أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - أ رَ د تُه جَبَا نا















المزيد.....

أ رَ د تُه جَبَا نا


فؤاد قنديل

الحوار المتمدن-العدد: 4317 - 2013 / 12 / 26 - 11:10
المحور: الادب والفن
    


نعم .. أردته أن يكون جبانا ، فقد شغلتني كثيرا شخصية الجبان ، وفكرت أن يكون بطل قصتي القادمة .. وعندما حاولت رسم شخصيته ووضعه في موقف يكشف بوضوح حالة الجبان وبرود أعصابه خاصة في اللحظات الحرجة فوجئت به راضيا ويبدي تعاونا سبب لي القلق والإشفاق عليه من المهمة الصعبة .
أحد أقربائي كان البداية وهو السبب، فقد لفت نظري إلى الجبان أو البارد جدا الذي لا يبدو معنيا بأي حدث أو خبر وليست لديه أي قدرة على المبادرة بالفعل . ظل قريبي يطاردني ويرافقني كثيرا وأنا أحاول التخلص منه حتى استسلمت له وقررت أن أجعله بطلا لقصتي ، وكان علي أن أحاول بعمق وتركيز تفهم طباعه ، إلى أن أصبح لطفي بطل القصة ملهما في الجبن وعبقريا في بروده إلى درجة مقززة . ربما لم يكن قريبي هو السبب لأني منذ الطفولة أكره هذا النوع من الرجال .
إن تأليف القصة ليس عسيرا إلى حد مقلق ، وتشكيل المبررات الكافية والملائمة لإثارة الأحداث ودفعها نحو مزيد من الصدام الضاغط على أصحابها ومرتكبيها ، وكذلك الذين حرصوا على أن يكونوا بمنأى عنها ، ليس أيضا من العسر بمكان على صاحب التجربة والموهبة ، أما الذي يتعين الاحتشاد له بالتأمل الطويل وتعدد التجارب ودقة الخلق وإدارة الأفعال بحذق فهو رسم الشخصيات وتحديد ملامحها ، وإعانتها على الخوض في نهر الحدث الموحل أو المتدفق تلقائيا نحو التعقيد المثير والمتشابك .
أردت لطفي أن يكون جبانا جبنا يبلغ حد الخيانة من فرط سلوكه السلبي المستفز للسلحفاة . زرعته وسط بيئة تتسم بالحيوية والتوتر ، وبعض أبنائها يتسم بالاندفاع ، بل والهياج لأسباب تافهة ، وكان على لطفي أن يكون على العكس منهم .. خاملا لا يبدي أي انفعال حتى عندما مات أبوه ، وعندما أخته ضربها زوجها العربيد وطردها على نحو قاس بملابس البيت وفي عز الليل ودون مبررات قوية تستوجب هذا البطش ..
سأكتفي هنا بموقف واحد .. عندما رسب ولده الكبير في الثانوية العامة لثالث مرة .. كان رده الوحيد الذي لم يصل إلى الآذان إلا بعد أيام من المصيبة التي قضت على دموع زوجته ، و أدت إلى تخشب خديها من كثرة اللطم وإقدام الولد نفسه على الانتحار .
قال لطفي : لقد عملنا ما يتوجب عمله ، وهذا نصيبه وقدره
عندئذ صرخت فيه زوجته وقد أوشكت أن تقبض على زمارة رقبته :
- أي قدر يا رجل يا مجنون ؟..ابنك ضاع مستقبله
في تلك اللحظة كان يخيط كعب جوربه ، وببرود لا يتمتع به غيره ، حاول أن يعيد إدخال طرف الخيط في ثقب الإبرة الذي تعود أن يهرب منه . إنه جوربه الأثير الذي لا يميل لارتداء غيره مهما تغيرت ألوان البنطلونات .
كان حتميا أن تنتهي القصة - من وجهة نظري طبعا – بخروج زوجته ضاربة بكل قوتها وبكامل غضبها باب الشقة ، ساحبة في يديها ثلاثة أولاد ، ورابع على صدرها ، تاركة الكبار الثلاثة . الحق إنهم لم يتحمسوا لترك البيت ، وهى تعلم ذلك ، بل تعلم أيضا إنهم لا يميلون لجدتهم التي لا شك ستمضى إليها الأم فورا.
أكلني قلبي على الرجل ، سواء بالتفكير في كل سلوكياته الماضية أو بتحميل نفسي الذنب فيما يعانيه من غم وما يترصده من مشكلات..لابد أنني السبب فيما يتعرض له من إهانات وما يعصف به من حيرة .
