أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - المرآة














المزيد.....

المرآة


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 4385 - 2014 / 3 / 6 - 22:57
المحور: كتابات ساخرة
    


في حالات الضجر, ومنذ حداثة سنّي, كنت أستخدم طريقة تخلّصني نسبياً من تلك الحالات, حيث أقف أمام المرآة خلسةً عن أهلي وأقوم بتنفيذ مجموعة من الحركات, سواء بكامل جسدي أو بأجزاءٍ منه وخاصةً وجهي. كأن أفتح فمي على مصراعيه غامزاً بإحدى عينيّ محركاً أنفي أو أذني بواسطة شدّ وإرخاء العضلات الخاصة بهما. أو أصعّر خدّي رافعاً أحد الحاجبين ومسدلاً الآخر بالتناوب. أرقص كالبلهاء والمعتوهينً, أقلّد غريبي الأطوار, أتظاهر بالغضب والعبوس, وأنتقل بسرعة البرق إلى الابتسام والضحك. أحرّك لساني بطريقة أفعوانية بكافة الاتجاهات وأهزّه كذيل كلبٍ سعيد. أكشّر بكل الوضعيات التي ابتدعها الجنس البشري, وأنا في غاية المتعة كوني أمارس حريتي دون أن أؤذي أحداً. متوخّياً ألا يراني بني آدم. لما لهذه الحركات من آثار مخجلة في حال ضبطها, كونها غير منطقية وتتخطى المألوف. وكانت شقيقتي الكبرى تضبطني أحياناً متلبساً بهذه الحركات المجنونة, فتبتسم محذّرةً حسب اعتقاداتها الخرافية, بأن استمرار وقوفي أمام المرآة سيفقدني عقلي كما حصل لكثيرين غيري. ولم أكن أقتنع بكل هذه التحذيرات مردّداً أمامها لازمتي: ((أنا حرّ, ولا أؤذي أحداً)). وأعاود الكرّة كلما سنحت لي الظروف ذلك.
وكبرتُ وتزوجتُ ورزقتُ بأولاد.. وما زلت أمارس هذه الهواية بالرغم من تملّح ما بقي من شعر على جوانب الرأس, لتستلم زوجتي مهمة تحذيري من مغبّة القيام بهذه الحركات فتوبّخني بعبارات مثل: ((يبدو أنك لن تكبر أبداً.. الله يثبّت عليك العقل على الأقلّ.. تريّث بجنونك إلى أن تتزوج ابنتك يا رجل.. حتى لا يقول الناس بأنها قد ترث منك هذه السوسة! )).
مؤخراً تم تركيب مصعد في البناية التي أقطنها. ولما كان بيتي في الطابق الأخير, فإن فترة مكوثي في كابين المصعد ما بين الدخول إليه والخروج منه يستغرق حوالي الدقيقتين. وهذه المدة الزمنية كافية للقيام بممارسة (جنوني) عندما أكون وحيداً, لا سيما وأن مرآة المصعد كبيرة تحتل جداراً كاملاً وتلبّي رغبتي بالقيام بتلك الحركات الممتعة.
وتتالت الأيام والأسابيع واستبدّت بي عادة القيام بالحركات تلك وتعوّدتُ عليها وتآلفت معها. يومياً أمارس هوايتي بحركات جديدة مبتكرة لا يمكن أن تخطر على بال. وأقلعت تدريجياً عن الوقوف أمام مرآة البيت, وتخلّصتُ من تعليقات زوجتي ومن ابتسامات ابنتي التي كانت تضع كفها على فمها وتهرع إلى أمها لتخبرها بما ضبطته, ويتبادلان معاً التعليقات الساخرة بشأني. أعجبتني الحالة وصرت من مدمني ركوب المصعد, أتذرّع بأسبابٍ شتى؛ كحاجتنا إلى شراء بعض الأغراض من الدكان, ضرورة استقبال الضيوف عند باب المصعد السفلي, النزول مع الضيوف بعد انتهاء الزيارة لتلافي الحرج في حال تعطّل المصعد بهم..
إلا أن استغراقي بالقيام بتلك الحركات وتنوعها والإضافات اليومية التي أبتدعها, جعلني أنسى نفسي أحياناً عندما يقف المصعد, سواء بحالة الصعود أو الهبوط, حيث يفتح الباب تلقائياً وأنا مستغرقٌ بتنفيذ تلك الحركات.. فأحمد ربّي بأنه لم يرني أحدٌ. أصلح هندامي وأتهيّأ للخروج من المصعد وأنا بسعادة لص حصل على مراده دون أن يلفت إليه انتباه أحد. أدخل إلى البيت منشرح الصدر هنيئاً مبتسماً, أو أتوجّه إلى الشارع وأنا بحالة من التفاؤل والغبطة والاعتزاز وكأنني أحرزت نصراً عظيماً. إذ ليس أجمل من أن تمارس حريتك دون أن ينالك عقابٌ أو تتسبّب بأذيّة أحد.
ويجيء موعد الذهاب إلى حلاق الحارة, صحيح أنني لا أزوره إلا مرة كل ثلاثة أشهر بسبب العدد المحدود من الشعر على رأسي.. ولكن لا مناص من الزيارة لتشذيب وتهذيب تلك الشعرات. وفي زيارتي الأخيرة له, وما إن رأيت نفسي في المرآة لدى جلوسي على الكرسي, حتى نسيتُ حالي تماماً وبدأت القيام بتلك الحركات بشكلٍ عفوي. تطلّع الحلاق صوبي محدقاً وقد اعترته مشاعر الدهشة والاستغراب والخوف معاً, وسألني بصوتٍ راعشٍ بعد أن حوقل: ((أستاذ! كيفك؟ )) لم أنتبه لسؤاله وتابعت نبش مخزوني من تلك الحركات.
فرش على كامل جسمي الغطاء الخاص بالحلاقة وهو بمنتهى الذهول وعدم التصديق, وأحاط رقبتي بمنشفة وبدأ يرشّ بعض الماء البارد على الشعرات القليلة إيذاناً بقصّها. أيقظني رذاذ الماء وانتبهتُ إلى حالتي وحاولتُ سريعاً العودة إلى طبيعتي الرزينة الوقورة..
خاطبني الحلاق بحرج وهو العليم بتاريخي السياسي:
- أستاذ! هل زرت مؤخراً أحد الفروع الأمنية؟
أجبته بكبرياء وزهو على الفور:
- لا.. منذ سنة لم يستدعني أيٌّ منها.. ثم لمَ هذا السؤال؟
أجاب متلعثماً وبصوتٍ مهموم: لا.. ولا شي.. فقط مجرد سؤال..
وبيدٍ مرتجفة طفق بعمله يدمدم بمواء: يا ربّ سترك.. الله يثبّت علينا العقل والدين ويبعدنا عن أولاد الحرام..



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السردين
- العاشق
- دقائق بلا حياء.. ولا خوف
- القطط الضامرة
- مشوار
- روسيا تزداد تعملقاً
- أوباما.. يا بالع الموس عالحدّين!
- عالمكشوووف
- S.M.S إلى الرفيق قدري جميل
- خريف العمر
- من تحت الدلف إلى تحت المزراب
- البصلات المحروقة
- غاز.. غاز!
- حَدَثَ في -بوركينا فاسو-
- اللاءات الخمس و(النعمات) العشر
- الفاكهة المحرّمة
- الطبيب الذي لا يخاف
- قراءة في أعمال المجلس المركزي لهيئة التنسيق الوطنية
- رخصة بيع فلافل
- حكايات شخصية


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - المرآة