أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي صابر - إرث لوسي














المزيد.....

إرث لوسي


غازي صابر

الحوار المتمدن-العدد: 3518 - 2011 / 10 / 16 - 00:44
المحور: الادب والفن
    


إرث لوسي
الأختلاف قائم حول ماهية الروح وعلاقتها بالأحاسيس والعقل .
لكنهم إتفقوا على أن العقل هو مركز التفكير والأبداع والذي
لايركن للعقل لايركن الوجود له .
غازي صابر
وأنا أعمل في حديقة الحيوانات كمراقب عمل ، شاهدتُ حركة غير طبيعية للعمال وهم يهرولون بأتجاه الممر الذي يفضي الى أقفاص النسور والصقور ويمر بقفصي القرده من نوع الشمبازي وينتهي بالحيوانات المفترسه . قلت مع نفسي وأنا أتوجه صوب المكان لابد من وقوع حادث ما ، فقبل يومين تخاصم دبان وتصارعا مما تسبب بأصابة أحد العمال المشرفين عليهما بحادث وهو يحاول فض النزاع بينهما .
قبل أن أصل الى قفصي القردين شاهدت من بعيد أحدهما وهو منكفئ على وجهه بينما يتقافز الأخر ويطلق الأصوات وهو يعتلي القفص حد السقف ثم يهبط بسرعه وكأن في صوته وحركاته طلباً للنجده .
كان هناك عدد من العمال قد سبقوني الى المكان وأحاطوا بالقفص . شاهدتُ أحدهم يصرخ :
ــ أين الطبيب البيطري ، سيموت لوسي ؟ فيردعليه أخر هذه حيلة من حيل لوسي. أخر يصرخ من وسط الحشد كنت أتوقع موت لوسي حزناً ، ويرد عليه أخر لماذا لايكون موته مسموماً ؟
فيجيبه أخر ومن اين يأتيه السم وهو يتناول الأغذيه والفواكه ومن الدرجه الأولى، حتى نحن العمال لانستطيع شراءها ، ومن له مصلحة في دس السم اليه ؟ تباً لكم كل شئ تدخلونه في نظرية المؤامره .
أمس كنتُ مع الصديق جاسم والذي يعمل على رعاية لوسي وقردته ، كنا نراقب حركاته . بينما يحاول جاسم زراعة قطع من الثيل حول القفص ، كان يعمل وعينه على القرد خوفاً من الحجارة التي يقذفها بأتجاهه وهو يلهو بكسر عصا يمسكها بيده ويضعها تحت قدمه بين الحين والأخر .لم أفهم مقصد لوسي من قذف الحجاره ، أهي للهو مع جاسم كونه المربي له ، أم هي خباثه وقلة ذوق ــ ـ ـ؟
وقفت أرقب حركاته وأتمعن في عينيه القهوائيتين والغائرتين في جمجمته ، إنهما لايختلفان عن عيني البشرإلا أن طول ساقيه بنفس طول ذراعيه وأصابع قدميه ويديه متشابهتين . حدثني جاسم عن مشاكسات لوسي وكيف تتغير كل طباعه وحركاته عندما يشاهد زائرة قادمة نحوه ، يلهو وكأنه طفل شقي . يغازلها ويمد يده لها وكثيراً ما تتحرك أعضاءه التناسلية نحوها . ويفرح كثيراً عندما يزوره الأطفال ويملأ القفص زعيقاً ويسرع من حركة ساقيه ويديه وهو يصعد ويهبط في قفصه .
سلمت عليه وقبل أن أمد يدي لمصافحته مد هو يده نحوي ، صافحته وأنا خائف من أن يتمسك بيدي لكنه لم يفعل بل شاهدت في عينيه شكوى وحسره لما هوفيه . قردته تخافه وكثيراً ما يضربها وعندما يحصل على الموز يقشر واحدة ويريها لها ثم يستدير عنها وعندما تأتي إليه طمعاً بالحصول على الموزه يمسك بها ويقضي حاجته معها ، هذا ما أخبرني به جاسم .
قلت لجاسم وأنا أعرف عائلته جيداً ، لماذا لا تغيرإسم لوسي بأسم أمك سوده ، وتنادي أمك بأسم لوسي ؟ فرد :
