|
بوريس باسترناك - الكاتب و الشاعر الفيلسوف
إبراهيم إستنبولي
الحوار المتمدن-العدد: 1143 - 2005 / 3 / 21 - 13:18
المحور:
الادب والفن
كتبت الشاعرة الروسية الرائعة مارينا تسفيتاييفا : " .. تأثير باسترناك يعادل تأثير النوم . نحن لا نفهمه . نحن نسقط فيه . نقع تحت تأثيره . نغرق فيه... نحن نفهم باسترناك كما تفهمنا الحيوانات .. " منذ بعض الوقت جرى في موسكو حفل تسليم جائزة باسترناك و ذلك بمناسبة يوبيل الشاعر و الذي صادف في 10 شباط المنصرم . وقد قام الشاعر الروسي المعروف فوزنيسينسكي للمرة الخامسة بتسليم الجائزة للفائزين . حيث نال جائزة باسترناك الشاعر اوليغ تشوخانتسِف ، كاتب السيناريو يوري أبراموف ( الذي كتب سيناريو للمسلسل " دكتور جيفاغو " ، و حيث سيلعب البطولة الممثل السوفييتي الروسي المحبوب اوليغ مينشيكوف ) ، كما فازت بالجائزة الشاعرة الشابة ماريا ستيبانوفا . و من بين الذين فازوا بالجائزة كارلو فيلترينيلي ، الذي وضع كتاباً عن والده – الناشر الإيطالي ، الذي قام بنشر أول طبعة من " دكتور جيفاغو " . لقد انعكست في إبداع باسترناك أحداث مختلفة من القرن العشرين . كان مصيره صعباً للغاية ، كما مصير الكثير من شعراء ذلك الجيل . لقد عاش فترات من النهوض و أخرى من السقوط و الإحباط ، من الانكسارات و الانتصارات .. لذلك ربما كان الإبداع بالنسبة لباسترناك بمثابة المخرج و السبيل إلى النجاة ، بل و ربما طريقاً للهروب من الحقيقة السوفييتية المحيطة به . لقد كان يؤكد باستمرار على أهمية العمل المتواصل للقلب و العقل عند الأديب و الفنان :
لا تنمْ ، لا تنمْ ، اشتغل ، لا تتوقف عن العمل ، لا تنم ، حارب النعاس ، كما النجمة ، كما الطيار . لا تنم ، لا تنم ، أيها الفنان ، لا تستسلم للنوم . أنت – رهينة الزمن ، أنت عند الخلود - أسير .
ولد بوريس ليونيدوفيتش باسترناك – الشاعر و الكاتب و المترجم ، في 10 شباط من عام 1890 في موسكو في عائلة عضو أكاديمية الفنون ليونيد باسترناك . لذلك كان محاطا منذ طفولته بالموسيقى ، بالفنانين و بالأدباء . و قد كانت الموسيقى من أولى اهتماماته حيث شغف بها جداَ ... إذ أنه بسبب تأثير الموسيقار الروسي الكبير سكريابين راح يدرس الموسيقى منذ سن الثالثة عشرة ... و لكن بعد ست سنوات من الدروس المضنية هجر الموسيقى إلى غير رجعة . بعد تخرجه من الثانوية في موسكو في عام 1909 انتسب إلى كلية الآداب و التاريخ في جامعة موسكو ، حيث بدأ لديه اهتمام كبير بالفلسفة .. و من اجل تطوير و زيادة معارفه الفلسفية سافر في عام 1912 إلى ألمانيا ، حيث تلقى دروساً في الفلسفة خلال فصل كامل و ذلك في جامعة ماربورغ . و من هناك قام برحلة إلى سويسرا و إيطاليا . ثم عاد إلى موسكو و أنهى دراسته الجامعية في عام 1913 . بعد أن برد اهتمامه بالفلسفة ، انغمس بالكامل في فن الشعر ، الذي سيشكل لاحقاً المضمون الوحيد لكل حياته . اصدر أولى مجموعاته الشعرية " توأم في الغيوم " 1914 ، " من فوق الحواجز " 1917 .. و قد لوحظ التأثير الكبير لتيار الرمزية و المستقبلية Futurism ( في ذلك الحين كان يحسب على جماعة أدبية تطلق على اسمها " المُثفِّلة Centrifuge " ) . كان باسترناك يقدِّر عالياً إبداع و موهبة بلوك الشعرية ، إذ كان يرى في منظومته الشعرية " تلك الحرية في التعامل و التعاطي مع الحياة و مع الأشياء في هذه الدنيا ، التي بدونها ، أي الحرية ، لا يمكن أن يكون هناك أي إبداع حقيقي و كبير " . في عام 1922 أصدر مجموعته الشعرية " أختي - أيتها الحياة " ، التي وضعت الشاعر باسترناك على الفور في مصاف أساتذة الكلمة الشعرية المعاصرة . و من هذه المجموعة انطلق باسترناك كظاهرة فريدة في عالم الشعر . في العشرينيات من القرن الماضي اقترب باسترناك من التجمع الأدبي " Lef " ( الجبهة اليسارية للفن) ، الذي أسسه ف . مايكوفسكي بالاشتراك مع ن . آسييف و أ. بريك و غيرهم . و قد كانت علاقته مع هذا الاتحاد الأدبي نتيجة الصداقة التي كانت تربطه مع مايكوفسكي .. و قد انتهت علاقته بالتجمع في عام 1927 . خلال تلك الفترة صدرت مجموعته الشعرية " مواضيع و متغيرات " ( 1923 ) و بدأ بكتابة رواية شعرية تدور حول حياته الشخصية و أنجزها في عام 1925. ثم كتب سلسلة شعرية بعنوان " المرض السامي " ، روايات " عام 1905 " و " الملازم شميدْت " . في عام 1928 ظهرت لديه فكرة العمل على موضوع نثري " صك الأمان " و الذي أنهاه خلال عامين . وقد اعتبر باسترناك عمله هذا " .. عبارة عن مقتطفات من حياته بخصوص آرائه في الفن و ما هي جذورها .. " . في عام 1931 غادر إلى القفقاس ، إلى جورجيا : و قد وجدت انطباعاته الجورجية انعكاساً لها في سلسلة من الأشعار باسم " الأمواج " . هذه الأشعار صارت فيما بعد جزءاً من المجموعة الشعرية " الولادة الثانية " ، و فيها يتوصل الشاعر إلى امتلاك البساطة الكلاسيكية للكلمة الشعرية . في أعوام الثلاثينيات قلّ إنتاج الشاعر للأعمال المميزة .. لكنه أعطى اهتماما كبيراً للترجمة ، التي تصبح ابتداء من عام 1934 منتظمة و متواصلة لتستمر حتى نهاية حياته ( قام الشاعر بترجمة أعمال لشعراء من جورجيا ، شكسبير ، غوته ، شيلر ، ريلكه ، فيرلين و غيرهم .. ) . قبل بداية الحرب الوطنية العظمى ، في بداية عام 1941 ، يتغلب الشاعر على الأزمة الإبداعية و تبدأ لديه مرحلة جديدة من الصعود : كتب سلسلة أشعار " بيريديلكينو* " .. قام في عام 1943 بجولة على الجبهة نتج عنها نبذة " في الجيش " ، و أشعار " مقتل قناص " ، " اللوحة المنبعثة " ، " الربيع " ... وهذه الأشعار دخلت فيما بعد في كتاب " في القطارات المبكرة " – عبارة عن سلسلة أشعار كما هو الحال في " بيريديلكينو " . لقد استغرق باسترناك في كتابة رواية " دكتور جيفاغو " سنوات طويلة و انتهى من كتابتها في نهاية الخمسينيات . تم نشر الرواية خارج الاتحاد السوفييتي السابق في عام 1958 و نال على الرواية جائزة نوبل للآداب . و قد سبب ذلك هجوماً حادا و عنيفاً من الجهات الرسمية ضد الرواية و ضد الكاتب .. و تم طرد باسترناك من اتحاد كتاب الاتحاد السوفييتي . و نتيجة للحملات المسعورة ضده فقد اضطر الكاتب إلى رفض الجائزة . و قد كان لهذه القصة اثر سلبي كبير على الشاعر والكاتب .. و ساعدت على تقليص سنوات عمره :
لقد ضعتُ ، كما الوحش في زريبة . في مكان ما - بشر ، ضوء و قرار ، من خلفي صخب المطاردة ، و ليس من طريق أمامي للخروج . لكنني ، و عند حافة القبر ، واثق أنه سيأتي زمن – تتغلب فيه روح الخير على قوة الشر و الرذيلة .
