أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الله دالي - قصة قصيره الكتابة على الرصيف















المزيد.....



قصة قصيره الكتابة على الرصيف


محمد عبد الله دالي

الحوار المتمدن-العدد: 4445 - 2014 / 5 / 6 - 22:02
المحور: الادب والفن
    



قصة قصيرة
يومياً يستمع إلى أوامرها انتبه إلى قيافتك , القميص غير منظم , لماذا لاتكويه جيداً , امشي على الرصيفِ ، الوضع غير جيد , ولا تكن فضولياً ، ابتعد عن إي حادث .. استر علينا الله يستر عليك .. كانت الإجابة :ـ
ـ صار تتدللين .
ـ لاتنسى علاقة التسوق .
ـ قال وهو يبتسم أمرك سيدتي , هل من أوامر أُخرى ؟ أقترب منها قليلا وهمس بإذنها
ـ أم لطيف لا زلت تحنين لأيام زمان ؟
ـ يا رجل ,كبرنا على هذه المغازلة , بعدما رحل المرحوم لطيف ,ذهبت دماؤه سداً,كان ضحية نزوة من نزوات الطغاة ,وسفر أخته مع زوجها إلى الخارج , ثم انقطاع أخبارهما.. إيه .. إيه وما عندي غيرك !
تسمرت عيناه على المرآة , سحب نفسا ملا صدره من دخان سيارته شكل ساترا من الضباب الداكن بينهما وبهدوء فتح باب البيت , تبعته رشة من الماء اعتادت عليها , يودعها بابتسامة خفيفة , ويهز رأسه :ــ قائلا (عقول) أخذته



موجة الزحام , كان يوماً امتاز بحركة عملٍ تلفت النظر , الباعة كل ينادي بطريقة الخاصة , شيء من الهدوء كان يقطع شريط الضوضاء بين الحين والآخر , كان أول من يصل إلى دائرته منذ ثلاثين عاما وهو على هذه الحال...
ــ تسأله عاملة التنظيف في الدائرة :ــ
ــ جئت مبكراً يا أبا لطيف ؟
ــ يجيبها من يكمل معاملات الناس يا أختي .
يجلسُ على كرسيه القديم وإمام الطاولة , ونفس ديكور الغرفة برفوفها المتهالكة , بدأ بتحضير كل مستلزمات العمل ، ثم ينظر إلى قلمه الجاف , يرفعه للضوء , ليرى ما تبقى منه , هل يوصله إلى نهاية الشهر , أو يشتري على حسابه الخاص .. يحدث نفسه .. على كل حال تمشي والعمر مضى .. كانت حركة يداه تدل على عدم الرضا . يجلسُ بهدوء , ينتظر أول مراجع , يداه على الطاولة ، يجري مع نفسه مقابلة وحديث شامل مع ذكرياته الطويلة .
ــ يا أبا لطيف ،كم مرة صرت عصبياً ؟ وكم مرة تمتعتًَ فيها بإجازة؟ .
وكم معاملة أنجزت ؟ كانت إجابته نعم أصبحت عصبيا,والسب بعض المراجعين ,وآلاف المعاملات, أنجزت والحمد لله على كل حال , كل حال .
ــ أبا لطيف ما تفعل بعد الدوام .



سؤال حاول عدم الإجابة عليه , نظره من خلال النافذة الى شجرة الكالبتوس ، تذًكرَ أول يوم زُرِعت فيه ، إنها بطول عمره الوظيفي ، نظارته لاتفارقها حتى أصبحت صورة طبق الأصل في ذهنه ، حاول تغيير مجرى الحديث ، فوجد أن الإجابة إجبارية ، ضربَ بقبضته الطاولة بصورة لا إرادية، العمل عبادة ، هكذا قال الحديث الشريف ، هذه المرة كانت الإجابة مسموعة .
التفتت عاملة التنظيف ، وهي تمسح ممر البناية ، ــ ها أبو لطيف اليوم تتحدث مع نفسك وبصوت عالي !!
ــ لا..لا...لا يوجد شيء مجرد هذيان .
كان يوم شاق ,.. لكثرة المراجعين .. وبين فترة وأخرى ينظر إلى مروحة غرفته ، التي عمرها عمر البناية .. متى تدور ويتمتع بهوائها , يحدث نفسه .. وبماذا تدور ،والكهرباء .. والله اعلم متى نتشرف بمجيئها ، هل يتركنا الغرباء , اللهم العن لساني ، رَتَبَ غرفته , وأغلق خزانته الملفات وحفظ أوراقه في درج الطاولة , , ودع زملاءه وفي يده علاقته المطوية بشكل جيد ، مروره بالسوق المجاور لدائرة أصبح ضرورياً أو فرضاً لابد منه ، وعندما يدخل على أم لطيف وهو في الباب ، اعتاد أن يصيح :ــ
ــ أم لطيف ؟
ــ تجيب من داخلٍ المطبخ ... نعم الله يساعدك .. أهلا ابو الخير ..!
ــ الحالة لاتطاق .. الكل عصبي ، الناس تتشاجر مع نفسها ، تخاف تتحدث مع بائع الخضروات ، وتقول هذه السلعة غير جيدة تعبانه ،



سرعان ما يفرغ الكيس ويقول ــ اشتري من غيري ــ ماذا حصل للناس سترك يا رب .
ــ ياعيني ارتاح لماذا تحمل هموم الناس ، الناس تعبانه حقها . هل هذه ظروف يعيشها شعب ؟ أما سمعت المثل ( إذا وقع الجمل كثرة سكاكينه) .
ــ إيه على حسابك هذا ، تظل العلم تأكل لحمنا . الله على الظالم .اغتسل وغير ملابسه بملابس العمل ، وضعت أمامه الطعام .
ــ تعالي يا أمراه صارت عندي حساسية ،وحتى من أنام أحلم بيه .
ــ ما عندي غير العدس والفاصوليا ـ يا عيني أنت اشتريته أليس كذلك ؟
ـــ أقول أمري لله . نحن ملوك الأرض ،هذا مصيرنا ،نركض والعشاء خباز .
ــ أجابته ألم تسمع ( الجمل يحمل الذهب ويأكل العاقول )؟
ــ أم لطيف هذه مؤامرة كبيره ،مادام الجماعة دخلوا للمنطقة إقرأي عليها السلام يريدون أن يجربوا ديمقراطية السوق ،مثل ما فعلوه بدول كانت كبرى ...!!
ــ أبو لطيف يرحم ذاك الأب ، ألا تترك كلام الجرائد ، وتتوكل .
ــ صار أمرك سيدي آلامر .
وضع طاقيته على رأسه لتحميه من الشمس .



ـــ سألها اين صندوق الكارتون ؟
ـــ على الدرج .
حمل الصندوق وهو مملوء ببعض الحاجيات المنوعة ، وهمً
ــ أجابها يأخذون مكاني ، ألا تدرين الرصيف مقسًم .. خرج يحمل صندوقه ,ـــ كأنه صندوق الدنيا ــ ، تعب على تعب خطوات والتفت إلى الباب ، افتقد أم لطيف أكمل الطريق ، وهو يقول ــ عندها صداع هذا اليوم أو نسيت رش الماء .. ابتسم مسلياً نفسه .!
وصل إلى مكانه انزل الكارتون وفرش الكيس وبعض الأوراق ،
،وبسط بضاعته ، أمشاط وقداحات ،وفرش أسنان ومعجون ، ومستلزمات خياطه ،وبعض لعب الأطفال وما تحتاجه ربت البيت من السوق ، بعد ان انتهى ادخل السبابة والإبهام وسحب سيكارة من جيبه ، وهو يتبادل الحديث مع زملاءه أشعلها ببطء ونظر إليها بإمعان كأنه فارقها منذ زمن ، ومن خلال الدخان المتصاعد ،سأل الجالس بجواره :ــ
ــ اليوم غير عادي .!
ــ هدوء نسبي ، والناس تريد فرصة للخروج .؟
ــ ألا تدري يا أخي ، افتقدنا الأمان والضحكة الحلوة
ــ أجابه.. حتما نفتقدها !من ا لذي أرغمك على الجلوس في الشارع بعد التعب ،أليس الطغاة ؟



