أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - الطائفية السياسية - قاعدة الاحتمال الهمجي في العراق 2 & 3 من 6















المزيد.....


الطائفية السياسية - قاعدة الاحتمال الهمجي في العراق 2 & 3 من 6


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1222 - 2005 / 6 / 8 - 10:58
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


مما لا شك فيه ان الامراض الكبرى هي نتاج تراكم. وانها لا تظهر للسطح الا بعد ان تكون قد مرت بكل طرق العبث المميز لانتهاك ابسط مقومات القواعد الضرورية التي كتبتها مؤلفات الصحة والوقاية. والسياسة لا تخلو من هذه الحكمة في حال فهمنا لمهمتها الحقيقة على انها العلم النظري والعملي الضروري بالنسبة لوقاية المجتمع من الاصابة بامراض خطرة مزمنة. وهي مهمة لا تنبع من ادراكنا لوظيفتها المباشرة في ادارة شئون الحياة الاجتماعية، بل ولكونها الصيغة العلمية المتراكمة من مجرى تأمل تجارب الامم والدول. وهو تأمل يعطي لنا امكانية القول، بان الحد الادنى الضروري للعلم السياسي يقوم في وقاية المجتمع من الاصابة بامراض خطرة. وهو الحد الذي يشكل المهمة الدائمة للسياسة العملية. وهو حد تكمن قيمته الملموسة في مدى ادراكه واستجابته للاولويات العلمية الكامنة فيما اسميته بالامراض الخطرة. فتشخيصها هو الصيغة الاولية لعلاجها. ومن خلال ذلك يمكن البحث عن بدائل اوسع قادرة على دفع المجتمع والدولة والثقافة في مسار الرؤية الواقعية والعقلانية.
ولعل اخطر هذه الامراض في الظروف الحالية العراق هو "الطائفية السياسية" الاخذة في التحول الى مرض مزمن شامل. وخطورتها الكبرى تقوم في انها تشكل من حيث المقدمات والنتائج خطوة هائلة للوراء لا تعني بالنسبة للعراق من حيث التاريخ والجغرافيا سوى الرجوع الى همجية لم يعرفها في تاريخه الكلي. اما من الناحية العملية فانها تشكل نكوصا الى ما قبل الدولة. وهو امر لا يعني سوى رجوع العراق الى ما قبل التاريخ. والقضية هنا ليست فقط في ان العراق هو احد المصادر التاريخية الكبرى لفكرة الدولة والقانون والثقافة، بل ولتعارض ذلك مع طبيعة تكونه الذاتي بوصفه كينونة سياسية تاريخية ثقافية.
فالطائفية مكون اقرب الى الغريزة، وكيان مضاد للتاريخ بوصفه وعيا ذاتيا، كما انها ممارسة تتعارض كليا مع منطق العقل والعقلانية. كل ذلك يجعل منها شكلا من اشكال البنية التقليدية المنغلقة والاكثر تخلفا للاجتماع والسياسة والفكر والثقافة. وهي بنية عادة ما تحملها القوى الهامشية او المهمشة. من هنا مفارقة ظهورها في مرحلة الانتقال من التوتاليتارية الى الديمقراطية، ومن هنا ايضا خطورة تحولها الى منظومة تحكم مساره اللاحق. وفي كلتا الحالتين نقف امام ظاهرة غاية في التناقض، هي عين التناقض المميز لزمن التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية، التي جسدت بصورة نموذجية اسلوب الطائفية السياسية. مما ادى بها في نهاية المطاف الى ازمة شاملة دفع المجتمع العراق ثمنها، بما في ذلك ثمن تبلور الطائفية السياسية الجديدة التي اخذت القوى الهامشية (القومية الكردية) والمهمشة (الشيعية) في حمل لوائها. وفي هذا يكمن سر التقائهما. لا سيما وانها قوى تختلف اختلافا كبيرا يصل حد التضاد من حيث الرؤية القومية والمذهبية والايديولوجية. وهو امر يشير الى انهما كلاهما يسيران في اتجاه الخروج عن منطق التاريخ الثقافي للعراق مع مما يترتب على ذلك من هزيمة تاريخية شنيعة لهما في الفترة القريبة القادمة.
