أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي الخليفي - خِلافة داعش الراشدة















المزيد.....

خِلافة داعش الراشدة


علي الخليفي

الحوار المتمدن-العدد: 4497 - 2014 / 6 / 29 - 10:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


التاريخ لا يُعيد نفسه ، لكن عندما يتعطل عقل أمة ما ، وتتوقف عن الإبداع والإبتكار ، وينفق أفرادها كل جهودهم في محاولة إنتاج نُسخ مُطابقة لأسلافهم ، فإنهم بالمُحصلة سيعيدون إنتاج ذات الأحداث ، ويُنتجون ذات المُنتج ، فيظل التاريخ يسجل الأحداث المُكررة ذاتها ، وإن بشخوص مُختلفين.

عندما تجعل أمة ما ، من فترة زمنية مُحددة في تاريخها إنموذج ومثال ، وتُرسخ في وعي أفرادها ، أفضلية تلك الفترة الزمنية على كل ما سيأتي بعدها ، وتنسب لشخوص تلك الفترة كل الفضائل السامية التي يسعى الإنسان لبلوغها ، فيصبح لا هدف لها في الحياة سوى إعادة تلك الحقبة من الزمن ، عبر مُحاولة إستنساخ كل مُفرداتها ، فتجعل بذلك هدفها وراء ظهرها ، ويقتصر كل جهدها في النكوص للخلف . ويختفي من أفقها أي تصور للغد ، فغدها ورائها ، لأن الصورة المُثلى للغد عندها ، هي صورة تلك الحقبة الغابرة من الزمن .

الأدهى من ذلك أن أبناء هذه الأُمة ، لم يُفكروا حتى في إعمال عُقولهم في الأحداث المنسوبة لتلك الحِقبة ، ليتيقنوا من مثاليتها ومثالية شُخوصها المزعومة ، لكنهم توارثو وعياً مشوهاً ، ظل يترسخ في أذهانهم جيلاً بعد جيل ، وتم دعمه بنصوص يُصر أفراد تلك الأمة على أنها نصوص مُقدسة ، حتى صار وعيها المُشوه الذي توارثه حقائق مُسلّم بها ، لاتقبل النقاش ولا الجِدال .

ما إن تجادل أياً من المُغيبين ، المُتحمسين لتعاليم البداوة ، حتى يُحدثك عن الحضارة العظيمة التي أنتجتها تعاليم البداوة ، وعن دولة الحق والعدل التي قامت على الأرض في تلك الحقبة بسبب إتباع تلك التعاليم ، خاصةً في تلك الفترة التي جرى التعارف على تسميتها بالخلافة الراشدة ، والتي تولى الحكم فيها شُخوص يعتبرهم أولئك المُغيبين شُخوص مُقدسة ، الطعن فيها ، أو حتى إنتقادها يُخرجك عن الملة ، ويهدر دمك .

أولئك المُغيبين من غلمان بدو قريش ، لم يبحثوا في تفاصيل أحداث تلك الخلافة ، ولم يناقشوا رشدها المزعوم ، وهم في حقيقة الأمر لا يعلمون عنها شيئاً سوى النزر اليسير من المعارف السائدة التي أورثهم إيها أسلافهم ، ولو أنهم بحثوا لوجدوا أن تلك الخلافة كانت فعلاً راشدة جداً بالنسبة لبدو قريش ، وجيرانهم من عربان صحراء جزيرة العرب ، لقد كانت بالنسبة لهم دولة حق وعدل وخير ورفاه ، بل لقد كانت فردوساً أرضياً ولكن فقط لهم وحدهم.

فالبدوي الذي كان يعيش حياته يوماً بيوم ، مُحاصراً بصحراء جرداء ، مليئة بالأفاعي والعقارب والوحوش والجن والغيلان والمردة ، ذلك البدوي الذي وجد نفسه ينتقل من حياة الجوع والعطش والخوف ليسكن القصور على ضفاف دجلة والفرات والنيل ، ويملأ قصوره بأجمل نساء الأرض ، ويمتلك من الغِلمان ما لايُحصى ليقوموا على خدمته ، ذلك البدوي ولاشك كان مُحقاً في إعتبار تلك الحِقبة حِقبة مثالية ، وكان مُحقاً في وصفها بخير القرون ، وكان مُحقاً في إسباغ كل أوصاف التبجيل والتقديس على شخوصها ، الذين كانوا سبباً في نقلته تلك من الموت إلى الحياة.

لا أحد يلوم أولئك الأعراب البدو في تمجيد خلافتهم تلك وتقديس شُخوصها ، لكن العجب العُجاب ، أن يقوم من وقع عليه أذى ذلك البدوي ، وإكتوى بنيران مظالمه ، وخسر وطنه ومقدراته ، ليعربد بها البدوي ، وفقد حريته ليتحول إلى عبد ومولى للبدوي ، الذي أجبره على التخلي على معتقداته ، وسلب منه حتى لسانه ، ليبدله إياه بلسان البداوة ، العجب العُجاب هو أن يُمجد مثل هذا الإنسان دولة البدو ، وينسب الرشد لها ، وللطغاة ومُجرمي الحروب الذين تَوالو على حُكمها .

تَحدث الكثير ، وكَتب الكثير ، ودفع الكثير حياتهم ثمناً ، في محاولات يائسة لجعل عقول أبناء هذه الأمم المُستعبدة لتعاليم البداوة تُفيق ، وتتدبر وتتفكر فيما جرها إليه إستعمار البدو البشع ، والحال الذي أوصلها إليه إتباع تعاليم البداوة ، لكن يبدو أن تطاول الزمن ، جعل ذلك الإستعباد يتغلغل في جينات أولائك المُستعبدين .