من هو سبب التدمير والخراب ؟ أليس الدكتاوريه ؟
ـــ يا أبا لطيف مع الأسف أشقاؤك انقلبوا عليك كأنهم يطلبونك بثأر قديم ، لكن صدقني الظلم لا يدوم . وصدقني كذلك إن إرادة الشعب فوق كل شيء إلا إرادة الله . ولابد أن يأتي اليوم الموعود .
ــ أسألك الحكومة شكلت أم لا ؟ أنا لم اقرأ صحف اليوم .!
ــ صحيح ، ويأتيك بالاخبارمن لم تزودي .
وهما يتحادثان ن فجأةً دوى انفجار رهيب غطى السوق بالنار والدخان الكثيف ،تعالى الصراخ ، عمت السوق الفوضى ،والركض بكل اتجاه , من سلم من الانفجار هرب ببضاعته , من الخوف , الكل لا يعرف صاحبه إلا أبا لطيف , ظلً متكأً على الحائط , مدً يدَهُ إلى صدرهِ وتحسسَ رأسه , إنها دماء ساخنة لزجة , تنزف منه بغزارة شعرَ بدوار ، وشيء يطبق أجفانه ، كتب بدمه بالسبابةِ على الأرض :ــ أُم لطيف هذا مكاني ولا تنسي أن يرشي الماء ... وأغمض عينيه ..!! .. ؟


محمد عبد الله دالي
في حزيران/ 2004

























الكتابة على الرصيف
قصة قصيرة
يومياً يستمع إلى أوامرها انتبه إلى قيافتك , القميص غير منظم , لماذا لاتكويه جيداً , امشي على الرصيفِ ، الوضع غير جيد , ولا تكن فضولياً ، ابتعد عن إي حادث .. استر علينا الله يستر عليك .. كانت الإجابة :ـ
ـ صار تتدللين .
ـ لاتنسى علاقة التسوق .
ـ قال وهو يبتسم أمرك سيدتي , هل من أوامر أُخرى ؟ أقترب منها قليلا وهمس بإذنها
ـ أم لطيف لا زلت تحنين لأيام زمان ؟
ـ يا رجل ,كبرنا على هذه المغازلة , بعدما رحل المرحوم لطيف ,ذهبت دماؤه سداً,كان ضحية نزوة من نزوات الطغاة ,وسفر أخته مع زوجها إلى الخارج , ثم انقطاع أخبارهما.. إيه .. إيه وما عندي غيرك !
تسمرت عيناه على المرآة , سحب نفسا ملا صدره من دخان سيارته شكل ساترا من الضباب الداكن بينهما وبهدوء فتح باب البيت , تبعته رشة من الماء اعتادت عليها , يودعها بابتسامة خفيفة , ويهز رأسه :ــ قائلا (عقول) أخذته



موجة الزحام , كان يوماً امتاز بحركة عملٍ تلفت النظر , الباعة كل ينادي بطريقة الخاصة , شيء من الهدوء كان يقطع شريط الضوضاء بين الحين والآخر , كان أول من يصل إلى دائرته منذ ثلاثين عاما وهو على هذه الحال...
ــ تسأله عاملة التنظيف في الدائرة :ــ
ــ جئت مبكراً يا أبا لطيف ؟
ــ يجيبها من يكمل معاملات الناس يا أختي .
يجلسُ على كرسيه القديم وإمام الطاولة , ونفس ديكور الغرفة برفوفها المتهالكة , بدأ بتحضير كل مستلزمات العمل ، ثم ينظر إلى قلمه الجاف , يرفعه للضوء , ليرى ما تبقى منه , هل يوصله إلى نهاية الشهر , أو يشتري على حسابه الخاص .. يحدث نفسه .. على كل حال تمشي والعمر مضى .. كانت حركة يداه تدل على عدم الرضا . يجلسُ بهدوء , ينتظر أول مراجع , يداه على الطاولة ، يجري مع نفسه مقابلة وحديث شامل مع ذكرياته الطويلة .
ــ يا أبا لطيف ،كم مرة صرت عصبياً ؟ وكم مرة تمتعتًَ فيها بإجازة؟ .
وكم معاملة أنجزت ؟ كانت إجابته نعم أصبحت عصبيا,والسب بعض المراجعين ,وآلاف المعاملات, أنجزت والحمد لله على كل حال , كل حال .
ــ أبا لطيف ما تفعل بعد الدوام .



سؤال حاول عدم الإجابة عليه , نظره من خلال النافذة الى شجرة الكالبتوس ، تذًكرَ أول يوم زُرِعت فيه ، إنها بطول عمره الوظيفي ، نظارته لاتفارقها حتى أصبحت صورة طبق الأصل في ذهنه ، حاول تغيير مجرى الحديث ، فوجد أن الإجابة إجبارية ، ضربَ بقبضته الطاولة بصورة لا إرادية، العمل عبادة ، هكذا قال الحديث الشريف ، هذه المرة كانت الإجابة مسموعة .
التفتت عاملة التنظيف ، وهي تمسح ممر البناية ، ــ ها أبو لطيف اليوم تتحدث مع نفسك وبصوت عالي !!
ــ لا..لا...لا يوجد شيء مجرد هذيان .
كان يوم شاق ,.. لكثرة المراجعين .. وبين فترة وأخرى ينظر إلى مروحة غرفته ، التي عمرها عمر البناية .. متى تدور ويتمتع بهوائها , يحدث نفسه .. وبماذا تدور ،والكهرباء .. والله اعلم متى نتشرف بمجيئها ، هل يتركنا الغرباء , اللهم العن لساني ، رَتَبَ غرفته , وأغلق خزانته الملفات وحفظ أوراقه في درج الطاولة , , ودع زملاءه وفي يده علاقته المطوية بشكل جيد ، مروره بالسوق المجاور لدائرة أصبح ضرورياً أو فرضاً لابد منه ، وعندما يدخل على أم لطيف وهو في الباب ، اعتاد أن يصيح :ــ
ــ أم لطيف ؟
ــ تجيب من داخلٍ المطبخ ... نعم الله يساعدك .. أهلا ابو الخير ..!
ــ الحالة لاتطاق .. الكل عصبي ، الناس تتشاجر مع نفسها ، تخاف تتحدث مع بائع الخضروات ، وتقول هذه السلعة غير جيدة تعبانه ،



سرعان ما يفرغ الكيس ويقول ــ اشتري من غيري ــ ماذا حصل للناس سترك يا رب .
ــ ياعيني ارتاح لماذا تحمل هموم الناس ، الناس تعبانه حقها . هل هذه ظروف يعيشها شعب ؟ أما سمعت المثل ( إذا وقع الجمل كثرة سكاكينه) .
ــ إيه على حسابك هذا ، تظل العلم تأكل لحمنا . الله على الظالم .اغتسل وغير ملابسه بملابس العمل ، وضعت أمامه الطعام .
ــ تعالي يا أمراه صارت عندي حساسية ،وحتى من أنام أحلم بيه .
ــ ما عندي غير العدس والفاصوليا ـ يا عيني أنت اشتريته أليس كذلك ؟
ـــ أقول أمري لله . نحن ملوك الأرض ،هذا مصيرنا ،نركض والعشاء خباز .
ــ أجابته ألم تسمع ( الجمل يحمل الذهب ويأكل العاقول )؟
ــ أم لطيف هذه مؤامرة كبيره ،مادام الجماعة دخلوا للمنطقة إقرأي عليها السلام يريدون أن يجربوا ديمقراطية السوق ،مثل ما فعلوه بدول كانت كبرى ...!!
ــ أبو لطيف يرحم ذاك الأب ، ألا تترك كلام الجرائد ، وتتوكل .
ــ صار أمرك سيدي آلامر .
وضع طاقيته على رأسه لتحميه من الشمس .



