أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - فيلسوف وفقيه وإرهابي (1)















المزيد.....

فيلسوف وفقيه وإرهابي (1)


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4414 - 2014 / 4 / 4 - 22:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أن يفكر الإنسان لا يعني أن يكون ’فيلسوفاً‘. كل إنسان يفكر؛ وكل إنسان لديه ’عقل‘ يستخدمه كأداة محورية لتفكيره، مهما يكن هذا التفكير. وأن تفكر كثيراً لا يعني أن تصبح ’مفكراً‘. كل عقل لدى كل إنسان لا يكاد يتوقف لحظة عن التفكير منذ الاستيقاظ حتى العودة إلى الفراش، وأحياناً أثناء النوم يظل ’العقل‘ مشتغلاً بتقطع في التفكير. في الواقع، أكثر الناس فكراً ليس الفلاسفة ولا المفكرين، بل هم ’المجانين‘ والمضطربين عقلياً. في مثل هؤلاء يتجاوز العقل حدود طاقة التحمل الصحية والمعقول العملي في دورة وسرعة التفكير، الذي ينهك العقل ذاته ويفقده الاتزان والانتظام المطلوب لتحقيق الفائدة المرجوة من وجوده. فمع أن المضطرب عقلياً هو ’الأكثر‘ إنتاجاً للفكر إلا أن هذا الانتاج الفكري الغزير، في الوقت نفسه، يكون ’الأقل‘ نفعاً لصاحبه والآخرين. هو فكر عبثي، غير منتظم في منهج واضح ولا ترجى فائدة منه.

كما يتساوى جميع البشر دون استثناء في القدرة على التفكير، كذلك الحيوانات أيضاً لديها أمخاخ تستطيع أن تفكر بها في حدود إملاءات غرائزها الطبيعية. ما يميز بين إنسان وإنسان، أو بين الإنسان والحيوان ليس هو التفكير بحد ذاته، لأنه موجود ومشترك بين الجميع؛ كما أن ’كم‘ التفكير بحد ذاته لا يصنع من الشخص ’مفكراً‘، الأرجح أن يصنع منه ’مجنوناً‘ عندما يتجاوز الحدود المعقولة والصحية. من جهة أخرى، في حدود التفكير الصحي والمعقول، ثمة نوعان من الفكر: (1) الفكر ’التلقائي‘ الطبيعي المتوفر لكل شخص بالغ واللازم لإشباع احتياجاته الشخصية والوفاء بمتطلبات العيش وسط جماعة من الأشخاص الآخرين؛ (2) الفكر ’المصطنع‘، الاحترافي، غير المتوفر بتلقائية وطبيعية لكن يكتسب عبر التنشئة والتعليم والاشتغال بالحرف الفكرية أو المتصلة بقضايا الفكر والثقافة. وثمة خاصية أساسية تميز بين ’الفكر المصطنع‘ و’الفكر التلقائي‘، وبالتالي بين تفكير الشخص العادي وتفكير المفكر المحترف: استخدام النظام، المنهج، أو الإجراء في التفكير.

عكس البساطة والتلقائية الطبيعية التي يتصف بها فكر الشخص البالغ العادي، الفكر المحترف يخضع لمجموعة صارمة من القواعد والأصول والتقاليد المتعارف عليها وسط جمهور المفكرين المتضافرة معاً داخل نسق إجرائي، نظام أو منهج يجب أن يلبي حداً أدنى معقول من الانسجام والتماسك الداخلي. في غياب هذا ’النظام‘، ’المنهج‘ أو ’الإجراء‘، يرتد الفكر إلى طبيعته الخام غير المنضبطة بقواعد، أنظمة، مناهج أو إجراءات محددة ويصبح فكراً عادياً تلقائياً تحكمه ضغوط الحوائج الآنية والتقاليد والسلطات المتوارثة. علاوة على هذه النظامية، المنهجية والإجرائية في طريقة التفكير يتصف الفكر الاحترافي، الاصطناعي، أيضاً بالقدرة على ’التفكير في التفكير‘ ذاته، أو القدرة على التفكير في الأنظمة، المناهج والإجراءات ذاتها المستخدمة في عملية إنتاج الفكر. فعلاوة على كونه تفكير ’موضوعاتي‘ له مضمون من مواضيع مختلفة تستحوذ على اهتمام أو مصلحة من الإنسان، هو كذلك تفكير ’إجراءاتي‘ قادر على أن يفكر ويعاود التفكير في إجراءات عملية التفكير ذاتها. وتعد هذه النظامية، المنهجية أو الإجرائية في طريقة التفكير والقدرة على التفكير في أنظمة، مناهج وإجراءات عملية التفكير ذاتها شرطين جوهريين يفصلان التفكير المصطنع عن الآخر الخام. فلا يكون مفكراً محترفاً سوى الشخص الذي يستطيع أن يفكر في موضوعاته بهذه الطريقة المنظمة، المنهجية والإجرائية ويستطيع، في الوقت نفسه، أن يفكر ويعاود التفكير من وقت لآخر في أنظمة، مناهج وإجراءات عملية تفكيره ذاتها.

إذا كان فكر الشخص العادي لا يتجاوز حدود التفكير في كيفية ’استهلاك‘ فكر آخرين إشباعاً لاحتياجاته ومتطلباته؛ وكان المفكر المحترف ’صانعاً‘ للفكر باستخدام أصوله وقواعده المنتظمة في منهج متماسك، ’الفيلسوف‘ هو ’مصنع مفكرين‘ كاملاً. في تجسيد إيضاحي سوف أتوسع فيه لاحقاً، إذا كان الفكر يمثل ’سيارة‘ يصنعها المفكر لكي يستعملها الشخص العادي لأغراضه المختلفة، الفيلسوف هو ’مصنع سيارات‘ كامل، و’الفلسفة‘ هي صناعة السيارات كلها.