اليوم يقدم الزمن خدمة مجانية لأولئك المُستعبدين ليفيقوا من غيبوبتهم ، فظهور داعش يمنحهم الفرصة لمشاهدة نُسخة طبق الأصل عن دولة الخلافة الراشدة التي يتعيشون على ذكراها.

متابعة ما تفعله داعش وأخواتها اليوم ، يمكن أولئك المُغيبين من آلة الزمن العجائبية ، لتأخدهم في رحلة مجانية عبر الزمن ، ليشاهدوا تلك النكبة التي حلّت بأوطانهم قبل ألف وأربعمائة عام ، على أيدي أولائك المُقدسين الذين ينسبون إليهم الرشد.

يستطيع المُغيبين عبر آلة الزمن اليوم ، مشاهدة إبن قُحافة ، وإبن الخطاب ، وإبن عفان ، وإبن أبي طالب ، في صورة البغدادي والجولاني والظواهري وغيرهم من هذه المُسميات ، أيضاً يستطيعون مشاهدة الحق والعدل والرخاء والرفاه ، الذي أوردته كُتب تاريخ البدو عن زمن تلك الخِلافة الراشدة جداً ، ذلك العدل والحق والرخاء والرفاه الذي كان حِكراً على البدو الغُزاة وحدهم ، حيت كانت خيرات الأمم التي أبتليت بهم ، تُحمّل إلى ديار البدو في يثرب ومكة وبقية مضارب البدو ، ممن يوالون بدو قريش ، في حين كانت أوطان هؤلاء المُغيبين تُجرف من خيراتها ، وتتحول إلى قاعٍ صفصف . وها هو ذات الأمر يتكرر اليوم ، ففي حين تحترق بلاد الشام والرافدين وبلاد الأمازيغ في الشمال الإفريقي ، ترفل ممالك البدو الجديدة في صحراء الحجاز وخليج الفرس في النعيم المُقيم ، آمنة من كل خوف ، شَبِعة من كل جوع ، في حين يتضور أطفال سوريا والعراق جوعاً في مُخيمات اللجوء ، ويتحولون إلى سلع معروضة للبيع والشراء.

آلة الزمن العجائبية تمنح الفرصة لكل أولئك المُغيبين اليوم ليفيقوا من غيبوبتهم ، وأن يكفوا عن إتباع تعاليم البدو ، وعن جعل خلافة البدو التي لم تعرف الرشد أبدا ، أن يكفوا عن جعلها وجهتهم ومقصد آمالهم وهدفهم في الحياة ، وأن يرسموا لأنفسهم صورة لدولة يكون فيها الحق والعدل والرخاء والرفاه حق لهم ولأبنائهم ، وليس حِكراً على البدو والعربان الذين ينسبون لأنفسهم الرشد ، وها نحن نرى رشدهم ، ورشد تعاليمهم من خلال ما يفعله خَلَفهم والقائمين على تعاليمهم من الدواعش ، مما يجعل الدنيا بأسرها لا تكتفي بنفي الرشد والخيرية التي يدعونها لأنفسهم عنهم ، بل تُجمع على أنهم بالفعل يستحقون وبدون مُنازع لقب أحمق، وأظلم ، وأردأ أُمة أُخرجت للناس .



#علي_الخليفي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفاهيم مشوهة ~ القرامطة
- صُرَّةُ الميراث
- لِتَسْقُط مملكة الكورونا
- مفاهيم مُشوهة ~ الخوارج
- الفهم الخاطئ للإسلام
- العَورة لا تُنجِب إلا أعور
- مريم يحيى تتحدى بجيدها الجميل قُبح إلهكم
- العسكرجية شرٌّ لابد منه
- Turd sandwich ~ سندويتش الغائط
- بين النعل والبيادة
- نُصوص بدوية ~ الإله الماكر والحياة الضنكا
- نُصوص بدويه ~ شجرة المعرفة المُحرمة
- نصوص بدوية ~ البركة المسروقة والمُغتصبة
- البداوة والمواطنة _ 3
- البداوة والمواطنة _ 2
- البداوة والمواطنة
- الفتاوى المُقرفة قد تهديك السبيل
- دمشق العصّية
- البحث عن الله بين أنقاض الأديان الفضائية
- سرطاناتنا الحميدة


المزيد.....




- “بدون تشويش أو انقطاع” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة 2025 ...
- بابا الفاتيكان يدعو لوقف ’وحشية الحرب’ في قطاع غزة
- الرئيس الروسي يلتقي في موسكو كبيرَ مستشاري قائد الثورة الإسل ...
- هآرتس: تصدع في دعم الإنجيليين الأميركيين لإسرائيل بسبب استهد ...
- بابا الفاتيكان يدعو لإنهاء -وحشية الحرب- ووقف العقاب الجماعي ...
- بابا الفاتيكان يدعو لإنهاء -وحشية الحرب- ووقف العقاب الجماعي ...
- تفاصيل خطيرة.. مصر تحبط مخطط -حسم- الإخوانية لإحياء الإرهاب ...
- الرئاسة الروحية للدروز تطالب بسحب -قوات دمشق- من السويداء
- الاحتلال يسرع السيطرة على المسجد الإبراهيمي
- نار السويداء وثلج الجولان وحلف الدم بين اليهود والدروز


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي الخليفي - خِلافة داعش الراشدة