أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبدالله خليفة - الفكرُ المصري ودورُهُ التاريخي (9)















المزيد.....

الفكرُ المصري ودورُهُ التاريخي (9)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4379 - 2014 / 2 / 28 - 08:51
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


يعتبر سلامة موسى الكاتب العربي، أحد القلائل الذين أثاروا الجدل الفكري على مدى القرن العشرين، بسبب جرأة أفكاره وثباته الفكري الطويل لغرس قيم الوعي بالنهضة، عبر الكتابة والدعوة المستمرة لعدة عقود. أنتج مجموعة من المؤلفات الشعبية التنويرية التي أثرت في أجيال من العرب، وبسطت لهم المفاهيم التجديدية.
كان أبوه من الموظفين الكبار في الإدارة، فحصل على فرصٍ كبيرة للقراءة والدراسة والسفر والتفرغ للفكر والاطلاع، ولكنه لم يفلح في الدراسة المنظمة سواء على مستوى الدراسة الابتدائية أو الثانوية أو الجامعية، وهو يقول إن ذلك كان بسبب محدودية المناهج ورغبته في الخروج من قيودها، ولكن من الواضح أيضاً إنه لم يكن ذا قدرة على التركيز الدراسي والبحثي العميق، فاتسمت كتاباته بالسهولة الشديدة والتنوع والتضارب في الأفكار والرؤى، رغم أنها كانت تدعو للنهوض بشكل عام.
وقد سافر إلى باريس، بشكل مغاير لسفر الطهطاوي، حيث كانت مرحلته تمثل نقلة في تطور الفكر المصري، حيث توجه إلى اليسار الأوروبي تحديدا، خاصة الاشتراكيين والتطوريين، والصداقة مع أعلام الفكر الغربي كبرنارد شو. وقد ذُهل من دفاع اليسار الأوروبي عن قضية الشعب المصري، ودور برنارد شو خاصة في فضح محاكمة دنشواي الشهيرة التي قتلت مجموعة من الفلاحين غير المذنبين.
فوجئ في الغرب بكثافة الاهتمام بالحضارة المصرية القديمة، وغيابها شبه الكلي عن الثقافة المصرية المعاصرة وقتذاك، فكرس جزءًا كبيراً من وقته لزيارة المتاحف والاطلاع على الحضارة القديمة.
كذلك سافر ودرس في لندن الحقوق من أجل جلب شهادة، ولكنه كعادته لم يستمر في ذلك، وساح في الثقافة والأدب والعلوم، وحين عاد ركز على النشر، وكان أول كتاب له هو (مقدمة السوبرمان) سنة 1912، ثم أصدر سلسلة من الكتب، ورأس تحرير مجلته الخاصة، التي كرسها لنشر فكر الحداثة كما يراه.
يعبر كتيبهُ هذا، أي مقدمة السوبرمان، عن هذه العملية الفكرية التي يتضافر فيها العمق والسذاجة، وتتحدُ النوايا الطيبة بغياب الدرس العميق، ففكرة السوبرمان هي فكرة نيتشوية، دعا إليها نيتشه، لخلق عرق متميز، يغدو بمثابة الإنسان الأعلى، الذي يتخلص من الإنسان الضعيف، وكانت هذه الفكرة تفتح فيما بعد الباب لعمليات التطهير والمذابح في العروق (الخسيسة) عند النازيين.
وبطبيعة الحال فإن سلامة موسى أخذ الفكرة بحسن نية، دامجاً إياها في فكرة علمية أخرى، هي نظرية التطور لدارون. فهذه الفكرة الكبرى في القرن التاسع عشر والتي فجرها العالم البريطاني دارون بكتابه (أصل الأنواع)، كشفت للمرة الأولى إن العالم الحيواني خضع لتطور كبير، بدءًا من ظهوره في الحياة البحرية، ثم ارتقائه سلم التطور حتى ظهور أنواع الثدييات التي منها الإنسان.
وقد دمج سلامة موسى هاتين الفكرتين، ولكن عبر تطبيقهما على المستقبل، حيث سيظهر في اعتقاده إنسانٌ متطور يختلف عن الجنس السائد حالياً. وهذه الفكرة هي التي عزفت عليها النازية، المتنامية منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى، وهي التي دمجت أيضاً بين الارتقاء المزعوم بالإنسان الحيوان وبين الاشتراكية.
