أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي صابر - إكتشاف إمام قديم















المزيد.....

إكتشاف إمام قديم


غازي صابر

الحوار المتمدن-العدد: 4462 - 2014 / 5 / 24 - 02:24
المحور: الادب والفن
    


كانت مدينتا هي الحي السكني والذي يعد الأكبر في عاصمتنا بغداد وقد أراد له زعيم الثوره ان يكون مجمعاً كبيراً لكل فقراء العاصمه حتى إنه سمي بمدينة الثوره .لم يخطط لهذا الحي ان يكون على غرار الأحياء في بريطانيا العظمى والتي درس فيها وتأثر بالثورة الفرنسيه وقد إختار تأريخها موعداً لتنفيذ ثورته في العراق حتى إنه كان يخاطب شعبه أيها المواطنون بدل الشعب وأنهى سيطرة وحكم الإقطاع والعشائر والملكيه ، لكنه لم يأخذ العائله المالكه للمقصله كما حدث في فرنسا وأدرك عقلية شعبه فخطط هذه المدينه بمساكنها الممتده طولياً خلف قناة الجيش المائيه والتي تربط نهر دجله بنهر ديالى وهي محاطه بالأشجار والحدائق .
كان يحلم ببناء دولة العراق كما كانت دولة بابل قبل الف عام قبل الميلاد وقبل أن تسقطها دولة الفرس ويتحول العراق الى بستان بلا حراس ونهباً لدول الجوار من الذئاب والضباع .وقبل ان يكمل بنائها وتوزيعها على الفقراء قتلوه ورحلوا كل فقراء بغداد الى مدينتة التي كان يحلم بعمرانها وعمران العراق شعباً وأرضاً .
كانت مدينتنا ارض بكر ، كان ترابها في الصيف يتحول الى ما يشبه البودره وفي الشتاء يتحول الى طين سلس وناعم وكأنه صبغ بلون وطعم التراب ولم تكن هناك شوارع مبلطه ولا حتى مجاري للمياه الثقيله .
لم يكن بيتنا في الثوره داخل وهي حدود المدينة الشرقيه بل كان قريباً من السفاره وهي في حدودها الغربيه ، والسفارة كانت تعني مكان لبيع مواد البناء ويقف فيها حمارتنقل عليه هذه المواد فيطلقون على الحمار السفير وعلى المكان السفاره .
ورغم ان شوارع المدينه لم تصلها الخدمات الا ان السكن فيها ارحم من السكن في الصرائف أوفي أزقة بغداد العتيقه ، هذا ما كان يردده ابي .
قريباً من القطاع الذي اسكن فيه كان هناك قطاع خال من المساكن وقد خطط له ان يكون حدائق ومكتبه وسينما وساحة كبيرة للرياضه وفعلاً تم بناء سينما الرافدين ومكتبة عباس ابن الأحنف وساحة الرياضه هذه مارس فيها رياضيوا المدينه كرة القدم ومن مختلف الأعمار فانجبت العديد من الرياضيين والذين مثلوا العراق في الخارج وأنجبت مدينتنا العديد من الشعراء والأدباء والفنانين .
في عاشوراء وفي اليوم العاشر تقام على هذه الساحه إعادة لأكبر تشابيه في المدينه (تمثيل مقتل الأمام الحسين وما جرى لعائلته ) .كان رجل في الستين من العمر يسمونه ابو ربيّحه يقوده صبي لأنه ضعيف البصر فقد تدلى الماء الأبيض على عدسة عينيه فبات لايبصر الطريق جيداً وتعاونه زوجته وهي أصغر منه سناً وهي صغيرة وضعيفه فيكاد يتشابهان في الجسد . هذا الرجل هو من يحتفظ بملابس جنود يزيد الحمراء وملابس الأمام ومن معه وهي خضراء ويحتفظ بالسيوف والرماح وبقية لوازم التمثيل ، واجود هذه المحتويات سيف الأمام وسيف اخيه العباس .
كان الناس ومن مختلف الأعمار يتوافدون على الساحة منذ الصباح الباكر لليوم العاشر وكانت فرصة للشباب والمراهقين ان يلتقوا بالشابات ولم يكن يومها هناك حجز للذكور بعيداً عن الإناث فكان الناس يشكلون حزاماً رباعياً بعمق ابعاد الساحه وهم يحاذون الخط الذي رسم لهم بعدم تجاوزه وكان يدور قريباً من الخط وتجمع الناس مطربون للغناء الريفي وهم يرتدون العباءة النسائيه ويتغنون بأشعار حزينه تدور حول مصيبة الأمام ومحنة عائلته أمام جيش يزيد فتثيرعواطف الحضور ويبدأون بالبكاء وكأنهم يعيشون أحداثها ،وتأتي خلفهم صبايا تنادي بالتبرع بالمال على حب الأمام وعائلته ، ويأتي قريباً من الناس أيضاً من يقوم بدور الشمر بن ذو الجوشن وحمايته وهم يرتدون الملابس الحمراء ويحملون السيوف والرماح وهو ينادي امام الناس (الا من مبارز ؟ اين انت ياحسين حتى ينالك سيفي وترى الموت والهوان ؟)
