أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (51)















المزيد.....

منزلنا الريفي (51)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4496 - 2014 / 6 / 28 - 19:50
المحور: الادب والفن
    


الشر يسكننا ....

إنها صورة من صور رهيبة لم تفارق مخيلتي أبدا، ربما يعزى الأمر إلى بداية معرفتي للشر. الشر لا يأتينا من الخارج، إنه يسكننا، فالإنسان كائن غريزي- حيواني، والغريزة تتسم بالأنانية والإشباع الفوري، ولكي يتحقق هذا الأمر يتطلب إقصاء الآخرين، والفتك بهم تحقيقا للأنا ؛ إن كل الرموز التي أنتجها الإنسان هي فقط للتضليل والتمويه، ففي الظاهر يبدو أن اللغة مفعمة بمظاهر الغيرية، والإحسان إلى الآخر ....لكن في فحواها نزوع أناني نحو الهيمنة على الآخر، إن هذه الأنانية مملاة من الطبيعة الحيوانية المتجسدة في الإنسان على شكل استعدادات وميول فطرية بغية حفظ البقاء، إن الإنسان يريد أن يتحيز في المجال، وأن يستفيد منه الآخرون، ولكي يتوفق في هذه المهمة عليه بالبطش، ويكفينا في هذا الإطار أن نشير إلى الطفل حينما يستحوذ على ثدي الأم، ويدافع ببسالة عنه وإذا أراد طفل آخر أن ينافسه إياه، يظهر هذا الفعل كتعبير قوي أن الأنانية باعتبارها نزعة تملكية – إقصائية تسكننا، فلا أحد يريد من الآخر أن يشاركه ما يملك...بل حتى المجال نفسه، فالهيمنة هي التحيز التام في المجال، مقابل اللاتحيز كتعبير عن إقصاء مفض إلى عدم محيق .
ذات يوم من أيام شتنبر البعيدة، خرجت سلحفاة صغيرة إلى المرعى لترعى النبتة الوحيدة التي نبتت في الخريف القاحل، هذه النبتة تدعى رني ، فهي ذات ساق رقيق مفعمة باللون الأخضر كتعبير عن الحياة، ولكن خرجتها تلك كانت هي الأخيرة، "ففطوش" ذلك الصبي الصغير، ذو السروال المثقوب على مؤخرته، الذي كان يرعى ثلاث بقرات عجاف، كما يهده والده بالعصا حارما إياه من حقه في اللعب، سيسفك بالسلحفاة الجميلة . إنها من وجهة نظره مصدر للشر، لقد استحوذت على النبتة في كل مكان، فلم تعثر البقرات على شيء، وها هي تترنح في جميع الاتجاهات حارمة إياه من اللعب، ففي كل لحظة كان يتفقده الوالد كسيف مسلط على رقبته، وعلى وجهه المجلد يطفح الشرر، يراقبه كمن يعدم يوميا على حبل المشنقة، وكأنه يقول له :
- أنا أخصي حقك في اللعب، عليك أن تذوب في كياني يا كلبي الجميل .
لا يعني اللعب للوالد شيئا، كما لم يعني له ابنه شيئا، فقط كان ينظر إليه ككلب حراسة يضطلع بمهمة الرعي، لقد كان ينظر إلى اللعب كتفاهة وتخربيق، أما ما يهمه هو ما تذره عليه البقرات العجاف من أموال، لكنها نزلت إلى الحضيض، وباتت كلاب الخريف تنتظرها لنهشها، بينما "فطوش" لم يتورع في تسريع حتفها، وكم كان يتمنى أن تنهش الكلاب هذا العجوز الرعديد، وحينما تنتهي الكلاب من جمجمته النتنة يشرع للتبول عليها، ولكن كل هذا يبقى خيالا، فها هو الوالد التعيس يأخذه من خصلات شعره الأمامية ويكنس به الأرض، يصرخ في وجهه :
- أدوي يا ولد المرية، فين مشيتي وخليتي البهايم، دوي الكلب تاع بوك، والله يا الخانز تاع بوك يا تتبات المعلق في السقف .
رغم أن الوالد في قمة جبروته، فإنه كان حثالة أمام الله، ففي كل وقت يمارس حركاته البهلوانية، لقد كان يطلب المغفرة من الله، وفي كل سلخة ينالها فطوش كان يشعر أن الله متواطئ مع الأقوياء والمستبدين، فنفض يده على الوالد والإله . الوالد رغم عنفه، فإنه طرد ككلب من عمله، بصق عليه رب العمل، وقذف به نحو الخارج، أما "فطوش" فإنه كان ينتقم من البقرات، وكان يبرحها ضربا كما كان يبرحه المعلم بطريقة سادية . بقي الوالد يتجرع آهاته، وراح يعض أظافره ككلب مسعور ممارسا سلطة السلطة، في