أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نايف عبوش - الكمأ.. والربيع في ذاكرة الماضي














المزيد.....

الكمأ.. والربيع في ذاكرة الماضي


نايف عبوش

الحوار المتمدن-العدد: 4375 - 2014 / 2 / 24 - 09:00
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



لم يعد يفصلنا عن الدخول في موسم الربيع سوى بضعة ايام من الان.وتساوقا مع عنوان المقال،لابد من الاشارة الى ان هطول المطر بغزارة في وقت مبكر من الخريف في بعض الأعوام،كان ينظر اليه على انه بشارة يمن تزيح هموم راعي الغنم،وتطرد مخاوف الفلاح،وتزيل غبار الارض المتربة، وتبعث في الناس دواعي السرور، وتكون من واقع خبرتهم معها مدعاة لان تشيع الأمل بينهم بريع غزير،حيث يغمرهم شعور حالم بالبركة، كلما تطلعوا الى السماء وهي تتلبد بالغيوم، وسمعوا قعقعة الرعد،اثر ومضات برقه الوهاجة التي تتداخل مع هطول المطر المنهمر غدقا في بداية الموسم،بما اصطلحوا على تسميته في دارج لهجتهم بالوسم،حيث عبق رائحة الارض التي يثيرها نزول الغيث المبكر،يبشرهم بربيع واعد ، يستجلب لهم معه الرزق زرعا، وضرعا، وكلأ، ومناخا كريما،ولعل من بين اول ما يخطر على البال، بعد نعمة الزرع، هو الكمأ، والفطر، والخباز،والكعوب.وكما هو معروف، ولاسيما لدى ابناء البادية، والريف،فان الكمأ ينمو بكثرة مع الأمطار الغزيرة المبكرة، المصحوبة بعاصفة رعدية، التي تصادف عادة نهاية الخريف، وبداية الموسم الشتوي،وتنعت عندئذ بسنة الوسم،حيث اعتاد الناس ان يستبشروا بمثل تلك المواسم خيرا،حتى قال قائلهم في ذلك عتابة لطيفة منها:
هلي يا غيمة البيها البريجاي
بيها الخير واجد والجما.....
والكمأ نوع من الفطريات التي تنمو تحت الأرض، متعايشة مع جذور نباتات أخرى.فالكمأة وهي بهيئة درنة البطاطا،تنمو مخفية تحت الأرض، من غير زرع أو سقي من احد، فهي منّة من الله تعالى رزقا لعباده، فلا ورق لها ولا ساق، ولا تظهر للعيان الا كنتوء منتفخ في التربة،او بعد ان تتشقق الأرض عنها عند اكتمال اوان نموها بهيئة فقع بسطح التربة، وتعتبر من أطعمة أهل البوادي والريف ،ثم المدينة مؤخرا. وتنمو بكثرة بأرض البرية المتموجة،وسفوح التلال.
وبقدر تعلق الامر بالكمأ كرزق منّ الله به على عباده حيت لا شان لهم برعايته،فقد ورد ذكر المَنّ في القرآن الكريم،في قوله تعالى: ﴿-;- وَظَلَّلنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)..
كما ورد ذكره في الحديث غذاء ودواء، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ، وماؤُها شِفاءٌ للعين).وهو ما اثبتته الدراسات العلمية في الوقت الحاضر.
وقد عرف العرب الكمأ منذ القدم ،فمن طريف ما يروى ان (تأبط شراً) وهو أحد شعراء الجاهلية الصعاليك الذين عاشوا في بادية الحجاز بديار قبيلة (بني فهم)،قالت له امه في زمن الكمأة، ألا ترى غلمان الحي يجتنون لأهليهم الكمأة فيروحون بها؟ قال اعطيني جرابك،حتى اجتني لك فيه، فأعطته، فملأه لها افاعي،فلما راح اتى بهن متأبطا جرابه،فالقاه بين يديها، ففتحته، فتساعين في بيتها،فوثبت،وخرجت،فقال لها نساء الحي: ماذا اتاك به ثابت؟ فقالت اتاني بأفاع في جراب ، قلن وكيف حملها؟ قالت : تأبطها، قلن:تأبط شرا، فلزمه تأبط شرا.
ويتنوع الكمأ لونا ،وطعما، بحسب نوع التربة التي ينمو فيها،حتى ان احد ادباء التراث الشعبي في الديرة ضرب بتنوعها المثل، لتنوع الناس في سجاياهم عندما قال عتابة منها:
أثاري الناس يا خلّي مجاني... الجما، ما كل اراضيها سوا
وفي عز الربيع عند ما يحين اوان جني الكمأ، كان الاطفال، ورعاة الأغنام، وبعض الهواة من الناس من اصحاب الخبرة في مجاني الكمأ المعروفة بوفرة الكمأ فيها، يرتادون تلك الاماكن لجنيه منها، حيث يمشي الجاني منهم مطرقا رأسه الى الارض،مركزا نظره بعينيه امامه ،حتى اذا ما شاهد نتوءا بارزا ،او رأى فقاعة طينية متشققة ،فانه يبحثها بإبهام قدمه، او بعصاه، او بالة تشبه الفأس،وهي شفرة حديدية مستوية حادة النهاية مثبتة في طرف العصا، مخصصة لاستخراج الكمأ، يطلق عليها في اغلب اطراف الديرة (اللّابوثة) ،ويجني بها الواحد منهم ما يتاح له من رزق من الكمأ، ليملأ جعبته، ويعود بها الى البيت بما رزقه الله منه من الارض الطيبة.كل ذلك كان قبل ان تكون للكمأ مزارع صناعية ،وقبل ان توجد له محميات طبيعية،ليصبح جني الكمأ اليوم عملية تجارية.
لقد كانت ذكريات جني الكمأ في الربيع على الطبيعة ممتعة حقا ايام زمان.



#نايف_عبوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ظاهرة الحنين الى الماضي
- اقتيات على ذكريات الماضي
- الشاعر معد الجبوري.. وجدل التوحد مع درة المدن ام الربيعين
- الشاعر الدكتور حسين يوسف محيميد الزويد يتواشج مع رعيل البردة
- النهوض باللغة العربية.. مخاطر الانزلاق الى العامية وتحديات ا ...
- المستهلك..وتنمية حس تدقيق صلاحية استعمال السلع
- الشاعر احمد علي السالم يتسلل الى مصاف الرعيل الاول من المداح ...
- مفتاح علي السالم..طبيب وأديب وفنان
- مجالس الدواوين..موروث اجتماعي رمزي بحاجة تفعيل
- تجليات الصبر في مرثية (الصبر هو الملاذ) للشاعر ابو يعرب
- التواصل الوجداني بين المبدع والمتلقي
- التوظيف الابداعي للمفردة الشعبية في نظم الازهيري
- الهجرة النبوية.. تجربة البطولة والتطلع المؤمن
- نظم الزهيري والعتابة بالفصحى
- تجليات مستنبطة من تدبر فريضة الحج
- الكتابة مزاج...وليس مجرد اختصاص
- الربيع العربي..اختلاط المفاهيم واضطراب الرؤى
- الاديب الدكتور حسين اليوسف الزويد..تواشج متواصل مع تراث الأج ...
- الشاعر احمد علي السالم..ابداع التوظيف..وشجن تخاطر المتلقين
- لحظة تأمل عند حافة الشاطيء


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نايف عبوش - الكمأ.. والربيع في ذاكرة الماضي