أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - هل العراق بحاجة إلى مرجعيات دينية؟















المزيد.....

هل العراق بحاجة إلى مرجعيات دينية؟


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1255 - 2005 / 7 / 14 - 13:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن الشرط الضروري لبناء الدولة العصرية هو سيادة القانون. بمعنى سيادة النمط العقلاني في إدارة شئون الدولة. وهي إدارة لا يمكن فصلها عن تراكم الرؤية النقدية واجتهادها الواقعي لحل الإشكاليات والمشاكل التي تواجهها الدولة والأمة. وهو اجتهاد يفترض سيادة الحرية التامة والتعددية الشاملة والقبول الكلي بفكرة الاحتمال. بمعنى تحول فكرة الحرية إلى مرجعية متسامية تشمل الروح والجسد الفردي والاجتماعي والدولتي. وهي حرية قادرة عل احتضان مختلف نماذج الاجتهاد ولكن بوصفها حلقات متراكمة في مجرى الشحذ العقلاني لتجارب الأمم. ومن ثم لا مرجعية تسمو أو تعلو على حرية الفكر والاجتهاد العقلي بوصفه جزء من الممارسة الاجتماعية والسياسية المتحررة من كل أصناف وأشكال البنية التقليدية بشكل عام والدينية بشكل خاص.
فالبنية التقليدية أيا كان شكلها ونوعها تبقى في نهاية المطاف جزء من الماضي وعقبة أمام التحرر الفعلي وعاجزة عن التفكير والعمل بمعايير المستقبل. وإذا كان هذا الأمر جليا في حال النظر إلى بنية الأحزاب التقليدية والتركيبات الاجتماعية القبلية والعائلية، فانه يبدو اشد وضوحا في حال النظر إلى البنية التقليدية "للمؤسسات" الدينية.
فالمؤسسة الدينية بحد ذاتها هي الصيغة الأكثر "ثباتا" وجمودا وتقليدية بسبب ارتباط مكوناتها الفكرية ومصادرها النظرية بعقائد الإيمان من جهة، وبفعل التأثير الخاص والمتميز للعلاقات الاجتماعية التقليدية والعائلية منها بشكل خاص من جهة أخرى. مما يجعل من المؤسسة الدينية في نهاية المطاف جزء من تراث العائلة، وتصبح العائلة جزء من زمن "المقدس" التقليدي، أي من تراكم الزيف الروحي والرياء "الجليل".
وعندما ننظر إلى واقع العراق الحالي فإننا نقف أمام حالة من الانحدار الشنيع بهذا الصدد. إذ لم يعن صعود نجم "المؤسسة الدينية" وأفول الأحزاب السياسية الاجتماعية سوى الوجه الآخر لانحدار الأحزاب السياسية صوب العائلية المقلوبة، أي صوب العائلة المرفوعة إلى مصاف "الأحزاب السياسية". فاغلب هذه الأحزاب لا تتعدى بنيتها وقيادتها حدود العائلة. وهو أمر جلي في الأسماء والألقاب والمواقع! بعبارة أخرى، إن صعود "المؤسسة الدينية" هو أولا وقبل كل شئ دليل ومؤشر على سقوط الأحزاب السياسية. وهو أمر جلي أيضا في الانتخابات الأخيرة، التي اتخذت فيها الأحزاب الإسلامية (الشيعية) من "قدسية" الأضرحة العلوية والحسينية وأموال الحوزة وعباءة السستاني غطاءا يخفي عورة الحياة السياسية وانحطاطها الاجتماعي.
حقيقة إن هذه الحالة تعكس من حيث مقدماتها مستوى الانحطاط الذي أدت إليه التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية، إلا أنها لا تبرر ما جرى ويجري من تفاقم لها في بنية الأحزاب والمجتمع والدولة. فالمهمة الكبرى والتاريخية للأحزاب السياسية لا تقوم في التمتع برذيلة الماضي بل بنفيها الضروري بمعايير الرؤية الوطنية. من هنا لم يكن رجوع الأحزاب إلى المؤسسة الدينية، وتحويل مرجعيتها التقليدية (المذهبية أو الطائفية) إلى مرجعية سياسية كبرى سوى عين السقوط الروحي والفكري والاجتماعي للأحزاب السياسية والمجتمع ككل. في حين يفترض النفي الضروري لهذه الحالة وضع السؤال الجديد في ظروف العراق الجديدة وهو: هل العراق بحاجة إلى مرجعيات دينية؟
إن الإجابة الدقيقة على هذا السؤال في ظروف العراق الحالية تفترض الانطلاق من واقع المؤسسة الدينية وتاريخها الفعلي في مجرى القرن العشرين بشكل عام وفي غضون العقود الأربعة الأخيرة بشكل خاص. وبغض النظر عن كل تراثها المتموج مع ذبذبات الزمن السياسي العراقي الحديث، إلا أنها كانت في المحصلة النهائية جزء من آلية إنتاج وإعادة إنتاج البنية التقليدية في العلم والعمل، أي أنها كانت في الواقع خارج حدود التاريخ الفعلي للحياة ومعاصرة المستقبل. وليس مصادفة أن تساهم "المؤسسة الدينية" الشيعية منها والسنية في نخر التاريخ الفعلي من خلال تحويل مرجعية الجهل إلى أيقونات مقدسة. وهي عملية جرت من خلال تحويل العائلات إلى طغاة صغار للحوزة الشيعية يسرقون الثروة العلوية والتضحية الحسينية والجهاد التاريخي لعرب العراق، بينما حاولت مختلف الهيئات المتنوعة "لعلماء المسلمين السّنة" تحويل سنة النبي والخلفاء إلى رصيد لأجهزة القمع والرذيلة. وفي كلتا الحالتين التقيا في الخروج على حقيقة العروبة والعراقية، من خلال استفحال خلافاتهما المستترة إلى تخطيط للمواجهة باسم رصيد لا يحق للاثنين الحديث باسمه. وهي مواجهة نعثر عليها الآن في استفحال الطائفية السياسية لدى الطرفين من خلال المحاولات الحثيثة لمصادرة عرب العراق وعروبته باسم عائلات لا علاقة جوهرية لهما به (العراق) وبها (العروبة). ومن هنا أيضا افتقادهما الفعلي للوطنية والعراقية والعروبة. ومن ثم نقصهما الجوهري وخطورتهما القاتلة بالنسبة للفكرة الوطنية والقومية والاجتماعية.