ـــ سألها اين صندوق الكارتون ؟
ـــ على الدرج .
حمل الصندوق وهو مملوء ببعض الحاجيات المنوعة ، وهمً
ــ أجابها يأخذون مكاني ، ألا تدرين الرصيف مقسًم .. خرج يحمل صندوقه ,ـــ كأنه صندوق الدنيا ــ ، تعب على تعب خطوات والتفت إلى الباب ، افتقد أم لطيف أكمل الطريق ، وهو يقول ــ عندها صداع هذا اليوم أو نسيت رش الماء .. ابتسم مسلياً نفسه .!
وصل إلى مكانه انزل الكارتون وفرش الكيس وبعض الأوراق ،
،وبسط بضاعته ، أمشاط وقداحات ،وفرش أسنان ومعجون ، ومستلزمات خياطه ،وبعض لعب الأطفال وما تحتاجه ربت البيت من السوق ، بعد ان انتهى ادخل السبابة والإبهام وسحب سيكارة من جيبه ، وهو يتبادل الحديث مع زملاءه أشعلها ببطء ونظر إليها بإمعان كأنه فارقها منذ زمن ، ومن خلال الدخان المتصاعد ،سأل الجالس بجواره :ــ
ــ اليوم غير عادي .!
ــ هدوء نسبي ، والناس تريد فرصة للخروج .؟
ــ ألا تدري يا أخي ، افتقدنا الأمان والضحكة الحلوة
ــ أجابه.. حتما نفتقدها !من ا لذي أرغمك على الجلوس في الشارع بعد التعب ،أليس الطغاة ؟



من هو سبب التدمير والخراب ؟ أليس الدكتاوريه ؟
ـــ يا أبا لطيف مع الأسف أشقاؤك انقلبوا عليك كأنهم يطلبونك بثأر قديم ، لكن صدقني الظلم لا يدوم . وصدقني كذلك إن إرادة الشعب فوق كل شيء إلا إرادة الله . ولابد أن يأتي اليوم الموعود .
ــ أسألك الحكومة شكلت أم لا ؟ أنا لم اقرأ صحف اليوم .!
ــ صحيح ، ويأتيك بالاخبارمن لم تزودي .
وهما يتحادثان ن فجأةً دوى انفجار رهيب غطى السوق بالنار والدخان الكثيف ،تعالى الصراخ ، عمت السوق الفوضى ،والركض بكل اتجاه , من سلم من الانفجار هرب ببضاعته , من الخوف , الكل لا يعرف صاحبه إلا أبا لطيف , ظلً متكأً على الحائط , مدً يدَهُ إلى صدرهِ وتحسسَ رأسه , إنها دماء ساخنة لزجة , تنزف منه بغزارة شعرَ بدوار ، وشيء يطبق أجفانه ، كتب بدمه بالسبابةِ على الأرض :ــ أُم لطيف هذا مكاني ولا تنسي أن يرشي الماء ... وأغمض عينيه ..!! .. ؟


محمد عبد الله دالي
في حزيران/ 2004

























الكتابة على الرصيف
قصة قصيرة
يومياً يستمع إلى أوامرها انتبه إلى قيافتك , القميص غير منظم , لماذا لاتكويه جيداً , امشي على الرصيفِ ، الوضع غير جيد , ولا تكن فضولياً ، ابتعد عن إي حادث .. استر علينا الله يستر عليك .. كانت الإجابة :ـ
ـ صار تتدللين .
ـ لاتنسى علاقة التسوق .
ـ قال وهو يبتسم أمرك سيدتي , هل من أوامر أُخرى ؟ أقترب منها قليلا وهمس بإذنها
ـ أم لطيف لا زلت تحنين لأيام زمان ؟
ـ يا رجل ,كبرنا على هذه المغازلة , بعدما رحل المرحوم لطيف ,ذهبت دماؤه سداً,كان ضحية نزوة من نزوات الطغاة ,وسفر أخته مع زوجها إلى الخارج , ثم انقطاع أخبارهما.. إيه .. إيه وما عندي غيرك !
تسمرت عيناه على المرآة , سحب نفسا ملا صدره من دخان سيارته شكل ساترا من الضباب الداكن بينهما وبهدوء فتح باب البيت , تبعته رشة من الماء اعتادت عليها , يودعها بابتسامة خفيفة , ويهز رأسه :ــ قائلا (عقول) أخذته



موجة الزحام , كان يوماً امتاز بحركة عملٍ تلفت النظر , الباعة كل ينادي بطريقة الخاصة , شيء من الهدوء كان يقطع شريط الضوضاء بين الحين والآخر , كان أول من يصل إلى دائرته منذ ثلاثين عاما وهو على هذه الحال...
ــ تسأله عاملة التنظيف في الدائرة :ــ
ــ جئت مبكراً يا أبا لطيف ؟
ــ يجيبها من يكمل معاملات الناس يا أختي .
يجلسُ على كرسيه القديم وإمام الطاولة , ونفس ديكور الغرفة برفوفها المتهالكة , بدأ بتحضير كل مستلزمات العمل ، ثم ينظر إلى قلمه الجاف , يرفعه للضوء , ليرى ما تبقى منه , هل يوصله إلى نهاية الشهر , أو يشتري على حسابه الخاص .. يحدث نفسه .. على كل حال تمشي والعمر مضى .. كانت حركة يداه تدل على عدم الرضا . يجلسُ بهدوء , ينتظر أول مراجع , يداه على الطاولة ، يجري مع نفسه مقابلة وحديث شامل مع ذكرياته الطويلة .
ــ يا أبا لطيف ،كم مرة صرت عصبياً ؟ وكم مرة تمتعتًَ فيها بإجازة؟ .
وكم معاملة أنجزت ؟ كانت إجابته نعم أصبحت عصبيا,والسب بعض المراجعين ,وآلاف المعاملات, أنجزت والحمد لله على كل حال , كل حال .
ــ أبا لطيف ما تفعل بعد الدوام .



سؤال حاول عدم الإجابة عليه , نظره من خلال النافذة الى شجرة الكالبتوس ، تذًكرَ أول يوم زُرِعت فيه ، إنها بطول عمره الوظيفي ، نظارته لاتفارقها حتى أصبحت صورة طبق الأصل في ذهنه ، حاول تغيير مجرى الحديث ، فوجد أن الإجابة إجبارية ، ضربَ بقبضته الطاولة بصورة لا إرادية، العمل عبادة ، هكذا قال الحديث الشريف ، هذه المرة كانت الإجابة مسموعة .
التفتت عاملة التنظيف ، وهي تمسح ممر البناية ، ــ ها أبو لطيف اليوم تتحدث مع نفسك وبصوت عالي !!
ــ لا..لا...لا يوجد شيء مجرد هذيان .
كان يوم شاق ,.. لكثرة المراجعين .. وبين فترة وأخرى ينظر إلى مروحة غرفته ، التي عمرها عمر البناية .. متى تدور ويتمتع بهوائها , يحدث نفسه .. وبماذا تدور ،والكهرباء .. والله اعلم متى نتشرف بمجيئها ، هل يتركنا الغرباء , اللهم العن لساني ، رَتَبَ غرفته , وأغلق خزانته الملفات وحفظ أوراقه في درج الطاولة , , ودع زملاءه وفي يده علاقته المطوية بشكل جيد ، مروره بالسوق المجاور لدائرة أصبح ضرورياً أو فرضاً لابد منه ، وعندما يدخل على أم لطيف وهو في الباب ، اعتاد أن يصيح :ــ
ــ أم لطيف ؟
ــ تجيب من داخلٍ المطبخ ... نعم الله يساعدك .. أهلا ابو الخير ..!
ــ الحالة لاتطاق .. الكل عصبي ، الناس تتشاجر مع نفسها ، تخاف تتحدث مع بائع الخضروات ، وتقول هذه السلعة غير جيدة تعبانه ،



سرعان ما يفرغ الكيس ويقول ــ اشتري من غيري ــ ماذا حصل للناس سترك يا رب .
ــ ياعيني ارتاح لماذا تحمل هموم الناس ، الناس تعبانه حقها . هل هذه ظروف يعيشها شعب ؟ أما سمعت المثل ( إذا وقع الجمل كثرة سكاكينه) .
ــ إيه على حسابك هذا ، تظل العلم تأكل لحمنا . الله على الظالم .اغتسل وغير ملابسه بملابس العمل ، وضعت أمامه الطعام .
ــ تعالي يا أمراه صارت عندي حساسية ،وحتى من أنام أحلم بيه .
ــ ما عندي غير العدس والفاصوليا ـ يا عيني أنت اشتريته أليس كذلك ؟
ـــ أقول أمري لله . نحن ملوك الأرض ،هذا مصيرنا ،نركض والعشاء خباز .
ــ أجابته ألم تسمع ( الجمل يحمل الذهب ويأكل العاقول )؟
ــ أم لطيف هذه مؤامرة كبيره ،مادام الجماعة دخلوا للمنطقة إقرأي عليها السلام يريدون أن يجربوا ديمقراطية السوق ،مثل ما فعلوه بدول كانت كبرى ...!!
ــ أبو لطيف يرحم ذاك الأب ، ألا تترك كلام الجرائد ، وتتوكل .
ــ صار أمرك سيدي آلامر .
وضع طاقيته على رأسه لتحميه من الشمس .



ـــ سألها اين صندوق الكارتون ؟
ـــ على الدرج .
حمل الصندوق وهو مملوء ببعض الحاجيات المنوعة ، وهمً
ــ أجابها يأخذون مكاني ، ألا تدرين الرصيف مقسًم .. خرج يحمل صندوقه ,ـــ كأنه صندوق الدنيا ــ ، تعب على تعب خطوات والتفت إلى الباب ، افتقد أم لطيف أكمل الطريق ، وهو يقول ــ عندها صداع هذا اليوم أو نسيت رش الماء .. ابتسم مسلياً نفسه .!
وصل إلى مكانه انزل الكارتون وفرش الكيس وبعض الأوراق ،
،وبسط بضاعته ، أمشاط وقداحات ،وفرش أسنان ومعجون ، ومستلزمات خياطه ،وبعض لعب الأطفال وما تحتاجه ربت البيت من السوق ، بعد ان انتهى ادخل السبابة والإبهام وسحب سيكارة من جيبه ، وهو يتبادل الحديث مع زملاءه أشعلها ببطء ونظر إليها بإمعان كأنه فارقها منذ زمن ، ومن خلال الدخان المتصاعد ،سأل الجالس بجواره :ــ
ــ اليوم غير عادي .!
ــ هدوء نسبي ، والناس تريد فرصة للخروج .؟
ــ ألا تدري يا أخي ، افتقدنا الأمان والضحكة الحلوة
ــ أجابه.. حتما نفتقدها !من ا لذي أرغمك على الجلوس في الشارع بعد التعب ،أليس الطغاة ؟



من هو سبب التدمير والخراب ؟ أليس الدكتاوريه ؟
ـــ يا أبا لطيف مع الأسف أشقاؤك انقلبوا عليك كأنهم يطلبونك بثأر قديم ، لكن صدقني الظلم لا يدوم . وصدقني كذلك إن إرادة الشعب فوق كل شيء إلا إرادة الله . ولابد أن يأتي اليوم الموعود .
ــ أسألك الحكومة شكلت أم لا ؟ أنا لم اقرأ صحف اليوم .!
ــ صحيح ، ويأتيك بالاخبارمن لم تزودي .
وهما يتحادثان ن فجأةً دوى انفجار رهيب غطى السوق بالنار والدخان الكثيف ،تعالى الصراخ ، عمت السوق الفوضى ،والركض بكل اتجاه , من سلم من الانفجار هرب ببضاعته , من الخوف , الكل لا يعرف صاحبه إلا أبا لطيف , ظلً متكأً على الحائط , مدً يدَهُ إلى صدرهِ وتحسسَ رأسه , إنها دماء ساخنة لزجة , تنزف منه بغزارة شعرَ بدوار ، وشيء يطبق أجفانه ، كتب بدمه بالسبابةِ على الأرض :ــ أُم لطيف هذا مكاني ولا تنسي أن يرشي الماء ... وأغمض عينيه ..!! .. ؟


محمد عبد الله دالي
في حزيران/ 2004
































الكتابة على الرصيف
قصة قصيرة
يومياً يستمع إلى أوامرها انتبه إلى قيافتك , القميص غير منظم , لماذا لاتكويه جيداً , امشي على الرصيفِ ، الوضع غير جيد , ولا تكن فضولياً ، ابتعد عن إي حادث .. استر علينا الله يستر عليك .. كانت الإجابة :ـ
ـ صار تتدللين .
ـ لاتنسى علاقة التسوق .
ـ قال وهو يبتسم أمرك سيدتي , هل من أوامر أُخرى ؟ أقترب منها قليلا وهمس بإذنها
ـ أم لطيف لا زلت تحنين لأيام زمان ؟
ـ يا رجل ,كبرنا على هذه المغازلة , بعدما رحل المرحوم لطيف ,ذهبت دماؤه سداً,كان ضحية نزوة من نزوات الطغاة ,وسفر أخته مع زوجها إلى الخارج , ثم انقطاع أخبارهما.. إيه .. إيه وما عندي غيرك !
تسمرت عيناه على المرآة , سحب نفسا ملا صدره من دخان سيارته شكل ساترا من الضباب الداكن بينهما وبهدوء فتح باب البيت , تبعته رشة من الماء اعتادت عليها , يودعها بابتسامة خفيفة , ويهز رأسه :ــ قائلا (عقول) أخذته



موجة الزحام , كان يوماً امتاز بحركة عملٍ تلفت النظر , الباعة كل ينادي بطريقة الخاصة , شيء من الهدوء كان يقطع شريط الضوضاء بين الحين والآخر , كان أول من يصل إلى دائرته منذ ثلاثين عاما وهو على هذه الحال...
ــ تسأله عاملة التنظيف في الدائرة :ــ
ــ جئت مبكراً يا أبا لطيف ؟
ــ يجيبها من يكمل معاملات الناس يا أختي .
يجلسُ على كرسيه القديم وإمام الطاولة , ونفس ديكور الغرفة برفوفها المتهالكة , بدأ بتحضير كل مستلزمات العمل ، ثم ينظر إلى قلمه الجاف , يرفعه للضوء , ليرى ما تبقى منه , هل يوصله إلى نهاية الشهر , أو يشتري على حسابه الخاص .. يحدث نفسه .. على كل حال تمشي والعمر مضى .. كانت حركة يداه تدل على عدم الرضا . يجلسُ بهدوء , ينتظر أول مراجع , يداه على الطاولة ، يجري مع نفسه مقابلة وحديث شامل مع ذكرياته الطويلة .
ــ يا أبا لطيف ،كم مرة صرت عصبياً ؟ وكم مرة تمتعتًَ فيها بإجازة؟ .
وكم معاملة أنجزت ؟ كانت إجابته نعم أصبحت عصبيا,والسب بعض المراجعين ,وآلاف المعاملات, أنجزت والحمد لله على كل حال , كل حال .
ــ أبا لطيف ما تفعل بعد الدوام .



سؤال حاول عدم الإجابة عليه , نظره من خلال النافذة الى شجرة الكالبتوس ، تذًكرَ أول يوم زُرِعت فيه ، إنها بطول عمره الوظيفي ، نظارته لاتفارقها حتى أصبحت صورة طبق الأصل في ذهنه ، حاول تغيير مجرى الحديث ، فوجد أن الإجابة إجبارية ، ضربَ بقبضته الطاولة بصورة لا إرادية، العمل عبادة ، هكذا قال الحديث الشريف ، هذه المرة كانت الإجابة مسموعة .
التفتت عاملة التنظيف ، وهي تمسح ممر البناية ، ــ ها أبو لطيف اليوم تتحدث مع نفسك وبصوت عالي !!
ــ لا..لا...لا يوجد شيء مجرد هذيان .
كان يوم شاق ,.. لكثرة المراجعين .. وبين فترة وأخرى ينظر إلى مروحة غرفته ، التي عمرها عمر البناية .. متى تدور ويتمتع بهوائها , يحدث نفسه .. وبماذا تدور ،والكهرباء .. والله اعلم متى نتشرف بمجيئها ، هل يتركنا الغرباء , اللهم العن لساني ، رَتَبَ غرفته , وأغلق خزانته الملفات وحفظ أوراقه في درج الطاولة , , ودع زملاءه وفي يده علاقته المطوية بشكل جيد ، مروره بالسوق المجاور لدائرة أصبح ضرورياً أو فرضاً لابد منه ، وعندما يدخل على أم لطيف وهو في الباب ، اعتاد أن يصيح :ــ
ــ أم لطيف ؟
ــ تجيب من داخلٍ المطبخ ... نعم الله يساعدك .. أهلا ابو الخير ..!
ــ الحالة لاتطاق .. الكل عصبي ، الناس تتشاجر مع نفسها ، تخاف تتحدث مع بائع الخضروات ، وتقول هذه السلعة غير جيدة تعبانه ،



سرعان ما يفرغ الكيس ويقول ــ اشتري من غيري ــ ماذا حصل للناس سترك يا رب .
ــ ياعيني ارتاح لماذا تحمل هموم الناس ، الناس تعبانه حقها . هل هذه ظروف يعيشها شعب ؟ أما سمعت المثل ( إذا وقع الجمل كثرة سكاكينه) .
ــ إيه على حسابك هذا ، تظل العلم تأكل لحمنا . الله على الظالم .اغتسل وغير ملابسه بملابس العمل ، وضعت أمامه الطعام .
ــ تعالي يا أمراه صارت عندي حساسية ،وحتى من أنام أحلم بيه .
ــ ما عندي غير العدس والفاصوليا ـ يا عيني أنت اشتريته أليس كذلك ؟
ـــ أقول أمري لله . نحن ملوك الأرض ،هذا مصيرنا ،نركض والعشاء خباز .
ــ أجابته ألم تسمع ( الجمل يحمل الذهب ويأكل العاقول )؟
ــ أم لطيف هذه مؤامرة كبيره ،مادام الجماعة دخلوا للمنطقة إقرأي عليها السلام يريدون أن يجربوا ديمقراطية السوق ،مثل ما فعلوه بدول كانت كبرى ...!!
ــ أبو لطيف يرحم ذاك الأب ، ألا تترك كلام الجرائد ، وتتوكل .
ــ صار أمرك سيدي آلامر .
وضع طاقيته على رأسه لتحميه من الشمس .