كل مساء كان يحث زوجته على مضاجعته وفق أوضاع جنسية شاذة كأن تمص قضيبه، أو تلحس مؤخرته، ففي بعض الأحيان كانت ترفض، وفي أحيان أخرى تقبل على مضض، وهي تحس بنشوة مازوشية . لم تكن هي تقل سادية عن زوجها الملعون، فكانت أكثر سفكا، وذات يوم سرق "فطوش" بيضة، وسلقها خلسة، فإذا بالوالدة تعلم بأمره، فلم تتوان لحظة في ربطه كالكلب، وأخذه نحو المجمر الطيني، آخذة مزلاقا حديديا، مسخنة إياه بما يكفي، وواضعة إياه على جلده، لا يهمها المعاناة التي سيتكبدها، أو الألم الذي سيرزح تحته، لا يهم . الشر يسكننا . وهي الطريقة نفسها التي تتعاطى بها كل النساء مع الكلاب التي تسرق البيض، فالكلب يتم كيه، أو إبراحه ضربا، وفي بعض الأحيان حرقه أو إعدامه، أو القذف به بعيدا ....
رغم أن "فطوش" كان متهالكا من جراء البرد، ناهيك عن أنه لم يتناول إلا رشفة أو جغمة من الشاي وكسرة من الرغيف، فإنه لم يضيع فرصته مع السلحفاة، إنها اللحظة المناسبة ليتعلم كيف يبطش، لقد استل صخرة عظيمة، ورفع يده عاليا، فهوت الصخرة على السلحفاة، فانقسمت إلى أربعة أقسام، فتفرست الموت على قحفها، وعلى بيضها المتناثر، ولم يكفي هذا فطوش" ، بل واصل فعله التدميري آخذا صخرة أخرى، وراح يدمر ...لا أحد سيحاسبه، إذا اختفت بقرة، وإذا أصيبت بمكروه، لكنه لن سيحاسبه إذا لم يعد بالأتان من المرعى، لأن أصحاب الحسنات سيغتصبونها، ويمارسون جريمتهم الجنسية في راحة تامة، وعلى فطوش أن يحرمهم من ذلك، أليست الآن في ملكه ؟ إذن فلتكن له وحده .
غادر فطوش المدرسة منذ أن أبرحه المعلم ضربا حينما تغوط في سرواله داخل القسم، وراح يرعى ثلاث بقرات عجاف ممتطيا أتانه السوداء، كان يحبها كثيرا، فكل الفتيات اللواتي أحبهن كن يتأففن منه، فرغم أنه يحسن إليهن، إلا أن جهوده ذهبت سدى . خلال عودته من المرعى، كان ينعطف قرب خلوة عند حدود المغرب، فيسرق لحظة حميمية مع أتانه، لكن ذات مرة تعقبه والده، ورأى ما رأى، فعلقه من مؤخرته في سقف المنزل سبعة أيام مع إشباعه ركلا ولكما، مانحا إياه نزرا قليلا من الماء والطعام، مع الحرمان من النوم. إن الرسالة التي بعثها الوالد مفادها :
- عليك ألا تمارس حقك الطبيعي، أقول لك عليك أن تخصى، وما أنت إلا عضوا من أعضائي أفعل فيه ما أشاء، عليك أن ترعى وحسب، والآن بعد فعلتك هذه : قود فحالك أيها الكلب .
تحول "فطوش" إلى كلب مشرد تائه، تفوح منه رائحة البول، وعلى شعره الأشعث تنبعث قذارة هذا المجتمع الموبوء، حينما كان بالمنزل كان والده يحتضر، ولكن بعدما غادر العتبة قتل الأب، في الليل كان ينام بالمقبرة، وأثناء النهار يتسول لعله يحصل على بعض الدريهمات تشفي عطشه، ولم يفته الحنين إلى منزله، فكان يتسلل خلسة بالليل لحيي صلته بأتانه، وفي بعض الأحيان يسرق الخبز، وينام بالنادر"، فكر أكثر من مرة أن يحرق "النادر ، وأن يعود إلى المدرسة ليتبول فيها، وأن يتغوط على قبر جده وأن يقتل والده ..فعل كل هذا ذات يوم دفعة واحدة، وفي اليوم الموالي، راح يبحث عن الإله طارحا سؤالا : من الشرير الحقيقي أنا أم أنت ؟
ع ع / 28 يونيو 2014/ المغرب .



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلي توقد بالنار
- حلمي المصلوب
- لا ترميني بالحجر
- تائه في دروب الذاكرة
- اليوم، أجمع الرحيل باكيا
- النباش
- ولترحل الرياح
- المصلوب
- منزلنا الريفي (50)
- عرائش الريح
- باراكاااااا
- سنابل و أغلال
- سوسن
- منزلنا الريفي (49)
- منزلنا الريفي (48)
- منزلنا الريفي (47)
- سخرية في صحراء الحمى
- منزلنا الريفي (46)
- منزلنا الريفي (46)
- منزلنا الريفي (45)


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (51)