وهي حالة تجعل من "المرجعية الدينية" عاملا للتفرقة وخروجا على منطق الوطنية وانحدارا صوب البنية التقليدية لما قبل الدولة بشكل عام والعصرية بشكل خاص. إضافة إلى ما في مرجعية "المؤسسة الدينية" للقوى السياسية والاجتماعية بحد ذاته من دليل خطير على اندثار وفشل الرعيل السياسي السابق بمختلف اتجاهاته ومؤشر على نكوص التقدم الاجتماعي.
إن النتاج المتضافر من فشل النخب السياسية التقليدية واتساع هوة التخلف الاجتماعي لا يمكنه أن يؤسس لبديل قادر على إنقاذ العراق من أزمته البنيوية الشاملة. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار مقدماتها وعمقها المتراكم في زمن التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية فمن الممكن توقع حجم التحدي الهائل القائم أمام الدولة والمجتمع والنخب السياسية لتجاوز مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية. وهو انتقال تعجز القوى التقليدية أيا كان شكلها عن القيام به. بينما لا تفعل البنية التقليدية "للمؤسسة الدينية" إلا على تعميقها وتوسيع مداها وذلك بسبب طابعها المتحجر ولاهوتيتها الميتة وتركيبتها العائلية وأيديولوجيتها المذهبية ونزوعها الطائفي. بعبارة أخرى، إن كل ما فيها يوجهها بالضرورة صوب الصراع مع حقيقة الفكرة الوطنية والقومية في العراق.
بينما العراق بحاجة في ظروفه الحالية اكثر من أي وقت مضى إلى فكرة وطنية وقومية من طراز جديد هي فكرة القومية الثقافية، أي الفكرة القادرة على تذليل ونفي مختلف أشكال النزعة العرقية والطائفية والجهوية. وهي الفكرة التي أطلق عليها اسم "الاستعراق"، أي فلسفة الهوية العراقية التي تنظر إلى العراق على انه ليس تجمع أعراق بل كينونة تاريخية ثقافية تشكل وحدة الرافيدينية العربية الإسلامية مصدرها وصيرورتها وجوهرها. وبهذا المعنى تصبح فكرة الاستعراق الحد الأقصى للقومية في العراق. فهي لا تضمن فقط حرية ومساواة وتعايش جميع القوميات والأطياف فيه بصورة منسجمة، بل وتنشطها بما يكفل البقاء ضمن الهوية التاريخية الثقافية للعراق والاحتفاظ بأصوله القومية الذاتية. وبالنتيجة يصبح كل خروج على الاستعراق نكوصا صوب العرقية والطائفية والجهوية مع ما يترتب عليه بالضرورة من خروج على منطق الهوية الثقافية للعراق والوطنية العراقية.
إن فكرة الاستعراق، أو فلسفة الهوية الوطنية العراقية الدنيوية هي الوحيد القادرة على تذليل الخلاف والشقاق الفعلي القائم في الدولة والمجتمع والقومية. أنها الفكرة القادرة عل صنع مرجعية سياسية وروحية واجتماعية وطنية مبنية على أسس الواقعية العقلانية والدنيوية. فالعراق بحاجة إلى مرجعية وطنية من طراز رفيع وليس إلى مرجعية دينية أيا كان شكلها ومضمونها.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأغلبية المعذبة ومشروع البديل الوطني في العراق
- إشكالية الهوية العربية للعراق – مشكلة الجهل والرذيلة
- المثقف العراقي – المهمة الشخصية والمسئولية التاريخية
- العلم والأنوثة
- ملاحظات على حملة التضامن مع منتدى الاتاسي
- فلسفة الاعتدال السياسي الأمثل في العراق المعاصر
- فلسفة التسامح ومنظومة الاحتمال العقلاني
- فلسفة الإصلاح العقلانية
- الاسلام والجنس – عقيدة العقدة
- المشروع الديمقراطي العراقي وفلسفة النفي الشامل للطائفية السي ...
- الحركة القومية الكردية - المثلث الهمجي للطائفية العرقية 5 من ...
- التوتاليتارية الشيعية – المثلث الهمجي للطائفية السياسية الجد ...
- الطائفية السياسية - قاعدة الاحتمال الهمجي في العراق 2 & 3 من ...
- المثلثات الهمجية - برمودا الانحطاط العراقي 1 من 6
- الاصولية والعنف في العراق – عنف بلا اصول
- الشرع والمرأة – حق الانتخاب ام انتخاب الحق
- اهانة القرآن بين الفضيحة والادانة
- الحجاب - غطاء لغنيمة الجهاد والاجتهاد الذكوري
- العلاقة الشيعية الكردية – زواج متعة ام حساب العد والنقد
- إشكالية الحزب والأيديولوجيا في العراق المعاصر


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - هل العراق بحاجة إلى مرجعيات دينية؟