حاولت مساعدته على اتخاذ خطوة مناسبة بعد التصرف المتطرف من زوجته .. من المؤكد أنها لم تفكر في العواقب التي لن تقل عن تهديد العش وربما هدمه. عدت أصب شديد اللوم عليّ لأني زوجت اثنين متنافرين تماما ، وجمعت بين الذئب واليمامة في علاقة يفترض إنها أبدية .. راجعت تاريخه وأعدت تقييم تصرفاته إزاء كل موقف . دققت في رصد العلاقة بين طباعه وتصرفاته ، وما كنت لأنسي الاعتراف بأني لست خالق الشخصيات الأول ، وإنما أقوم بنقل جانب كبير منها من بيوت أصدقائي ومعارفي ، بل ومن بيتي ذاته أحيانا . مضطر هذه المرة للاعتراف أن ثمة تشابها بين زوجة لطفي وزوجتي السابقة .
هو في مكانة ابني ويجب أن أدعمه وأظل في ظهره دون تدخل سافر . هو لم يخلق نفسه وله عليّ حقوق المخلوق على الخالق .لا . يكفى القول : له حقوق السلعة علي منتجها.. قررت أن أعينه على الخروج من الخط الثابت الممتد من ميلاده حتى خروج زوجته .. لابد من التدخل لإجراء تغيير واضح وربما مفاجئ ولو لمرة واحدة في طباع وشخصية لطفي بحيث أتمكن من كسر تلك النمطية المرضية التي تصم شخصيات معظمها ذات طريق واحد .. الكريم كريم في كل الأحوال والظروف .. الشجاع دائما كذلك لا يجبن أبدا . الجبان يظل جبانا حتى لو حملته أسراب النمل إلى جحورها ، والبخيل يحمي نفسه طوال القصة ضد أي لحظة ضعف تجبره على التفكير في التصدق بمليم واحد حتى لو كان مليمه الهزيل سوف يساهم في إنقاذ آلاف المحتاجين.
اهتديت إلى فكرة جيدة ، بل أظنها رائعة ترضى جميع الأطراف .. أوحيت إليه أن يتخذ لأول مرة موقفا يبدو في ظاهره إيجابيا .. يجب أن يهمل زوجته ، وما دامت قد خرجت بنفسها فإلي حيث ألقت . سلوك يبدو بالطبع متسقا مع طباعه الساكنة التي لا تميل للفعل ، وما أدعوه إليه ليس فعلا بشكل صريح ومعلن.. يمكن تبرير أسبابه ، فقد يكون النسيان . الانشغال . المرض . وإن كان في نظري المتواضع يعد فعلا بالقياس لهذه الشريحة المملة من الرجال ، وبالذات لي شخصيا – المؤلف – لأني أميل دائما للمواقف الإيجابية وأحيانا ما تكون حادة .
أسعدني جدا أنه ظل يرتق جوربه ، ثم نهض يبحث عن مقص الأظافر وجلس علي كرسيه المفضل قريبا من النافذة يقص الزائد من هذه الأظافر ، ويتأمل كل أصبع في أناة بعد القص ، وقد بدا لي أكثر هدوءا من ذي قبل ، كما بدا لي كأنه غدا شخصا مخليا من الأعصاب والقلب ، بل ربما خلت عروقه من الدماء.. انشرح صدري لأن الشخصية التي رسمتها تمتلك هذه القدرة على الإبداع وتعمل من نفسها وتبتكر وتعمق ملامحها التي ارتضيتها لها .
بلغت سعادتي مداها عندما لمحته يتجه ببطء شديد نحو غرفة النوم وكان السرير غير مرتب فلم يحفل . صعد إليه وسحب غطاء خفيفا وتغطي به إلى ما فوق رأسه ... فسّرت هذا السلوك بأنه إمعان في التجاهل ، وسرعان ما انتهي إليّ غطيطه.. ها هو يقول فيما أعتقد : فلتذهبي إلي الجحيم أيتها المارقة.
تنهدت إذ اطمأن قلبي على بطل قصتي وعلى نهايتها ، وتأهبت لوضع نقطة النهاية ، لكني عزمت على أن أتمهل قليلا للمراجعة الأخيرة وليكن ذلك في المساء ، وربما بعد يومين أو ثلاثة ، مؤكدا أنها انتهت ولم تعد لي بها علاقة ، اللهم الاطمئنان إلى سلامة اللغة وضبط علامات الترقيم واختيار العنوان .
