أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - السياسة فى بلادنا بلا مقدمات ولانتائج














المزيد.....

السياسة فى بلادنا بلا مقدمات ولانتائج


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 4403 - 2014 / 3 / 24 - 01:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كلما طالعت المشهد السياسي العام بأحداثه ومفارقاته تبدو لي كما لو أن البلد وقع في أيدي حفنة من الهواة في مدارج السلطة، وأختزل غصباً في نخبة مفلسة مصطنعة بفضل إعلام يجيد مفارقة العقل واجتراح اللامعقول، وتذكرت النكتة كما رويتها لكم في مقال سابق.
كانت الصحيفة في يده وقد طواها علي صفحة الإعلان الذي أولاه اعتباراً فوق ماعداه. دلف في تؤدة وثبات إلي ردهة الاستقبال الفاخرة، وكأنه علي أعتاب أمر جلل، وفي إيماءة متعالية سأل عن مدير عام الشركة. كان محظوظاً إذ بعباراته المقتضبة وحسن هندامه بدا مهيباً ومؤهلاً لتجاوز كل مايمكن أن يصادف غيره من لجاجة موظفي الاستقبال وتعالي خدم المكاتب والأسئلة المقتحمة الباردة، فأشاروا علي الفور إليه، وتطوع أحدهم باستدعاء المصعد وفتح له الباب.
كانت جلسته في مواجهة مدير عام الشركة تشي بملامح رجل مهم استوجبت حفاوة المدير وترحابه، وقبل أن تكتمل ابتسامته بادره صاحبنا: أليس ذلك هو إعلانكم لطلب مدير إقليمي لفرع الشركة في روما، وقبل أن يجيب، أكمل صاحبنا معاتباً: ولماذا لم تحددوا الراتب والبدلات والمكافآت في الإعلان كما حددتم كل الشروط والمواصفات والمؤهلات المطلوبة لشغل الوظيفة؟ واستجمع المدير كل خبرات البيروقراطية التي أهلته للجلوس علي الكرسي الكبير والتي علمته كيف يتسيد مثل هذه المواقف في اللحظة المناسبة، إذ كيف يسمح لموظف محتمل هو بالضرورة سيكون مرءوساً له حال استخدامه بأن يساءله ويناقشه؟ وحتي يلزم صاحبنا حجمه، سأله في حزم: هل قرأت كل شروط الوظيفة؟ ودونما أن يترك له فرصة الرد عاجله: وهل أحضرت معك أصول وصور كل الشهادات والمستندات المطلوبة؟ وأكمل من فوره: وهل أنت جاهز لأداء الاختبارات الآن حالاً فوراً؟ نظر إليه صاحبنا في تردد بدا معه مدي انكماشه في مقعده وندت من شفتيه كلمات متقاطعة متلعثمة لم يعرها المدير أي اهتمام، لكنه قدر أنه الآن استعاد سيطرته المفترضة علي الموقف وامسك بالموظف المحتمل من تلابيب حاجته واضطراره فألزمه حجمه ومقداره، وبدا حاسماً: من فضلك الإجابة بنعم أولا فقط حرصاً علي الوقت، وانهالت الأسئلة وتلاحقت الإجابات علي النحو التالي: هل لديك خبرة بأعمال الكمبيوتر والشبكات والإنترنت؟ لا، هل لديك شهادة دولية في أعمال الكمبيوتر؟ لا، هل تجيد الإنجليزية؟ لا، هل تجيد الإيطالية؟ لا، هل لديك خبرة دولية سابقة في الأعمال المطلوبة؟ لا، هل لديك شهادة عليا كما هو مدون في الإعلان؟ لا، وهنا استشاط مدير الشركة وتبدي انفعاله في كلمات حانقة: لماذا إذن تقدمت إلي الشركة وطلبت مقابلتي؟ وهنا جاءت كلمات صاحبنا لتتوج الحدث الدرامي بمشهد الختام الذي هو قمة في الكوميديا السوداء والساركيزم « السخرية»: جئت لأطلب منكم ألا تعملوا حسابي في هذه الوظيفة. انفجر الجميع في الضحك حتي دمعت عيونهم، فقد كان ضحكاً كالبكاء. هكذا كانت المفارقة وهكذا جاءت النكتة.
والنكتة لاتأتي من فراغ وهي غالباً تنفيس عن إحساس بالوجع يصدر عن ضمير جمعي حائر ووعي عام مؤرق يرفض الواقع حوله فيعمد للسخرية من مفرداته ويعرض برموزه. فإذا كان من طبيعة الأشياء ومعيار صحتها أن تؤدي المقدمات إلي نتائجها، فإن النكتة تبدأ دائماً بمقدمات خاطئة أو غير معقولة لاتؤدي أبداً إلي ماوصلت إليه من نتائج، وهنا تقع المفارقة وتلذع السخرية ويكون الضحك.
شيء من هذا يحدث في حياتنا العامة، تبدو معه النخبة من الساسة والمثقفين والكتاب والناشطين وبعض المسئولين، مثل صاحبنا في النكتة السابقة الذي لايمكن أن يؤدي مااعتمده من مقدمات إلي ما يمكن أن يرتجي من نتائج، إنها الهلاوس إذن وفنتازيا العالم السحري البديل.
وهنا كان لابد للضمير الجمعي العام أن ينتج النكتة ليسخر من واقعه ويعريه ويدينه ويضحك عليه في نفس الوقت وبنفس القدر الذي يتندر فيه ويسخر من صاحبنا والإعلان والمدير والشركة والإجراءات وتنكر التفكير للواقع وتنافيه مع سليم العقل وتناقضه وصحيح الإدراك. وتأمل مفردات ذلك الحدث المفارقة وتفاصيله الساخرة، ثم حاول إسقاط ذلك علي واقعنا العام المعيش تأتيك الصورتان في تطابق مدهش.
الغريب أننا من كثرة تكرار اللامعقول في حياتنا العامة وتواتر وقائعه وأحداثه وأحياناً تنوع مفرداته مع احتفاظها بالرمز نفسه والمعني ذاته، بدونا وكأننا أصبنا بحول عام وضمور في أعصاب البصر وعطب في ضمير البصيرة أصبحت معه الرؤية ملتبسة والصور متداخلة والمشهد حائر متبلد ومرتبك. وبدلاً من إعادة التفكير في تفاصيل الصورة وأسباب واقعها المشوه، وبدلاً من إعادة النظر في أفعالنا وأفكارنا وما أقترفته أيدينا، نظل في مماحكة مع الإطار والبرواز ووضع الصورة، بينما الخلل في المقدمات قبل النتائج، وعلينا إعادة النظر وإعادة التفكير واعتماد قواعد جديدة للعبة التي تآكلت أطرافها واهترأت ملاعبها واستبد بالناس الملل والإرهاق والتعب، ورغمها لاتزال الفرصة قائمة والظروف لاتزال مواتية والوقت لايزال يمنينا بمتسع لمحاولات ممكنة.
لذا أنصحك قبل أن تضحك للمفارقة والنكتة وتدين الواقع وتتندر عليه أو تنسحب منه، أعد النظر وراجع أفكارك وتصرفاتك، وتأكد أن معظم مشكلاتنا تبدأ عندما لاتؤدي المقدمات إلي نتائجها



