أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي صابر - الثوب الأبيض














المزيد.....

الثوب الأبيض


غازي صابر

الحوار المتمدن-العدد: 4406 - 2014 / 3 / 27 - 20:27
المحور: الادب والفن
    


الثوب الأبيض
غازي صابر
جُبلنا أن الذكَرمنا يلبس الثوب الأبيض مرتين وقد يتلطخان بالدم ،اما الإنثى فترتديه مرة واحده .
لم اعرف تفاصيل ما سيحدث لي ولا الوجه التي سأذهب اليها ساعة البسوني الثوب الأبيض وأنا ابن الثامنه او التاسعه من العمرعلى ما أتذكر فسبق لمدير المدرسه التي تقع في الجانب الثاني من السده أن رفض قبولي لتجاوز عمري السادسه .لكن عندما فتح الزعيم مدارس محو الأميه أدخلوني فيها فهي لكل الأعمار، وبقدر تعلقي بالتعلم وتشجيع ابي لي الا اني كنت اعاني اثناء ذهابي للمدرسه وتسلقي ارتفاع السدة المضني والأكثر قساوه عندما تمطر وتصبح السدة العملاقه كتلة من الطين وعلي تسلقها وانا بمداس متعب وبملابس كثيراً ما كانت اكبر من حجمي حتى اني كنت ايام برد الشتاء ارتدي قمصلة ابي العمالية الزرقاء وانا فرح بها رغم كبرحجمها على جسدي الضعيف ، لكنها في ذلك الوقت وعلينا نحن اولاد الفقراء كل شئ جائز .والسدة حاجز ترابي بعرض ثمانية امتاروبأرتفاع ربما اكثر من عشرة أمتار تحيط بمدينة بغداد من الجهة الشرقيه أيام زمان .
كانوا يقولون عن صرائفنا خلف السده أما هم ففي مركز بغداد .كانت صرائفنا متراصه على بعضها وكأنها تخشى الخوف او البرد والذي لايمنعه غير هذا التراص والتكاتف بينها وبين البيوت الطينيه. صرائفنا تواجه السده فنحوها نتوجه كل صباح جماعات جماعات صوب مركز بغداد للبحث عن العمل او الوظيفه او للمدارس أما خلف صرائفنا فهناك أرض خاليه وتبدو وكأنها مهجوره وقد تشققت وكل شق فيها يكاد يخفي قدمي . فقد جفت الأرض بعد أن إبتلعت مياه الفيضان الذي ضرب بغداد قبل سنوات ولهذا بنوا هذه السدة ،هذا ما كان يردده أهلنا .وفي هذه الأرض البور كانوا يقولون لنا نحن الصغار ان فيها غزلان وفيها ذئاب وأسود .
بحثوا كثيراً عن مداس أضعه في قدمي ويبدو انني سأذهب الى مكان محترم قلت مع نفسي وأنا امسك بيد ابي بثوبي الأبيض ونعال قديم في قدمي . سأل جدي أبي :
ــ الى اين تأخذ الولد ؟
ــ قررت نقابتنا ان تحتفل بطهور اولاد العمال في مقر النقابه .
ــ لا ادري الى اين ستذهب بنا ونقابتك وهذا الزعيم الذي لن يغفروا له ما فعله بهم .
ــ سينتصر، سينتصر عليهم ما دمنا معه .
ــ انت واهم لإنك لاتعرف قوتهم ولاتعرف غدرهم وحقدهم الدفين ومن يقف خلفهم ،انت وجماعتك ارض رخوه لايمكن الإعتماد عليهم ساعة الشده .وضل يدمدم حتى سمعته يردد رحم الله ايام زمان كان الملا هو من يقطع ما فينا من حشفه .
عبرت السدة مع أبي الى جانب العاصمة الجميل والنظيف بشوارعه وقصوره وأشجاره ونخيله الباسقه ، سرنا في شارع مبلط بالأسفلت حتى إقتربنا من قصر تحف به الأشجار من كل جانب ودخلنا بوابته المفتوحه .
في باحة القصر كان هناك عدد من الأولاد وبأعمار مختلفه ربما من الرابعه او الخامسه ينتشرون في الباحه وحتى هناك شاب يبدو إنه أكبرنا كان طويلاً وضعيفاً وهناك شعر خفيف يبدوكشارب له .كنت أنظرالى كل الذين يرتدون أثواب بيضاء هم زملاء لي وتمنيت ان اتعرف بهم او اللعب معهم .