أعيد الاعتبار للشاعر و الكاتب في عام 1987 .. و تمت طباعة الرواية في روسيا في عام 1988 في مجلة " العالم الجديد " . إن الأبيات التي ينطق بها البطل يوري جيفاغو في نهاية الرواية تؤكد على الحماس الأخلاقي – الفلسفي لمؤلف الرواية . إذ أن الرواية تحكي عن أحداث الثورة و الحرب الأهلية ، عن مصير أولئك الناس ، الذين قُذِفَ بهم إلى خضم العنف و القسوة الثورية و باسم الثورة و الدفاع عنها . في عام 1956- 1959 ظهرت المجموعة الأخيرة من أشعار باسترناك " عندما يطيب اللهو". في عام 1960 توفي الشاعر بعد معاناة طويلة مع المرض ( سرطان الرئة ) و ذلك في 30 أيار من عام 1960 . من قصيدة " تعريف الشعر " : هو – صفيرٌ حادٌ يملأ المكان ، هو – خشخشةٌ لقِطع ِ جليدٍ تتكسرْ ، هو - ليل يُجمِّدُ الورقَ الأخضرْ ، هو – مبارزةٌ بين بُلْبليَن .
هاملت ( من كتاب " دكتور جيفاغو " )
همَدَ الدويُّ . خرجتُ إلى المنصة . مستنداً إلى قائمة الباب ، رحت التقط بعيداً في الصدى ، ما سوف يحدث في عصري .
عتمةُ الليلِّ مصوَّبةٌ عليَّ بقوةِ ألفِ مكبّرٍ في المحور . إذا كان بإمكانك ، Avva Otche ، فاعفني من هذه الكأس .
أنا أحبُّ قصدْكَ الجموح ، وموافق أن العب الدور . لكن دراما أخرى تجري الآن ، لذلك اطردني هذه المرة .
غير أن ترتيب الفصول مُقررٌ ، و نهايةُ الدربِ حتمية . أنا وحيدٌ ، كلُّ شيءٍ يغرقُ في الرياء . أن تعيشَ الحياة – ليس كما أن تعبرَ الدرب .
#إبراهيم_إستنبولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيتها الوَحْدَة ، ما اسمك ؟
-
لماذا 8 آذار – هو عيد المرأة العالمي ؟
-
من الأصوات الشعرية الروسية المعاصرة : اناتولي فيتروف
-
تداعيات و خواطر .. ع البال
-
امتنان و فكرة .. و سؤال
-
تمنيات مواطن سوري في العام الجديد
-
تطورات الروح - من تعاليم التصوف
-
متى ستزور - لحظة الحقيقة .. - اتحاد الكتاب العرب ؟
-
كلمات رائعة .. - باقة - لنهاية العام 2004
-
سوريا تتسع للجميع - حول إغلاق حانة في دمشق
-
أشعار حزينة من روسيا - للشاعر ايفان غولوبنيتشي
-
الصحافة الإلكترونية .. و الأخلاق الحوار المتمدن مثالاً يُحتذ
...
-
لماذا أخفقت حركة المجتمع المدني في سوريا ؟ وجهة نظر على خلفي
...
-
على نفسها جَنَتْ براقش .. هزيمة جديدة لروسيا .. في عقر دارها
...
-
كل عـام و العالـم مع .. جنون أكثر - خبطة آخر أيام العيد
-
عــام عــلى رحيــل رسول حمزاتوف
-
تعليق على تعليق سناء موصلي ...
-
مارينا تسفيتاييفا - شاعرة الحب و المعاناة
-
الفيتو الأمريكي : صفعة للجميع - معارضة و موالاة
-
حجب الحوار المتمدن في السعودية - شهادة له لا عليه : أليسوا ض
...
المزيد.....
-
الأردن يطلق الدورة 23 لمعرض عمّان الدولي للكتاب
-
الكورية الجنوبية هان كانغ تفوز بجائزة نوبل للآداب لعام 2024
...
-
كوميدي أوروبي يشرح أسباب خوفه من رفع العلم الفلسطيني فوق منز
...
-
رحيل شوقي أبي شقرا.. أحد الرواد المؤسسين لقصيدة النثر العربي
...
-
الرئيس بزشكيان: الصلات الثقافية عريقة جدا بين ايران وتركمنست
...
-
من بوريس جونسون إلى كيت موس .. أهلا بالتنوع الأدبي!
-
مديرة -برليناله- تريد جذب جمهور أصغر سنا لمهرجان السينما
-
من حياة البذخ إلى السجن.. مصدر يكشف لـCNN كيف يمضي الموسيقي
...
-
رأي.. سلمان الأنصاري يكتب لـCNN: لبنان أمام مفترق طرق تاريخي
...
-
الهند تحيي الذكرى الـ150 لميلاد المفكر والفنان التشكيلي الرو
...
المزيد.....
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
المزيد.....
|