أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم إيليا - حدث في عرس رنيم. الحلقة الرابعة















المزيد.....

حدث في عرس رنيم. الحلقة الرابعة


نعيم إيليا

الحوار المتمدن-العدد: 4441 - 2014 / 5 / 2 - 14:23
المحور: الادب والفن
    


سألتني نيران مستفسرة فور أن ولج صوتي أذنها عبر سلك الهاتف، ثم صمتت منتظرة جوابي.
إن من يجهل نيران؛ إن من لا يعرفها معرفة حقيقية عميقة كما أعرفها أنا، قد يتبادر إلى وهمه، إذ سمع استفسارها: " بسيم، كيف علمتَ أنني وحدي في البيت؟" وهي تنطقه بهذا النبر الغريب البطيء الثقيل الذي ارتدى مسوحاً من مؤثرات صوتية كأنما رُشّ فوقها ذرورٌ من جفاف موحٍ - في ظاهره - باستياء وضجر، أنها تؤنبي، تود أن تزجرني عن مكالمتها، تود أن تقول لي إنها ليست مستعدة الآن – على الأقل - لسماع صوتي الغرابي المنفر.
وقد ألتمس العذر لمن لا يعرف ما نيران، ولمن لا يعرف مَنْ نيران على حقيقتها الصافية المجردة من مموّهاتها، إذا توهم ذلك منها؛ لا لأنه لا يعرفها على حقيقتها كما أعرفها أنا، وإنما لأنه (ربما) كان محقاً - إلى حد ما - في توهمه هذا باعتبار أنه ليس مألوفاً بين عاشقين، ليس بينهما صدٌّ صدود نفار خصام، أن يبتدر أحدهما الآخر في أول اللقاء بعبارة يغلفها الجفاف بدل اللهفة والصبّ وإظهار الشوق؛ عبارةٍ تحتمل الشبهة والظن - ولو كان المشتبه به فيها بوزن خردلة – وتثير في قلب الآخر ظلالاً من الشك والريبة في قوة عاطفة شريكه في الحب فيخيل إليه أن عاطفته تراخت، وأدركها الفتور. إن هذا لممّا ليس مألوفاً بين المحبين، ومما ليس تنص عليه أحكام الحب. ولو كان هذا مألوفاً أو مشهوراً عن أهل الحب والصبابة، لجاء مأثورٌ منه في شعرهم ورسائلهم ومناجياتهم ومطارحاتهم.
ولكنني (أنا) وأنا هو أنا وليس ذاك الواهم. أنا بسيم الذي خبر نيران كما خبرتْهُ، عجنها كما عجنته، خبزها كما خبزته، على لغة نساء حارتنا. ولأنني أنا، محالٌ أن ينطلي على (أنا) وهمٌ كوهم ذاك الواهم الذي أشرت إليه؛ فيفسر كلامها تفسيراً يحيد عن أصل معناه.
إن نيران إذ تسألني: " بسيم، كيف علمتَ أنني وحدي في البيت؟" لا تقصد من سؤالها أن تعلم (مصدر) علمي بوجودها في البيت وحيدة؛ بل تقصد شيئاً آخر.. إنها تقصد معنى آخر مختلفاً عن ذاك المعنى تماماً؛ إنها تريد إلى معنى يمكنني أن أسبكه عوضاً عنها في هذه العبارة: "بسيم، كيف تجرأت أن تتلفن لي بوجود أخي بطرس!؟" هذا، بالضبط، هو المعنى الذي تريده نيران. فأما الفعل (تجرأتَ) الذي قد يلتبس معناه؛ فيظن - حسبما يوحي بذلك ظاهر العبارة التي تبدو وكأنها صيغت في قالب الاستغراب من حالة الجرأة التي تلبست صاحب الفعل على حين بغتة - أن فاعل الفعل الذي هو (أنا) متصف بالجبن غير حائز على الجرأة إلا في حالات استثنائية نادرة فجائية، فلا ينبغي أن يثير القلق؛ لأن هذا الفعل في لغة نيران يستحيل أن يكون موضوعاً لهذه الحالة النفسية المهينة المتردية. هذا الفعل لا يمكن في لغة نيران أن يكون لمعنى رديء كريه بغيض كهذا المعنى ولا سيما عندما يتعلق الأمر بي. إن هذا الفعل في جوهره يحتمل هنا معنى واحداً صريحاً لا يتعداه، يتمثل في خوف نيران عليّ من ردود أفعال أخيها بطرس الطائشة إذا ضبطني أحوم حول منزلها. هذا هو المعنى المراد من الفعل (تجرأتَ) بكل بساطة. وأنا واثق كل الثقة من أنه ليس ثمة معنى آخر سواه يجنح الفعل إليه؛ لقد ألفتُ من نيران لغتها المبطَّنة.