ـــ سألها اين صندوق الكارتون ؟
ـــ على الدرج .
حمل الصندوق وهو مملوء ببعض الحاجيات المنوعة ، وهمً
ــ أجابها يأخذون مكاني ، ألا تدرين الرصيف مقسًم .. خرج يحمل صندوقه ,ـــ كأنه صندوق الدنيا ــ ، تعب على تعب خطوات والتفت إلى الباب ، افتقد أم لطيف أكمل الطريق ، وهو يقول ــ عندها صداع هذا اليوم أو نسيت رش الماء .. ابتسم مسلياً نفسه .!
وصل إلى مكانه انزل الكارتون وفرش الكيس وبعض الأوراق ،
،وبسط بضاعته ، أمشاط وقداحات ،وفرش أسنان ومعجون ، ومستلزمات خياطه ،وبعض لعب الأطفال وما تحتاجه ربت البيت من السوق ، بعد ان انتهى ادخل السبابة والإبهام وسحب سيكارة من جيبه ، وهو يتبادل الحديث مع زملاءه أشعلها ببطء ونظر إليها بإمعان كأنه فارقها منذ زمن ، ومن خلال الدخان المتصاعد ،سأل الجالس بجواره :ــ
ــ اليوم غير عادي .!
ــ هدوء نسبي ، والناس تريد فرصة للخروج .؟
ــ ألا تدري يا أخي ، افتقدنا الأمان والضحكة الحلوة
ــ أجابه.. حتما نفتقدها !من ا لذي أرغمك على الجلوس في الشارع بعد التعب ،أليس الطغاة ؟



من هو سبب التدمير والخراب ؟ أليس الدكتاوريه ؟
ـــ يا أبا لطيف مع الأسف أشقاؤك انقلبوا عليك كأنهم يطلبونك بثأر قديم ، لكن صدقني الظلم لا يدوم . وصدقني كذلك إن إرادة الشعب فوق كل شيء إلا إرادة الله . ولابد أن يأتي اليوم الموعود .
ــ أسألك الحكومة شكلت أم لا ؟ أنا لم اقرأ صحف اليوم .!
ــ صحيح ، ويأتيك بالاخبارمن لم تزودي .
وهما يتحادثان ن فجأةً دوى انفجار رهيب غطى السوق بالنار والدخان الكثيف ،تعالى الصراخ ، عمت السوق الفوضى ،والركض بكل اتجاه , من سلم من الانفجار هرب ببضاعته , من الخوف , الكل لا يعرف صاحبه إلا أبا لطيف , ظلً متكأً على الحائط , مدً يدَهُ إلى صدرهِ وتحسسَ رأسه , إنها دماء ساخنة لزجة , تنزف منه بغزارة شعرَ بدوار ، وشيء يطبق أجفانه ، كتب بدمه بالسبابةِ على الأرض :ــ أُم لطيف هذا مكاني ولا تنسي أن يرشي الماء ... وأغمض عينيه ..!! .. ؟


محمد عبد الله دالي
في حزيران/ 2004




































الكتابة على الرصيف
قصة قصيرة
يومياً يستمع إلى أوامرها انتبه إلى قيافتك , القميص غير منظم , لماذا لاتكويه جيداً , امشي على الرصيفِ ، الوضع غير جيد , ولا تكن فضولياً ، ابتعد عن إي حادث .. استر علينا الله يستر عليك .. كانت الإجابة :ـ
ـ صار تتدللين .
ـ لاتنسى علاقة التسوق .
ـ قال وهو يبتسم أمرك سيدتي , هل من أوامر أُخرى ؟ أقترب منها قليلا وهمس بإذنها
ـ أم لطيف لا زلت تحنين لأيام زمان ؟
ـ يا رجل ,كبرنا على هذه المغازلة , بعدما رحل المرحوم لطيف ,ذهبت دماؤه سداً,كان ضحية نزوة من نزوات الطغاة ,وسفر أخته مع زوجها إلى الخارج , ثم انقطاع أخبارهما.. إيه .. إيه وما عندي غيرك !
تسمرت عيناه على المرآة , سحب نفسا ملا صدره من دخان سيارته شكل ساترا من الضباب الداكن بينهما وبهدوء فتح باب البيت , تبعته رشة من الماء اعتادت عليها , يودعها بابتسامة خفيفة , ويهز رأسه :ــ قائلا (عقول) أخذته



موجة الزحام , كان يوماً امتاز بحركة عملٍ تلفت النظر , الباعة كل ينادي بطريقة الخاصة , شيء من الهدوء كان يقطع شريط الضوضاء بين الحين والآخر , كان أول من يصل إلى دائرته منذ ثلاثين عاما وهو على هذه الحال...
ــ تسأله عاملة التنظيف في الدائرة :ــ
ــ جئت مبكراً يا أبا لطيف ؟
ــ يجيبها من يكمل معاملات الناس يا أختي .
يجلسُ على كرسيه القديم وإمام الطاولة , ونفس ديكور الغرفة برفوفها المتهالكة , بدأ بتحضير كل مستلزمات العمل ، ثم ينظر إلى قلمه الجاف , يرفعه للضوء , ليرى ما تبقى منه , هل يوصله إلى نهاية الشهر , أو يشتري على حسابه الخاص .. يحدث نفسه .. على كل حال تمشي والعمر مضى .. كانت حركة يداه تدل على عدم الرضا . يجلسُ بهدوء , ينتظر أول مراجع , يداه على الطاولة ، يجري مع نفسه مقابلة وحديث شامل مع ذكرياته الطويلة .
ــ يا أبا لطيف ،كم مرة صرت عصبياً ؟ وكم مرة تمتعتًَ فيها بإجازة؟ .
وكم معاملة أنجزت ؟ كانت إجابته نعم أصبحت عصبيا,والسب بعض المراجعين ,وآلاف المعاملات, أنجزت والحمد لله على كل حال , كل حال .
ــ أبا لطيف ما تفعل بعد الدوام .