وفي هذه الحالة تكمن دراما العراق وسر امراضه المزمنة والخطرة. بمعنى اننا نقف امام استعادة جديدة للصدامية ولكن بوجه اخر. حقيقة ان هذا التحول سوف لن يدوم طويلا. فهو يتعارض من الناحية الظاهرية مع ما كان يجري الاعلان عنه في البرامج والمواقف قبل سقوط الصدامية من جهة، لكنه يستجيب من الناحية الفعلية الى حقيقة نواياها ومدى ادراكها لماهية السياسة ووظيفتها العملية. بمعنى البقاء ضمن تقاليد ونفسية المؤامرة والمغامرة. وهي تقاليد ونفسية ما قبل تاريخية. وفي هذا يكمن سر هزيمتهما القريبة. فهي قوى تمثلت ومثلت المؤقت والعابر. ذلك يعني انها قوى مؤقتة وعابرة. وشأن كل مؤقت وعابر عرضة للزوال السريع خصوصا على خلفية التحول الراديكالي الهائل الذي جرى ويجري في بنية الوعي والوجود التاريخي للعراق ما بعد التوتاليتارية والدكتاتورية.
اذ عوضا عن ان يجري التسريع في حل الاشكاليات التي عانى ويعاني منها العراق المعاصر، بمعنى تأسيس حقيقة الهوية الوطنية العراقية والعمل من اجل انجاز نموذج النظام الديمقراطي السياسي والمجتمع المدني والثقافة الحرة والدولة الشرعية، نقف امام ارتكاس مريع من حيث المضمون يعبر بدوره عن هامشية القوى السياسية "الكبرى" في ظروف الانتقال من التوتاليتارية الى الديمقراطية. وهي حالة فريدة من نوعها في التاريخ المعاصر. الا انه يمكن فهمها. وذلك لان التحول الذي جرى في ظروف العراق الحالية لم يجر بقوى ذاتية، بل بمساعدة خارجية. مما اعطى وسوف يعطى لعملية الانتقال هذه تناقضاتها الخاصة ومذاقها المر. فالحرية، هذه الكلمة الحلوة، مرة المذاق في افواه القوى السياسية التي ارتقت الى سدة الحكم في عملية انتخابية هي الاولى من نوعها في تاريخ العراق المعاصر. وفي هذا تكمن دون شك مفارقتها الهائلة، بوصفها خطوة هائلة الى الامام في ميدان الحرية، وخطوتان الى الوراء في مجال اعاادة المؤقت في ميدان الحياة السياسية. لكنه الثمن الضروري فيما يبدو بالنسبة للعراق من اجل ارتقاء فكرة الحرية وغرسها في الوعي الاجتماعي. بمعنى المرور بطريق الالام الضرورية من اجل الشفاء من امراض التوتاليتارية المزمنة.
فالقوى السياسية المنتصرة هي الثمرة المرة للتوتالتيارية وزمنها الفارغ. من هنا فراغها الفعلي فيما يتعلق بالمستقبل. فهي قوى تمثلت فكرة الزمن وليس التاريخ. من هنا سيادة المؤقت في صيرورتها وكينونتها. الا ان ذلك لا يبرر مسئوليتها عما تقوم به. فالاولوية في مفهوم القوى السياسية المعارضة هو معارضتها لما هو قائم. واذا كان "ماضي" هذه القوى هو زمن الصراع ضد الصدامية، فان ذلك يفترض تحمل مسئولية القضاء عليها من خلال تقديم وممارسة البدائل الفعلية لها. بينما لا تشير افعالها الى ذلك. على العكس! اننا نقف امام استفحال للصدامية ولكن على نطاق اوسع. بعبارة اخرى اخرى، اننا نقف امام صدامية دينية قومية مذهبية هي الصيغة المركبة والاكثر خطورة للطائفية السياسية التي جسدت الصدامية المقبورة نموذجها "العلماني" المزيف. وفي هذه التركيبة الجديدة يكمن مضمون وخصوصية الطائفية السياسية الجديدة في العراق.