وأجد الآن أنني أسرفت في تفصيل أمر الفعل من غير ضرورة توجب التفصيل. ولكن.. لا بأس! ولا بأس علي أيضاً إن أنا صارحت نفسي هنا بأن جملتها الاستفتاحية، على الرغم من كل الذي قلته فيها، لم تمرّ هكذا من دون أن تفعل فعلها في نفسي – يا لَلنفس!
ما أحكم عقدها، وأرهف إحساساتها، وأعمق أسرارها! - لقد تجلى تأثير هذا الفعل، رغم ضآلته، في شعوري الملتهب الذي تنزَّلت الآن درجة حرارته التي كانت توقدت بتأثير (الوجدتها) قبل المكالمة.
وكأن نيران، وقد استبطأت ردي، أحست بما بي، فبادرتني ثانية مستفسرة:
- ما لك؟ لماذا أنت ساكت؟
فأجبت وأنا أجاهد مشاعري للعودة بها إلى حالتها المتوقدة:
- لم أسكت حبيبتي، أنا معك.
- معي؟ خبرني إذاً كيف علمت أنني وحدي في البيت؟
لم أشأ أن أفضي إليها بالحقيقة، فأروي لها ما حكته أمي عن لقائها أهلها، وعن لقائها بطرس أخاها الأكبر؛ فالرواية ربما استغرقت وقتاً لا أحب أن يضيع مني هدراً. أجبتها مازحاً مداعباً، وقد تألقت مشاعري من جديد بالحماسة اللذيذة:
- نانسي هي التي أخبرتني.
وطفقت أضحك إثرها، كما يضحك صاحب نكتة من نكتة ألقاها.
ونانسي هذه عصفورة نادرة المثال، قليلة اللحم، جمّة الألوان، تغلب الصفرة على ريشها الجميل، عذبة الترنيم ، تقيم منذ عامين على غصن شجرة اللوز التي في حوش دارنا. وهي الآن تحتضن بيضها في عش بنته بمنقارها الأحمر الرمادي في بداية الربيع. ونيران تهيم بها حباً، وهي التي أطلقت عليها هذا الاسم الأجنبي بحروفه الناعسة وجرسه المهموس.
- بسيم، أعدت تبحث عن المشاكل؟
أجبت متفاجئاً مندهشاً:
- مشاكل!؟ عما تتحدثين حبيبتي؟
- بسيم، أجبني بصراحة: أكنت تحوم حول بيتنا قبل أن تهاتفني؟ لماذا عدت تحوم حوله!؟ ألا تخشى أن يراك بطرس؟ ثم، ألم تعدني البارحة أنك ستلازم المرسم حتى تنجز رسم لوحتك؟
- بلى، وعدتك..
- إذن، لماذا خرجت؟
- ولكنني لم أخرج..
فقاطعتني على الفور:
- لم أفهم، ما معنى لم تخرج؟
ترك سؤالها بتقطيعات حروفه المركزة في ذهني انطباعاً صادقاً بأنها مندهشة من أنني لم أخرج بالفعل من البيت؛ فحاولت أن أسترسل مستكملاً كلامي لأزيل دهشتها، ولكنها سبقتني.. عادت نيران تقاطعني سائلة من جديد بغير قليل من الإصرار في هذه المرة، وبلهجة ناءت بالعتاب :
- كيف علمت أنني وحدي في البيت؟ بسيم، لماذا لا تجيب سؤالي؟
- نيران، أرجوك! سأجيب عن السؤال فيما بعد، أعدك.. نيران هل لك أن تصغي إلي قليلاً!؟ اسمعيني، أصغي إلي بهدوء أرجوك! تمهلي لا تقاطعيني.. لدي الآن ما هو أهم من هذا بكثير، أهم منه..؛ لدي مفاجأة سعيدة.. مفاجأة لذيذة. أتعلمين ما معنى مفاجأة سعيدة لذيذة؟ نيران، أقسم ..! أنك إذا سمعتها مني، فلن تتمالكي عن الرقص فرحاً. سترقصين طرباً من كل بد! أجل، وبخفة راقصة محترفة أيضاً. أقسم أنك سترقصين من حلاوة المفاجأة وروعتها، كما أرقص الآن. اسمعي نيران. .
وسمعتها تضحك من حماستي الطفلية المتدفقة، تسألني قائلة، وهي ما تزال تضحك:
- أترقص الآن على التلفون وأنت تكلمني؟
- وأغني أيضاً..