سؤال حاول عدم الإجابة عليه , نظره من خلال النافذة الى شجرة الكالبتوس ، تذًكرَ أول يوم زُرِعت فيه ، إنها بطول عمره الوظيفي ، نظارته لاتفارقها حتى أصبحت صورة طبق الأصل في ذهنه ، حاول تغيير مجرى الحديث ، فوجد أن الإجابة إجبارية ، ضربَ بقبضته الطاولة بصورة لا إرادية، العمل عبادة ، هكذا قال الحديث الشريف ، هذه المرة كانت الإجابة مسموعة .
التفتت عاملة التنظيف ، وهي تمسح ممر البناية ، ــ ها أبو لطيف اليوم تتحدث مع نفسك وبصوت عالي !!
ــ لا..لا...لا يوجد شيء مجرد هذيان .
كان يوم شاق ,.. لكثرة المراجعين .. وبين فترة وأخرى ينظر إلى مروحة غرفته ، التي عمرها عمر البناية .. متى تدور ويتمتع بهوائها , يحدث نفسه .. وبماذا تدور ،والكهرباء .. والله اعلم متى نتشرف بمجيئها ، هل يتركنا الغرباء , اللهم العن لساني ، رَتَبَ غرفته , وأغلق خزانته الملفات وحفظ أوراقه في درج الطاولة , , ودع زملاءه وفي يده علاقته المطوية بشكل جيد ، مروره بالسوق المجاور لدائرة أصبح ضرورياً أو فرضاً لابد منه ، وعندما يدخل على أم لطيف وهو في الباب ، اعتاد أن يصيح :ــ
ــ أم لطيف ؟
ــ تجيب من داخلٍ المطبخ ... نعم الله يساعدك .. أهلا ابو الخير ..!
ــ الحالة لاتطاق .. الكل عصبي ، الناس تتشاجر مع نفسها ، تخاف تتحدث مع بائع الخضروات ، وتقول هذه السلعة غير جيدة تعبانه ،



سرعان ما يفرغ الكيس ويقول ــ اشتري من غيري ــ ماذا حصل للناس سترك يا رب .
ــ ياعيني ارتاح لماذا تحمل هموم الناس ، الناس تعبانه حقها . هل هذه ظروف يعيشها شعب ؟ أما سمعت المثل ( إذا وقع الجمل كثرة سكاكينه) .
ــ إيه على حسابك هذا ، تظل العلم تأكل لحمنا . الله على الظالم .اغتسل وغير ملابسه بملابس العمل ، وضعت أمامه الطعام .
ــ تعالي يا أمراه صارت عندي حساسية ،وحتى من أنام أحلم بيه .
ــ ما عندي غير العدس والفاصوليا ـ يا عيني أنت اشتريته أليس كذلك ؟
ـــ أقول أمري لله . نحن ملوك الأرض ،هذا مصيرنا ،نركض والعشاء خباز .
ــ أجابته ألم تسمع ( الجمل يحمل الذهب ويأكل العاقول )؟
ــ أم لطيف هذه مؤامرة كبيره ،مادام الجماعة دخلوا للمنطقة إقرأي عليها السلام يريدون أن يجربوا ديمقراطية السوق ،مثل ما فعلوه بدول كانت كبرى ...!!
ــ أبو لطيف يرحم ذاك الأب ، ألا تترك كلام الجرائد ، وتتوكل . ــ صار أمرك سيدي آلامر .
وضع طاقيته على رأسه لتحميه من الشمس .



ـــ سألها اين صندوق الكارتون ؟
ـــ على الدرج .
حمل الصندوق وهو مملوء ببعض الحاجيات المنوعة ، وهمً
ــ أجابها يأخذون مكاني ، ألا تدرين الرصيف مقسًم .. خرج يحمل صندوقه ,ـــ كأنه صندوق الدنيا ــ ، تعب على تعب خطوات والتفت إلى الباب ، افتقد أم لطيف أكمل الطريق ، وهو يقول ــ عندها صداع هذا اليوم أو نسيت رش الماء .. ابتسم مسلياً نفسه .!
وصل إلى مكانه انزل الكارتون وفرش الكيس وبعض الأوراق ،
،وبسط بضاعته ، أمشاط وقداحات ،وفرش أسنان ومعجون ، ومستلزمات خياطه ،وبعض لعب الأطفال وما تحتاجه ربت البيت من السوق ، بعد ان انتهى ادخل السبابة والإبهام وسحب سيكارة من جيبه ، وهو يتبادل الحديث مع زملاءه أشعلها ببطء ونظر إليها بإمعان كأنه فارقها منذ زمن ، ومن خلال الدخان المتصاعد ،سأل الجالس بجواره :ــ
ــ اليوم غير عادي .!
ــ هدوء نسبي ، والناس تريد فرصة للخروج .؟
ــ ألا تدري يا أخي ، افتقدنا الأمان والضحكة الحلوة
ــ أجابه.. حتما نفتقدها !من ا لذي أرغمك على الجلوس في الشارع بعد التعب ،أليس الطغاة ؟



من هو سبب التدمير والخراب ؟ أليس الدكتاوريه ؟
ـــ يا أبا لطيف مع الأسف أشقاؤك انقلبوا عليك كأنهم يطلبونك بثأر قديم ، لكن صدقني الظلم لا يدوم . وصدقني كذلك إن إرادة الشعب فوق كل شيء إلا إرادة الله . ولابد أن يأتي اليوم الموعود .
ــ أسألك الحكومة شكلت أم لا ؟ أنا لم اقرأ صحف اليوم .!
ــ صحيح ، ويأتيك بالاخبارمن لم تزودي .
وهما يتحادثان ن فجأةً دوى انفجار رهيب غطى السوق بالنار والدخان الكثيف ،تعالى الصراخ ، عمت السوق الفوضى ،والركض بكل اتجاه , من سلم من الانفجار هرب ببضاعته , من الخوف , الكل لا يعرف صاحبه إلا أبا لطيف , ظلً متكأً على الحائط , مدً يدَهُ إلى صدرهِ وتحسسَ رأسه , إنها دماء ساخنة لزجة , تنزف منه بغزارة شعرَ بدوار ، وشيء يطبق أجفانه ، كتب بدمه بالسبابةِ على الأرض :ــ أُم لطيف هذا مكاني ولا تنسي أن يرشي الماء ... وأغمض عينيه ..!! .. ؟


محمد عبد الله دالي
في حزيران/ 2004




































الكتابة على الرصيف
قصة قصيرة
يومياً يستمع إلى أوامرها انتبه إلى قيافتك , القميص غير منظم , لماذا لاتكويه جيداً , امشي على الرصيفِ ، الوضع غير جيد , ولا تكن فضولياً ، ابتعد عن إي حادث .. استر علينا الله يستر عليك .. كانت الإجابة :ـ
ـ صار تتدللين .
ـ لاتنسى علاقة التسوق .
ـ قال وهو يبتسم أمرك سيدتي , هل من أوامر أُخرى ؟ أقترب منها قليلا وهمس بإذنها
ـ أم لطيف لا زلت تحنين لأيام زمان ؟
ـ يا رجل ,كبرنا على هذه المغازلة , بعدما رحل المرحوم لطيف ,ذهبت دماؤه سداً,كان ضحية نزوة من نزوات الطغاة ,وسفر أخته مع زوجها إلى الخارج , ثم انقطاع أخبارهما.. إيه .. إيه وما عندي غيرك !
تسمرت عيناه على المرآة , سحب نفسا ملا صدره من دخان سيارته شكل ساترا من الضباب الداكن بينهما وبهدوء فتح باب البيت , تبعته رشة من الماء اعتادت عليها , يودعها بابتسامة خفيفة , ويهز رأسه :ــ قائلا (عقول) أخذته



موجة الزحام , كان يوماً امتاز بحركة عملٍ تلفت النظر , الباعة كل ينادي بطريقة الخاصة , شيء من الهدوء كان يقطع شريط الضوضاء بين الحين والآخر , كان أول من يصل إلى دائرته منذ ثلاثين عاما وهو على هذه الحال...
ــ تسأله عاملة التنظيف في الدائرة :ــ
ــ جئت مبكراً يا أبا لطيف ؟
ــ يجيبها من يكمل معاملات الناس يا أختي .
يجلسُ على كرسيه القديم وإمام الطاولة , ونفس ديكور الغرفة برفوفها المتهالكة , بدأ بتحضير كل مستلزمات العمل ، ثم ينظر إلى قلمه الجاف , يرفعه للضوء , ليرى ما تبقى منه , هل يوصله إلى نهاية الشهر , أو يشتري على حسابه الخاص .. يحدث نفسه .. على كل حال تمشي والعمر مضى .. كانت حركة يداه تدل على عدم الرضا . يجلسُ بهدوء , ينتظر أول مراجع , يداه على الطاولة ، يجري مع نفسه مقابلة وحديث شامل مع ذكرياته الطويلة . ــ يا أبا لطيف ،كم مرة صرت عصبياً ؟ وكم مرة تمتعتًَ فيها بإجازة؟ .
وكم معاملة أنجزت ؟ كانت إجابته نعم أصبحت عصبيا,والسب بعض المراجعين ,وآلاف المعاملات, أنجزت والحمد لله على كل حال , كل حال .
ــ أبا لطيف ما تفعل بعد الدوام .