فكان الناس يشتمونه ، هو شخصية يعرفها الكثير من الحضور كان بائعاً للحاجيات القديمه وخوفاً من الناس ما ان يسقط الحسين في قتاله لجيش يزيد حتى يجلس على جسده ويحتز رأسه بشكل تمثيلي ثم يهرب خوفاً من غضب الناس .
في شهر نيسان من نهاية ستينيات القرن الماضي إشيعت الأخبار في المدينه ان هناك إمام تم العثور على مرقده في أحد القطاعات المجاوره لقطاعنا السكني والمحاذي لساحة التشابيه ، كنت وقتها شاب في المرحله النهائيه للدراسه المتوسطه وفي العاشر من محرم وفي ساحة التمثيل والذي سبق هذا التأريخ بأشهر تعرفت على فتاة تكاد تطابقني في السن لكن جمالها سلب لب عقلي فبت ادور حول بيتها قبل وبعد عودتي من المدرسه، هي ليست طويله ولاقصيره وليست بدينه ولا نحيفه بيضاء اللون وما افقدني صوابي لون عينيها الخضروايين وشعرها الأصفر ، ففي مدينتنا نادراً ما نشاهد فتاة بهذا الجمال .تحريت عنها وعرفت ان اهلها اجبروها على ترك الدراسه خوفاً عليها ،حتى أني بقيت طوال شهر وانا اتمنى ان المحها ولو لمرة واحده ، كانت إبتسامتها ونظراتها يوم إقتربت منها في عاشوراء وكدت المسها هي التي شجعتني ومنحتني الأمل في الفوز بصداقتها وحبها . كانت هي فقط تدور في عقلي واحلم فيها كل ليله تخاطبني وتشاركني رغبة الود واللقاء .
أحببت شارعها وبيتها حتى أني اثقل من خطواتي كلما مررت قرب بابها . في احد المرات شاهدتني فأبتسمت وحين عدت مرة إخرى قرب بابها دعتني لدخول البيت لكني خفت وكررت العودة مرة إخرى وقرب الباب تبعتني طفلة خرجت من البيت وسلمتني ورقة صغيره فتسلمتها وكأنني اخفي في كفي كنز ثمين أخاف من ضياعه واتلهف لقرائته ، وما ان إبتعدت عن دارها وفتحتها :
ــ غداً في الحاديه عشر سأذهب لزيارة الإمام الجديد.
طرت من الفرح وكانت تللك الليلة طويلة وأنا استعد للقاء اجمل فتاة التقيها واحلم بها كل ليله . كانت تسير امامي في الشارع ونحن نتوجه صوب الإمام الجديد فاقترب منها جداً واشكولها لوعتي وشوقي وانظر اليها وهي تبتسم ثم ابتعد عنها خوفاً من الناس . لم يبعد مكان الأمام المزعوم كثيراً عنا ،كان في الشارع الذي بنيت في مقدمته ماكنة للطحين، وما ان إقتربنا من الفرع الذي يقع فيه الإمام المزعوم حتى ضعنا وسط الزحام ، بشر من مختلف الأعمار والكل يتحدث والكل يبحث في مخيلته عن هذا الأمام ، البعض مشدوه بالخوف والرهبة في عينيه وهو يسبّح ويبسّمل بأسم الله والبعض الأخر لايبدو عليه الخوف حتى ان الزحام أزاحني صوب مجموعة من الشباب وهم يتحدثون بمزاح فقال أحدهم :
ــ كبرنيكوس يكتشف مركزية الشمس للمجرة التي نعيش عليها وغاليلويكتشف كروية الأرض فيغيران كل الأوهام الدينيه السائده ونحن بعد ثلاثة قرون نكتشف رفاة إمام قديم . ما أتعسنا من إمة ـ ـ ! فرد عليه أحدهم :
ــ لكن هذا إمام .
ــ وماذا يعني الإمام ؟ إنه معلم يتاجر بالغيب والأوهام .
إذني هي من يتابع لجة الناس ولغطهم أما عيني فلم تبارحا فتاتي وفهمت من ردودها إنها تشاركني المشاعر ولهفة اللقاء لكنها تخشى عيون الناس .
وصلنا لقطعة الأرض الفارغه من البناء والتي يقال ان الإمام مدفون فيها والممتلئه بالبشر ، ومع ان الجو دافئ وليست هناك امطار الا ان المياه التي يتهافت الناس على شربها في المكان جعلت من مساحة الأرض وكأن أمطار قد بللت ترابها .
