عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4467 - 2014 / 5 / 29 - 00:42
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مكافحة الكراهية والتطرف
الكراهية والتطرف عنصران يهددان البنية الاجتماعية والنسيج الوطني وهوية المجتمع الجامعة ويعملان على تفكيك الأواصر والروابط البينية على تشظية البناء الأجتماعي وتمزيق الصورة المجمعة للجزئيات والمكونات التي تشكل كامل الصورة للمجتمع , السبب إنهما يستهدفان ابرز العوامل والركائز التي يشيد عليها البناء المدني الأجتماعي بالصورة الحقيقية والتي لا بد من توافرها بكل بناء سليم وهي المحبة والسلام والحرية , عليه فإن المسعى الحقيقي والمخلص والذي يستهدف تقوية أركان المجتمع ويتخلص من عناوين الكراهية والتطرف لا بد أن يحرص على تنمية الحس والشعور والاهتمام بالركائز أعلاه من خلال ما يأتي :.
• أولا.الكراهية والتطرف مرضان اجتماعيان ينشأن من خلل فكري منحرف تقوده عوامل وقوى تعادي المجتمع كوحدة كاملة وتريد أن ترض رؤية كونية خاصة بها مضللة وناقمة وسوداوية وظلامية عليه , دون أن تقر بأن عوامل الكراهية مهما أشتدت فبالنهاية خاسرة ولا يمكن ان تقاوم الزمن لأنها متخلفة عنه أساسا وعن قوانينه الحاكمة. • ثانيا. الكراهية كما التطرف ثقافة تتغلغل أولا في الأواسط التي تتعرض للتناقضات الأجتماعية فتكون هذه الأوساط أرض خصبة لنشر أفكارها وأستغلال مظاهر التمايز والخلل والتناقض الفكري والاجتماعي والاقتصادي بأعتبار أن المجتمع ككل هو المسئول,وبالتالي تتمحور الكراهية على مواجهة المجتمع ومحاربته والعمل على منع البحث والتحليل عن الأسباب والعلل التكوينية للظاهرة ذاتها,أزاء هذا فستكون المعالجة الحقيقية حتى يمكن ان تكون مثمرة وجادة ليس لها إلا من منهج ثقافي وأيديولوجية فكرية تعتمد التسامح والمحبة والسلام والتصدي للمشروع الظلامي بالوسائل الإقناعية والحوارية التي تنقذ طاقات مهمة ومكونات مؤثرة من المجتمع من خطر الانغلاق والانغماس في ثقافة الكراهية.
• ثالثا.لا تنشأ الكراهية ولا تتطور إلا من خلال قوة أو مجموعة قوى تستغل التنازع الأجتماعي سواء على السلطة أو على قوة رأس المال أو نتيجة التفرد الفكري الذي يريد ان يفرض فكرته جبرا . وبالتالي فأسلوب المعالجة الحقيقية يبدأ من أعادة التوازن للميزان الأجتماعي أو محاولة أصلاح الخلل وفق المعدل الطبيعي ,ويتم ذلك بالعدل أو الاعتدال الأجتماعي والعدل في توزيع السلطة والثروة الأقتصادية وكبح جماح فكرة الرأي السيد وفتح مجالات العمل ومكافحة البطالة بكافة أشكالها وتصحيح الفروق الجوهرية الناتجة عن التمايز الطبقي كمهمة أولى ومقدمة لذلك أعتماد النهج المدني في ممارسة السلطة دون أن نغفل أن التطبيق السليم للديمقراطية السياسية عامل مهم وجوهري في مكافحة التطرف والكراهية لو تم أعتمادها بالنموذج الأمثل والأنسب
• رابعا. الركون إلى التاريخ والمتناقض منه والمثير للجدل إحدى أهم ركائز مشروع الكراهية بما ينتج من تطرف وعدوانية تصل للتكفير واستباحة وجود الأخر المختلف ,فمن الأولى تشجيع الدراسات التأريخية المحايدة والمنصفة والمتجردة من الهوى والميول الفكرية المسبقة واعتماد المنهجية الوسطية والحوارية في فهم ودراسة التأريخ والعقيد والفكر الديني وعدم السماح للتطرف أن يتغلغل في الأواسط العلمية والتعليمية والأكاديمية . ولا ندع له أسباب النزول للشارع المجتمعي,واعتماد مقاربات وسطية حقيقية تسمي الأشياء بأسمائها دون أن نجرم أو نحرم أو نكفر أحد , إنما ننوه بالدراسة ونتائجها كواقع يعكس رؤية علمية للتاريخ متروك للزمن أن يحكم بالصحة والخطأ.