سؤال حاول عدم الإجابة عليه , نظره من خلال النافذة الى شجرة الكالبتوس ، تذًكرَ أول يوم زُرِعت فيه ، إنها بطول عمره الوظيفي ، نظارته لاتفارقها حتى أصبحت صورة طبق الأصل في ذهنه ، حاول تغيير مجرى الحديث ، فوجد أن الإجابة إجبارية ، ضربَ بقبضته الطاولة بصورة لا إرادية، العمل عبادة ، هكذا قال الحديث الشريف ، هذه المرة كانت الإجابة مسموعة .
التفتت عاملة التنظيف ، وهي تمسح ممر البناية ، ــ ها أبو لطيف اليوم تتحدث مع نفسك وبصوت عالي !!
ــ لا..لا...لا يوجد شيء مجرد هذيان .
كان يوم شاق ,.. لكثرة المراجعين .. وبين فترة وأخرى ينظر إلى مروحة غرفته ، التي عمرها عمر البناية .. متى تدور ويتمتع بهوائها , يحدث نفسه .. وبماذا تدور ،والكهرباء .. والله اعلم متى نتشرف بمجيئها ، هل يتركنا الغرباء , اللهم العن لساني ، رَتَبَ غرفته , وأغلق خزانته الملفات وحفظ أوراقه في درج الطاولة , , ودع زملاءه وفي يده علاقته المطوية بشكل جيد ، مروره بالسوق المجاور لدائرة أصبح ضرورياً أو فرضاً لابد منه ، وعندما يدخل على أم لطيف وهو في الباب ، اعتاد أن يصيح :ــ
ــ أم لطيف ؟
ــ تجيب من داخلٍ المطبخ ... نعم الله يساعدك .. أهلا ابو الخير ..!
ــ الحالة لاتطاق .. الكل عصبي ، الناس تتشاجر مع نفسها ، تخاف تتحدث مع بائع الخضروات ، وتقول هذه السلعة غير جيدة تعبانه ،



سرعان ما يفرغ الكيس ويقول ــ اشتري من غيري ــ ماذا حصل للناس سترك يا رب .
ــ ياعيني ارتاح لماذا تحمل هموم الناس ، الناس تعبانه حقها . هل هذه ظروف يعيشها شعب ؟ أما سمعت المثل ( إذا وقع الجمل كثرة سكاكينه) .
ــ إيه على حسابك هذا ، تظل العلم تأكل لحمنا . الله على الظالم .اغتسل وغير ملابسه بملابس العمل ، وضعت أمامه الطعام .
ــ تعالي يا أمراه صارت عندي حساسية ،وحتى من أنام أحلم بيه .
ــ ما عندي غير العدس والفاصوليا ـ يا عيني أنت اشتريته أليس كذلك ؟
ـــ أقول أمري لله . نحن ملوك الأرض ،هذا مصيرنا ،نركض والعشاء خباز .
ــ أجابته ألم تسمع ( الجمل يحمل الذهب ويأكل العاقول )؟
ــ أم لطيف هذه مؤامرة كبيره ،مادام الجماعة دخلوا للمنطقة إقرأي عليها السلام يريدون أن يجربوا ديمقراطية السوق ،مثل ما فعلوه بدول كانت كبرى ...!!
ــ أبو لطيف يرحم ذاك الأب ، ألا تترك كلام الجرائد ، وتتوكل .
ــ صار أمرك سيدي آلامر .
وضع طاقيته على رأسه لتحميه من الشمس .



ـــ سألها اين صندوق الكارتون ؟
ـــ على الدرج .
حمل الصندوق وهو مملوء ببعض الحاجيات المنوعة ، وهمً
ــ أجابها يأخذون مكاني ، ألا تدرين الرصيف مقسًم .. خرج يحمل صندوقه ,ـــ كأنه صندوق الدنيا ــ ، تعب على تعب خطوات والتفت إلى الباب ، افتقد أم لطيف أكمل الطريق ، وهو يقول ــ عندها صداع هذا اليوم أو نسيت رش الماء .. ابتسم مسلياً نفسه .!
وصل إلى مكانه انزل الكارتون وفرش الكيس وبعض الأوراق ،
،وبسط بضاعته ، أمشاط وقداحات ،وفرش أسنان ومعجون ، ومستلزمات خياطه ،وبعض لعب الأطفال وما تحتاجه ربت البيت من السوق ، بعد ان انتهى ادخل السبابة والإبهام وسحب سيكارة من جيبه ، وهو يتبادل الحديث مع زملاءه أشعلها ببطء ونظر إليها بإمعان كأنه فارقها منذ زمن ، ومن خلال الدخان المتصاعد ،سأل الجالس بجواره :ــ
ــ اليوم غير عادي .!
ــ هدوء نسبي ، والناس تريد فرصة للخروج .؟
ــ ألا تدري يا أخي ، افتقدنا الأمان والضحكة الحلوة
ــ أجابه.. حتما نفتقدها !من ا لذي أرغمك على الجلوس في الشارع بعد التعب ،أليس الطغاة ؟



من هو سبب التدمير والخراب ؟ أليس الدكتاوريه ؟
ـــ يا أبا لطيف مع الأسف أشقاؤك انقلبوا عليك كأنهم يطلبونك بثأر قديم ، لكن صدقني الظلم لا يدوم . وصدقني كذلك إن إرادة الشعب فوق كل شيء إلا إرادة الله . ولابد أن يأتي اليوم الموعود .
ــ أسألك الحكومة شكلت أم لا ؟ أنا لم اقرأ صحف اليوم .!
ــ صحيح ، ويأتيك بالاخبارمن لم تزودي .
وهما يتحادثان ن فجأةً دوى انفجار رهيب غطى السوق بالنار والدخان الكثيف ،تعالى الصراخ ، عمت السوق الفوضى ،والركض بكل اتجاه , من سلم من الانفجار هرب ببضاعته , من الخوف , الكل لا يعرف صاحبه إلا أبا لطيف , ظلً متكأً على الحائط , مدً يدَهُ إلى صدرهِ وتحسسَ رأسه , إنها دماء ساخنة لزجة , تنزف منه بغزارة شعرَ بدوار ، وشيء يطبق أجفانه ، كتب بدمه بالسبابةِ على الأرض :ــ أُم لطيف هذا مكاني ولا تنسي أن يرشي الماء ... وأغمض عينيه ..!! .. ؟


محمد عبد الله دالي
في حزيران/ 2004



























الكتابة على الرصيف
قصة قصيرة
يومياً يستمع إلى أوامرها انتبه إلى قيافتك , القميص غير منظم , لماذا لاتكويه جيداً , امشي على الرصيفِ ، الوضع غير جيد , ولا تكن فضولياً ، ابتعد عن إي حادث .. استر علينا الله يستر عليك .. كانت الإجابة :ـ
ـ صار تتدللين .
ـ لاتنسى علاقة التسوق .
ـ قال وهو يبتسم أمرك سيدتي , هل من أوامر أُخرى ؟ أقترب منها قليلا وهمس بإذنها
ـ أم لطيف لا زلت تحنين لأيام زمان ؟
ـ يا رجل ,كبرنا على هذه المغازلة , بعدما رحل المرحوم لطيف ,ذهبت دماؤه سداً,كان ضحية نزوة من نزوات الطغاة ,وسفر أخته مع زوجها إلى الخارج , ثم انقطاع أخبارهما.. إيه .. إيه وما عندي غيرك !
تسمرت عيناه على المرآة , سحب نفسا ملا صدره من دخان سيارته شكل ساترا من الضباب الداكن بينهما وبهدوء فتح باب البيت , تبعته رشة من الماء اعتادت عليها , يودعها بابتسامة خفيفة , ويهز رأسه :ــ قائلا (عقول) أخذته



موجة الزحام , كان يوماً امتاز بحركة عملٍ تلفت النظر , الباعة كل ينادي بطريقة الخاصة , شيء من الهدوء كان يقطع شريط الضوضاء بين الحين والآخر , كان أول من يصل إلى دائرته منذ ثلاثين عاما وهو على هذه الحال...
ــ تسأله عاملة التنظيف في الدائرة :ــ
ــ جئت مبكراً يا أبا لطيف ؟
ــ يجيبها من يكمل معاملات الناس يا أختي .
يجلسُ على كرسيه القديم وإمام الطاولة , ونفس ديكور الغرفة برفوفها المتهالكة , بدأ بتحضير كل مستلزمات العمل ، ثم ينظر إلى قلمه الجاف , يرفعه للضوء , ليرى ما تبقى منه , هل يوصله إلى نهاية الشهر , أو يشتري على حسابه الخاص .. يحدث نفسه .. على كل حال تمشي والعمر مضى .. كانت حركة يداه تدل على عدم الرضا . يجلسُ بهدوء , ينتظر أول مراجع , يداه على الطاولة ، يجري مع نفسه مقابلة وحديث شامل مع ذكرياته الطويلة .
ــ يا أبا لطيف ،كم مرة صرت عصبياً ؟ وكم مرة تمتعتًَ فيها بإجازة؟ .
وكم معاملة أنجزت ؟ كانت إجابته نعم أصبحت عصبيا,والسب بعض المراجعين ,وآلاف المعاملات, أنجزت والحمد لله على كل حال , كل حال .
ــ أبا لطيف ما تفعل بعد الدوام .



