أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نعيم إيليا - وصيد المعنى














المزيد.....

وصيد المعنى


نعيم إيليا

الحوار المتمدن-العدد: 4160 - 2013 / 7 / 21 - 22:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" المعنى بناء، وللبناء وصيد، وهيهات أن يتخطى طالب المعنى وصيد البناء إلى عقره".
بهذا تكلم (موسى بن كيفا) الشخصية الأولى في رواية الكاتب وفيق بشارة (وصيد المعنى). وموسى بن كيفا، بطل الرواية، شخصية لاهوتية معروفة استوحاها الكاتب من ذاكرة التاريخ المخرومة؛ ليجعل له منها لساناً يحدِّث به ذاته قبل أن يحدث به ذوات الآخرين، بعد تجريدها من ملامحها الحقيقية.
والمعنى، كما جاء في حديث موسى بن كيفا إلى أحد تلامذته، على ضربين: كبير، وصغير. فعلى الأول هو الغاية من وجود الوجود، وعلى الثاني هو غاية الإنسان من وجوده.
ولأن الضرب الأول عنده من المحال إدراكه بسبب تعلقه بالمطلق الذي، في رأيه، لا يحيط به العقل في هذه المرحلة القصيرة من تطوره؛ فقد عدّى عنه، بعد إذ لمحه بنظرة خاطفة، وانصرف إلى الثاني بهمته فأكبّ عليه وأولاه كلّ جهده.
قال ابن كيفا لتلميذه:
" المعنى الكبير مني ومنك مناط الثريا، وأما الصغير - وإن لم يكن بعيداً بعد الكبير - فإنه عسير مشتجر. وقد رأيت للناس فيه مذاهب ولكن متوازية غير متقاطعة أو ملتقية، فمن قائل: إن الله أحب الإنسان فأوجده على صورته؛ ليحيا بنعمته. وهذا، لعمري!، مذهب لا يستريح إليه العقل، ولا ينقاد إليه الفهم. فلو كان لله وجود، ما خلق الإنسان. فما عسى الله أن يفيد من خلقه!؟
ثم ما المحبة؟ وما النعمة بالإضافة إلى الله أولاً وإلى الإنسان ثانياً؟
ومن قائل: إن غاية وجوده، أن يدأب على تطهير روحه وجسده من الأدران، حتى يصير نقيّاً قابلاً، بفضل نقائه، لأن يلتحم وينصهر بالذات الكلية الخالدة. وهذا مذهب أبعد من الأول عن الفهم والتعقل: فما دام الإنسان منبثقاً في الأصل من الذات الكلية الخالدة، فما الذي لطخ ثوبه بالأقذار؟ بل كيف قدِّر له منذ البدء أن ينفصل عن الذات الكلية الخالدة؟
منذا الذي فصله عنها؟ أهي الذات عينها!؟
ثم ما الأدران؟ ما القذارة بالإضافة إلى الذات الكلية الخالدة؟
ومن قائل: إن الغاية من وجوده، هي الاختبار. بيد أن الاختبار فعل يتضمن الجهل بالمختبَر. فالمبدع آلةً، مثلاً، فإنما يختبرها ليعلم خصائصها. وحاش للمبدع الأول، في حال وجوده، أن يكون جاهلاً بما يصنع!
ولا مفرّ لنا هنا أيضاً من أن نتساءل عما أحوج المبدع الأول إلى صنع آلته؟ فإذا كان الجواب: العبادة، جاء السؤال: وما العبادة؟... لمه؟
ومن قائل: لا معنى البتة "باطل الأباطيل، كل شيء باطل".
ولكن الإنسان موجود، وما كان موجوداً، لا بد له من معنى، وإلا فكيف يظهر إلى الوجود، ما ليس له معنى؟
المطر، الشجر، السحاب، الحيوان، الضوء، الحركة... أكان يمكن أن تظهر هذه الأشياء، لو لم يكن لظهورها من معنى؟
ما معنى المطر؟ أليس له من معنى؟
فإذا كان للمطر معنى الإرواء والإنبات والإهلاك، فكيف لا يكون للإنسان معناه؟
ومن قائل: صحيح أن وجود الإنسان عبث خال من المعنى، غير أن الإنسان يملك مؤهلات وقوى تتيح له أن يضفي على وجوده معنى. إن الإنسان بحسب هذا التقدير، هو الذي يخلق معنى الخلود، ويخلق معنى السعادة، ويخلق معنى العبادة ويخلق معنى الإبداع... ؛ كي يجعل حياته محتملة قابلة للعيش.
ولكنَّ هذا القول، على غرار ما تقدمه من الأقوال، لا نجاة له من الاعتراض: فإن يكن الإنسان خالق كل هذه المعاني، فما الذي ألزمه بخلقها؟ لماذا وجب أن يخلق الإنسان معنى السعادة والاستمتاع مثلاً، ما دام يعلم أن الحياة زائلة لا طائل منها؟ "
ولم يشأ الكاتب وفيق بشارة، أن يتمادى بطله موسى بن كيفا في تساؤلاته واعتراضاته الكثيرة؛ فإنَّ من شأن هذا التمادي أن يورِّث السأم في نفس قارئه؛ فقطع عليه السبيل بأن تخيَّله وقد مسّه التعب، وظمئ حلقه إلى جرعة من الماء، وأوكل لتلميذه أن يفصح عما بقي في سريرة أستاذه من فضلة الحديث:
- الآن فهمت لماذا استعرت البناءَ للمعنى، وجعلت للبناء وصيداً. كأن العقل في اعتقادك عاجز عن اقتحام حقيقة المعنى، فما له غير أن يتلبَّث بوصيده. وآية اعتقادك، اختلاف العقول فيما بينها وعجزها عن الاقتحام. أليس هذا ما رميت إليه سيدي؟
لم ينتظر التلميذ حتى يتلقى جواباً من أستاذه، الذي فرض عليه الكاتب أن يتفرس تلميذَه في هذه اللحظة صامتاً بتدقيق وإمعان، استرسل التلميذ في قوله:
- ولكنك سيدي – واغفر لي جراءتي - سهوت، على الرغم من أنك فنَّدت بحذق جميع التصورات الشائعة وأضعفتها، عن أنّ الغاية من الوجود الإنساني، ليست المآل، وليست الآخرة، وليست المصير وما شاكله من الغايات، وإنما هي قوة قاهرة من قوى الطبيعة مغروسة في خلايانا، هي غريزة تحركنا غصباً عنا فنفهمها، نتحسسها، نعيها، ندرك مغازيها، هي دفة المركب الذي يقودنا إلى شاطئ الحياة. فإذا لم تكن الدفة أو تعطلت، فقد ضعنا وربما هلكنا في اللج غرقاً.
إن غاية الإنسان مقترنة بوجوده؛ أي غاية وجوده عين وجوده.
وليست غايته في أن يخلد، فلا حكمة في الخلود ولا خير؛ إذ هو ثبات على حالة واحدة مضجرة، بل غايته أن يحيا عمره المقدر له من الطبيعة بدءاً من الولادة إلى ساعة الممات. ولتمكين الإنسان من أن يحيا عمره، عمدت الطبيعة إلى منحه أسباب الحياة التي تكرهه على العيش إكراهاً: السعادة، الأمل، الحلم، اللذة، الطموح، النسيان، التذكر، الصداقة، الحب، الإبداع... ولولا هذه الأسباب، التي يخالها بعضهم سهواً غاياتٍ، لفقد الإنسان الرغبة في الحياة عند أول مصيبة تجتاحه.
ومن هنا أجرؤ فأجيز لنفسي أن أقول: لا معنى مفيداً للسؤال لماذا أحيا، وإنما المعنى المفيد في كيف أحيا.



