أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - أحزان الدم















المزيد.....

أحزان الدم


فيحاء السامرائي

الحوار المتمدن-العدد: 4252 - 2013 / 10 / 21 - 00:17
المحور: الادب والفن
    


(أعترف أن ماستقرؤونه الآن في غاية البشاعة، أعتذر لكم، غير أن هناك واقعاً أبشع منه في بلدنا)
1) هل تأخذها؟...
تفتح عينيها ببطئ وهي ممدة على الرصيف، تجيل بالنظر فيما حولها، أوراق تتبعثر في الهواء وسُخام فحمي مغبر، تسمع جلبة، لغط، أنين، سباب، منبهات سيارات اسعاف وشرطة، طقطقة زجاج يتساقط متهشماً...رائحة لحم مشوي وغاز محروق تقرفها وتسود الأجواء فوضى عقب الحادث...تسترجع زمنها، قبل قليل كانت تسير مهمومة في الشارع وحدث ذلك الشيء المرّوع...قربها، تتناثرأحذية وأطراف ورؤوس لمن كانوا بشراً، تتفحص جسدها بعد أن تدفع عنها ذراع لأمرأة هوت على ذراعها...ماهذا؟ ذراع مرصو عليه أساور ذهب منتهياً بيد عامرة بخواتم ذهبية...
قبل أن يطردونها من عملها كـ (فرّاشة)، كانت تسرق كل ما تنساه الطالبات على المغاسل في المرافق الصحية وحتى مناشف صحية وصابون، تبيعها وتشتري بها طعاماُ ودواءً...ينتظرها في البيت زوج معوق، والدة مريضة، أطفال صغار جوعى وهي معيلتهم الوحيدة براتب لايكفي رغيف وجبة واحدة...
وهاهو بجوارها، ذهب يبرق بلمعة ووعود لا تستطيع نزعه من أصابع ومعصم هامد...
تذكر أنها رأت مثله حينما كانت صغيرة، يوم كانت تدخل الى غرفة تغسيل الموتى في المستشفى مكان عمل أبيها، تراه وهو ينفرد بموتاه خلسة ويفتش جيوبهم، يفرّغها من محتوياتها ويستولي على حلي خلاخليل سرقها جنود مقتولين في حرب الكويت، ينزع غنيمتهم من سيقانهم ويناولها لها لتخبئها بين طيّات ثيابها...
تتمعن في دماء قانية تلوّث لمعان المعدن الأصفر ويخفق قلبها...
- هل آخذ ما حباني القدر به دون غيري أم حرام؟ هل حلال أن تموت أم وينام أطفال دون طعام؟ أين رب العالمين ليجيبني؟ هل بإمكانه أن يوقف دموع مندلقة من عيني زوج عاجز ضعيف ويطعم ويكسي صغار لها وينجي عجوز من مرض كي لاأرتكب معصية؟ إلام أنتظر؟ وما أنا فاعلة؟ هل آخذها؟
تلملم أطراف عباءتها وتنهض سائرة بحذر..
- خالة...تعالي...محمد، تعال شوف هاي المرة دتنزف...خالة وين رايحة؟ تعالي احنا مثل ولدج
لاتبالي بصراخ وتحذير مسعفين يهرعون نحوها...يجبرونها على الوقوف، تتمنع وتقاوم وهم يحاولون عنوة فكّ اشتباك أصابع يدين متشبثتين بعباءتها...وحين يفلحون، تسقط منها يد بشرية ناضحة بالدم...
**********
2) عشرة (أوراق)...
يحمل اليوم بيده عشرة أوراق وهو حائر، يلتقط مسحاته ويتجه الى عمله، ورغم أنه كان عامل نظافة يستلم فوق مرتبه أحياناً 3000 من كل بيت، الا أنه بعد إحالته الى التقاعد، وبعد أن طرده من داره وتهجّيره الى بقعة أخرى، صار يستجدي المال...يتفاقم عوزه لمّا تلجأ اليه ابنة أرملة مع سبع أطفال لها، وتلحقها ثانية ريثما يعود زوج مختف...يختار له مكاناً بائناً مقابل جامع ويستجدي، يعرفه كل المصلين ومنهم مختار المحلّة، يجد له عملاً مؤقتاً وكلما تستدعي الضرورة...لايتطلب عمله الجديد مهارة أو مقدرة ماعدا قوة أعصاب وبأس، لا يُعدم هو منهما، وطالما اشتغل في شبابه مهنة أسوء من عمله الحالي، ذلك سر يخفيه عن أقرب الناس اليه، ويوشك أن ينفي ذكراه من باله...
- عمي، شغلتك تنظيف مكان الانفجارات بعد كل مفخخة والعياذ باللـه...
