أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - عائلة الياسمين والمسرح














المزيد.....

عائلة الياسمين والمسرح


فيحاء السامرائي

الحوار المتمدن-العدد: 4455 - 2014 / 5 / 16 - 13:07
المحور: الادب والفن
    


(همس الياسمين)، العمل التاسع عشر لستوديو الممثل، مؤخوذ عن قصة قصيرة بعنوان (الشقيقتان) للكاتبة الكولمبية (ماريا دل سوكوروغونثالث)، يتّسم، مثل الأعمال السابقة، بسِمات المسرح الجاد وبتوظيف جسد الممثلات كعامل مساعد للغة، ولإضفاء جمالية متميزة على العمل الدرامي، تزجي فضاءاته بحركات متناسقة منسابة، جاعلة منه لوحة تشكيلية نابضة بحياة بشر في ذروة رغبات مكبوتة لهم ومعاناة وخيبات متأصلة وأحلام متساقطة...تكمن أهمية الرؤية الإخراجية عبر جسد الممثل ومكوناته واعتماد الإيماء والقدرة التعبيرية للجسد وحضوره اللافت، في إيصال فكرة العمل للمتفرج الذي يكتشف في حركات جسد (ماريا) مثلاً ماهيتها كإنسان يعاني كبتاً وحرماناً، ويتوق الى حرية وانعتاق من تسلط قمعي تجسّد في أخت متحكمة مهيمنة (روز)، تبدو هي المريضة نفسياً لا أختها التي تصغرها، لكن جسد (ماريا) يتحرر من حركاته وإيماءاته تالياً، حينما تتحرر من عبودية أختها، وينبي عن شخصية جديدة، في إشارة تحدٍ وتمرد ضد قمع منظّم لسلطة فرد متمثلة برابطة دم تزيدها سلطة تقاليد وأعراف... ينثال خلال العرض، سحر الجمال بإيقاعات حركية غير لغوية وبدلالات شتّى، تتمثل في حالات انسانية وأحاسيس وانفعالات جوّانية كفرح وحزن وغضب تؤدّيه باقي الممثلات، لتخلق بناءً سمعياً وبصرياً محكماً يؤثث الحدث، باعتبار كتلة الجسد بحد ذاتها قيمة فنية سيميولوجياً في عرضها الحركي اللازم والمكمل للنص واللغة، وسينوغرافيا جسدية متلونه ومتنوعة، حاوية على لياقة وأناقة بدنية مرئية في وقت واحد، مكوّنة لوحدة منسجمة متكاملة كما يبيّن كامو، "الجسد حامل للمعرفة"، توحّد بين وجود فيزيائي مادي وبُعْد روحي نفسي.
تطرح المسرحية ثيمة تسلط وقمع تسود عائلة كولومبية في الخصوص، وتمتد الى مجتمعات بشرية بصورة أعمّ، وما تفرضه القسوة المسلّطة ( الأخت روز)، من قيود وإملاءات على انسان ضعيف عاجز (كأختها ماريا)، مغلّفة بتبريرات كإدّعاء بحماية يقود الى استغلال بشع وسخرة، رغم إخفاء ما باعتباره عيباً عن عيون الناس، تلافياً لأحكام اجتماعية وحفاظاً على سمعة وصورة عائلة، ينتج في النهاية تبلور حالة تحول من رضوخ الى ثورة، ومن خرس الى صراخ كما الحال عند (ماريا) في صمتها وإذعانها لسنين طوال، ونطقها وجموحها تالياً، حتى تتلبسها لعنة الجلاد وروحه جرّاء ما لاقته من عنف وقسوة على مدى أربعين سنة.