فاذا كان الانقسام والتجزئة الطائفية في العراق ظاهرة لها جذورها ومقدماتها التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية، التي يمكمن ارجاعها عموما الى مرحلة ما بعد سقوط بغداد في منتصف القرن الثالث عشر حتى بداية ظهوره الجزئي الجديد في بداية القرن العشرين، فان اعادة ترسيخها في مرحلة التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية قد دمر كل القيم المتراكمة في تاريخ الدولة العراقية الحديثة. مما ادى الى ارجاع العراق الى بداية مرحلة انتقالية جديدة. لكن الممارسة العنيفة للطائفية السياسية الجديدة التي تتزعمها قوى"الاقوام الصغيرة" من مذهبية شيعية وعرقية كردية قد اخذ يعدى القوى جميعا ويجبرها على التخندق وراء طوائف ما قبل الدولة والمجتمع المدني. وهو امر يشير الى ان هذه القوى هي الممثل النموذجي المعاصر للانحطاط والتخلف الاجتماعي.
ذلك يعني انها قوى لا تعمل من حيث الجوهر الا على التمسك العنيد بالبنية التقليدية والعمل من اجل استمرارها في مختلف اشكال التمايز الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. فهي الشروط الملازمة لبعث نفسية الانغلاق من اجل استثمارها السياسي. وهي ظاهرة متشابهة في كل مراحل التاريخ وعند جميع الأقوام والأديان دون استثناء. الا ان خطورتها في تاريخ العراق المعاصر تقوم في محاولة افراغه من روح المعاصرة. وهي محاولة اقرب ما تكون الى مغامرة بليدة. وذلك لانها تتعارض مع تيارين كبيرين مكونين لكينونة العراق والمهمات الضرورية لمعاصرة المستقبل فيه وهما، اولا ان حقيقة الهوية العراقية تكمن في تاريخه الكلي بوصفه عراقا وليس تجمع اعراق. ومن ثم لا يمكن حل او تفكيك وحدته الذاتية، وثانيا ان معاصرة المستقبل تفترض تذليل البنية التقليدية وتفسخها المورث من المرحلة التوتالتيارية والدكتاتورية.
فالعراق لم يعرف في كل مراحل ازدهاره الثقافي والحضاري أي شكل من أشكال الطائفية، مع انه كان موطن ومصدر الخلافات الفكرية والدينية والفقهية والسياسية. وهي حالة ونتيجة ملازمة لطبيعة تكونه التاريخي الثقافي بوصفه كينونة تاريخية ثقافية شكلت الرافيدينية العربية الاسلامية جوهرها الذاتي. من هنا استحالة فوز اية فكرة مذهبية او عرقية فيه. وفي هذا يكمن سر النهاية الفاضحة والمخزية للصدامية. وهي حقيقة تبرهن على ان اية محاولة للخروج عن منطق الاستعراق (الهوية العراقية) سوف يؤدي بالضرورة الى الزوال والاندثار المخزي.
في حين تفترض معاصرة المستقبل ارجاع العراق الى خطوط مساره التاريخي الطبيعي. وهي مهمة لا تفترضها حقيقة المعاصرة في العالم فحسب، بل وخصوصية التكون التاريخي للعراق نفسه بوصفه هوية ثقافية. وهي مهمة قابلة للتمظهر المتجدد، لكنها غير مقبولة في حال تعارضها مع حقيقته المشار اليها اعلاه. وهو تعارض لا ينبغي فهمه بمعايير الرؤية الايديولوجية او السياسية، بقدر ما انه ينبع من حقيقة الهوية العراقية التي تتعارض من حيث الجوهر مع اية مساع مهما كان شكلها (عرقية او طائفية او جهوية) لتغيير اوزانها الداخلية.