هذه الفكرة التي بدأ سلامة موسى حياته الفكرية بها، تعبرُ عن ذلك المزيجِ الفكري المضطرب، فقد مزجَ بين فكرةٍ علمية هي نظرية التطور، التي قدم حولها كذلك سلسلةً من الاستعراضات الشيقة المهمة، وبين فكرةٍ أيديولوجية خطرة ليست سوى واجهة للعنصرية، وهكذا فإن سلامة جمع بين فكرين متناقضين، الأول هو فكر التطور الموضوعي للأجناس وللمجتمعات، والفكر الآخر هو فكر الفاشية البيولوجية، لكنه لم ير الدلالات المتوارية وراءها. ولديه هنا ذلك الخلط الذي استمر طويلاً بين البيولوجيا والاجتماع، بين التطور العضوي ذي القوانين الخاصة، والتطور الاجتماعي، مما يعبر هنا عن داروينية اجتماعية.
في رؤيته للنهضة وكيفية تحقيقها فإن سلامة موسى يواصل موقفه المبسط لها، فهو ببساطة يدعو للالتحاق بالنهضة الأوروبية، وترك العروبةَ والإسلام والماضي، وركوب القطار المتوجه إلى الحداثة.
يقول في أحد كتبه من سنوات أواخر العشرينيات من القرن الماضي وهو(اليوم وغداً):
(فالرابطة الغربية هي الرابطة الطبيعية لنا، لأننا في حاجة إلى أن نزيد ثقافتنا وحضارتنا، وهي لن تزيد من ارتباطنا بالشرق بل من ارتباطنا بالغرب. إننا إذا ارتبطنا بالغرب تعلمنا فلسفة عالية وأدباً راقياً ووقفنا على اختراعات عديدة واكتشافات لا حصر لها)، ومن عناوين هذا الكتاب:
لسنا شرقيين، الدم الشرقي فينا جلبه علينا العرب، الجامعة المصرية هي أداة الثقافة الحديثة، الأزهر هو أداة الثقافة المظلمة، ليس علينا للعرب أي ولاء، لغة المتنبي ليست لغتنا، الرابطة الشرقية سخافة، الرابطة الحقيقة هي رابطة الثقافة وهي رابطتنا بأوروبا..
يقول:
(إن الرابطة الحقيقية، التي تثبت عن قاعدة، وترسخ ولا تتزعزع، هي رابطة الحضارة والثقافة، هي رابطتنا بأوروبا، التي عنها أخذنا حضارتنا الراهنة، ومنها تثقفنا ثقافتنا الجديدة. أجل، يجب أن نرتبط بأوروبا، وأن يكون رباطنا قوياً. نتزوجُ من أبنائها وبناتها، ونأخذ عنها كل ما يجد فيها.. وننظر للحياة نظرها.. ونجعل أدبنا يجري وفق أدبها، بعيداً عن منهج العرب، ونجعلُ فلسفتنا وفق فلسفتها، نؤلف عائلاتنا على غرار عائلاتها.. ونرسلُ أولادنا إليها ليتعلموا علومها ويتخلقوا بأخلاقها، فالرابطة الغربية هي الرابطة الطبيعية لنا).
يعبر هذا الوعي عند سلامة موسى عن لغة التبسيط في تشكيل النهضة، فالنهضة هي استيراد كاستيراد البضائع، فهي علاقة كمية فتعبيره (أن نزيد) يعبر عن هذه الفكرة، فما علينا لكي نلتحق بأوروبا سوى أن نكثر من استيراد كافة الأشياء النهضوية كالاختراعات، وإذا كانت هذه الأشياء من الممكن استيرادها فعلاً وهي مفيدة جداً، فإن ذلك لا ينطبق على المؤسسات الفكرية، والعلاقات الاجتماعية التاريخية، فكيف يمكن أن ننقل عمليات التحول التي جرت أوربياً في عدة قرون؟ هل نشحنها أم نقلدها؟!
إن الوعي الاستيرادي لتجار الجملة واضح هنا، ويتوجه سلامة موسى إلى الدعوة لنقل تلك المنتجات الغربية، ولهذا لابد من الانفصال عن الرابطة العربية والإسلامية، وعن العلاقةِ مع الأمم الشرقية المتخلفة، بل وعن التاريخ العربي والدم العربي، وهذا ما يمكن أن يحدثَ قطيعة مع التراث ومع الواقع والبشر، وبالتالي لا تتشكل أي جسور بين جذر النهضة والعالم المحيط.
