أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - سد الفراغ














المزيد.....

سد الفراغ


فؤاد قنديل

الحوار المتمدن-العدد: 4386 - 2014 / 3 / 7 - 10:20
المحور: الادب والفن
    




قصة قصيرة
ــــــــــــــــــــ
لم يحدث أن تنكر لماضيه .. يعترف ببساطة ولأي إنسان
أنه لم يسكن يوما في بيت له جدران
وأنه طوال عمره بلا أهل ، وبلا أصدقاء حقيقيين
مذ تفتح وعيه وهو في الرابعة أو الخامسة أدرك أنه شقيق الأرصفة
أمه الحدائق وأبوه الجسر الحديدي ..
الأولاد الملوثون بالقمامة والجوع والحرمان والحقد هم أخوته.
هم أخوته لأنه إذ ينام بداخل جلودهم يسري في بدنه الدفء الذي يغمض جفنيه إلى أن يشرق الصباح أو ينقر الندى الوجوه النحيلة .
بقية أهله الذين لا يكفون عن التواصل معه هم الكلاب والقطط والفئران والعرَس والأبراص والصراصير وأسراب النمل وأفراس النبي والبق والناموس ومياه الصرف الصحي والبرد القارص .
هل يدهشكم ويثير فضولكم إذا علمتم أن جاد الرب ياسين لم يشعر بالحزن يوما؟!
كان يحدق في كل شيء ويغوص فيه ..يحاول أن يعرف سره وجدواه مهما كان تافها .. يسأل كثيرا ويتمعن في التفاصيل والأسباب ،خاصة إذا نام تحت السيارات أو في زورق أو في ماسورة أو في عربة قطار قديم صدئ أهمله أولو الأمر لشهور وسنين ..
صناديق القمامة كانت كتابا ضخما مدججا بالمعارف ، وهي المدارس الحقيقية التي تلقي فيها العلم دون معلم. يحتاج ليقرأ ما في الصندوق بدقة إلى عشر ساعات مع التركيز الشديد والتأمل
رأسه صغيرة جدا مثل رأس نسناس. عيونه دقيقة جدا ولامعة كعيون فأر
اعتادت التفتيش في كل شيء والبحث عن أوجه الشبه بين مسمارين أو بين صامولتين أو بين محركين ، والتأمل ذاته والمقارنة يجريها بين الحمار والبغل ، وبين الجمل والحصان .. صامت أبدا حتى ليحسبه الكثيرون أبكم.
كان يدرك ولا أحد ولا هو نفسه يعرف من أين توصل لهذه الفكرة
أن هناك علاقات وثيقة بين الأشياء غير المتجانسة في نظر السذج .. يتصور أن هناك رابطة بين القمر والنملة . بين الحصان والقلم .هناك صلة بين الشجر والأحلام .. بين الذهب والقمامة
احتاج أن يتعلم القراءة والكتابة ، واحتاج إلى غرفة لا لينام فيها ، ولكن ليتخذها مخزنا للأجهزة التي تعطلت وألقاها أصحابها على قارعة الطرق .
يسهر معها الليالي باحثا عن سر عجزها . ربما مائة مرة استطاع فيها إصلاح العطب في الأجهزة خلال دقائق .. كانت تفتقد فقط مجرد تدليك أسطح المعادن الموصلة أو مسمارا أو صامولة أو قطعة من الكاوتشوك أو سلك كهرباء سليم أو مفتاح تشغيل أو قلم بطارية جديد ، وغالبا ما كان يسرق ما يحتاج إليه. ولم يسرق مطلقا إلا ما يحتاج إليه فقط وأحيانا يكتفي بأقل مما يحتاج إليه.
تعرفت عليه عندما رافقت جاري الذي يعتزم شراء كومبيوتر مستعمل من عند بائع في بولاق أبو العلا بالقرب من وكالة البلح ، هناك عثرت على ثلاجة تشبه تماما ثلاجة سلمناها منذ شهور لمشتري الروبابكيا الذي دفع فيها عشرة جنيهات .. متأكد جدا أنها ثلاجتنا .
تذكرت أني حفرت اسمي عليها في أسفل أحد الأجناب .. درت أبحث عنه حتى وجدته. ضحكت وسألته عن الثمن فقال :خمسمائة جنيه..
عدت أضحك