من هنا مجافاة المساعي السياسية للقوى العرقية والمذهبية في جعل الطائفية السياسية اسلوبا لاستحكام سيطرتها. وذلك لانها مساعي لا تفعل في الواقع الا على ترسيخ قيم ومفاهيم الجهل الذاتي. بمعنى انها تعيد انتاج الصدامية من حيث كونها خروجا على منطق الاستعراق واستفراغا للتاريخ واجترارا للزمن العابر، اي للمؤقت فيه. وهي مجافاة عرضة للزوال السريع لكونها تأتي من قوى تعرضت هي نفسها اكثر من غيرها للتهميش السياسي والاجتماعي في تاريخ العراق المعاصر، واقصد بذلك بالشيعة. فعوضا عن السعي الجدي من اجل تذليل الطائفية المفتعلة للصدامية نرى توجها مؤدلجا ومنظوميا لغرس الطائفية السياسية في العراق، من خلال تصنيع وتقديم ما يمكن دعوته بالطائفية السياسية الشيعية. وهي اخطر انواع الطائفية في تاريخ العراق المعاصر. وخطورتها تقوم في ثلاث قضايا كبرى، الاولى في كونها تشكل نكوصا عن مبدأ التشيع، ثانيا في كونها تشكل خروجا على منطق الاستعراق، واخيرا في كونها تشكل خضوعا لنفسية الاقلية وذهنيتها.
ولعل صورتها الاولية التي تتسم بقدر كبير من الخداع السياسي الذاتي والزيف الاجتماعي يقوم في مساعي القيادات الدينية الشيعية للاستحواذ على الشيعة. وهي محاولات تشير من حيث مضمونها السياسي والاجتماعي الى سيادة نفسية وذهنية الطائفية السياسية. بمعنى العمل من اجل تحويل الشيعة الى طائفة. بعبارة اخرى، ان مساعي القيادات الشيعية الدينية تقوم في محاولة الاستحواذ السياسي على الشيعة عبر تحويلهم الى طائفة. وهي محاولات لا تعني في الواقع سوى نقل الطائفية الى الشيعة والتشيع في العراق. وهو امر يتناقض مع حقيقتهما فيه. والقضية هنا ليست فقط في ان تصنيع نفسية وذهنية الطائفية السياسية يؤدي الى صنع اخطر انواع الطائفية واتف انواع السياسة، بل ولما يترتب عليه من تصنيع الطائفة وتسويف السياسة. بينما تقوم المهمة الكبرى امام شيعة العراق في الغاء الطائفية. فهي القوة القادرة فعلا على انجاز هذه المهمة. وفي ذلك يكمن قدرها التاريخي ومضمون وجودها الثقافي. وهو امر ممكن التحقيق عندما يسلك شيعة العراق سلوك الاغلبية، بمعنى تذليل نفسية وذهنية الاقلية. فالشيعة ليسوا بحاجة الى رؤية طائفية من اجل البرهنة على ما يريدوا تحقيقه، كما ان التشيع ليس بحاجة للتحقق بطائفية سياسية لانه يتناقض مع ما يريده في العراق. وذلك لان حقيقة ارادته تقوم في حقيقة العراق نفسه. كل ذلك يضع امام الشيعة مهمة العمل من اجل تذليل نفسية وذهنية وفكرة الاغلبية والاقلية عبر الاحتكام الدائم الى مرجعية العروبة والعراقية.
وهي مهمة لا يمكن للحركة الدينية والطائفية ان تنجزها. بمعنى ان المهمة التاريخية الكبرى لانجاز مهمة التحول الفعلي من التوتاليتارية الى الديمقراطية تقوم عبر تذليل هيمنة رجل الدين والحركة الدينية والمرجعيات الدينية بارجاعهم الى ميدان وجودهم التاريخي التقليدي، وتذليل حماس واندفاعة الفكرة العرقية ونفسيتها القومية (الكردية) من خلال ارجاعها الى حدودها التاريخية بوصفها مكونات ما قبل الدولة. وذلك لان المصير المحتوم لهيمنة المؤسسة الدينية التقليدية والعرقية القومية هو التصنيع الدائم للطائفية السياسية. وهو تصنيع لا ينتج الا انحدارا في الرؤية السياسية صوب حضيض الطائفية مع ما يترتب عليه بالضرورة من صنع دائم لمختلف أنواع المثلثات والمربعات والدوائر الهمجية.