- ههههه، وكيف أستوثق من صدق كلامك وأنا لا أراك ترقص، ولا أسمعك تغني؟
- وما حاجتك إلى الرؤية والسماع حبيبتي؟ ألا يكون الرقص إلا بخبط القدمين وقذف الذراعين في الهواء وهزّ الخصر والردفين؟ ألا يكون الغناء إلا بترجيع الصوت والتوقيع على أوتار الحناجر؟ حسناً، فليكن هذا! ولكن، ألا يوجد أيضاً رقص ساكن هادئ داخل القلوب لا تراه العيون، وغناء مكتوم صامت داخل الحناجر لا تسمعه الآذان؟
- برافووو..! يبدو لي أنك ختمت كتاب (الفلسفة في ممشى أرسطو) هل ختمت قراءته حقاً؟
- لا، ولكنني ختمت قصة عرس رنيم.
- عرس رنيم!؟ ما هذا العرس؟ ما هذه القصة؟
أجبت وحماستي تتأهب للانطلاق :
- إنها قصة المفاجأة، قصة المفاجأة التي خبأتها لك يا عصفورتي.. اسمعي إذاً...
وفجأة تنبه ذهني على أنها هي التي أهدتني المجموعة؛ فدهشت! كيف نسيت نيران أنها هي التي أهدتني إياها!؟ وأحسست بشيطان المشاكسة يستيقظ من رقاده في أعماقي المظلمة، ويحرضني أن أسألها بخبث:
- أنسيتِ نيران ...!؟ لا أكاد أصدق أنك تنسين.. ؟
- أنا!؟
- نعم، أنتِ..
وما لبثت نيران أن تذكرت أنها، فعلاً، هي التي أهدتني مجموعة (الكلب العقور) القصصية للكرباشي. وقد أجزم هنا أن وجهها - وإن لم أره - تضرج قليلاً من خطأ النسيان.. أستطيع أن أجزم بذلك من دون أن أخشى الوقوع في خطأ التقدير؛ فأنا أعرف نيران، وأعرف أنها إذا أخطأت احمرَّ وجهها النضر الجميل من الحياء والخجل، حتى لو كان الخطأ هفوة دقيقة سريعة هينة يعزّ على سامعها أن يلحظها. إنها شديدة الاعتزاز بمواهبها وبصفاتها النفسية والبدنية أيضاً، ولا تحب أن تخطئ أبداً. لا تحب نيران أن تجد نفسها أبداً في موقف قلق ضعيف حرج.
ضحكتْ ثم قالت تعابثني. ولعل شعورها بخطأ النسيان أن يكون دفعها إلى أن تسدل عليه هذا البرقع من الضحك والمعابثة:
- هأ، هأ، هأ... أرجو ألا يكون الكلب عضّك في مؤخرتك!
فلم أملك نفسي عن أن أضحك من عبارتها الفكهة، لم أقاوم عدوى ضحكتها التي زغردت في سمعي وانساب طيبها في مطاوي قلبي. ضحكتُ وانغمست في الضحك.. ألا ما أسعد اللحظة التي ينغمس فيها الحبيبان في لذة التشارك، ولو كان تشاركهما في أمر زهيد!
- هيييء، هيء، هئ...
كم بقينا نضحك؟ لست أدري! ومتى توقفنا عن الضحك؟ لست أدري! ولكنني أدري أنها في اللحظة التي هاجمتني فيها نوبة قصيرةٌ من السعال الجاف الذي يعقب الضحك عادة، أو يهاجم الضاحك في أثناء ضحكه، توقفت نيران من جانبها عن الضحك، ونحَتْ إلى الجد وهي تقول مستدركة:
- أمم.. الكلب العقور، الكلب العقور.. تذكرتُ، تذكرت. ما لها؟ كيف رأيتها؟ هل أعجبتك؟
- الحقيقة أنها..
أهمُّ بأن أجيب، ولكن نيران، تقاطعني، على عادتها، لا تنتظر أن أتمَّ ردي على سؤالها، تقول وكأنها أدركت فحوى ردي، الذي كنت أعددته جواباً لسؤالها، من الكلمة الأولى التي فهت بها. والحق أنها لنباهتها قلما تخطئ في فهم فحوى كلام محدثها من كلماته الأولى:
- أما أنا.. اعذرني بسيم، أتريد الصراحة؟ الصراحة أنني لم أستسغ هذه المجموعة على الإطلاق! لقد شعرت منذ البداية؛ منذ شرعت في قراءة السطور الأولى من قصته الأولى، بملل فظيع يفترسني..