فهمت من لغط الناس ان مالكي قطعة الأرض هذه كلما حاولوا بناء جدار فيها لايكاد يعلو حتى يسقط ولهذا توصلوا الى ان امام يرقد جثمانه فيها وشاهدت مهد لطفل (كاروك) مغطى بقماشة خضراء والناس تمد يدها وترمي النقود فيه ،وشاهدت حشدأ من الزوار يتجمهرون حول إمرأة ممتلئه سوداء كانت تقول لهم إنها جاءت من البصره وأن حبيب بن مظاهر زارها في المنام وطلب منها المجئ الى هنا والعناية بمرقده الذي سيبنى قريباً فيرد الجمع من حولها الله مصلي على محمد وال محمد .
وهناك مجموعة ليست بعيدة عن هذه المرأة السوداء تجتمع حول رجل يتوسطهم ويحدثهم فعرفته إنه ابو ربيٌحه كان يقول:
ــ ياجماعة الخير ليلة امس نمتُ هنا وكان كامل جسدي مغطى فكنت أرى من هنا نور ينبعث ويشير بأتجاه المهد ومن هناك ظلام دامس فيضج الجمع الله مصلي على محمد وال محمد .
حاولت ان اقترب من المهد وأرى حجم الأموال التي تلقى فيه لكن القماشة الخضراء كانت محكمه، وفكرت ان ابحث عن عصى وارفعها قليلاً لأرى مافيها وقد راودتني هذه الفكره من حديث لمدرس اللغه العربيه الذي درسنا في العام المنصرم وكان لديه صديق يعتمر القبعة الخضراء والحمراء والتي يعتمرها من يعمل في خدمة زوار الأئمه وكان يعمل في الحضرة الكاظميه ، كان قد أخبره عن اساليب محاصرة الزوار والإستحواذ على ما لديهم من نذور قبل دخولهم الحضره ، واحياناً عندما يشاهد ورقة مالية كبيره فأنه يضع علكه في رأس العصا التي يحملها (خيزرانه) ويدخلها للشباك وينتشلها من دون ان يراه أحد .
حدثت معي مرة عندما كنت استعد لإمتحانات البكلوريا في الإبتدائيه وقد أرشدني الأهل ان ازور الأمام الكاظم واوعده بتقديم نذر في حال نجاحي وقبل دخولي للمرقد حاصرني احد هؤلاء وكانوا يسمونهم الساده القائمين على خدمة الإمام وهو يحلفني بجده ان كان لدي نذر وانا احاول التخلص منه ومن الحاحه بأني مجرد زائر .
في لجة افكاري هذه أحسست بهروب الناس من المكان وبين بحثي عن فتاتي التي أبعدها التزاحم وبين اللحاق بالهاربين إتضح قدوم مجموعة من الشباب بالزي المدني وهم يحملون المعاول والمجارف الى جانب الأسلحه وهم يتوجهون حول المكان . توقفوا امام ابو ربيٌحه والصبي الذي يساعده وسألوه :
ــ أين عثرتم على بقايا عظام الإمام ؟
في البدايه تلعثم في الإجابه ثم اشار لهم بأتجاه المهد .بداوا بالحفر ولم يجدوا شيئاً ،إحتشدت جموع الناس بعيداً عن المكان وهم يراقبون ما يقوم به الشباب ،كان البعض يتوقع هلاك هؤلاء الشباب او تحطم معاولهم وهم ينتقلون ويحفرون هنا وهناك بقطعة الأرض وبعد ساعة من العمل لم يعثروا على شئ يذكر ولم يحدث ما يدل على وجود معجزه فنزل أحد الشباب بمعوله على المهد وتبعثرت النقود ومسك أحدهم ابو ربيحه من ياقته ورفعه الى الأعلى وهو يصرخ به :
ــ الى متى تعيشون على الدجل وخداع الناس ؟ بأمكاني ان أحطمك بهذا المعول او أخفيك في السجن ولكن إكراماً لهذا الصبي اليتيم الذي يرافقك سأتركك شرط الا تعيدها مرة إخرى.
إنفجر لغط الناس المحتشده حول المكان فبعضهم يضحك وبعضهم يولول ووحدي كنت ابحث عن فتاتي بين هذه الفوضى والحراك غير المنظم ولم يبقى في قطعة الأرض الا بعض الأطفال والصبيه وهم يجمعون النقود التي تبعثرت تحت أقدام الناس المحتشدة في المكان الضيق ..



#غازي_صابر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحاجز المنيع
- فنتازيا الطوائف والعلم
- أبن ربيّه
- الثوب الأبيض
- إرثنا ومسلسل القتل
- الرئيس مسعود البرزاني والتناقض
- الديمقراطيه والعشائريه في العراق الجديد
- مأسي الجنوب
- إرث لوسي
- بقرتنا الحلوب
- زهره
- العراق وصراعات إسلام المنطقه
- قصه قصيره اولاد عزرائيل
- عبد الكريم بين عهدين
- قصص قصيره معاناة
- الطوق المحكم
- قصة قصيرة المعلم الأول
- التعميرو التخريب
- عيد العمال وذكريات الطفولة
- نجم والي وصحبه


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي صابر - إكتشاف إمام قديم