أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم إستنبولي - شجرة الماس العتيقة ! أو هل ينتصر الغباء ؟














المزيد.....

شجرة الماس العتيقة ! أو هل ينتصر الغباء ؟


إبراهيم إستنبولي

الحوار المتمدن-العدد: 1258 - 2005 / 7 / 17 - 11:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


( بمناسبة الأحداث المؤسفة في القدموس )
تحية إلى د . ياسين حاج صالح و د . ثائر دوري
و كل مثقف ديموقراطي

في نهاية الستينيات - بداية السبعينيات من القرن العشرين ، أي قبل حوالي 30 سنة ، و لما كنا ما زلنا أولاداً صغاراً ، لم يكن يوجد في قريتنا ، بالرغم من كبرها نسبياً ، سوى زواريب ضيقة تسمح بمرور سيارة عادية من نوع لاندروفر في اتجاه واحد فقط . مما كان يجعل المرور صعباً إذا صادف و " التقت السيارة مع شخص آخر بمفرده أو مع حماره " في الطريق . في تلك الفترة بدأ العمل من أجل توسيع الطرق الموجودة في القرية و شق طرق جديدة . و كانت توجد في الطريق إلى بيتنا شجرة ماس عتيقة تقف عملاقة شامخة ، و بجانبها يوجد ضريح صغير مهمل محاط ببعض الحجارة ( مثله مثل الكثير من الأضرحة ، التي تشكل جانباً مهماً في تراث المنطقة .. إذ تعتبر بمثابة تشريفات لرجال مجهولين و لكنهم طيبين حسب الحكاية الشعبية .. أي أولياء يتشفع الناس بهم عند الله ) . و عندما انتشر خبر قدوم البلدوزر ، الذي سيقوم بتوسيع الطريق و اقتلاع شجرة الماس ، سارع جارنا صاحب الماسة الشامخة – و كان يعرف ببأسه و بشجاعته – و تمدد على الطريق ليمنع البلدوزر من اقتلاع الشجرة العزيزة على قلبه . و لكن بعد تدخل الوجهاء و المسؤولين انتصرت الآلة الجبارة و اقتلعت شجرة الماسة الخضراء أبداً و اقتلعت معها ضريح المؤمن إياه . و في اللحظة ، التي هوت فيها الشجرة و تحطم القبر ، سمعتُ عجوزاً يهمس مع بعض القلق : " العزّة لله ... و للبلدوزر !! " .
لم انس تلك العبارة طيلة حياتي . و كنت أروي الحكاية من وقت لآخر مع الإشارة إلى أن الرجال يومئذ لم يكترثوا لاقتلاع الضريح بقدر اهتمامهم و حزنهم على اقتلاع شجرة الماس تلك .
لقد كانت أول و آخر شجرة ماس رأيتها و أكلتُ من ثمارها .
ثم شاءت الظروف أن أسافر في عام 1976إلى موسكو للدراسة ، و عندما سنحت لي الظروف بزيارة البلد في عام 1984 اكتشفت أن الضريح موجود في مكانه . و قد روى لي أحد الأصدقاء قصة إعادته :
في يوم من الأيام أخبرت امرأة بسيطة زوجها أن روح صاحب الضريح زارتها بالمنام و عاتبتها ( و ربما هددتها ) على ما فعله الناس بـ " التشريفة " . و لم يمض وقت طويل حتى أعاد الزوج " المؤمن " القبر إلى مكانه مع تحسين واضح في بنائه و منظره العام .
ربما كان ذلك مع نهاية السبعينيات أو حوالي ذلك . لكن على الأرجح أن ذلك تزامن مع الأحداث التي شهدتها سوريا في تلك الفترة . مهما يكن ، لقد كانت تلك الحركة بمثابة المؤشر إلى التغير الكبير الذي طرأ على تفكير السوريين : ابتعاد عن السياسة نحو مزيد من التدين ، و الأصح التمسك بالانتماء الديني . و قد راحت هذه الظاهرة تنمو و تتعمق بشكل متواصل و مكثف خصوصاً مع تزايد القمع و التضييق من قبل السلطة " البعثية العلمانية " على الحركات و على الأحزاب اليسارية ، و بالأخص الشيوعية و القومية المعارضة . و استمرت الحال على هذا المنوال من دون أن تكلف السلطة نفسها أن " تتوقف للحظة " و أن تتأمل النتائج الممكنة ، التي سوف تترتب على هذه السياسة قصيرة النظر . إلى أن وصل الأمر بنا أن نشهد أحداثا بالغة الخطورة على مستقبل الشعب السوري و على مصير الوحدة الوطنية ، التي طالما تغنت بها أبواق الدعاية الرسمية بطريقة ببغائية و غبية حتى الآن .
و إن ما يصلنا من أخبار سواء عن أفعال محصورة في حمص أو تصرفات " مسعورة من قبل رعاع " في القدموس أو أعمال همجية في مناطق الجزيرة ، أو هنا و هناك – إنما يشير من جهة إلى المستوى الخطير الذي بلغه التمترس الطائفي و الاحتقان المذهبي ؛ و من ناحية ثانية - إلى غياب سياسة رسمية واعية و مدروسة لنزع عوامل التوتر و الاحتقان أو تخفيفها بالدرجة التي تنتفي معها خطورة أن يتحول شجار عائلي إلى نزاع مذهبي أو طائفي .. و إن هذا ، بالتأكيد ، لا يتحقق بوسائل أمنية فقط على أهميتها إذا ما استخدمت في الحدود الضرورية و المعقولة ؛ بل نشدد على أهمية الدور ، الذي يمكن و يجب أن تلعبه مؤسسات المجتمع المدني و الأهلي ، و على أن هذا يتطلب إلغاء القيود المفروضة على نشاط مختلف المنتديات السياسية و الثقافية عموماً ، و العلمانية منها خصوصاً . بل و إنني ازعم أننا في هذه المرحلة من تاريخ مجتمعنا بحاجة ماسة إلى إعادة التوازن في الحياة السياسية و الثقافية و الاقتصادية بعد أن حصل خلل واضح في ذلك التوازن من خلال الميل المتزايد نحو أسلمة ، و الأصح إقحام العامل الديني بكثافة في جميع نواحي الحياة المجتمعية ( و يجب أن نقر بوجود قصور حقيقي - عن عمد أو عن جهل ، لا فرق - في تصور الجهات الرسمية بهذا الخصوص ) . و أنا أعتقد أنه من واجب السلطة رعاية و دعم تأسيس منتديات و مؤسسات سياسية و اجتماعية على أسس وطنية بعيداً عن أي انتماء مذهبي أو ما شابه ، لكي يصير إلى حصر الخلافات في إطار سياسي بحت ، دون أن يجرّنا الدهماء و الرعاع نحو الاختلاف على السماء .
فهل بقي هناك أمل في أن نعيد شجيرة ماس إلى طريق حياتنا لتحلَّ مكان " التشريفة " ، التي لا نعرف و لن نعرف صاحبها ؟!