أتعجَّبُ! أسألها:
- فلماذا نصحتني بقراءتها؟
- ومتى نصحتك بقراءتها أيها المفتري؟
- أخ.. عفواً! لا أعني هذا؛ أعني لماذا أهديتنيها؟
- أهديتك إياها إشفاقاً مني على جفنيك أن يقرحهما السهد من طول عنائك من مشروع التخرج .
- السهد!؟ وما علاقة سهدي وتقرح أجفاني بالهدية؟
فانبرت نيران تسألني على عادتها عندما يسول لها عقلها أن تمتحنني:
- أتريد حقاً أن تعرف العلاقة بين الأمرين؟
- نعم، أريد.. ولم لا؟
- ولماذا تريد أن تعرف؟
- لماذا أريد أن أعرف!؟ أريد أن أعرف؛ لأنني أريد أن أعرف..
- بسيم، هذا ليس جواباً.. أعرف أنك تريد أن تعرف، ولكن لماذا تريد أن تعرف؟ اذكر السبب الحقيقي.
- السبب الحقيقي؟ لا أدري! ما عساه يكون؟ ألعله الفضول؟ ولكنْ، لماذا الفضول؟ ألا يكفي أن يكون طبيعياً أن أريد أن أعرف؟
- ليس دائماً. وكذلك الفضول فهو ليس دائماً السببَ الحقيقي في مثل هذه المناسبات، قد تكون ثمة حاجة ما مادية للمعرفة. لا بأس على كل حال! فأنت لا تدري، واللا أدرية فلسفة أيضاً (تضحك) والآن فلنعد إلى موضوعنا: بسيم، ألا تذكر أنك شكوت إلي الأرق؟
- ... أذكر.
- وتذكر علاجه؟ بسيم، ما علاج الأرق ؟
- اليانسون حبيبتي ههههه..
- ربما، لا تضحك..! ربماكان يانسونك علاجاً، بيد أن اليانسون ليس خير علاج للأرق. المطلوب هنا، كما ترى، أن تذكر خير علاج للأرق بالضغط على كلمة (خير). أنا، تحديداً، لا أعتقد أن ثمة علاجاً للأرق أحسن من قراءة كتاب مملّ. ولا أحسب اعتقادي هذا إلا حقيقة لا ريب فيها قد ثبتت صحتها بالتجربة العملية. فما على الراغب في استجلاب النوم إلى عينيه؛ في التداوي من الأرق، إلا أن يقرأ كتاباً مملاً كهذا الكتاب؛ فيذهب حالاً في نوم عميق لن يهتز منه سريره حتى يستيقظ، كما ذهبت فيه أنا قبل أن أنهي قراءة الصفحة الأولى منه؛ بل قلِ السطر الأول من الصفحة وأنت مطمئن. هل أدركت الآن لماذا أهديتك الكتاب؟
ثم أخذت نيران تعبر لي، من غير أن تنتظر جوابي على سؤالها، عن شدة أسفها على التسعين ليرة التي ضحَّت بها لشراء هذا الكتاب، قائلة بتحسرٍ: "ليت أني تناولت بها وجبة فلافل من مطعم الرافدين!" كذا ناسية ما حكته لي في التوِّ عن نفع الكتاب في علاج الأرق.
ولم تكتف نيران بالتعبير عن تحسرها على شراء الكتاب؛ بل إنها ما انتهت من ذلك، حتى طفقت تقرع رأس مؤلفها المسكين بقبضتها النقدية الثقيلة العنيفة باللغة العربية بدلاً من السريانية التي كانت تكلمني بها إلى هذه اللحظة. انهالت نيران عليه وعلى كتابه بقسوة وغلظة.. أوسعتهما ضرباً بألفاظ من الذم خشنة فظة مؤلمة، بلغت من الخشونة والفظاظة والقسوة حدَّ أنها فجرت في قلبي عاطفة الرثاء له، وبللت مشاعري بالرأفة والشفقة والحزن. وكيف لا..!؟ وأنا مدين له بالعثور على الفكرة التي أجهدني البحث عنها وعنّاني. ولقد كانت مشاعري التي فاضت خلال حملتها عليه حارة قوية حتى إني فكرت بمقاطعتها، وتأهبت لذلك وانتويت أن أقول لها معترضاً، ولكن برقة وكياسة ولين: " أمن الإنصاف حبيبتي، أن نطعن على كاتب يعاني شظف الإبداع، ويكابد محنة الكتابة، وليس له من ذنب غير افتقاد الموهبة (في اعتقادنا نحن) بمثل هذه الشدة والغلظة؟ أمن الإنصاف - مهما تكن الدواعي - أن نحكم على كتابه هذا بالتسخيف ثم بالطرد من المكتبات؛ لأنه في نظرنا نحن – وليكن أيضاً في نظر قراء آخرين لا يختلف ذوقهم كثيراً عن ذوقنا- لا قيمة له، وأنه لا يستحق أن يُشرى عند البيع بقرش واحد أو فلسٍ كما تقولين؟ أيجمل بنا هذا؟