• خامسا.تشجيع عوامل العيش المشترك والواحد وربط مفهوم الممارسة الدينية الخاصة ببيئتها دون أن نلزم أو نمارس المنع بما يرغب أولا لا يرغب حتى داخل أو ضمن الفئة المعنية وأحترام حق العقيدة والاعتقاد على أنه حق وجودي ثابت للكل ,وعلى قاعدة أن الإنسان ملزم بما ألزمه نفسه بشيء فهو إن كان على خطأ أو صواب إنما المجتمع يحترم الخيار الخاص وليس من مسئوليته أن يصحح عقائد الأفراد إلا إذا أصبحت تشكل خطر وإفساد للنظام الجمعي القائم على أصل الحرية العقيدية , لأن من منح الحرية العبادية هو المختص بقبول أو رفض الشكلية التي يأتي بها الإنسان , وأن الله تعالى أو ما يقابله في أي عقيدة أخرى لم يفوض أحد ولا مؤسسة أو هيئة لممارسة حقه في التزكية والقبول أو جعل أحد ما وصيا على القاصرين من البشر إلا في حدود الهداية بالحسنى والمعروف السلمي.
• سادسا. إن أستخدام سلطة القوة أو القوة القانونية والعنف الرسمي بتعبير مكافحة الإرهاب لم يفلح وأثبت بالوقائع على الأرض أنه لم ينجح كسلاح فعال موجه ضد الكراهية والطائفية والإرهاب ,بل شكل ارتدادات خطيرة أنتجت المزيد من الكراهية المضاعفة والعلة أن القوة لم ترافقها توعية منهجية حضارية وثقافية موجهة للبيئة الحاضنة أولا ولا للمرشحة أن تكون كذلك ولم يتم تحصين المجتمع من هذه الارتدادات الغير محسوبة بوسائل وسبل مدروسة وممنهجة سابقة ومتطورة ومسايرة للقوة في أسلوب المكافحة بالقوة,فالقوة وحدها لا يمكن أن تصنع سلاما إن لن تستعين بفاعلية المجتمع للدفاع عن وجوده وفكره وأمنه الأجتماعي بوسائل اجتماعية حضارية متنوعة ومتعددة,لأن الكراهية والتطرف والطائفية هي نتائج لمقدمات أعمق وأخطر وأولى أن نعود لها في أساليب المكافحة والدفاع.
إن مكافحة التطرف والكراهية والسعي لبناء ثقافة بديلة تتميز بإنسانيتها وبإطارها الأخلاقي المستند على قيم السماء والمجتمع المتسامح المتعاون هي السياسة الوحيدة والجادة والقادرة فعليا على كسر موجة الإرهاب والعنف الديني والطائفي والاجتماعي ويجفف منابعه الفكرية ومبرراته التكوينية , لذا فلا بد من خط سياسة عملية قائمة على جعل مفاهيم المواطنة والمدنية والإنسانية هي أسس الهوية الأجتماعية الوطنية , وأعادة بعث الوعي الجمعي بمحددات فاعلة تتضمن معالجة هواجس الإنسان وتطلعاته بغد مشرق يحفظ له حقيقته كما يحفظ له حقه في أن يكون عضوا في مجتمع متوازن مؤمن بالسلام والحرية بروابط من المحبة والتعاون والتي ركزت عليها كل رسالات السماء وقيم الأخلاق والمثل البشرية.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