امتاز أداء الممثلات بالإتقان والإجادة في طرائق التعبير والصوت والحركة والإحساس بالدور...(مي شوقي) قمة في تراكم قدرات فنية ووسائل تعبيرية وتحكّم في إلقاء ناجم عن خبرة ومعرفة إبداعية نوعية في المسرح، تقف على "خشبته" بهدوء العمة الزينة وصوت الحكمة والطيبة، يقِظة، متمرّسة، متمكنة، لاتذوب في الشخصية ولا تتخلف عنها...(عشتار فاروق فياض) بارعة مبهرة في تقلباتها بين دوري الجلاد والضحية وامتلاكها لخامة صوت تتراوح نبراته بين قوة و هزال حسب الموقف...(أيسر شوقي) تتفوق في طرح صورة إمرأة بسيطة راضخة، مسترخية في دورها بتلقائية جليّة وهدوء طبيعي وعدم تشنج ملموس...الشابة (رويدا فارس) فتاة صغيرة يضخّ نبع الشباب، الحياة في حركاتها وصوتها ورقصها...(ربيع العبايجي) تتألق في وقفتها الواثقة على المسرح وتفهمها لدورها بشكل جيد..أما روناك شوقي، فهي المحور الحيوي في العمل تمثيلا وإعداداً وإخراجاً، وكما أعرفها، كانت تبحر مع شخصيات عملها في خيالها وتغفو معهم حالمة وحاملة لأحلامهم منذ عام 2012، أي بعد فروغها من مسرحية (عندما تهوي الملائكة) وربما قبل ذلك...
ما يميز ديكور العمل لـ (فارس شوقي)، وجود ملامح تشير الى بيئة النص مثل كراسي بطراز مترف ولوحات دالّة على ثراء عائلة الشقيقتين ومركزهما الاجتماعي في الماضي، وهناك باب مقفل وجدار، كرمز على سطوة الانغلاق خلف التقاليد وانعدام الحرية، مع وجود شباك في أعلى المسرح رامزاً الى الأمل.
تتلاءم الموسيقى لـ (علي شوقي)، وتنسجم مع أجواء المسرحية، ولو كانت هناك موسيقى بدل الـ (لللللا لللللا) تغنيها الممثلات في احتفالهن، ومرافقة بعض الحركات مؤثرات صوتية كبرق ورعد عند حمل المظلات، وصوت ماكنات عند العمل، ربما لكان العرض بوقع أغنى تأثيراً، ويلاحظ أن هناك أيضاً تكرار وإطالات في بعض الحوارات كان يمكن اختزالها، وتشابه في بعض اللقطات مع العمل السابق ( حركات روتنية يومية، جلوس على خط مستقيم على الكراسي)، مع تكرار شخصية المتسلطة لعشتار المفرجي، والذي يذكرنا بشخصية الأم في بيت برناردا ألبا، غير أن تلك التفاصيل لم تؤثر إجمالاً على جمالية العمل وحرفيته.
بلا ريب، أنه عمل يستحق المشاهدة، وهو فضلاً عن جهود الممثلات، (ون وومن شو)، روناك، سليلة أسرة فنية مبدعة وفنانة، تحيا من خلال المسرح وحبه، تبذل جهوداً استثنائية ابتداءً من اختيار الممثلات (في عملين متتاليين، ممثلات فقط دون عنصر ذكوري)، وتوفير مكان للتدريب وتمويل المشروع مادياً من جيبها الخاص حتى إيجاد قاعة للعرض، وتقسم في كل مرّة بأن ذلك العمل الفني سيكون الأخير لها نظراً لما تواجهها من مصاعب جمّة، غير أن كآبة طاغية لبرهة تستولي عليها تشعرها بفراغ مبرّر حينما ينتهي العرض، وسرعان ما تحنث بقسمها وتفكّر بعمل آخر جديد، مبتدأة رحلة جديدة نحو المتاعب والإبداع ، لتجعل المسرح يهمس ويتكلم وليس الياسمين فحسب.



#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - خبال - علمي
- إمرأة للدهشة
- كراسي في استراحة
- أحزان الدم
- شيء من ذلك
- هل تنحصر -الانسانية- في مهرجان؟
- (حمار وثلاث جمهوريات) من يروي ومن يرى؟*
- تفاحة الذاكرة
- فصل
- 1979
- جهشات الفراشات
- في الطريق
- مسرحية (ليالي عربية) بسماء ثورية
- عاتم أنوار
- سينما من اجل التغيير
- هلاوس
- المقامة الدمشقية 2-3/3
- المقامة الدمشقية
- المضطرمات في العُقد
- كل النساء جميلات


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - عائلة الياسمين والمسرح