أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - حول السلعة الميتة والإنسان الحي














المزيد.....

حول السلعة الميتة والإنسان الحي


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 4478 - 2014 / 6 / 10 - 13:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




في المخطوطات الشهيرة بمخطوطات باريس أو مخطوطات 1844 يصف ماركس في لغة شبابية حارة كيف حولت الرأسمالية الآلة والمنتجات المادية الميتة إلى قيمة أهم وأغلى من الحياة، بما في ذلك حياة الإنسان بالذات. ويبين أيضاً كيف أن المنتج المادي الذي ينتجه الإنسان-العامل يتعالى عليه ويقف هناك صنماً عالياً يتجاوز في معناه ومغزاه وأهميته الفرد البشري الحي.
لا نريد أن نعود إلى قراءة المخطوطات لأنها متاحة بسهولة هذه الأيام. لكننا قدمنا بها في سياق مناقشة قيمة الإنسان، الفرد والجماعة، في الثقافة الفلسطينية التي تزعم بتأثير التمويل –على الأرجح- أن حقوق الإنسان والمرأة والطفل والديمقراطية والمجتمع المدني..الخ هي الأهم على الإطلاق. ويتفق في ترداد هذه الكليشهات ألوان الطيف السياسي والفكري كافة بما يشمل اتجاهات اللبرلة، واليسار، وفتح، والإسلاميين. وهو ما يثلج الصدر للوهلة الأولى مهما كان التغني بهذه الشعارات مدفوع الأجر من قبل منظمات مانحة أوروبية وشمال أمريكية. المشكلة أن هذا الكلام لا يتجاوز –ربما لدى الجميع- طرف اللسان ولا يعبر بأي حال عن قناعة أحد ولا عن ممارسته.
حدثني صديق يعمل في مؤسسة تروج أفكار العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان وتصطبغ بصبغة يسارية بدرجة أو بأخرى، أنه كان بصدد الخروج في مهمة تخص عمل المؤسسة إلى مدينة الخليل. وفي مثل هذا الوضع يقوم الموظف أو تقوم الموظفة باستخدام السيارة التابعة للمؤسسة بمعنى القيام بقيادتها توفيراً لنفقات المواصلات.
من نافلة القول مثلما يقول الرجل إن هذا يعني أنه يمارس عملاً متعباً في بلاد تعد قيادة السيارات فيها حرباً لا هوادة فيها مع شوارع سيئة وانفلات وغياب للقيم يجعل أعصاب المرء تتوتر إلى حدها الأقصى. كما أنه يقوم بعمل آخر غير عمله الأساس فهو هنا يمارس مهنة أخرى هي قيادة السيارات. وذلك يعني أن على المؤسسة أن تكون ممتنة لقيامه بقيادة السيارة. لكن الرجل فوجئ بالمسؤولة الإدارية في المؤسسة تحذره من أن عليه أن يكون على بينة أنه في حال وقع حادث فإنه سيتحمل المسؤولية المالية كاملة. وقد فوجئ الرجل وبغت بسبب الاهتمام الحاسم بالمادة الميتة مع الإهمال الواضح لقيمته بوصفه إنساناً. ولذلك فقد رد عليها في سخرية لطيفة: "وهل سأتحمل المسؤولية المالية في حال موتي في الحادث، أم أن الأمر سيقتصر على حالة بقائي على قيد الحياة؟"
لا بد أن الرجل على حق، إذ ربما يصل الأمر حد مطالبة الورثة بتحمل نصيبهم في المسؤولية عن الحادث الذي تسبب فيه فقيدهم عندما كان يقود سيارة الشغل وهو في مهمة عمل رسمي.