ــ لا . أسم أمي سوده يلائمها ، فعنها قالوا إذا لم تفكر فأنت غير موجود . لكن أسم أبيك عناد وشكله القردي ينطبقان تماماً على لوسي . ضحكنا معاً ، وتذكرت شكل وحركات أبي عناد فوجدتها فعلاً تطابق حركات وأفعال لوسي خصوصاً عندما كان يضعني في حضنه ويلعب فقط في شعري .
مرة سألته لماذا لا يتخلى عن ملابسه وقد منحه الله هذا الشعر الأسود والكثيف والذي يغطي كامل جسده . لابل هو أكثر غزارة من شعر لوسي ـ ـ ـ !
كان أبي يميل الى الصمت مثل صمت لوسي ، لكني أفهمه من حركة عينيه . لم يسألني يوماً عن حياتي أو عن دراستي ، كان فقط يعمل ويأكل وينام .
سوده وأبي عناد توفاهما الله برحمته .كانت سوده لاتعرف من دنياها غير الشتيمه والعراك مع الجميع وحتى مع نفسها إذا لم تجد من تتشاجر معه . ولم التق معها إلا وهي تجتر الطعام ، هي لا ترد على تحيتي عندما أزورهم في البيت ، كانت فقط تلسعني بنظرتها وكأني جئت لإسرق ولدها جاسم من البيت .
ماتت سوده وهي كبيرة في السن ، تكور جسدها وإنحنى ظهرها وهزلت وبانت أصابع قدميها ويديها كأصابع قردة صغيرة. لم تترك سوده إرثاً لجاسم غير صرة صغيرة ملفوفة بقماش أخضر اللون ، حين فضها كانت تحتوي على شئ من الحرمل وثلاثة خرزات كانت تعتبرهم أغلى ثروة في الكون . كانت تؤمن بقدرة الخرزات على حمايتها من شر الحسد وتحقيق كل ما تتمناه ـ ـ ـ!
ومات أبي عناد بعد أن صهرته الأحمال الثقيله وهو يعمل حمالاً في سوق الشورجه فذابت قوة عظامه وهزلت قامته وسقط شعر رأسه حتى إنه في أيامه الأخيره لم يستطع مسح السائل الذي ينساب من أنفه الأفطس وهذا ما ذكرني به القرد لوسي يوم أمس وهو ينظر ناحيتي بأستحياء .
ترك لي عناد بعد مماته ملابس لم تتلفها الأيام ، إستطاع أحد الخياطين أن ينسقها حول جسدي لإني الوريث الوحيد له . وترك لي صرة ملفوفة بقماش أسود فيها بعض الدنانيروفيها كتاب ديني قديم كثيراً ما رأيته يخرجه من صندوقه البالي يقبله ثم يعيده الى مكانه ، مع إنه لم يكن يعرف القراءة ـ ـ ـ!
إنفض جمع العمال من حول القفص حين قدم إثنان من الأطباء البيطرين . قلبوا لوسي ، وضعوا السماعة على صدره فقال أحدهما :
ــ ابعدوا عن الطريق لقد توفي لوسي .
حملوه خارج القفص على حمالة وهو منكفاً على وجهه ، شيعناه بحزن وأسف ونحن نتذكر الاعيبه ومزاحه الثقيل احياناً . كانت قردته تتقافز وتصرخ وكأنها تفهم أن لوسي لن يعود ثانية . أبعدها جاسم الى الداخل وضل قفصهما موحشاً لم يبق فيه غير إطار سيارة قديم معلق في حبل متين وحبل أخر ضل متدلياً والرياح تحركه ببطء ، كان لوسي كثيراً ما يتسلقه وهو يستعرض مهارته أمام زائريه .
قال جاسم وهو يشير لمحتويات القفص :
ــ من سيرث إرث لوسي هذا بعد مماته ؟



#غازي_صابر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بقرتنا الحلوب
- زهره
- العراق وصراعات إسلام المنطقه
- قصه قصيره اولاد عزرائيل
- عبد الكريم بين عهدين
- قصص قصيره معاناة
- الطوق المحكم
- قصة قصيرة المعلم الأول
- التعميرو التخريب
- عيد العمال وذكريات الطفولة
- نجم والي وصحبه
- الزياره المشؤومة
- الحوار المتمدن إسم على مسمى
- الصراعات الإقليمية والعراق
- كركوك وقشة البعير
- خال الحكومه
- قصة قصيره الخشبه والمسمار
- كوارث الفكر القومي والطائفي
- قصة قصيرة المقابلة


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي صابر - إرث لوسي