*********************
الطائفية السنية – مثلث الهمجية السياسية 3 من 6
ميثم الجنابي
2005 / 6 / 7
ان الطائفية السياسية الاخذة في التبلور والارتقاء الى مصاف "الوعي الذاتي" هي دون شك الصيغة الاكثر تخلفا وانحطاطا للطائفية. وذلك لانها لا تخلو من ادراك علني ومبطن لما تسعى اليه. ذلك يعني انها ليست محكومة بنفسية الانتماء الغريزية والوعي العادي للعوام، بل وبوعي التخطيط العملي للمهمات السياسية بمعايير الطائفية. واذا اخذنا نسمع بصورة واضحة عن عدم تمثيل السنة او ابعادهم عن المشاركة في ادارة شئون الدولة، والتأكيد من جانب "ممثلي" السنة عن "مرارة الاحساس" بهذا الواقع، فاننا نكون قد بلغنا الحالة الفعلية للطائفية السياسية التي يشارك الجميع فيها، كل بمقدار انحطاطه!
فالطائفية "المرفوضة" من جانب السلطة الصدامية البائدة واتباعها العلنيين والمستترين التي كانت تجاهر امام الملأ عن "معاداتها" للطائفية، اخذت تبرز الى السطح بوصفها برنامجا ورؤية سياسية اكثر مما هي رد فعل. وهو واقع يشير الى فاعلية الطائفية بمعناها السياسي كما هو جلي في ظهور واستتباب اسم "المثلث السني" على لسان المعارضيين والمؤيدين. وهو مثلث وهمي من حيث الانتماء العقائدي والمذهبي، لكنه فعلي من حيث الزمن السياسي والاداري للسلطة واجهزتها القمعية على امتداد عقود طويلة في العراق.
طبعا ليس "للمثلث السني" بعدا جغرافيا او بشريا في العراق. اما الابعاد الثابتة فيه فهي ابعاد همجية بالمعنى السياسي والاجتماعي والوطني والقومي. وهي ابعاد تشير الى انحطاط الدولة ومؤسساتها من الناحية العملية في جملة اساليب كانت تعمل لصالح استحكام السيطرة القمعية للدكتاتورية الصدامية التي انتجت احد اقذر النمماذج طائفية في تاريخ العراق ككل، اي كل ما فعل ويفعل الان على تخريب العلاقات السياسية وتخريف الوعي الاجتماعي. وهي ابعاد ظهرت بصورة ناتئة للمرة الأولى بعد ما يسمى بالانتفاضة الشعبانية في بداية تسعينيات القرن العشرين. حينذاك برزت وتبلورت للمرة الأولى بصريح العبارة مفاهيم مثل "محافظات الغدر والخيانة" و"محافظات الولاء والوفاء". واستتبعتها مفاهيم "الغوغاء" و"الأبطال". حيث تجسدت هنا للمرة الأولى في تاريخ العراق السياسي نفسية وذهنية الانتقام، التي ظهرت فيها بصورة لا تقبل الجدل معالم "المثلث الهمجي". ووجد ذلك انعكاسه في تخريب المدن والقرى والأرياف وتجفيف الأراضي والأنهار والاهوار وتوسيع كمية ونوعية المقابر الجماعية والتهجير والترحيل والتشريد والقتل والتعسف والإعدام والاستخفاف الكامل بكل القيم الوطنية والاجتماعية والاخلاقية. وهي ممارسة لازمت تجزئة العراق جغرافيا وسياسيا وأخلاقيا. وهي تجزئة ليس لها مثيل في تاريخه، باستثناء المراحل القذرة من تاريخ الاستبداد الأموي، الذي كان يختار أقسى الطغاة وعتاة القتلة من اجل "فطم" "أوباش العراق" و"غوغاء السواد" و"أهل الشقاق والنفاق" من تراث الدفاع عن الحق والإخلاص للمبادئ المتسامية.
لقد كان "المثلث السني" هو "المثلث الاول" في مجرى خراب الدولة ومؤسساتها، الذي حول تاريخها الى مجرد زمن الانتهاك السافر لابسط مقومات الوحدة الوطنية وشرعية الوجود الاجتماعي لمكونات العراق الذاتية. وبهذا المعنى يمكن النظر الى هذا "المثلث الفريد" من نوعه في تاريخ العراق المعاصر على انه البداية الكبرى لأسلوب نقل التجزئة التي ميزت علاقة الدولة والسلطة والمجتمع إلى مصاف الجغرافيا السياسية للعراق، اي بداية صنع "المثلثات الهمجية" في الوعي والممارسة الاجتماعية بما في ذلك عند القوى السياسية المعارضة.