سؤال حاول عدم الإجابة عليه , نظره من خلال النافذة الى شجرة الكالبتوس ، تذًكرَ أول يوم زُرِعت فيه ، إنها بطول عمره الوظيفي ، نظارته لاتفارقها حتى أصبحت صورة طبق الأصل في ذهنه ، حاول تغيير مجرى الحديث ، فوجد أن الإجابة إجبارية ، ضربَ بقبضته الطاولة بصورة لا إرادية، العمل عبادة ، هكذا قال الحديث الشريف ، هذه المرة كانت الإجابة مسموعة .
التفتت عاملة التنظيف ، وهي تمسح ممر البناية ، ــ ها أبو لطيف اليوم تتحدث مع نفسك وبصوت عالي !!
ــ لا..لا...لا يوجد شيء مجرد هذيان .
كان يوم شاق ,.. لكثرة المراجعين .. وبين فترة وأخرى ينظر إلى مروحة غرفته ، التي عمرها عمر البناية .. متى تدور ويتمتع بهوائها , يحدث نفسه .. وبماذا تدور ،والكهرباء .. والله اعلم متى نتشرف بمجيئها ، هل يتركنا الغرباء , اللهم العن لساني ، رَتَبَ غرفته , وأغلق خزانته الملفات وحفظ أوراقه في درج الطاولة , , ودع زملاءه وفي يده علاقته المطوية بشكل جيد ، مروره بالسوق المجاور لدائرة أصبح ضرورياً أو فرضاً لابد منه ، وعندما يدخل على أم لطيف وهو في الباب ، اعتاد أن يصيح :ــ
ــ أم لطيف ؟
ــ تجيب من داخلٍ المطبخ ... نعم الله يساعدك .. أهلا ابو الخير ..!
ــ الحالة لاتطاق .. الكل عصبي ، الناس تتشاجر مع نفسها ، تخاف تتحدث مع بائع الخضروات ، وتقول هذه السلعة غير جيدة تعبانه ،



سرعان ما يفرغ الكيس ويقول ــ اشتري من غيري ــ ماذا حصل للناس سترك يا رب .
ــ ياعيني ارتاح لماذا تحمل هموم الناس ، الناس تعبانه حقها . هل هذه ظروف يعيشها شعب ؟ أما سمعت المثل ( إذا وقع الجمل كثرة سكاكينه) .
ــ إيه على حسابك هذا ، تظل العلم تأكل لحمنا . الله على الظالم .اغتسل وغير ملابسه بملابس العمل ، وضعت أمامه الطعام .
ــ تعالي يا أمراه صارت عندي حساسية ،وحتى من أنام أحلم بيه .
ــ ما عندي غير العدس والفاصوليا ـ يا عيني أنت اشتريته أليس كذلك ؟
ـــ أقول أمري لله . نحن ملوك الأرض ،هذا مصيرنا ،نركض والعشاء خباز .
ــ أجابته ألم تسمع ( الجمل يحمل الذهب ويأكل العاقول )؟
ــ أم لطيف هذه مؤامرة كبيره ،مادام الجماعة دخلوا للمنطقة إقرأي عليها السلام يريدون أن يجربوا ديمقراطية السوق ،مثل ما فعلوه بدول كانت كبرى ...!!
ــ أبو لطيف يرحم ذاك الأب ، ألا تترك كلام الجرائد ، وتتوكل .
ــ صار أمرك سيدي آلامر .
وضع طاقيته على رأسه لتحميه من الشمس .



ـــ سألها اين صندوق الكارتون ؟
ـــ على الدرج .
حمل الصندوق وهو مملوء ببعض الحاجيات المنوعة ، وهمً
ــ أجابها يأخذون مكاني ، ألا تدرين الرصيف مقسًم .. خرج يحمل صندوقه ,ـــ كأنه صندوق الدنيا ــ ، تعب على تعب خطوات والتفت إلى الباب ، افتقد أم لطيف أكمل الطريق ، وهو يقول ــ عندها صداع هذا اليوم أو نسيت رش الماء .. ابتسم مسلياً نفسه .!
وصل إلى مكانه انزل الكارتون وفرش الكيس وبعض الأوراق ،
،وبسط بضاعته ، أمشاط وقداحات ،وفرش أسنان ومعجون ، ومستلزمات خياطه ،وبعض لعب الأطفال وما تحتاجه ربت البيت من السوق ، بعد ان انتهى ادخل السبابة والإبهام وسحب سيكارة من جيبه ، وهو يتبادل الحديث مع زملاءه أشعلها ببطء ونظر إليها بإمعان كأنه فارقها منذ زمن ، ومن خلال الدخان المتصاعد ،سأل الجالس بجواره :ــ
ــ اليوم غير عادي .!
ــ هدوء نسبي ، والناس تريد فرصة للخروج .؟
ــ ألا تدري يا أخي ، افتقدنا الأمان والضحكة الحلوة
ــ أجابه.. حتما نفتقدها !من ا لذي أرغمك على الجلوس في الشارع بعد التعب ،أليس الطغاة ؟



من هو سبب التدمير والخراب ؟ أليس الدكتاوريه ؟
ـــ يا أبا لطيف مع الأسف أشقاؤك انقلبوا عليك كأنهم يطلبونك بثأر قديم ، لكن صدقني الظلم لا يدوم . وصدقني كذلك إن إرادة الشعب فوق كل شيء إلا إرادة الله . ولابد أن يأتي اليوم الموعود .
ــ أسألك الحكومة شكلت أم لا ؟ أنا لم اقرأ صحف اليوم .!
ــ صحيح ، ويأتيك بالاخبارمن لم تزودي .
وهما يتحادثان ن فجأةً دوى انفجار رهيب غطى السوق بالنار والدخان الكثيف ،تعالى الصراخ ، عمت السوق الفوضى ،والركض بكل اتجاه , من سلم من الانفجار هرب ببضاعته , من الخوف , الكل لا يعرف صاحبه إلا أبا لطيف , ظلً متكأً على الحائط , مدً يدَهُ إلى صدرهِ وتحسسَ رأسه , إنها دماء ساخنة لزجة , تنزف منه بغزارة شعرَ بدوار ، وشيء يطبق أجفانه ، كتب بدمه بالسبابةِ على الأرض :ــ أُم لطيف هذا مكاني ولا تنسي أن يرشي الماء ... وأغمض عينيه ..!! .. ؟


محمد عبد الله دالي
في حزيران/ 2004


























































#محمد_عبد_الله_دالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاصرار على الحريه قصة قصيره
- الطبقه العامله ونضالها ضد الظلم والاستبداد
- في المزاد العلني
- المتغيرات في تركيبة الطبقة العاملة
- ربيع أمرأة في السبعبن قصة قصيرة
- لا يأس مع الحياة قصة قصيرة
- مشاركة القوى اليساريه في الانتخابات ما بعد ثورات وانتفاضات ا ...
- صاحب الحديد قصة قصيرة جداً
- وجع السنين قصة قصيرة
- دور القوى اليساريه التقدميه ،ومكانتها في ثورات الربيع العربي
- انتم ربحتم المليون ونحن ربحنا
- اليتيمان قصة قصيره
- دموع الصمت قصة قصيرة
- الليالي البيض قصة قصيرة
- الطاحونه قصة قصيرة
- هل نحن على الطريق الصحيح
- رغبة في البكاء قصة قصيرة
- وتستمر الحياة قصة قصيرة
- نحو اطلاق قناة فضائيه علمانيه
- الموديل قصة قصيرة


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الله دالي - قصة قصيره الكتابة على الرصيف