أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - جدلية الوحي والتاريخ (10)














المزيد.....

جدلية الوحي والتاريخ (10)


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4463 - 2014 / 5 / 25 - 14:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- تأليه التاريخ

إذا كان التاريخ الطبيعي هو الحركة في الزمان والمكان يكون التاريخ الديني، وتحديداً الإسلامي موضوع هذا الكلام، هو المحاولة الدائمة لتجريد الزمان والمكان من عنصر الحركة. الدين ينشد ويتصور الخلود، الذي يعني الزمان والمكان لكن بلا حركة - دون القدرة على التغير والتبدل والتجدد الحاصل بالضرورة عن شرط الدوران. لذلك كانت ولا تزال النزعة الدينية في صراع دائم مع حركة الدوران الطبيعية للكون في محاولة لتوقيفها وتثبيتها – تخليدها - عند نقطة أو حقبة ما بالذات من اختيارها. لكن بالنظر إلى استحالة تحقق ذلك في الكون الطبيعي الدائم الحركة والتغير، قد اختار العقل الديني بدلاً منه حيزاً آخر يمكن أن يتحقق فيه هذا الثبات والخلود الكوني في التصور النظري إذا لم يكن ممكناً في الواقع العملي- النص الديني.

داخل النص الديني قد أعاد العقل الديني بناء الكون الطبيعي، لكن هذه المرة في الصورة التي يريد وليس في صورته الطبيعية الدوارة المستعصية على التثبيت والتخليد. هنا - بالكلام وعلى الورق - استطاع أن يشكل الكون كما يشاء وبما يخدم أغراضه الدينية تحديداً، مثل أن ينزع من الكون المعاد تشكيله بطريقة مصطنعة عنصر الحركة ويضيف إليه عناصر أخرى غير طبيعية فيه. في المحصلة تشكل كون مصطنع في صورة محرفة ومشوهة للكون الطبيعي الحقيقي، لكنه مع ذلك يخدم أغراض الدين أفضل بكثير من هذا الأخير المستعصي على الانصياع للغاية الدينية الساعية إلى الخلود. ولذلك ينزع العقل الديني دائماً إلى العيش في عالمه النصي المصطنع الذي يلبي غايته في التثبيت والتخليد بينما يتغافل متعمداً وجود العالم الطبيعي الحقيقي المناقض بطبيعته لهذه الغايات والمحطم لها على صخرة حركته المستمرة.

من ناحية أخرى، وبالنظر إلى كون العقل الديني يعيش بالفعل داخل حركة الزمان والمكان ولا يستطيع أن يوجد أصلاً في أو من فراغ، كان يستحيل عليه أن يفلت كلياً من أثر قبضة قوانين التاريخ الطبيعي. ومن ثم لم يجد مفراً من استخدم حقبة معينة من التاريخ - التسلسل الحدثي نتيجة الحركة عبر الزمان والمكان - ليقتل بها التاريخ ذاته، بعد نزع روحه المتمثلة في حركة الأحداث وتفاعلها وتجددها المستمر. بالتالي يكون المقدس الديني ذاته هو في الأصل حركة مسلسلة من الأحداث الحية عبر أزمنة وأمكنة معينة، لكن الذي جعلها تخرج من نطاق قوانين التاريخ الطبيعي لتسكن أساطير التاريخ الديني هو إضفاء صفات الثبات والخلود وعدم الخضوع لقوانين الحركة والتغير الطبيعية على هذه الأحداث التاريخية الدينية بالذات دون غيرها. بهذه الطريقة يستطيع العقل الديني أن يخلد حدثاً تاريخياً طبيعياً مثل السيد المسيح في شكل آخر مصطنع لا يفنى مثل روح القدس أو كلمة الله، مثلما يستطيع تخليد النبي محمد في شكل آيات الله الخالدة في القرآن أو السنة النبوية الصالحة التقليد في مكان وزمان، أي المنعدمة الحركة.

هكذا يستطيع العقل الديني أن يصنع من حدثين طبيعيين، عيسى ومحمد، متغيرين بالضرورة بحكم حركة الزمان والمكان وبدليل تجاوز الزمان والمكان لكليهما بالفعل سواء بالموت أو الرفع إلى السماء أو خلافه، حدثين دينيين غير خاضعين لقوانين الزمان والمكان ومن ثم موجودان في كل زمان ومكان وصالحان له، إن لم يكن بجسديهما كما في العالم الطبيعي الحقيقي فبروحيهما كما تنقلها وتجسدها كلماتهما وسننهما المقدسة في العالم الديني، النصي؛ أو، في جملة أخرى، عندما يعجز الحدث التاريخي الديني عن هزيمة قوى الزمان والمكان في ميدان الكون الطبيعي ويستسلم لها بالموت أو خلافه في نهاية الأمر، كان لا يزال باستطاعة العقل الديني تحويل الهزيمة على أرض الواقع الطبيعي إلى نصر لكن في ميدان آخر - على متن النص الديني المصطنع. وفي هذا الميدان الذي هو في الأصل من صنع العقل الديني بمفرده وعلى مقاسه، لا وجود لقوة أخرى غيره حتى تتحداه.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية الوحي والتاريخ (9)
- جدلية الوحي والتاريخ (8)
- جدلية الوحي والتاريخ (7)
- جدلية الوحي والتاريخ (6)
- جدلية الوحي والتاريخ (5)
- جدلية الوحي والتاريخ (4)
- جدلية الوحي والتاريخ (3)
- جدلية الوحي والتاريخ (2)
- جدلية الوحي والتاريخ (1)
- العقل الفقهي وتنصيص الواقع
- العقل الفقهي والسلطة
- ابن رشد ضالع في الإرهاب
- سحر الفقه
- ابن رشد: فيلسوف أصيل أم فقيه مستنير؟
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (3)
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (2)
- فيلسوف وفقيه وإرهابي (1)
- العدل الأعمى في اليوتوبيا الإسلامية
- الإسلام السياسي سكين مسموم في الجسم العربي
- إسرائيل العدو، الند، إلى الحليف


المزيد.....




- كيف ستقيّم إدارة ترامب نجاح ضرباتها على المواقع النووية الإي ...
- احتجاجات في طهران بعد ضربات أمريكية ضد مواقع نووية إيرانية
- خبراء روس: ضرب المنشآت النووية الإيرانية تجاوز للخطوط الحمرا ...
- إسرائيل تقطع الغاز عن الأردن ودعوات لمقاضاتها وإلغاء الاتفاق ...
- الجزيرة تبث صورا لدمار منشأة أصفهان النووية بعد الضربة الأمي ...
- ثلاثة سيناريوهات محتملة بعد الضربة الأميركية على إيران
- مدير مكتب الجزيرة بطهران يوضح.. لماذا تأخر رد إيران وما شكله ...
- نزيف دماء مجوعي غزة مستمر على أعتاب مراكز توزيع الأغذية الأم ...
- ترامب يتساءل: لماذا لا يكون هناك تغيير للنظام في إيران؟
- أوكرانيا تتوعد بتكثيف هجماتها في العمق الروسي


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - جدلية الوحي والتاريخ (10)