لقد جسد هذا "المثلث الهمجي" الاول بداية الهمجية السياسية، عبر مطابقته الجغرافيا مع السياسة والقيم الأخلاقية. بينما كشفت وبرهنت الأحداث الفعلية في مجرى الحرب الاميركية على العراق وسقوط الدكتاتورية وما بعدها أيضا، بما في ذلك على لسان "العائلة المتسلطة" نفسها، من أن "الخيانة" كانت تجري بين صفوف الطغمة الحاكمة والعائلات المرتبطة بها. وهو أمر طبيعي، لأنها كانت في الواقع مصدر ومرتع وينبوع الخيانة الفعلية لحقيقة الهوية الوطنية للعراق ومصالحه الكبرى. أما محاولات البعض للمطابقة بين ما يسمى "بالمثلث السنّي" و"مثلث المقاومة"، فهو استهزاء بالتاريخ والواقع والقيم. ولا تتعدى من حيث حوافزها الواعية وغير الواعية سوى الاستعادة القذرة للمطابقة بين الجغرافيا والسياسة والقيم بنفس الطريقة التي ميزت مرحلة الانحطاط والدكتاتورية الصدامية. إذ ليست هذه المطابقة في الواقع سوى الصيغة المبطنة للاتهام الباطل والتشكيك الوسخ بعروبة "الشيعة" ووطنيتهم، كما انها الصيغة غير الواعية لاستعادة نفسية وذهنية التخلف والانحطاط المميزة لمرحلة القرون المظلمة من تاريخ العراق. فهي مطابقة لا تمثل في الواقع سوى الاستمرار الفعلي لزمن الهمجية. وذلك لان مضمون المقاومة ينبغي أن يجيب أولا وقبل كل شي على أسئلة أساسية وهي مقاومة ضد من؟ ومع من؟ ولأجل من؟ وما هي غايتها؟ وما هي بدائلها الكبرى، اي الوطنية العامة والقومية؟ بينما لا تتعدى "المقاومة" الحالية ضد الاحتلال اكثر من انتهاك فعلي لامكانية البدائل العقلانية في عراق ما بعد الصدامية. وذلك لان حقيقة المقاومة العراقية الكبرى تفترض تأسيس مقومات المجتمع المدني والديمقراطية السياسية والدولة الشرعية والثقافة العقلانية والانسانية. وهي مقومات لا تعمل "المقاومة" في الواقع الا على تهشيمها وتخريبها المادي والمعنوي. وينطبق هذا بالقدر ذاته على مواقفها القومية (العربية). فالموقف الحقيقي والضروري منها يفترض الارتقاء الى مصاف القومية الثقافية وتأسيس حقيقة الفكرة القومية العربية بالشكل الذي يجعلها جامعة للكل العراقي، او على الاقل مكونها الجوهري بالمعنى السياسي والثقافي والروحي. بينما لا يعني السعي لمطابقة "المقاومة" و"العروبة" و"المثلث السني" سوى الارتماء من جديد في طائفية سياسية خربة لا تعمل الا على استعادة اقذر ما في الصدامية، على قذارتها الشاملة.
وضمن سياق مهمة الانتقال من التوتاليتارية الى الديمقراطية في العراق المعاصر، فان ابراز طابع وخصوصية "المثلث السني" لا يعني في الواقع سوى العمل على اخراج هذا "المثلث" من العراق ومن حقيقة الانتماء اليه. وهي نتيجة جرى استغلالها من قبل القوى الطائفية السياسية الاخرى في العراق "للانتقام" من عرب العراق السنة قبل وبعد الانتخابات الاخيرة. بعبارة اخرى لا يعني البقاء ضمن "المثلث السني" والدفاع عنه سوى المساهمة بوعي او دون وعي على الخروج من حقيقة الهوية الوطنية العراقية، ومن ثم الخروج ايضا على حقيقة القومية العربية والاسلامية. وذلك لما في هذا "المثلث" من "نية غير صالحة" للمطابقة بين الإسلام والانتماء الجغرافي السياسي الطائفي.
