عبدالوهاب خضر
الحوار المتمدن-العدد: 1255 - 2005 / 7 / 14 - 13:16
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
لأن العمال والفلاحين قلب المجتمع وعقله النابض فقد «شطبوهم» من الحياة السياسية في إطار مخطط لشل دور هذه الفئة في الإنتاج والمشاركة.
أثبت الحكم من جديد أنه موال للأثرياء ورجال الأعمال ووافق لوبي الحزب الحاكم داخل البرلمان منذ أيام علي حذف نسبة الـ 50% كشرط لتأسيس الأحزاب، الأمر الذي وصفه البعض بأنه أكبر خسارة سياسية للطبقة العاملة منذ ثورة يوليو 1952، وقال البعض الآخر بأنه بداية مخطط جديد لإلغاء هذه النسبة في المجالس النيابية لتعود سيطرة رجال الأعمال والإقطاعيين الجدد علي كل الأمور!!
حذف العمال والفلاحين من الحياة السياسية يكشف حقيقة السياسات الحالية التي تتصف بالخوف والجبن من ثورة الجياع مثلا - حسب اعتقادهم - والتي يمثلها العمال والفلاحون الذين يعانون الفقر والجوع والمرض في ظل سياسات التزوير والبلطجة والتبعية.
وتري بعض مصادرنا مثل عبد الغفار شكر عضو المكتب السياسي لحزب التجمع بأن ما حدث هو نزع أهم مكسب للعمال والفلاحين وهو الاعتراف بدور سياسي خاص لهم أصبحوا بموجبه أحد القواعد الاجتماعية التي تشكل تحالف قوي الشعب العاملة البديلة عن تحالف الإقطاع ورأس المال.
وكان حزب التجمع ضمن القوي السياسية الأساسية في الدفاع عن هذه النسبة منذ برنامجه الأول عام 1980، عندما طالب بإعادة النظر في قانون الأحزاب والانتخابات بما يسمح بدخول الممثلين الحقيقيين للعمال والفلاحين إلي المجالس النيابية.. تفاصيل أكثر اقرأ هذا التحقيق..
أوافق بشرط
والنص بشكل عام في قانون الأحزاب والمجالس النيابية والذي كان يشترط ضرورة وجود 50% عمال وفلاحين عند تشكيل تلك الهيئات كما يقول عريان نصيف الخبير الزراعي المعروف ومستشار اتحاد الفلاحين المصريين وصاحب عدد كبير من الدراسات التي تمس حياة الفلاحين، ويشير عريان إلي أن هذه المبادرة التي اشترطت وجود هذه النسبة جاءت في حينها للتعلية من شأن أهم الطبقات المنتجة وهما طبقتا العمال والفلاحين.
ويوضح مستشار اتحاد الفلاحين أنه لم يكن هذا التطبيق مثاليا بل علي العكس فكثيرًا ما دخل للمجالس النيابية عناصر بعيدة كل البعد عن مصالح العمال والفلاحين ولكن باسمهم!!
قال نصيف إنه رغم كل ذلك يأتي النظام اليوم بإلغاء هذا الشرط من قانون الأحزاب في الوقت الذي يمنع فيه العمال والفلاحون من تأسيس وتشكيل أحزابهم الاجتماعية مثلما يحدث في كل أنحاء العالم فإنه بذلك يحجم ويلغي دور ووجود هذه الفئة المهمة لصالح رجال الأعمال، ويتساءل عريان نصيف: فمن أين بعد ذلك سيرتفع صوت العمال والفلاحين؟!!
ويوضح مستشار اتحاد الفلاحين المصريين بأنه كان من الممكن أن يوافق بل يرحب بإلغاء هذا الشرط ولكن في حالتين: الأولي: هي ضرورة توافر الأوضاع الديمقراطية الحقيقية الكفيلة بتشكيل مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب وهيئات برلمانية من القوي الشعبية الحقيقية والناتجة من إرادة الجماهير الصحيحة.
ثانيا: في حالة مشروعية قيام الأحزاب علي أساس طبقي واجتماعي، وطالما أن هذين الأمرين غير واردين بل علي العكس بالتأكيد لابد أن نختلف مع عملية الحذف وتهميش دور ووجود العمال والفلاحين وهما الغالبية العظمي من هذا الشعب.
مخطط جديد
لم يخطئ عريان نصيف عندما قال إن سياسات التزوير والفساد وقمع الديمقراطية نجحت في تمرير ممثلين عن العمال والفلاحين من رجال الأعمال والهليبة الذين لم يعبروا لحظة واحدة عن الأمر، تلك الفئة المطحونة وهذا ما أشار إليه إلهامي الميرغني الباحث الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للإحصاء والتشريع حيث أوضح أن مفهوم التمثيل الطبقي والفئوي هو مفهوم متناقض مع جوهر الديمقراطية، فأساس التمثيل هو البرنامج الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والطبقات التي يعبر عنها. فأحمد نبيل الهلالي هو ابن الرأسمالية وربيب القصور ولكنه من أفضل المدافعين عن مصالح الكادحين وكذلك محمد سيد أحمد وغيرهما من أبناء الرأسمالية الكبيرة الذين انحازوا عن وعي للطبقات الكادحة.