#إبراهيم_إستنبولي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفجيرات لندن : حلقة في - حرب باردة جديدة - ؟
- الرواية التاريخية و العولمة
- فارس آخر يترجل : الشيوعي الشهيد جورج حاوي - وداعاً
- عذراً ، لقمان ديركي : نحن أيضا سوريون
- موضوع الوحدة عند تشيخوف
- الحسن يُظهر ضدَه الحسن : عن حوار الطرشان في بلاد العربان
- من الشعر الروسي المعاصر
- - قصص من سوريا - بــتجنن
- لبننة - التيار العوني ... لمصلحة الجميع -
- أدباء عظام ... و لكن
- ... حكي من القلب
- قراءة في البيان الأخير لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا
- بمناسبة أربعين اغتيال الرئيس الحريري : انطباعات مواطن سوري
- بوريس باسترناك - الكاتب و الشاعر الفيلسوف
- أيتها الوَحْدَة ، ما اسمك ؟
- لماذا 8 آذار – هو عيد المرأة العالمي ؟
- من الأصوات الشعرية الروسية المعاصرة : اناتولي فيتروف
- تداعيات و خواطر .. ع البال
- امتنان و فكرة .. و سؤال
- تمنيات مواطن سوري في العام الجديد


المزيد.....




- صورة سيلفي لوزير مغربي مع أردوغان تثير انتقادات وردود فعل في ...
- سيارة همر -مسروقة- في دمشق تظهر ضمن سيارات الأمن السوري... ك ...
- -فضيحة الصندل-.. برادا تعترف باستلهام تصميمها من الصندل الهن ...
- مقتل 18 فتاة في -حادث المنوفية- يهز مصر وسط مطالب بإقالة وزي ...
- مئات الملايين والمليارات: حفلات زفاف باهظة الثمن في القرن ال ...
- ترامب: أنا -لا أعرض شيئا على إيران ولا أتحدث معهم-
- مشروع مغربي طموح يربط دول الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي
- توتر الوضع الأمني في الشرق الأوسط : كيف يؤثر على خطة لبنان ل ...
- بعد شهر من الغياب.. العثور على جثة الطفلة مروة يشعل الغضب في ...
- حل مئات الأحزاب الأفريقية.. خطوة نحو التنظيم أم عودة لحقبة ا ...


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم إستنبولي - شجرة الماس العتيقة ! أو هل ينتصر الغباء ؟