في داخل القصر بدأ الرجال بمصافحة رجل يبدو عليه الفرح ، ابيض اللون وخديه محمران و شعررأسه أصفر غامق ،كان الكل ينظر اليه فقلت مع نفسي هذا الرجل هو الذي سيقوم بالمهمه ، كانوا يتدحثون مع بعضهم جماعات جماعات حتى إقتربنا نحن الأولاد من بعضنا وبدأنا التعارف بلا تخطيط مسبق .
وفجأة توقف الجميع وهم ينادون لقد وصل الدكتور ،دخل رجل يرتدي صدرية بيضاء ويحمل بيده جنطة سوداء وكان يلبس نظاره .رحب به الحضور وأصطفوا ليشكلوا حلقة حول الرجل الأبيض .فخاطبهم وهويبتسم مزهواً :
ــ مانقوم به اليوم هو حق وشئ بسيط نقدمه لأولادنا الذين حرمهم الحكم الملكي وأعوانه من الأقطاع وأصحاب الأملاك المسروقه من مال الشعبمن كل شئ ، قضيتنا صعبه وحلمنا كبير ومعركتنا شرسه فلا تتخاذلوا ويغركم ما تححقق من نصر .
إتخذ الطبيب مكان له وبدأ الأباء بأحتضان اولادهم ومساعدتهم بخلع البستهم الداخليه ، كنا نقف بالتعاقب وكنت أقف أمام ابي ولم ارى ما يفعله الطبيب الذي كنا نصطف امامه بطابور طويل لأن الرجل الذي يحتضن إبنه ويقف امامي طويل وممتلئ .
أجلسني أبي امام الطبيب وفتح قدمي بقوه ليتمكن الطبيب من إداء عمله وهو يهمس في إذني إياك ان تبكي او ترتجف والا ـ ـ !
كان الرجل الأبيض والذي عرفت فيما بعد إنه رئيس النقابه يقف خلف الطبيب وهو يرقص ويردد مع كل الرجال ( قصينا الغلفه الوسخه خلي تولي قصينا الغلفه ) .وعندما ينتهي الطبيب من كل طفل كان الرئيس يسلمه كيس صغير من الحلوى. كنت أعض على شفتي من الألم حتى عندما سقطت دمعة من عيني أدرت وجهي حتى لا يراني ابي .سلمني الرجل الأبيض كيس الحلوى الصغير وكان بنفسي ان اتذوقه لكن الألم حرمني من فتح الكيس .وعندما إنتهى الطبيب من الصغار توجه صوب منضدة كان متمدد عليها الشاب الذي كان يرتدي ثوب أبيض وتحت رأسه وساده . همس ابي في إذني :
ــ إنظر هذا الشاب قطع غلفته يتطلب خياطة عضوه ، فقد تأخر طويلاً .
لم يتوقف الرئيس عن رقصه وترديد إغنيته حتى سمعت رجل يقف الى جانب أبي ويحدثه بهمس أنظر كل هذا الذي يقدمه الرئيس وهو مسيحي وغلفته لم تقطع بعد .
إستغرب والدي فرد عليه الرجل هذه الغلفه لاتعني شيئاً لكن النبي موسى أراد ان يكسب ود الذكور فبشرهم بأمرالخالق وهو لايريد منهم الا قطع هذه الغلفه والتوقف عن عبادة العجل ، لأن الأباء في ذلك الزمان كانوا يقوموا بأخصاء اولادهم حتى لاينافسوهم على الإناث ،ففرح الذكور بهذا الأمر الإلاهي وتخلصوا من انانية الأباء ، وقد سارعليها نبينا إعجاباً بموسى وحتى يكسب الذكور الى جانبه أيضاً ،أما عيسى فقد أبقى عليها .
لا أدري ما الذي دعاني ان ارفض لبس الثوب الأبيض في المرة الثانيه في يوم عرسي مع إن عروستي كانت ترتدي بدلة العرس البيضاء وحتى عندما خلعتها إرتدت ثوب أبيض ، ربما لأني أتشائم من رؤية الدم وهو يلطخ الثوب الأبيض ويذبح هذا اللون البرئ والمسالم .



#غازي_صابر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إرثنا ومسلسل القتل
- الرئيس مسعود البرزاني والتناقض
- الديمقراطيه والعشائريه في العراق الجديد
- مأسي الجنوب
- إرث لوسي
- بقرتنا الحلوب
- زهره
- العراق وصراعات إسلام المنطقه
- قصه قصيره اولاد عزرائيل
- عبد الكريم بين عهدين
- قصص قصيره معاناة
- الطوق المحكم
- قصة قصيرة المعلم الأول
- التعميرو التخريب
- عيد العمال وذكريات الطفولة
- نجم والي وصحبه
- الزياره المشؤومة
- الحوار المتمدن إسم على مسمى
- الصراعات الإقليمية والعراق
- كركوك وقشة البعير


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي صابر - الثوب الأبيض