#نعيم_إيليا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاورة رمضان عيسى
- ما العلة الحقيقية في انهيار سوريا
- معضلة الروح
- في رحاب المطلق
- أنتي مالوم أبو رغيف. أو فلسفة التغيير
- شبح الطحان شمس الدين الكردي
- إلى السيدة الفاضلة الأديبة ليندا كبرييل
- مشكلة الوجود الإنساني
- خلق العالم . 3- الحياة
- خلق العالم 2- المغزى
- خلق العالم
- إيميل من صديقته السورية
- في ضيافة يعقوب ابراهامي
- ماركسيٌّ بل مسلم والحمد لله
- سامي لبيب تحت المطرقة
- المنهج القسري في أطروحة فؤاد النمري (الرسالات السماوية)
- الإباحية في أدب النساء العربيات
- الحوار المتمدن يسهم في التحريض على المسيحيين في بلاد الشام
- ما جاء على وزن الذهان من مقالة السيد حسقيل قوجمان
- حملة الأريب على سامي بن لبيب


المزيد.....




- لافروف يتحدث عن المقترحات الدولية حول المساعدة في التحقيق به ...
- لتجنب الخرف.. احذر 3 عوامل تؤثر على -نقطة ضعف- الدماغ
- ماذا نعرف عن المشتبه بهم في هجوم موسكو؟
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام 12 سجينة في طقس -خميس العهد- ...
- لجنة التحقيق الروسية: تلقينا أدلة على وجود صلات بين إرهابيي ...
- لجنة التحقيق الروسية.. ثبوت التورط الأوكراني بهجوم كروكوس
- الجزائر تعين قنصلين جديدين في وجدة والدار البيضاء المغربيتين ...
- استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع الشفاء لليوم ا ...
- حماس تطالب بآلية تنفيذية دولية لضمان إدخال المساعدات لغزة
- لم يتمالك دموعه.. غزي مصاب يناشد لإخراج والده المحاصر قرب -ا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نعيم إيليا - وصيد المعنى