بعد نحو ساعة ، وبينما أنا أجلس في شرفتي المطلة على شقته أرقب الشارع وحركة الناس ، إذ به يخرج متمهلا و ملتصقا بجدران البيوت متخذا جهة اليمين التي تفضي في نهاية الشارع إلي ميدان باب الشعرية والمسجد الكبير وحديقة الأطفال . سقطت نظراتي علي الساعة . تأكدت أن صلاة العصر فات أوانها . تتبعته بعيني ، فإذا به يتجاوز الميدان ويتجه يمينا إلى حيث لا أعلم . أسرعت في أعقابه . لحقت به يدخل دكان حميه راشد الإسكافي .
مضى يشكو له زوجته فيما الرجل يستمع وفمه محشو بالمسامير دون أن يدعوه للجلوس.. يسحب المسمار بطرفي سبابته والإبهام . يدسه في جلد الحذاء ويدقه بمطرقته الحديدية . المسمار تلو المسمار . لما فرغ من المسامير وفرغ لطفي من شكواه الميتة التي ألقاها وهو واقف بصوت هامس متعثر ودون ترتيب كأنه يقرأ من ورقة ممزقة ، غمره الإسكافي بما لم يكن يتوقع.
انطلق الإسكافي يطرق بلسانه رأس الرجل وكرامته ، وبالمطرقة يدق نعل الحذاء المتشقق .. اللسان والمطرقة يضربان في تناغم استشعرت معه أن الطرق علي رأسي أنا . اضطررت لطرد الجميع من بؤرة اهتمامي . لطفي هو السبب . كيف سمح لنفسه أن يقف هذا الموقف المزري ويضع نفسه مكان النعل ؟. لا أرى داعيا لمواصلة الحدب عليه أو رعاية مصالحه أو دعمه بمشورتي. شخصية فاشلة غير جديرة بأي مساعدة .
ابتعدت وأنا أفكر في بطلي من جديد. حاول أن يرضيني ويبين لي قدرته علي الفعل ، وأن بإمكانه وقت يشاء تصحيح الأوضاع التي أسهمت أنا في تعقيدها.. تسمرت أمام محل عصير القصب وعيني علي لطفي . لمحته يقف كالتلميذ البليد منكس الرأس متهدل الذراعين مقوس الظهر. يتسول بيديه ونظراته عطف الإسكافي . تجرعت كوبا كبيرا من العصير وكل حواسي مع لطفي . فكرت أن أعود فأجره جرا إلى بيته لأحفظ ماء وجهه، وألحق بقايا كرامته التي دق حموه آخر مسمار في نعشها .. ها هو كالخرقة يمسح بقدميه وعجزه أرض الشوارع والحارات ، وأنا وراءه أشفق عليه ، إلى أن نفذ بصعوبة فى حارة كئيبة وضيقة تشبه نفقا في منجم قديم . الجدران حائلة الطلاء.. توقف أمام دار منخفضة لها باب أجرب .. سقفها في مستوى رأسي .
نقر علي الباب نقرات لا تسمع كأنه يقصد ذلك ، كان الباب مواربا . لم تبلغه أدنى حركة . عاد ينقر نقرات حيية لا يكاد الباب نفسه يحسها . هل هجر الدار المظلمة ساكنوها .. دفع الباب برقة . أنّ الباب أنينا عاليا كأنها طريقته الوحيدة ليعلم أهل الدار بالقادم . توقف عن دفعه وانتظر . طلعت عليه سيدة سمراء اللون .دنوت منه فقد أدركت أنه في خطر .. سمينة وذات شعر أشعث لم يمشط من سنين، وقد ابيض أكثره . لها ثديان كل منهما في حجم بطنها هاجمني أنفها الكبير وفمها الواسع وحبات أسنانها المسحوبة من فك بغل. مد يده ليسلم ، فلم تسلم . بقي كذلك لبضع لحظات حتى تصورت أن شريط الفيلم توقف. أخيرا استرد يده . قالت له ويداها فوق ردفيها المتكورين والبارزين خصيصا لحمل يديها بعد أن انتهي عنقود الخلفة:
- ماذا تريد يا عرّة الرجال ؟
كنت قد نسيتها . إنها حماته. قفز إلي رأسي التشابه بين وجهها الذي لا علاقة له بوجوه النساء ووجه الإسكافي والمسامير والمطرقة والنعال .
لم يرد بطلي الهمام . ملت عليه وقلت :
- أيعجبك ما قالته ؟ ..