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مخاطر استمرار الببلاوى وحكومته
- رسائل -هيكل- الملغزة وغواية الأنا
- إعادة هيكلة الدولة حتم تاريخى لا رفاهية
- السيسى لا يلعب النرد مع -هارى بوتر-
- على من يكون الرهان؟
- طارق البشرى: فراغ باتساع الوطن
- دكتور حسام عيسى والجامعات الخاصة
- حكومة الفرجة فى مسرح العبث
- هل السيسى ظاهرة شعبية لسلطة ملهمة؟!
- إنى أتهم: الحكومة و-المدبلجين- وغيرهم
- التاريخ يستدعى قادته وأبطاله
- مندوب المصالح الأمريكية في الحكومة المصرية
- حتى لاتكون -المفوضية- هى وصفتنا غير السحرية - د. مصطفى حجازى ...
- الأستاذ هيكل فى لزوم مالايلزم
- وهل من الديمقراطية تفكيك مصر وتبديد دولة الحد الأوسط؟
- -خلايا الإخوان النائمة مابين التبرير والتسويغ والتحريض- : طا ...
- -الجبهة الوطنية مابين مسلسلات السياسة و-خرم إبرة- -: ماتيسر ...
- ثورة يوليو وموسم الهجرة إلي الشمال
- معظم الناس هم أناس آخرون‮
- وما اشتكت عيناه إلا بمصر


المزيد.....




- ماذا دار في ‎أول اتصال بين السيسي ورئيس إيران بعد الهجوم الإ ...
- احتفالات مولودية الجزائر بلقب الدوري تتحول إلى مأساة وحزن
- بزشكيان لماكرون: العدوان الإسرائيلي دليل على أن خططنا الدفاع ...
- قبرص تعتقل مشتبها به في قضايا تجسس وإرهاب
- إيران تتعهد بتطوير صناعتها النووية بوتيرة أسرع بعد الحرب
- إيران تطلق الموجة 19 من هجماتها على إسرائيل
- رئيس إيران يعلن موقف طهران من التفاوض بشأن برنامجها النووي
- سوريا: إيقاف وسيم الأسد المتهم بالضلوع في تجارة المخدرات خلا ...
- إسرائيل حاولت زعزعة إيران فساعدت في توحيدها
- بانون يعارض الانضمام للحرب على إيران ويوجه تحذيرات لترامب


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - السياسة فى بلادنا بلا مقدمات ولانتائج