أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - 1979














المزيد.....

1979


فيحاء السامرائي

الحوار المتمدن-العدد: 4068 - 2013 / 4 / 20 - 16:23
المحور: الادب والفن
    


1979

بفرح جاهز يحلّ مرة كل عام، يطلبون منه إطفاء شموع ترصّها على سطح كعكة مزينة بقشدة وألوان، يتردد قليلاً بعدما كان يفعلها صاغراً منذ زمن...يوم مجيئه للحياة ودخوله الدار، يدخل معه حزن ملفوف بكفن ودموع، تسبقه جثة عمّ كان نزيل دائرة أمن...وهوطفل يملأ البيت بصراخهجلباً للانتباه، لم تتطلع اليه بفرح عيون خال فرّ الى مكان مجهول، ولم تفرح به جدّة تحتضن بدله بيجاما لغائب، تنذر نفسها في انتظار عودته...ويوم مرور عام على ولادته، ينفخ والده بعجالة شمعته الاولى، مرتدياً ملابس عسكرية وبسطالاً ثقيلاً، حاملاً حقيبة سفر، تنتظره سيارة قرب باب الدار، وتأخذه الى جبهات قتال نشب للتو، يطول أمده ويحول دون حضور والده لثلاث سنين متتالية الى مراسيم إطفاء الشموع وتناول كعكة مزينة بالقشدة والألوان، رغم أنه كان متهياً لإسماعه نشيد عن بط يسبح في الشط وغزالة غزّلوها ثم دعبلوها بالماء...في السنة التالية، تمرّ ذكرى يوم ولادته بصمت، احتراماً لجار استشهد في الحرب... ويحزن، حينما لم يحضر جاره وزميله في المدرسة، عيد ميلاده التالي...ما معنى مهجّر؟ ولماذا يحل في دار صديقه رجال غلاط تخيفه سحنات قاسية لهم؟ لايدري...يعتاد على لون أسود يمتد في الدار وحوله، وصمت يغلّف عمّة حزينة، تأتي لتسكن معهم، كما ويألف أغان لقائد يحثّ بشبق أتباعه للمضي الى كل ماهو عكس الحياة، وصورته على الجدار، لا يدري أيضاً لماذا لا تتعاطف نظرات والدته معها، بل وتغرق في بكاء أسود وثوب أسود وقلق أسود خوفاً عليه، ثم تعود وتعلق صورة أخرى بشريط أسود، لوالد يشتاق اليه، ويجتهد في نطق اسمه أمام المرآة كل يوم :

" بابا، بابا، حصلت على المرتبة الاولى، أحتاج الى توقيع ولي الأمر على شهادتي المدرسية، أقتنع لو تأتي فقط وتحملني على كتفك وتلف بي كما كنت تفعل في إجازاتك القليلة، حسنا تعال واطفأ معي شمعات تكاثرت فوق كعكة عيد ميلادي...لو تعلم، حتى زغب شوارب نبت لي لم يكن يحمني من خوفي وسقوط قلبي هلعاً من أصوات مرعبة لطيارات وعصف صواريخ، هي الحرب مرة أخرى يا أبي"