حاول الرجل أن يوضح للمديرة أن سياق القيم الذي تبثه المؤسسة يستدعي العكس: إن سلامة الموظف، وراحته وسعادته هي الأمر الأكثر أهمية خصوصاً في حال كون المؤسسة تتبنى نهجاً ماركسياً أو يسارياً أو حتى ليبرالياً إنسانوياً بشكل عام، أما وضع حديد السيارة في المرتبة الأولى ووضع الإنسان في المركز الثاني –أو العاشر الله وحده يعلم- فهو إنما يشير لسوء الحظ إلى أن قيم الرأسمالية الفجة في القرن التاسع عشر في بريطانيا هي التي تحكم عقل المؤسسة اليسارية الفلسطينية التي تدعي أن رسالتها هي تحقيق إنسانية الإنسان في الميادين المختلفة، بينما لا تدرك هذه الغاية في سياق معاملاتها الداخلية بالذات. هل قال العرب شيئاً من قبيل "إن فاقد الشيء لا يعطيه؟" لم نشأ هنا في هذه العجالة أن نقدم أي ممارسة فكرية، كان غرضنا فقط أن نسرد حكاية حول انسجام الفكر الداخلي، ناهيك عن الممارسة، في العمل "الأهلي" الفلسطيني مع روح الرأسمالية في أبشع صورها، مهما كان حجم ومقدار الخطاب الذي "تبيعنا" حول العدالة، والتقدم، والمساواة، وحقوق المهمشين. هذا الخطاب يظل زبداً يطفو على السطح بقوة التمويل، أما في الداخل، في الأعماق، فلا شيء، لا شيء البتة، وبإمكان النقيض السياسي أو الفكري أو الطبقي، أن ينام قرير العين، إذ لا يوجد قيد الساعة أية معارضة جذرية للفكر السائد والثقافة السائدة. ولا بد أن ماركس يشهد هنا تطبيقاً مذهلاً لمقولته: "إن الثقافة السائدة هي ثقافة الطبقة السائدة،" ولا ينجو من ذلك في الحالة الفلسطينية إلا من رحم ربي. ولسنا متأكدين من أن هؤلاء يزيدون على عدد أصابع اليد الواحدة أو يقلون.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخازي الأساس في الانتخابات السورية
- عزمي بشارة والانتخابات السورية والمصرية أو في حكمة الديمقراط ...
- فنون قتل الذكاء والإبداع في النشاطات الترفيهية المدرسية
- -متى ستقتلني؟- تسأل الفتاة خطيبها
- السيسي: إعادة إنتاج النظام
- استبدال الحمار/البغل بالسيارة
- اللغة الإنجليزية ومرجعيات العولمة
- قمر على رام الله، ودم على بيرزيت
- عداد الدفع المسبق، وخصخصة المياه، ووحشية رأس المال الفلسطيني
- خطاب رئيس الوزراء الكندي أمام الكنيست
- الهنود الفلسطينيون
- عزمي بشارة وألعابه الأيديولوجية
- خطة فرنسية لمساعدة المنظمات الأهلية الفلسطينية في تحرير فلسط ...
- انتصرت روسيا وإيران، أما سوريا فلا
- مصر والعرب الآخرون وأوهام الديمقراطية
- على هامش -ملتقى الحوار الثقافي العربي الألماني- حول دور المث ...
- منتظر الزيدي يقول: أنا لا أردد تراتيل الهزيمة ولو مرت أمامي ...
- قصة الأزمة الرأسمالية الراهنة
- أشباح 1929 تخيم في فضاء الكونغرس أو: أهي آلام ولادة الجديد؟
- كيفية ابتياع الفياجرا أو حرية تدفق السلع في زمن العولمة


المزيد.....




- قبل وبعد الضربة الأمريكية.. ماذا يظهر تحليل CNN لصور منشأة ف ...
- وزير الدفاع الأمريكي: دمرنا برنامج إيران النووي وقضينا على ط ...
- سوريا: قتلى ومصابون جراء -هجوم إرهابي- استهدف كنيسة بدمشق
- البابا يدعو إلى السلام ويدعو الدبلوماسية لإسكات السلاح إزاء ...
- ما تداعيات الضربة الأمريكية على إيران؟
- هل تنسحب إيران من اتفاقية انتشار أسلحة الدمار الشامل؟
- هل انخرطت أمريكا رسميا في الحرب على إيران؟
- الجيش الإسرائيلي يعلن أنه يتحقق من نتائج الضربات الأمريكية ع ...
- هل دمرت الضربات الأمريكية البرنامج النووي الإيراني؟
- مظاهرة في المغرب تندد باستمرار الإبادة في غزة


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح شاهين - حول السلعة الميتة والإنسان الحي