ولم يختلف إلهامي الميرغني معنا في أن ما حدث هو بداية مخطط جديد للقضاء بصورة كاملة علي مصالح العمال والفلاحين، ولكنه يري أن هذه النسبة التي جاءت مع ثورة يوليو 1952 لم تمنع الاعتداء علي جميع المكتسبات الاجتماعية علي التعليم المجاني والصحة المجانية وانطلاق غول الأسعار وتصفية القطاع العام وصدور تشريعات معادية لأبسط حقوق الفلاحين والعمال من قانون الإيجارات الزراعية وقانون العمل الموحد وغيرها من ترسانة التشريعات المعادية للطبقات الكادحة!!
وأضاف الميرغني أن الحل الوحيد الآن وهو الذي يتصف بالعلمية والعقلانية هو الضغط من أجل وجود تعددية حزبية وتداول حقيقي للسلطة وفرص متساوية أمام جميع المواطنين في الترشيح والانتخاب لأن ذلك أفضل ضمانة لتحقيق تمثيل حقيقي للفلاحين والعمال في كل الأحزاب والمجالس النيابية الأخري، وذلك بدلاً من أن تصبح هذه الفئة علي الورق فقط بينما نشاهد رجال أعمال يمثلون العمال والفلاحين وليس لهم علاقة من بعيد أو قريب بهؤلاء المطحونين في الأرض!!
خسارة سياسية
ولم تعرف مصر قبل ثورة يوليو 1952 هذه النسبة ،وكانت المشاركة السياسية تتم بغض النظر عن الانتماءات الطبقية، وكان العمل السياسي يمارس لكل الفئات من خلال الأحزاب سواء الشرعية منها مثل الوفد ومصر الفتاة أو الحركات السرية مثل التنظيمات الشيوعية وحركة الإخوان المسلمين، وعندما جاءت الثورة انحازت لهذه الفئة الفقيرة التي تمثل الغالبية العظمي من الشعب حتي أسفرت سياسات حكومات الانفتاح والتبعية ورجال الأعمال في حذف هذه المادة التاريخية، الأمر الذي يعتبره البعض أكبر خسارة سياسية للطبقة العاملة منذ عام 1952، مما حدث هو مقدمة لأشياء أسوأ مثلما يقول عبد الرحمن خير عضو مجلس الشوري وبرر ذلك الرأي بأن النظام بعد أن سلب العمال والفلاحين الكثير من حقوقهم علي المستويين الاقتصادي والاجتماعي وأشاع البطالة في صفوف أبنائهم إضافة إلي عدم تمكينهم من استكمال مراحل التعليم حيث يصل التسرب التعليمي إلي 130 ألف حالة في العام الواحد ويحول بينهم وبين الالتحاق بالكثير من أماكن الدراسة والعمل لأسباب طبقية ويريد أن يستكمل هذا بإزالة ما تبقي لهم من حقوق سياسية لإخراجهم من الساحة نهائيا.
ويضيف خير: ورغم أن وجود هذه النسبة في مجلس البرلمان لم يكن فاعلاً بالدرجة الكافية لاستيلاء الحزب الحاكم علي أغلب هذه المقاعد ووضع ما يسميه هو كممثلين للعمال والفلاحين، فقد انعكس هذا علي التصويت علي الكثير من المشروعات القائمة التي تضر بمصالح الفقراء وتتيح الفرصة لأصحاب الأموال لالتهام الجزء الأكبر من الكعكة، فقد كان هؤلاء النواب يصوتون وفقًا للتوجيه الحزبي وذلك أمر يدخل في نطاق اللامعقول حيث لا يمكن أن يصوت أحد ضد مصالحه أو مصالح من يعبر عنه والدليل علي هذا هو ما حدث عند إقرار التعديل الأخير لقانون الأحزاب فكم من الأصوات تحدثوا دفاعًا عن إبقاء نسبة العمال والفلاحين وبإلغاء المانع الطبقي الذي يحول بينهم وبين إقامة أحزاب أخري؟
ويؤكد عبد الرحمن خير أنه في مجلس الشوري تحدث وزميلته عائشة عبد الهادي وصوت الكثيرون من الوطنيين ضد إلغاء هذه النسبة، أما في مجلس الشعب فلم يكن الأمر واضحًا علي الإطلاق!!
وطالب عبد الرحمن خير اتحاد نقابات عمال مصر بتنفيذ توصياته وتوجيهاته التي طالما أعلن عنها، وأكد عليها السيد راشد رئيس الاتحاد في كلمته يوم الاحتفال بأول مايو واجتماع الجمعية العمومية وفي تصريحاته عندما قال: سوف أقاتل للإبقاء علي نسبة العمال والفلاحين في كل المجالس النيابية.. فماذا حدث؟
إهدار
أما محمد إدريس رئيس الاتحاد التعاوني الزراعي والذي تقدم باستقالته منذ أيام قال إن هناك لوبي مستترًا من رجال الأعمال يسعي حاليا للقضاء علي ما تبقي من مكتسبات ثورة يوليو بالنسبة للعمال والفلاحين. وأضاف إدريس أن وجود تشوهات في هذه المادة ودخول ممثلين غير حقيقيين عن هذه النسبة بسبب غياب الديمقراطية فإن هذا لا يقلل من أهمية هذه المادة التي تم حذفها مما سوف يترتب عليه الإخلال بالتوازن داخل المجتمع وإهدار حقوق هذه الفئة ووجود ممثلين يرفعون شعار: لازم نطاطي ونطاطي ونطاطي!!
وأكد محمد إدريس أن ما حدث لا يدعو للتعجب لأنه يأتي ضمن سياسات الإفقار لصالح فئة رجال الأعمال والأثرياء ويأتي في إطار تدهور سياسي واقتصادي، فلا مجال للتعجب!!
#عبدالوهاب_خضر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