يلمّ بقايا بشرية في أكياس، يزيل بمسحاته ما علق على الجدران من لحومهم، يكنس مكان الفجيعة بمكنسة تصطبغ باللون الأحمر الذي اعتاد عليه من زمن بعيد حينما كان يشتغل كمنظف في أحد السجون...ينظف زنازين عفنة من مخلفّات معتقلين، ملابس مهترئة مقطعة تجفّ عليه دماء، جرادل براز وقيء، أشلاء ضامرة تموت في غفلة من زمن داعر جائر، حتى يسبب له كل ذلك صداعاً يقارعه بقنينة خمر كل ليلة... يكاد اليوم يسأم من خمر ودماء وعمْر وذل وشظف عيش وأفواه في البيت تنتظر قدومه...
عشرة أوراق بيده الآن، يشبع بها بطون جائعة ويتفادى عوز وقهر واستكانة...عشرة أوراق مقابل أن يخفي كيساً أسود يحمله معه الى مكان الانقاض بين ركام أنقاض متكاثر...
- لك مثلها في كل مرّة، العملية سهلة ويسيرة، وما من أحد يكتشف أمرك أو يفتشك...
يستدعونه حينما يحدث انفجار سيارة قريب، يذهب...يحمل كيساً أسود بيد، وباليد الثانية مسحاة لم يأبه بتنظيفها من دماء بائتة، وفي جيبه عشرة أوراق تنزّ دماً جديداً...
*********
3) راحوا...
ليس كل من يطلع للشوارع ويجمع من القمامة ما يمكن جمعه، يمكنه العمل كـ (عتّاكَـ)، وليس كل واحد يجمع قناني فارغة ومواد بلاستيكية أو معدنية وزجاجية، يتمكن من بيع محصوله الى من يعنيه أمر تلك النفايات...حتى تلك (الحرفة) صار لها قوانينها وملوكها ومحترفيها، وأم جاسم ليست واحدة منهم بالتأكيد، ولو كانت غير ذلك لما طردوها وأولادها ومنعوهم من ممارسة ( العتاكَة) في معظم المناطق، أمر اضطرها أن تلجا الى طريقة أخرى للعيش..تنتهز فرصة حصول انفجار سيارات مفخخة وانشغال ناس مسعفين وفضوليين بجرحى ومقتولين، فتدفع صغارها لالتقاط ما يتناثر على الأرض من ممتلكات شخصية للمصابين في الحادث...تلفونات جوّالة، مَحافِظ، قطع حلي ومصوغات، لو تكون محظوظة ذلك اليوم، في حين آخر لا يكون هناك محصول جيد أو تضايقهم قوات الشرطة وتطردهم من مكان الواقعة...
في باكر صباح يوم جمعة، تصحو على انفجار ضخم، يوقظها صوته من نومة بائسة...
- جاسم، عباس، كاظم...يلّة كَعدو، انفجار بالحسينية براس الشارع، يلة يلّة بسرعة...
ينهض الصغار بتثاقل، تحثّهم على الاسراع وتركض قبلهم الى مكان الصوت...جرحى يأنّون وقتلى بأعداد غير معلومة، دخان ينبعث من محرّك بقايا سيارة كانت مركونة قبالة الحسينية...يختلط ناس ناجين وشاتمين وميتين وماريّن منشغلين بما جرى، في جو يدخل وسطه أولاد صغار، يلتقطون ما يجدونه على الأرض ويركضون الى أمهم، يسلّمون ما وجدوه اليها ويعودون الى عملهم...
اليوم غنائمهم كثيرة، تجمعها في قطعة قماش كبيرة وتمضي مسرعة الى البيت، كي تعود مرّة أخرى فيما بعد...
تصل الى دارها حاملة صرتها، وعند باب الدار ، تسمع صوتاً مرعباً...
- يمعودين ابتعدوا عن المكان، هذا انفجار ثاني بنفس المكان ، انفجار مزدوج
تسقط صرتّها من يدها وعباءتها على الأرض، يراها الناس تجري نحو مكان الانفجار صارخة:
- جاســــــــــــــم، عبـــــــــــــاس، كــــــــــــاظم...
***********



#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيء من ذلك
- هل تنحصر -الانسانية- في مهرجان؟
- (حمار وثلاث جمهوريات) من يروي ومن يرى؟*
- تفاحة الذاكرة
- فصل
- 1979
- جهشات الفراشات
- في الطريق
- مسرحية (ليالي عربية) بسماء ثورية
- عاتم أنوار
- سينما من اجل التغيير
- هلاوس
- المقامة الدمشقية 2-3/3
- المقامة الدمشقية
- المضطرمات في العُقد
- كل النساء جميلات
- روميو وجوليت في بغداد، مسرحية تثير الجدل
- شعارنا، لا حرامي ولا اوبامي
- آنيت هينمان...صوت يعلو على أصواتنا
- حمندي


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - أحزان الدم