي.. أعرف جيدا أنك ترغب في توريط إخوانك..لا بأس.. هناك طريقة أخرى، دعني ألعب دورك، انطلق أنت للتمتع بدورك بهذه اللعبة الجميلة، نكاية فيهم."
انطلق علال كالسهم لاحتضان الغريبين ومباغثة أخويه. ليجدهما تحت أقدامهما جثتين هامدتين. تذكر حينها أفلام "الكوبوي". الأخوان هنود حمر ظلمهم المخرج. صورهم همجا متوحشين لا يستحقون الحياة ولو في شهر أبريل. الغريبان "الكوبوي" أبطال منقذون للبشرية من وحوش آدمية، موعودون بأرض جديدة. لم يصدق ما رأته عيناه. أحس بقشعريرة باردة ممزوجة بصعقة كهربائية ذكرته بطفولته المريضة.
حاول أن يتراجع إلى الخلف. حاول أن يدير جسده بسرعة لولبية كاملة. عجز كل العجز، كأن الأرض تشبثت بقدميه، تقبلهما، تتمسك بتلابيبه كي لا يفر ويتركها وحيدة مع الغرباء. بسرعة الشبح أو الميراج وقف وراءه دجيمس. ربما قرأ أفكاره قبل ورودها إلى ذاكرته. ربما يملك قدرة الحدس العنكبوتي أو قمرا صناعيا يراقب بلا رقيب...
ضحك دجيمس ساخرا، مربتا على كتفيه: " لا تخف يا علال، اسحاق و دافيد رجلان مسالمان، طيبان إلى درجة لا تتصور...أما أخويك فأنت أكثر الناس تود التخلص منهما... ألم يتشفيا في هزيمتك، ويسخرا من فشلك في لعبة صغيرة... إنهما لا يستحقان اللعب معك...لا يستحقان هذا الظل وهذه الأرض الندية التي أمامك..."
دخلت هذه الكلمات مع أذني علال باردة أو دافئة، اختلطت عليه الأحاسيس. كيف لا؟؟ ودجيمس أعلن السلام الدائم. اطمأن لكلماته المعسولة. التفت ليعانق اسحاق و دافيد. فجأة انقلبت كلمات الدفء و البرد إلى ألم جارف في أمعائه. الدم ينزف بلا توقف من فمه. عيناه تنظر إلى أشجار الزيتون والكرم والرمان، تتقلص أمامه مغشية بظلال الموت الزؤام. تذكر حكمة كليلة ودمنة ، قصة الثور الأبيض، التي حكتها لهم جدتهم وهم صغارا، وتعلموها في المدارس وهم كبارا. ترددت قربه ضحكاتهم المتقطعة و كلامهم الذي لن يفهمه أهل الجنة. تذكر شقاوة الطفولة وبراءتها حين كان الكبار يستدرجون الصغار بقطع الحلوى. تذكر ابن بلدته محمود الذي كان يتحدث عن أسطورة أناس يبحثون في أشلاء وطنهم عن وطن. وعلت وجهه ابتسامة أخيرة وخر ساقطا على صدره، بصوت خافت قد لا تسمعه إلا الأشجار والعصافير والتراب، ربما كما قال محمود هو الوطن حقيبة، أو ربما هو وطن مسافر حتما سيعود.



#عبد_الرحيم_لعرب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الشاعر عبد الرحيم لعرب إلى الصحافي المناضل أنوزلا:كتبت هذ ...
- تراتيل النصر: إلى روح القائد التاريخي للحروب الشعبية ضد الاس ...
- الحلقة الرابعة و الأخيرة: كوني بردا وسلاما على إبراهيم
- الحلقة الثالثة: كوني بردا وسلاما
- الحلقة الأولى: كوني بردا وسلاما على إبراهيم
- صرخة ضد كل الفاشيين بشتى تلاوينهم، من النازية إلى الصهيونية ...
- شجاعة لحد الخوف
- من أم الدنيا إلى كل الدنيا.
- الخيال في زمن الاغتيال
- مقال عن مستبد قديم إلى كل المستبدين الجدد و القادمين على ظهر ...
- ثورة مصر مستمرة: -بشرى للحرية بشعب مصر-
- عمال إيمني:قصيدة إلى كل عمال المناجم بالمغرب: إيمني، بوازار. ...
- إلى ذكرى الشهيد الثائر الأممي تشي غيفارا: خطاب كاميليو وسط ا ...
- رسالة الشهيد البوعزيزي: إلى ثعالب الديار: إلى مفتي الديار:
- من شاعر يحبكم: بشرى للحرية بشعب مصر. مع باقة من القصائد
- بطاقة تهنئة من المغرب: مبارك على الشعوب سقوط مبارك
- رسالة الشهيد البوعزيزي
- أبو القاسم الشابي يُبعث في سيدي بو زيد
- خطاب سيدي السلطان بعد أحداث سيدي بوزيد
- في ذكرى استشهاد الرفيق عبد الرزاق الكاديري، كان أول من سقط ش ...


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم لعرب - قصة قصيرة: لعبة الكاشكاش