أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - عاتم أنوار














المزيد.....

عاتم أنوار


فيحاء السامرائي

الحوار المتمدن-العدد: 3918 - 2012 / 11 / 21 - 22:14
المحور: الادب والفن
    


"ولهذا أقيمُ هنا مؤقتاً... أتسكعُ وحيداً ممتقع اللون، وإنْ ذَبُلَ نبات البردي في البحيرة، وأحجمت الطيور عن شدوها...."
- جون كيتس... La Belle Dame Sans Merci
تترجم أبيات قصيدة تزيّن ركناً من عربة قطار الأنفاق (المترو)، يضعونها لإغناء وقت راكبين، يتحاشى بعضهم نظراً الى آخرين أمامه، لذا ينقل بصره بين اعلانات ودعايات ملصقة داخل العربة لرحلات سياحية، صوب مناطق تسطع بشمس سخيّة في وقت غيوم وشتاء، كذلك لأدوية رشح ونزلات برد...وفي أيام أعياد رأس السنة، تُلصق عروض لماركات نبيذ فاخرة وأدوية لعلاج سوء الهضم...سحنات من جنسيات ولكنات مختلفة، جالسين وواقفين، يقرؤون صحفاً أو كتباً، تضجّ بهم عربة ولزوجة هواء...يوم أتت أمها لزيارتها، كانت بالكاد تحرّك قدميها بين جموع راجلين ومنتظرين في محطة الأنفاق، ولم يفتْها أن تعلّق:عبالك يوم الحشر، زين ما تخسف بيهم الكَاع، يمكن أكثر من زوار كربلا بيوم الأربعين... تتفلسف ابنتها بحسرة: (ما أكثر الناس وما أندر الانسان)...
لسنين فارعة، يصاحبها نفور من مكان تأبى أن يغدو بديلاً عن آخر بعيداً في خارطةٍ، وفي قلبها...بحكم هوى؟ وفاء؟ أم خشية من جحود؟... لسنين، تمنح حاضرَ مكانٍ تعيش فيه لقب منفى...تتحصن داخل قلعة ماض مضنٍ، في انتظار فارسُ آتٍ، يأتي فاتحاً لأسوار روحها، يعتقها من مؤقتية وطارئية وازدواجية...تسير عكس وقتها وزمنها ونفسها، تؤجل حياتها، تحفظها في خزانة أحلام وآمال، تتحول شجرة بلوط باذخة في وجدانها الى نخلة، تعيف طعاماً باهراً وتتشهى (خرّيط وشي صْملّة)، كل فاكهة لذيذة تنقلب الى تمْر بقدرة حنينها، نهر التيمز يلبس ماء دجلة والفرات، أوبرا وسيمفونيات تصير أغنية (جي مالي والي)، يثقل يومها بسماع أخبار ومطالعة مقالات، تقلّب ألبوم صور قديمة وتتحفظ على علاقة مع جيران أجانب...تسحب من جوفها خيط ضحكة لا تنطلق، وتعيدها الى قاعها، كيف يتسنى لها فرح وهناك من ينتحب في أرضها؟ لا، لن تستخدم شفتيها للإبتسام...تتيقن أن غرسها لا ينبت الاّ في أرض أجداد وأسلاف، على ترابها وفي مجامرها ونهاراتها وخيباتها وطعناتها ولعناتها وندوبها وطيبتها وحماقاتها...هجينة حياة أضاعتها دون أن تعيشها، ترتعب من فكرة أنّها تعودت عليها وأدمنتها، وهاهو عمرها وعمر آمال نحيلة، يمضيان بكل شيء، إلاّ بجديلة أحلام خابية، شاب لبّها وعاب ورابَ، أبت ألاّ تقصّها حتى يتحقق نذرها، ويرجع عبثاً سالف زمن انقضى...لكن هذا منتهى هراء، (كَودو) لن يأتي لو نحرتْ عمراً آخر في انتظاره، و(سعود لايعود) لو تدركْ...لتحتفظ به في سلال ذكرياتها وتمضي، لاتتبرأ منه بل تبرأ...
يتخلى شاب عن مقعده بتهذيب لأمرأة مسنّة صعدت تواً، تعتذر شابة منها بلطف حين تلكزها بحقيبة كبيرة تحملها على ظهرها، تصعد إثرها مجموعة من شباب ضاحكين بصخب، يصرخ أحدهم بمرح، ربما حينما تواجهه سحنة كئيبة لها:
Cheer up man, chill out, life is short
تبتسم مجاملة، يتملكها أحساس مباغت بفرح حقيقي، تألف وتستأنس بأجواء حولها، يشعّ منها ضياء مهادنة، ينعكس ظلال ابتسامتها على زجاج العربة، ترى نفسها أجمل، هل تتمكن اليوم من هزّ سكون عتمة وخضّها، كي تتوضح أمامها رؤية جليّة متوازنة؟ ألا يمكن أن تحوّل منفى الى (ملفى) والى منفذ لتصالح مع زمان ومكان وأمان؟...يجوز، بل ربما يجدر ذلك، فما تبقي من وقت لا يسعف في استضافة لاجدوى وحيرة ثانية داخل روحها وعلى دربها...تزيح شعرها عن جبهتها، تدرك فجأة حاجتها الى مقصّ أو الى قصِّ شعرها...تسرع بالنزول في المحطة التالية، وتتجه صوب أقرب صالون حلاقة.

فيحاء السامرائي



#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سينما من اجل التغيير
- هلاوس
- المقامة الدمشقية 2-3/3
- المقامة الدمشقية
- المضطرمات في العُقد
- كل النساء جميلات
- روميو وجوليت في بغداد، مسرحية تثير الجدل
- شعارنا، لا حرامي ولا اوبامي
- آنيت هينمان...صوت يعلو على أصواتنا
- حمندي
- و...يحمل آلام القصيدة
- العودة الى الوطن
- السينما العراقية بعد 2003...رحيل وتذكر - الرحيل من بغداد
- سيدة الشرفة
- البعد الانساني في فيلم (إبن بابل)
- نفحات من ميدان التحرير (شهادة شاهدة عيان)
- كسر القيد يتطلب قيماً
- غائب يحضر لأول مرّة في لندن
- وطننا لبس حراً وشعبنا ليس سعيداً
- خربشة على مسلّة (منفى بي)


المزيد.....




- فيلم -البحر- عن طفل فلسطيني يفوز بـ-الأوسكار الإسرائيلي- ووز ...
- كيف تراجع ويجز عن مساره الموسيقي في ألبومه الجديد -عقارب-؟
- فرنسا تختار فيلم -مجرد حادث- للإيراني بناهي لتمثيلها في الأو ...
- فنانة تُنشِئ شخصيات بالذكاء الاصطناعي ناطقة بلسان أثرياء الت ...
- فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي يمثل فرنسا في تر ...
- غداً في باريس إعلان الفائزين بجائزة اليونسكو – الفوزان الدول ...
- اليوميات الروائية والإطاحة بالواقع عند عادل المعيزي
- ترامب يدعو في العشاء الملكي إلى الدفاع عن قيم -العالم الناطق ...
- رواية -الحرّاني- تعيد إحياء مدينة حرّان بجدلها الفلسفي والدي ...
- ضجة في إسرائيل بعد فوز فيلم عن طفل فلسطيني بجائزة كبيرة.. و ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - عاتم أنوار