نعم، قد لا يكون الكتاب في ذوقنا – وأضع خطاً بالأحمر تحت مفردة ذوقنا الخاص – ممتعاً، أو أهلاً للقراءة، مستحقاً لها. قد يعترينا الملل والاشمئزاز عند قراءتنا له، هذا أمر وارد، ممكن الحدوث. ولكن الكتاب في نظر مؤلفه - وربما في نظر كثير من القراء غيرنا ممن يختلفون عنا في أذواقهم – قد يكون كتاباً مكتنزاً بالفوائد، أهلاً للقراءة، كثير الإمتاع، ولولا أنه كذلك، ما كان صاحبه فكر بنشره منفقاً عليه من ماله، ولا كان قارئه فكر باقتنائه بماله، ألا يحتمل هذا أن يكون صحيحاً؟
حبيبي، لا تظني أني أستهين بمؤهلاتك الأدبية إطلاقاً، ولا بذوقك الرفيع، ولكن الذوق كما تعلمين ليس دائماً حكَماً عدلاً منصفاً؛ لأنه – كما تعلمين - لا يستند إلى مبدأ ثابت مكين، هذه هي الحقيقة. إن الذوق مثل طقسنا في أوائل الربيع، متقلب متغير متشقلب، وهو ربما سيّرته معتقداتنا وأهواؤنا الطائشة وأحوالنا الشتى؛ لذا فمن الخير أن نتجنب الحكم على كتابه بالاستناد إلى ذوقنا الخاص.. يجب أن ننحِّي ذوقنا جانباً، ينبغي أن نفعل ذلك، ينبغي أن نفعله، إذا ما أردنا أن نكون موضوعيين تحدو بنا النزاهة لا الجور إلى الحكم عليه. إن الكاتب لكالمرأة التي تنجب مولوداً، فإذا أنجبت المرأة طفلة مثل بدور شوهاء كريهة الوجه، فهل من العدل، أو من كرم الأخلاق أن نعيِّر المرأة بطفلتها الشوهاء؟
فإذا لم يكن هذا من كرم الأخلاق، فإنه ليس من كرم الأخلاق أيضاً أن نشتطَّ على كاتبنا المسكين بمثل هذه الغلظة؛ بدعوى أنه أنتج كتاباً سقيماً باعثاً على الضجر! إن ذلك ليؤذيه كما آذاني النقد المرُّ اللاذع الموجع الذي ساطني به الناقد الفني (سائد أبو كرشه) ذاك الناقد المتجهم دوماً، والذي له سحنة مخيفة كالظلام؛ بسبب لوحتي "الوجه الآخر للقمر" التي كنت عرضتها بافتخار وأمل في معرض الفنانين التشكيليين الشباب بمدينة السويداء في العام الراحل..
كلا! لن أنسى أبداً ما تولاني يومذاك من يأس وألم وصداع وإحباط، وما جللني من خجل ومهانة وانكسار! ولكن من حسن حظي أنْ لم يسألني أحد من أهلي، وكذلك نيران فإنها لم تسألني، ولم يسألني أصدقائي أيضاً عن مصير لوحتي المأساوي، ولو كنت سئلت عن مصيرها، فعلموا بما حلّ بها من الزراية والقدح وسوء التقدير، لكنت أصبت بجرح لا يندمل.



#نعيم_إيليا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في عرس رنيم. الحلقة الثالثة
- حدث في عرس رنيم. الحلقة الثانية
- حدثَ في عرس رنيم (1). رواية قصيرة
- محاورة الربضي
- مسألة الضرورة والحرية، بما هي مسألة وجودية
- وصيد المعنى
- محاورة رمضان عيسى
- ما العلة الحقيقية في انهيار سوريا
- معضلة الروح
- في رحاب المطلق
- أنتي مالوم أبو رغيف. أو فلسفة التغيير
- شبح الطحان شمس الدين الكردي
- إلى السيدة الفاضلة الأديبة ليندا كبرييل
- مشكلة الوجود الإنساني
- خلق العالم . 3- الحياة
- خلق العالم 2- المغزى
- خلق العالم
- إيميل من صديقته السورية
- في ضيافة يعقوب ابراهامي
- ماركسيٌّ بل مسلم والحمد لله


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم إيليا - حدث في عرس رنيم. الحلقة الرابعة