أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - حمندي














المزيد.....

حمندي


فيحاء السامرائي

الحوار المتمدن-العدد: 3686 - 2012 / 4 / 2 - 18:33
المحور: الادب والفن
    


حَمَنْدي...
يمسك ملعقة الشاي الصغيرة بأصابعه، ويفرد خنصره الأيمن باستقامة، ليحرّك بجلَبة بالغة سكّراً في (استكان) شاي، ثم يسكب السائل الساخن في الصحن الصغير ويحتسيه بتلذذ، وأحياناً يرطّب به (صمّونة حجرية) يدفعها نحو فمه بخفّة بعد أن يعتذر بأنَفة عن تناول كعك بالشوكلاتة، أقدّمه له، ظناُ منه أنه كعك محروق...وحالما ينتهي من فطوره، ينهض بهمّة، طويلا ونحيفاً كرمح، ينظف غرف البيت ومغاسل، يرمي قمامة، يسقي حديقة، يرش أشجارها من غبار عالق عنيد، ولويطلب منه صاحب الدار شراء ما يلزمه من دواء أو خضار وخبز، يهّم بخفة، يقبّل النقود ويضع كفّ يده على جبينه وهو يمضي بنشاط وبلا توان، مردّداً كلمات تلازمه بين كل قبلة وأخرى: نعمة فضيلة من الله...نعمة...نعمة.
عرفه سكان الحي منذ زمن بـ (حمندي)، لم يكترثوا لمعرفة أسمه الأصلي ولا بالسؤال عن أصله وفصله، اعتادوا عليه هكذا، وكأنه جاء الى الدنيا بهذه الصورة...ما يعرفونه، أنه عمل في معامل الطابوق حينما كان يافعاً، ولما دقّت طبول الحرب مع إيران، جنّدوه، دربّوه على السلاح سريعاً، أخذوه الى الجبهة، وقالوا له بصرامة وبحزم: تعلمت الآن الرمي، إرمِ العدو...أراد أن يسألهم ما هو العدو، وإذا كان انساناً مثلنا، لماذا نقتله ونحن لا نعرفه...تردد لمّا نظروا اليه شزراً وقالوا: هيا إرم، والّا رميناك نحن...
ما عرفه الناس عنه أيضاً، أصابته بمسّ يذهب بعقله أحياناً، نجم عن فترة تعذيب لم يتذكر هو ولا يعرف غيره، متى وكيف حصلت له، وأي طرف كان سببها...يظل يلوك بحديث مسموع ومتكرر أثناء عمله:
- الأسرى كانوا ثلاثة أنواع، جماعة صدّاميّين، هؤلاء يعذبونهم كل يوم...وجماعة صارت مع إيران، يأخذونهم الى جبهات قتال ضد أبناء بلدهم في العراق...أما أنا، فكنت لا مع صدام ولا مع إيران، بقينا أسرى حرب، يطعموننا ملعقتي عدس ونصف رغيف خبز...نعمة، نعمة، نعمة.
الكبار والصغار، الرجال والنساء، كل أصحاب الدور في الحي، ترسل في طلبه...بالصيف، ينظف غباراً غريباً يغزو البيوت وينفذ الى ملابس ولو في دواليب محكمة، يزيله عن سجادات إيرانية وتركية كبيرة، يطويها ويبرمها بمهارة، بعد وضع كرات نفتالين فيها، يركنها في الأدوار العلوية...وفي الشتاء يشتري لهم النفط الأبيض، يملأ مدافيء عطشى تنهكها رطوبة خشنة و برد عراقي لايرحم...ومن يحتاج الى سيارة تنقله الى مكان ما، يتصدر مقعدها الأمامي، يذهب معه، برفقة سائق معروف من أهل الحي، خشية على الراكب من اختطاف أو خديعة...أسأله عن موقفه من الأحداث ومؤتمر القمة:
- عمّي، نحن ليس عندنا موقف، لانقف، نمشي على طول...أناكده بمزاح بريء:
- عجباً، كيف لا تتوقف وكيف لا يكون لك موقفاً، حتى سيارات الأجرة عندها موقف بعلاوي الحلّة... وأعود أسأله عن هدفه في الحياة، وماذا يريد منها، وكيف يرى نفسه بعد عشر سنين من الآن.
يلتفت نحوي بقلق مستوضحاً بنظراته وكأنه يفكر، يبتسم بعدها، حين يدرك عدم جديتي وتظهر ضروس قليلة باقية في فمه، يعود الى تقبيل كفّ يده ووضعه على جبينه: نعمة، نعمة، نعمة...لا أريد غير هذا (المبايل) الذي يحكي ويغني، وكذلك (مسْتلة) وأقلام للأولاد.
يوم جاء ليحصل على راتب تقاعدي وعلى قطعة أرض للأسرى، دخلت دبابات أمريكا وجيوشها البلد، وذهب الموظفون الى دورهم، وذهبت معهم كل ملفّات الأسرى وحقوقهم وآمالهم في استحقاقات مواطنة ووطن...واليوم يحرمه نظام وقانون من حق في قطعة أرض تأويه وعائلته، وراتب تقاعدي معقول، لأنه ساهم في حرب (ظالمة) ضد الجارة إيران.
أعطيه مبلغاً يستحقه، و(نستلة) لأولاده، يشكرني، يقبّل كفّه ويضعه على جبينه مراراً، يغادر الحديقة، طويلا ونحيفاً كرمح، ويردد باسماً: نعمة، نعمة، نعمة...يعدني حينما أسافر، يجلب لي نصف (حلاّنة تمر خستاوي) و بيض (عرب) وطبق خبز من تنور زوجته، آخذها معي الى (لندة)...
نعمة...
فيحاء السامرائي



#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- و...يحمل آلام القصيدة
- العودة الى الوطن
- السينما العراقية بعد 2003...رحيل وتذكر - الرحيل من بغداد
- سيدة الشرفة
- البعد الانساني في فيلم (إبن بابل)
- نفحات من ميدان التحرير (شهادة شاهدة عيان)
- كسر القيد يتطلب قيماً
- غائب يحضر لأول مرّة في لندن
- وطننا لبس حراً وشعبنا ليس سعيداً
- خربشة على مسلّة (منفى بي)
- في سرير أول يوم من أيام السنة الجديدة
- يوم الكتاب العالمي


المزيد.....




- “361” فيلم وثائقي من طلاب إعلام المنوفية يغير نظرتنا للحياة ...
- -أثر الصورة-.. تاريخ فلسطين المخفي عبر أرشيف واصف جوهرية الف ...
- بإسرائيل.. رفع صورة محمد بن سلمان والسيسي مع ترامب و8 قادة ع ...
- الخرّوبة سيرة المكان والهويّة في ررواية رشيد النجّاب
- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - حمندي