رد عليّ ببروده التاريخي :
- لا تكن متسرعا .. الحموات كلهن كذلك ... فلا تتأثر
لولا أنني المؤلف أو هكذا تصورت في لحظة من اللحظات لألقيت عليه أية قلة أو منفضة أو حذاء قديما أو ضربته بشبشب على أم رأسه . كتمت غيظي وثقبت وجهه بنظرات نارية وهو يقف إلي جوار زير الماء القابع في الركن كزر بطاطا ضخم . كان ثمة تشابه بين الزير وحماته الفخارية التي تنشع وقاحة وهي لا تزال تنهال عليه بسبابها المقذع كأنها تفرغ فوق رأسه ورأسي صفيحة ممتلئة بأسوأ الفضلات .
قلت له : هيا .. عد إلي البيت ولا تنس أن تخبط هذا الباب بشدة حتى لو تحطم كما فعلت زوجتك ببابك. هيا انتقم لكرامتك.
استدار نحوي ، وحدّجني بنظرات ازدرائية مسحتني من أعلي إلى أسفل ، ثم انفجر في وجهي قائلا :
- يا فؤاد يا قنديل ..أنت ديكتاتور . اطلع من نافوخي أرجوك . بالعربي أنت تفسد عليّ حياتي . أنا قادر علي حل مشاكلي بطريقتي . تعجبني طريقتي التي تعتبرها جبنا . لست خروفا تجد متعتك في أن تجرجره وراءك كلما فرغت من أعمالك التافهة . لن أسمح لك بالتدخل في حياتي أكثر من هذا .
خامرتني مشاعر متناقضة ، ودار رأسي لحظات . كنت سعيدا بثورته ومستاء من نعتي بالديكتاتورية ، ومن اعتقاده أني أتسلى به وأتحكم في حياته ، وأتدخل في شئونه . هذا غير صحيح بالمرة . أو ربما كان صحيحا إلى حد ما . رغم ذلك فلم أستطع منع نفسي من المواجهة .
- الآن أصبحت رجلا صاحب كلمة ، وأنا أول من تثور عليه ، فلماذا لا تثور على من تهينك ؟ !
تنهد بعمق ثم قال بحدة أقل :
- أعترف بأن البداية كانت لك . لكن اسمع . عليك أن تلزم حدك . سوف أتصرف على النحو الذي يروق لي .
- إذن فأنت تود تغيير قدرك والثورة عليه
ضحك باستهزاء، وقال باستهزاء أيضا :
- وهل أنت قدري أو صانع قدري ؟!!
تسلل الهدوء إلى روحي رغم الإهانة ، وتدريجيا تراجع غضبي . قررت أن أفهم حالته بالضبط وألزم حدي فعلا كما طلب . بدا مقنعا في غضبه . تحرك قلبي لأجله.. قلت بمودة وصدق :
- أخرج إذن ودعهم يتحسرون على الفرصة التي وفرتها لهم بقدومك .
قال بثقة : أخرج أنت ودعني لشأني .. أنا مهيأ تماما لظروفي .. لا تقلق.
لم أخرج ولكني لم أعد أتفوه بكلمة . مضيت أرقب رد فعله . ترك السيدة البغيضة تطلق صيحاتها ولعناتها . تتقلب ملامح وجهها مع صوتها . يقفز الأنف في اتجاه الجبهة وقد يلتصق فجأة بالأذن ، كأنه يتحرك فوق "رولمان بلي " . الفم أكثر الأعضاء مرونة في الفتح والانغلاق . العينان متسعتان يطلقان الشرر . البطن تهتز بشكل مرعب وكأنها توشك على الانفجار وإغراق المكان بما تحتويه .. الثديان الضخمان المتهدلان يشاركان في المهزلة .. الأيدي الكثيرة تواصل التعبير بحماس عن كل ما يصرح به الفم . أجهزة كثيرة تعمل وتهدد وتصدر أصواتا عجيبة . تتعاون جميعها في منظومة قذرة ومزعجة لتصل إلى هدفها النهائي وهو أن هذا الرجل كارثة كبرى لحقت بابنتهم ، وعار يلطخ ثياب وسمعة تلك العائلة الملكية المهيبة .
ظل صامتا وظللت أرقبه .. بدا كأنه يستمتع بالهجوم المتوالي الذي كانت السيدة العجيبة تبدع فيه وتبتكر.
كيف استطعت أن أشكل هذا الرجل على هذا النحو ، أم أنه كما قال لا ينتمي إليّ على الأقل في مرحلته الأخيرة .