إن الرباط بأوروبا وبعالم النهضة عموماً أمر مطلوب للعالم العربي المتخلف وهام، لكن ما يطرحه سلامة موسى هنا هو التطابق والجلب الكامل، وهو يعبر عن العجز عن إنتاج نهضة في الواقع المختلف، وهو أمر كان يتطلب تحليلات معمقة لم تكن من قدرات سلامة موسى.
إن هذه التبسيطيةَ تتحققُ في الواقع عبر انسلاخ مجموعات من الفئات الوسطى عن البنية الاجتماعية الإقطاعية، وهذا الانسلاخ لا يحدث إلا عبر جلب مظاهر حضارية غربية مستوردة، لا يحدث لها أي تجذر في تلك البنية، لأنها تتشكل كقشورٍ ملونة فوقها.
إن ارتباطَ مصر بالعرب أو بالشرق ليس ارتباطاً لغوياً أو ثقافياً، بل هو ارتباط منظومة اجتماعية متماثلة، متعددة مستويات التطور، هي المنظومة الإقطاعية - المذهبية العربية في طور أزمة العلاقة مع التطور الرأسمالي الحديث.
وما يقوله سلامة موسى عن الانسلاخ من منظومة والالتحاق بأخرى، هو وهم طبقي، أي أنها أفكار وممارسات تتحقق عند مجموعات في الشرق تتوهم إنها تتحضر عبر استيراد النهضة وليس عبر إنتاجها، وهي هذه الفئات المستوردة للبضائع الغربية والأفكار الغربية. فالرحيل إلى أوروبا والزواج من بناتها والدراسة فيها أمر مكلف وغير ممكن للملايين الفقيرة!
هكذا يكّون سلامة موسى الأفكار النهضوية لشريحة من الفئات الوسطى الحديثة، ذات المستوى المعيشي الجيد، والتي لا تدخل في علاقة صراع عميقة وواسعة مع الغرب الإمبريالي، مثلما لا تدخل في عملية صراع مماثلة مع الشرق الإقطاعي، ولكنها في الوقت الذي تريد فيه المماثلة والذوبان في الغرب، فإنها تريد الانسلاخ من الشرق.
إن هذه الطريقة الاستهلاكية والاستيرادية للمنتجات الفكرية والسلعية الغربية، لا تترافق مع عمليات إنتاج فكرية وسلعية وطنية، ولهذا فإن سلامة موسى لا يقيم مصنعاً لإنتاج الوعي الوطني، بقدر ما يفتتح دكاناً لجلب البضائع من المركز، وبطبيعة الحال فإنه يريد تطوير وتقدم البلد عبر ذلك، ولهذا يحرصُ على جلبِ أفكار النهضة والتطور وحرية المرأة والعلمانية وأهمية العلوم ونشر الأدب الشعبي والتخلي عن أدب الأبراج العاجية وضرورة تعلم الرقص الرفيع وهي جوانب مهمة ومفيدة.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلام في الهواء
- الانقسامُ الطائفيُّ المشرقي
- الهندُ والخليج.. علاقةٌ مستمرةٌ
- الفكرُ المصري ودورُهُ التاريخي(8)
- الفكر المصري ودوره التاريخي (7)
- الفكرُ المصريُّ ودورُهُ التاريخي (6)
- الفكرُ المصريُّ ودورُهُ التاريخي (5-6)
- المثقفون العاميون
- الفكرُ المصري ودورُهُ التاريخي (4-4)
- الفكرُ المصري ودورُهُ التاريخي (3-4)
- الفكرُ المصري ودورهُ التاريخي (2)
- الفكرُ المصري ودوره التاريخي (1-2)
- عامياتٌ وعامياتٌ
- عناصرُ التحديث الفكرية لدى النهضويين (2-2)
- عناصرُ التحديثِ الفكرية لدى النهضويين (1-2)
- تحولاتُ رأسمالياتِ الدول الشرقية
- جذورُ الطائفيةِ الفكريةِ
- مخاطرُ الجملةِ الثوريةِ الزائفةِ
- أزمةُ الأريافِ العربية بين عصرين
- شعبٌ واحدٌ لا شعبان


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبدالله خليفة - الفكرُ المصري ودورُهُ التاريخي (9)