|
كلمة في معنى ( الحلال والحرام )
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 4457 - 2014 / 5 / 19 - 22:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سوف لا أدخل في تعريف معجمي للحلال وللحرام ، لأن المجال لا يتسع لذلك ولأن التعريفات في هذا المقام تراثية صرفة ، ولهذا لا يعتد بها في مجال البحث الموضوعي ، إنما المطلوب المتابعة من وجهة نظر عقلية خالصة مؤوسسة على ما في كتاب الله ، من غير الإعتماد على ما يصطلح عليه بالسنة النبوية في هذا الشأن .
و سأركز جهدي هنا على المعنى في كتاب الله وعلى الجانب المفهومي للمصطلح في لسان المتفقهة وعبر أستخداماتهم له ، و سوف أخرج قدر الإمكان من كل دائرة هي غير الدائرة القرآنية ، وأعني في كلامي صيرورة المفهوم تشريعاً في المتداول والمحكي ، وللتنبيه سأعيد ما قد قلته سابقاً عن النبي وعن الرسول ، فالخبر النبوي أو ما يروى عن الرسول أو ما ينسب إليهما ، إنما هو و في أحسن الأحوال شرحاً وتفسيراً لكتاب الله ليس إلاّ ، وفي هذه الحالة لا يجوز إعتبار الخبر النبوي تشريعاً أو حكماً يساوي حكم الله في الدرجة وفي الرتبة ، وكما في السابق سنبطل المقولة الرائجة والقائلة : - إن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة - ، إن أريد بها أعتبار محمدا مشرعاً ، فإن كان ذلك كذلك فهذه المقولة باطلة ولا تصح مطلقاً كما ولا تصح إن أعتبرنا بمقدوره التحليل والتحريم ، فهذه القدرة ليست من شؤونه ولا من صلاحيته ، ولكن ان اعتبرنا هذه المقولة بمثابة الإشارة إلى : إن الحلال الذي جاء به محمد من عند الله في القرآن المجيد هو حلال باقي إلى يوم القيامة وكذلك الحرام فهذا الكلام لا بأس به ، وفي ذلك يكون تجريد محمد من صفة المشرع للحلال وللحرام لا زمة من لوازم نبوته ورسالته ، وتركيز الإهتمام على التشريع وحصره بالله وحده وأعتبار ذلك من صفاته الإيجابية .
ولهذا تسالم القوم لدى جمهور الفقهاء وأهل الأصول على أن الحليّة هي الأصل الأولى وهذا هو الثابت ، ولذلك قالوا بنفس الإتجاه : إن كل شيء في الكون مباح ، وإما الحرام فهو تلك الصفة الملازمة لمجموعة من الاشياء المذكورة في القرآن المجيد فقط وفقط لا تزيد ولا تنقص ، وذلك لأن شأنية التحريم هي شأنية ذاتية لا تتعلق بسبب أو بقرينة ، فلا يكون الشيء محرماً بسبب أو بقرينة أوبقيد ، ذلك لأن الله حين حرم هذه الاشياء حرمها لذاتها ، ولم يحرمها لعوارضها أو لسبب ناتج عنها ، ومعلوم إن الحرمة لا تتعلق بدين محمد - ص - وحده ، بل هي حرمة ثابتة في كل الديانات السماوية ، وأما ما يُقال عن لحم الخنزير فهو كذلك حرام في الديانة المسيحية ، ولكنهم وتجاوزا ابطلوا هذه الحرمة واستبدلوها إباحةً ، وذلك تبعاً لردة فعل مزاجية ولتضاد معلوم الشأن تجاه اليهودية ، وتلك أزمة تأريخية لسنا بصدد الدخول في حلقاتها ، إنما الذي يهمنا من الأمر ، هو التركيز على ان الحرمة هي ساحة معينة جعلها الله هكذا ودعانا لإحترامها .
و الحرمة ليست بمعنى المنع أو عدم الجواز ، ذلك لأن الممنوع له مقتضى وسبب معين وقرينة محددة ومعينة تخرجه من الإباحة وتدخله بباب المنع وعدم الجواز ، أي إن المباح يكون ممنوعاً بسبب أو بقرينة دالة عليه ، فالخمر الذي جاءني السؤال عنه هذه الأيام ليس حراماً إنما هو من الممنوعات ، ومنعه متعلق بسبب ما و نتيجة لعارض ما معين ومحدد ، فلو أنتفى السبب أنتفى المُسبب ، وهذه القضية هي من باب قضايا العلة والمعلول ، التي تنتفي فيها العلة تبعاً لأنتفا المعلول وجوداً وعدماً ، وفي ذلك يشبه الخمر كل القضايا الممنوعة أو المتعلقة بظرف أو بقرينة ، ولهذا نقول : إنه لا يجوز الخلط في مسائل الشريعة في احكام الله ، ولا يجوز أعتبار ذلك من المسائل الشخصية أو الإجتهادية ، فالحلال عند الله هو الأصل ، وأما الحرام فهو تلك الأشياء المذكورة في القرآن حصراً ، ولفظ الحرام لا يجوز تسويقه أو إطلاقه جزافاً كما نسمع ونرى ، وكل الذي نعيشه في حياتنا هو من قبيل المباح ، وأما الممنوع فبقرينة يكون أو بسبب يكون ..
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبدالملك السعدي وحماقات رجل الدين
-
في فوضى التكتل والتحالف
-
ثرثرة على الرافدين
-
الليبرالية الديمقراطية هي النظام الوحيد الذي يجب ان يُنتخب
-
في ذكرى التاسع من نيسان
-
قمة الفشل في الكويت
-
في عيد المرأة العالمي
-
بيروسترويكا مقترحة
-
لازم الأمن في العراق ولبنان
-
ما بين الليبرالية الديمقراطية والإيمان
-
الثورة الإيرانية بعد 35 عاماً
-
معركتنا مع الإرهاب
-
مؤتمر جنيف 2 ليس حلاً
-
قصة رجوع الشمس لعلي علية اسلام
-
قراءة في كتاب ( الغلو والتطرف في الفكر الآسلامي - للشيخ آية
...
-
قراءة في كتاب ( الغلو والتطرف في الفكر الآسلامي - للشيخ آية
...
-
لماذا الضاحية الجنوبية ؟
-
أهلاً 2014
-
العراق بين إرهابين المطر والتفجير
-
قول في الشعائر الحسينية
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج
...
-
حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين
...
-
قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا
...
-
العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي
...
-
مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى
...
-
مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
-
الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد
...
-
لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة زبدين في مزارع شبعا
...
-
تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون
...
-
“عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|