هنا لا يكفي تحقق شرطي ’التفكير المنهجي‘ و ’التفكير في التفكير‘ لكي يرتقي ’المفكر‘ إلى مرتبة ’الفيلسوف‘. هذا الارتقاء يتطلب تحقق شرطين أساسيين آخرين: (1) النقض و(2) إعادة البناء بقيمة مضافة. حين يتصدى المفكر بالنقض، التفكيك، والتحليل فقط للأفكار والنظريات المنهجية القائمة هو حينئذ لا يزال يؤدي وظيفة المفكر داخل إطار منظومات فكرية ونظرية قائمة من صنع مفكرين وفلاسفة آخرين. هو عندئذ لا يعدو كونه مفكراً أو ناقداً أو مؤرخاً أو معلقاً أو شارحاً أو مدرساً...الخ وليس بأي حال ’فيلسوفاً‘. هذه الصفة الأخيرة لا تتحقق إلا عندما يستطيع ’إعادة بناء‘ مكونات الأفكار والنظريات القائمة التي سبق وأعمل فيها أدوات النقض والتحليل والتفكيك في بناء جديد، وبقيمة مضافة. ومن دون هذه ’القيمة المضافة‘ يظل الفيلسوف مجرد مدعي فلسفة، أو أستاذ فلسفة، أو مقلد، أو مترجم، أو ناسخ، أو مستورد أو حتى منتحل وسارق للجهود الفلسفية لآخرين.

الفلسفة هي الفكر القادر على ’خلق‘ صناعة كاملة جديدة، ليس من العدم ولكن من أنقاض صناعة أسبق بعد نقضها وتفكيكها وتحليلها وإعادة بنائها بقيمة مضافة، والفيلسوف هو ’صاحب مصنع‘ كامل داخل هذه الصناعة المبتكرة. بالعودة إلى التجسيد أعلاه، صناعة السيارات لم تنشأ من العدم؛ قد سبقها بزمن ’اختراع العجلة‘، التي بدونها ما كان ’اختراع السيارة‘ ممكناً أو حتى متصوراً على الإطلاق. هذه العجلة البدائية وعبر مراحل تطورها وصولاً إلى العربات ذات العجلات التي تجرها الخيول السائدة حتى مطلع العصر الحديث ولا تزال باقية على الهامش حتى اليوم هي التي قد خلقت ’البنية التحتية‘- الطرق الممهدة، المسافرين والبضائع، محطات الاستراحة والتزود بالمؤن، متعهدي النقل، السماسرة والوكلاء التجاريين، المقرضين، الضامنين، صناعة عربات النقل والصناعات التكميلية...الخ- الضرورية لقيام صناعة مبتكرة مثل السيارات الحديثة، التي بدون توفرها مسبقاً ما كان من الممكن أو المعقول أبداً تحقق هذا التطور الكبير من الحصان الحي إلى المحرك الميكانيكي.

الفلسفة هي هذه الصناعة الجديدة المكتملة الأركان، المتراكمة فوق بنى تحتية سابقة التجهيز لكن ممتدة إلى تطبيقات حديثة مبتكرة لم تكن موجودة في السابق. بدون هذه القيمة المضافة، القفزة للأمام، لا تكون الفلسفة ’فلسفة‘. والفيلسوف الفرد هو مصنع كامل ضمن هذه الصناعة الجديدة، وعنوانه والماركة المسجلة لمنتوجه. أترك الفقيه والإرهابي لمرة قادمة.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدل الأعمى في اليوتوبيا الإسلامية
- الإسلام السياسي سكين مسموم في الجسم العربي
- إسرائيل العدو، الند، إلى الحليف
- المملكة والله والبترول
- إصلاح مراوغ تحت عباءة الدين
- تطور الدين مع الانسان
- المملكة المحافظة في واقع متغير
- لماذا انهزمت السعودية أمام إيران
- هزيمة الجهاد المسلح في سورية
- الأكثرية والأقلية في ديمقراطية الإسلام السياسي
- الله الاجتماعي والله الفلسفي
- حين يمسي اليسار يميناً
- مقاربة الذيب في تفنيد الدين
- مُعلق تحت الأرض
- حين تتحول المساجد إلى سجون
- ما بين العنصرية العربية والمساواة الديمقراطية
- الإسلاميون بين التقية والتمكين
- الحدود انتهاك بشع لكرامة الإنسان
- على ميزان القيمة الإنسانية
- السيسي وعنان، وبينهما الإخوان


المزيد.....




- لبنان.. لقطات توثق لحظة وقوع الانفجار بمطعم في بيروت وأسفر ع ...
- القبض على الإعلامية الكويتية حليمة بولند لاتهامها بـ-التحريض ...
- مصر.. موقف عفوي للطبيب الشهير حسام موافي يتسبب بجدل واسع (صو ...
- -شهداء الأقصى- التابعة لـ-فتح- تطالب بمحاسبة قتلة أبو الفول. ...
- مقتل قائد في الجيش الأوكراني
- جامعة إيرانية: سنقدم منحا دراسية لطلاب وأساتذة جامعات أمريكا ...
- أنطونوف: عقوبات أمريكا ضد روسيا تعزز الشكوك حول مدى دورها ال ...
- الاحتلال يواصل اقتحامات الضفة ويعتقل أسيرا محررا في الخليل
- تحقيق 7 أكتوبر.. نتنياهو وهاليفي بمرمى انتقادات مراقب الدولة ...
- ماذا قالت -حماس- عن إعلان كولومبيا قطع علاقاتها الدبلوماسية ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - فيلسوف وفقيه وإرهابي (1)