عملي بالصحافة دفعني لتأكيد صداقتي به والحوار معه .. كتبت عن مهاراته وقصصه الغريبة عدة حوارات نشرت في مجلات وصحف مختلفة.
عندما بلغ جاد الرب ياسين السابعة والثلاثين أصبح لديه في البنك ثلاثون مليونا من الجنيهات . . ربما لأنه لم يعرف طعم السجائر ولم يقرب الخمر مطلقا . لم يلبس في العام الواحد إلا ثلاثة بنطلونات وثلاثة قمصان كانت حتى بلغ العشرين من القمامة ، ثم صار يشتريها من أرصفة وكالة البلح ، أما طعامه فيكلفه في اليوم ثلاثة جنيهات لا يسمح مطلقا بأن تزيد مليما.
أهم مصادر ثروته نشأت من تجميعه قطع غيار السيارات ومختلف الأجهزة ، ثم أصبح يشترى السيارات المحطمة والقديمة بتراب الفلوس ويجددها ثم يبيعها ليكسب عشرات الآلاف من الجنيهات .
اخترع أجهزة كثيرة وإن كانت بسيطة تناسب المطابخ والتلاميذ والمكاتب ولصوص الشقق والسيارات. وهذه الأيام يستعد لافتتاح مصنع سيارات توك توك.
ليس كل ما ذكرت هو ما يدهشني ، وإنما الجدير بالدهشة أن زوجة ذلك النسناس جميلة جدا جدا ، وله منها ثلاثة أولاد رائعين.
أشعر بسعادة وراحة كلما زرتهم .. ربما أكون صديقه الوحيد . . دأب طيفها على زيارتي في صحوي ونومي .. من أين التقطها هذا الشحاذ خريج الأرصفة والجحور؟ .
نظام دقيق ومحكم وضعه كي يجمع بين الجمال الأنثوي النادر وصعود سلم الثراء
لكم تساءلت طويلا بل أحيانا في أحلامي عن سر قدراته الخرافية لتحقيق التوازن بين الحب وتأسيس عمارات شاهقة دون أن يسعى للسلطة أو يتملق رجالاتها الجهلاء أصحاب الكروش . بالقياس لأمثاله من الصاعدين فهو مختلف لأنه يغني خارج السرب .
رحل صديقي فجأة الأسبوع الماضي .أزمة قلبية .. غيبتني الدهشة عن الوعي لحظات .. لم يمرض يوما ولم يتألم حتى من صداع أو مغص .
في آخر حديث بيننا شكوت له حال المؤسسة الصحفية التي تضم من أمثالي المئات . حدثته عن انسداد الطريق وتقلب الأحوال حسب الرؤساء ومعظمهم منافق ووصولي .
كنت في بيته قبل أيام نحتفل بعيد ميلاد ابنته الكبرى وداد وحملت لها الهدايا .. غنى ورقص وألقى النكات وضحك كثيرا والتقط الصور ربما لأول مرة .. بدا كائنا آخر .. حالة لم يسبق أن رأيته عليها فلم يكن يبدد الوقت . يقول : العمر قصير والمتاح منه للعمل فقط . التقطت لهم الكثير من الصور .
سأبذل قصارى جهدي وسأتنازل عن كل شيء لأسد بنفسي الفراغ الذي خلفه .. إننى صديقه الوحيد ولابد أن أكون دائما إلى جانب أسرته الصغيرة بكل ما أملك.
لقد ترك الجميلة وحيدة وحزينة بدرجة تفوق الحد .



#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جراتسي
- الناصرية ضد الهزيمة
- حميدة ولدت ولد
- ما الذي يهدد حياتنا ؟
- 25 يناير ليست ثورة
- عبد الناصر واليوسفي
- كيف نقضى على التتار؟
- - كناري - مجموعة الخميسي الفاتنة
- السيسي ومعايير اختيار الرئيس
- فى مديح الجمعة
- في رحاب السيد المسيح
- -قصة ما ئلة-
- أيام أمى الأخيرة فصل من رواية -دولة العقرب-
- حساب الأرباح والخسائر لعام 2013
- الحياة ... مشكلة جمالية
- أ رَ د تُه جَبَا نا
- الترجمة وصورة مصر في الثقافة العالمية (2)
- الترجمة ومكانة مصر فى الثقافة العالمية(1)
- حب خريفي بطعم العواصف
- دستوركم يا مصريين


المزيد.....




- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - سد الفراغ