جاء الأولاد واحدا بعد الآخر . سلموا عليه . دخلوا بين فخذيه .. هبط إليهم وعانقهم .. ظل محتفظا بهم في صدره لحظات . أعطى كل منهم جنيها .. انطلقوا لشراء الحلوى .. قعد الرضيع يصرخ محتجا بسبب عجزه عن الخروج وبسبب نذالة الآخرين .
بقي لطفي حتى العشاء .. صامتا منكس الرأس ، وأحيانا يبتسم ابتسامة شاحبة وخجول . ابتسامة أقرب إلى الندم منها إلى الفرح . لم ينطق بحرف حتى بعد أن رجع متأخرا حموه، وهمهم ببعض الكلمات مستدرجا لطفي للتعليق. نام على الأرض . طلب منه حموه بغير حماس أن يدخل مع زوجته . فرح بالعرض وتسلل من باب الغرفة وسرعان ما عاد مطرودا .. عاد إلى الأرض مواسيا نفسه بأننا منها وإليها ..غطته حماته . وهي التي أيقظته في الصباح وألحت عليه كي يتناول فطوره معهم قبل أن يتوكل على الله إلى عمله. كان كالبالونة التي فقدت كل ما فيها من هواء وقدرة على القفز والحركة والطيران .
ذهب إلى عمله كاتبا في مرفق المطافئ ..لست أنا الذي اختار له مرفق المطافئ ليعمل فيه .. ربما هو الذي اختار ، لكنه في كل الأحوال مكان مناسب لمن يريد إطفاء الحرائق .. عاد من عمله مع آذان الظهر . جلس ساكنا . . حدثته حماته بحدة معقولة . كان يهز رأسه في شبه موافقة . أكل معهم ما تيسر .. في المساء نام على الأرض وكنت أنام إلى جانبه على الشوك حتى فكرت أن أخنقه أو أجُرّه جرّا وأسحله على الطريق . أمَرّغه في حفر الشارع وأخبطه بالأرصفة .. فكرت أن أخلص منه القصة ..أبحث له عن مصيبة حتى يغادرها .. بدوت عاجزا وكأن الأمر خرج من يدي .
في الصباح تناول فطورا خفيفا مقليا في الصمت .. ذهب إلى المطافئ وكما ذهب جاء.. قضى مع الأسرة غالب يوم الجمعة .. بعد الغداء قالت حماته لابنتها :
- خذي زوجك وعودي إلى بيتك
في صمت سحب زوجته وأولاده وعاد إلى بيته ..بطرف عينه لمحني في الشرفة كعادتي بعد العصر .. أخرج لسانه لي وهو يفتح الباب ويدفع أمامه أولاده ، ثم استدار وصفقه في وجهي بشدة .. انفجر الغضب في صدري بسبب هذه الشخصية الغريبة التي قررت فجأة التنكر لما بذلته من أجلها . تنهدت وقررت إغلاق صفحتها محاولا تعزية نفسي بأن هناك الكثيرين ممن يتنكرون. كانت تجربة والسلام وأهم ما استفدته منها أني لن أكررها.



#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الترجمة وصورة مصر في الثقافة العالمية (2)
- الترجمة ومكانة مصر فى الثقافة العالمية(1)
- حب خريفي بطعم العواصف
- دستوركم يا مصريين
- المفتون - مقدمة الجزء الأول من سيرتي الروائية
- الحب على كرسي متحرك
- حبى يمنعنى من خداعها
- أسرار رابعة2
- أسرار رابعة 1
- الجوائز العربية بين الحضور والغياب
- - سلالم النهار - رواية فوزية السالم بين السياسة والأيروتيكا
- المثقفون أمام محكمة التاريخ
- صبري موسى ..و - فساد الأزمنة -
- حِصانها وحِصاني
- لم تصنع نفسك .. لكنك تستطيع
- زحف النمل
- يمامة خضراء بكعب محني
- مئوية جارودي .. المناضل الفريد
- أجمل رجل قبيح في العالم
- هل الأديان خطيرة ؟2


المزيد.....




- “القط بيجري ورا الفأر”.. استقبل Now تردد قناة توم وجيري الجد ...
- الان Hd متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر ...
- تابع حلقات Sponge BoB تردد قناة سبونج الجديد 2024 لمتابعة أق ...
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- وفاة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- بتهمة -الغناء-.. الحوثيون يعتقلون 3 فنانين شعبيين
- دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى
- “أنا سبونج بوب سفنجة وده لوني“ تردد قناة سبونج بوب للاستمتاع ...
- علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي ...
- استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - أ رَ د تُه جَبَا نا