تصمّ أمه أذنيه من قصف وقنابل، وتحتضنه كي يهدأ رغم أنه أصبح شاباً في مطلع عشريناته، تهرم أمه ولا تترك مكانها قبالة ماكنة خياطة مستهلكة، تجلب اليه من شغلها، ثمن كعكة معمولة من دبس وطحين متعفن، تضع عليها شمعات لا تشتعل وهي تقول مازحة: " شغل حصار"...كلمة تصير مألوفة، تبرّر كل فعل وكل لافعل، تفتح أبواب حرمانات لا تحصى ولا ترحم...وهو الآن شاب، بجسم فتي بحاجة لتغذية، وذهن طازج بحاجة لعلم، وعاشق غض بحاجة الى مظهر لائق وجيب عامر بنقود، يشتري بها هدية لحبيبة، لايبخل عليها مال الدنيا لو كان يملكه...حبيبة أصبحت زوجته بمعجزة لا يصدّق حدوثها في سير تاريخ مشؤوم لحياته، في ظروف خرافية يمرّ بها يومياً...كل صباح حينما يذهب الى عمله، تودعه أمه بدموع الوداع الأخير، لا تدري فيما لو يعود سالماً كاملاً، أو قطعاً متفحمة، تدلّها عليه هوية في موقع انفجار...يتلفت باشمئزاز حوله، سوء خدمات، سيطرات، ازدحامات، غبار غريب، أنابيب صرف صحية فائضة، فوضى وأخبار تخلو من مسرّات...وعندما يعود في المساء، يشغّل مولّدة الكهرباء، يحضر فواتح قريبة، يقدّم تعازٍ، يحرق قمامة، يصلّح ما يعطل من حاجيات، يبحث عن غاز وديزل وماء صالح للشرب، عن دواء مفقود وطبيب لم يفر من البلد أو يغتاله أحد، ولا يعرف متى ينام ومتى يصحو، وكيف تمضي أيامه وتواريخها، حتى يحلّ يوم عيد ميلاده، يذكرّه به أحدهم...
وهو يهمّ باطفاء الشموع، كي لا يطفئ بسمات على شفاه من يحب، ينطلق صوت مدوٍ قاتل من منطقة ليست بعيدة، يهزّ طاولة أمامه، تسقط منها أقداح وتتكسر... يغيب في سكون ضاج وذهول...يمد يده نحو بطن منتفخ لزوجته، يتحسسها...ينتزع فجأة شموعاً من كعكته، ويهرع نحو الشارع...بعد لحظات، يسمع صوته من في الدار والدور الأخرى والمحلة والمدينة والبلد كله:

- يا ناس، أنا المتعوس ابن الشقي ابن البائس، من مواليد عام 1979، أحتفل بعمر لم أعشه، اليوم عيد ميلاد لم يحضره صديق لي لأنه مقتول، ويغيب عنه آخر مشلول، وآخر مهاجر، وواحد مفقود، وزميل مسجون أو مجنون أو محزون...لم يحضره أب قضي في حروب الطغاة، وعمّ مات تحت التعذيب، وخال اختفى ولم يعد، وغيرهم آخرين كثيرين أحبهم... يا أولاد الكلب، أريد أن أحيا...أريد عمراً ضاع مني، أريد أن يحيا ابني في عالم غير الذي خبرته، يا أولاد الكلب، هل هذا كثير عليّ وعلى ابني؟ يا أولاد الـ...

متفرجون موجوعون ومتطوعون يجمعون قطعاً بشرية متفحّمة داخل أكياس، يشاهدونه يسير نحو موقع الانفجار، وهو يحمل شموعاً موقدة يتساقط دمعها على يديه ويختلط مع دمعه...يهزون رؤوسهم أسفاً، ويواصلون بحلقتهم أوعملهم...



#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جهشات الفراشات
- في الطريق
- مسرحية (ليالي عربية) بسماء ثورية
- عاتم أنوار
- سينما من اجل التغيير
- هلاوس
- المقامة الدمشقية 2-3/3
- المقامة الدمشقية
- المضطرمات في العُقد
- كل النساء جميلات
- روميو وجوليت في بغداد، مسرحية تثير الجدل
- شعارنا، لا حرامي ولا اوبامي
- آنيت هينمان...صوت يعلو على أصواتنا
- حمندي
- و...يحمل آلام القصيدة
- العودة الى الوطن
- السينما العراقية بعد 2003...رحيل وتذكر - الرحيل من بغداد
- سيدة الشرفة
- البعد الانساني في فيلم (إبن بابل)
- نفحات من ميدان التحرير (شهادة شاهدة عيان)


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - 1979