ان العمل بمعايير "المثلث السني"، اي بمعايير الرؤية الهمجية في ظروف العراق الحالية لا يؤدي الا الى تعميق وغرس التجزئة الشاملة فيه. ولعل اخطر انواع هذه التجزئة الان هو امكانية تجزئة العرب الى طائفتين متناحرتين من خلال توليد "نقيضه" المباشر في "التشيع"، أو بصورة أدق نقيضه المكمل. وهو تناقض لا معنى له غير "تكامل" الانحطاط المادي والمعنوي للقومية العربية ومن ثم تدمير لحقيقة ومقومات العراق. اذ لا يعقل العراق بدون القومية العربية. وحالما يجري رفع خلافاتها الى مصاف الطائفية المذهبية والسياسية، فان ذلك يدل على انحطاطها الى مستوى ما قبل الدولة. مع ما يترتب عليه من خروج على حقيقة القومية العربية. وهو فعل ان دل على شئ فانه يدل على سيادة الابعاد المزيفة في تمثيل فكرة القومية العربية من خلال ارجاعها الى طائفية لا صلة جوهرية لها بالقومية والدين. وهو الامر الذي يعطي لنا امكانية القول، بان الطائفية المتجسدة في "مثلث عربي سني" هي طائفية مزيفة، وانها الوجه الاخر للطائفية الشيعية، اي للخروج عن حقيقة القومية العربية والاستعراق (الوطنية العراقية).
ان حقيقة العراق تقوم في كونه ليس تجمع أعراق وطوائف، بل هو هوية ثقافية سياسية غير معقولة ولا مقبولة خارج وحدة مكوناته الرافيدينية العربية الإسلامية. وهي وحدة لا يعني الرجوع عنها بوصفها احدى الذرى الثقافية لتطور الامم، الى حضيض الطائفية ايا كان شكلها، سوى النكوص عن ماضي ومستقبل الكينونة التاريخية للعراق، ومن ثم الخروج عليه بكافة المعايير والمقاييس. وهو نكوص قد يكون الاشد تخريبا للهوية الوطنية والقومية للعراق، وذلك لان نفسية وذهنية "المثلث السني" لا تؤدي في ظروفه الحالية والمستقبلية الا الى الخروج الطائفي على مضمون الهوية العراقية المتراكمة تاريخيا بوصفها هوية ثقافية سياسية.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثلثات الهمجية - برمودا الانحطاط العراقي 1 من 6
- الاصولية والعنف في العراق – عنف بلا اصول
- الشرع والمرأة – حق الانتخاب ام انتخاب الحق
- اهانة القرآن بين الفضيحة والادانة
- الحجاب - غطاء لغنيمة الجهاد والاجتهاد الذكوري
- العلاقة الشيعية الكردية – زواج متعة ام حساب العد والنقد
- إشكالية الحزب والأيديولوجيا في العراق المعاصر
- من جلالة الملك الى العم جلال
- فلسفة الثقافة البديلة في العراق 4 من 4
- فلسفة الثقافة البديلة في العراق -3 من 4
- فلسفة الثقافة البديلة في العراق 2 من 4
- فلسفة الثقافة البديلة في العراق - 1 من 4
- فلسفة الثقافة البديلة والمثقفين في العراق
- هل العراق بحاجة إلى قضية كردية؟
- العمران الديمقراطي في العراق (4-4) فلسفة الثقافة البديلة
- العمران الديمقراطي في العراق (3-4) المجتمع المدني ومهمات بنا ...
- انتخاب الطالباني: مساومة تاريخية أم خيانة اجتماعية للقيادات ...
- العمران الديمقراطي في العراق (2-4) الدولة الشرعية - البحث عن ...
- العمران الديمقراطي في العراق (1-4) التوتاليتارية والدكتاتوري ...
- الإصلاح والثورة في العراق – البحث عن توازن واقعي


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - الطائفية السياسية - قاعدة الاحتمال الهمجي في العراق 2 & 3 من 6