أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عائشة مشيش - إختيار....














المزيد.....

إختيار....


عائشة مشيش

الحوار المتمدن-العدد: 4371 - 2014 / 2 / 20 - 13:59
المحور: الادب والفن
    


اختيار

صعد إلى سطع المنزل هارباً ، منزعجاً ، كاتماً غيظه في صدره ، ناشداً الهدوء حتى يستطيع أن يرتب أفكاره ...
وقف برهة يستجمع قواه ، كان صدره يعلو ويهبط من تأثير تسلقه درج السطح ومن تأثير ما يعانيه ، التقط أنفاسه ثم مشى إلى حافة السطح ليحلق بشروده وقد يمم وجهه شطر ضفاف الحنين..!
نظر إلى تلك السهول الممتدة أمامه في نظام كوني بديع ، وأستنشق بعض الهواء محاولاً استرجاع هدوئه ....
كيف صارت حياته ...؟ كيف وجد نفسه فجأة معها في بيت واحد ؟ لم يعرفها من قبل ولم يخترها..؟ كانت اختيار أمه ... !! ..
كل شيء في حياته هو من اختيار أمه..
لم يختر نوع دراسته ..ولم يختر وظيفته ولم يختر زوجته ...
عُيَّن في مدينة نائية صغيرة ذات جو باردٍ شتاءً وحاراً صيفاً ... حين أقترب موعد التحاقه بعمله فوجئ بأمه وقد اختارت له طفلة !! زوَّجته بطفلة قائلة : "هيا اعجنها وشكِّلها كما تريد." ...
استند على حائط السطح بينما الهواء البارد يلفح وجهه ، تنهد ثم ابتعد ببصره كأنه يبحث عن طريقه إلى مدينته التي افتقدها ، افتقد طرقاتها وأزقتها ... كم اشتاق إليها ....هكذا قال...
كانت ليلة عرسه خفيفة لا تضم غير عائلته وعائلة زوجته وبعض الجيران، ثم فجأة وجد نفسه وجهاً لوجه مع أول أنثى ينفرد بها في حياته كانت خائفة ترتعد، صفرة الموت على وجهها رغم كل الألوان التي دهنوا بها ذلك الوجه الصغير، اقترب منها بلطف، ابتعدت وهي جالسة وقدماها ترتعدان فقد كان ثوبها يرقص فوقهما من اهتزازهما.. قال لها لا تخافي ..اهدئي ..
بدأت عبراتها تنزل كنهر فوق وجنتيها ، تمتمت بخوف : " أريد أمي ." ابتسم وقال لها:
" أنظري إليَّ ، أنت زوجتي الآن ، أنا أهلك ." ازداد بكاؤها فلم يدرِ ما عليه فعله أمام خوفها وبكائها ، نهض وبدأ يمشي ذهاباً وإياباً وهو يسترق النظر إليها ، كانت جميلةً ، عيناها واسعتان وربما الخوف زاد من اتساعهما ، اشتد الحزن في قلبه حتى شدَّ نياطه وراح ينتشرعبر الساحات والمسافات المأهولة ، توقف برهة بعد أن خَفَتَ صوتها وكأنها تعبت ، كانت تنظر إليه بتوجس وخوف لم يغادرها ، قال لها اصعدي إلى فراشك لتنامي ولا تخافي فسأنام على الأرض .....
أخد غطاء وفرشه على الأرض حتى يطمئنها ، ثم بدأ بخلع ملابسه ، ارتدى بجامته ثم امتد على الأرض بجانب السرير ولم تكن قد اعتلته ، ثم بدأ بالنظر إلى سقف الغرفة دون أن ينظر إليها إلى أن تسللت الى السرير واعتلته ، ثم وضعت رأسها المتعب على مخدة واستكانت إلى أن انتظمت انفاسها ، وراحت في غفوة ..
نهض برفق وأحكم الغطاء عليها ثم أطفأ النور ونام فقد كان التعب قد تمكن منه ....
مشى خطوات في سطح المنزل وهو يتساءل ..ماجدوى كل هذا ...؟
ألم يكن عليه أن يرفض ؟
ألم يتعرض للسخرية من أهله وأمه وهو عاجز عن أن يكون زوجاً لطفلة ...؟
كيف له أن يقترب من هذه اليانعة مثل نبات بري لم يلمس روحها أحد ؟ كيف له أن يغتصب طفولتها ؟ كيف لهم أن يفهموا أنه لا يستطيع ....؟
بعد أيام من زواجه كان عليه أن يلتحق بعمله ، سافر وإياها إلى بيته هذا ، مرت شهور وهو لا يستطيع الاقتراب منها ، كانت دائماً نافرة منه مبتعدة عنه ، كان يعتمد على نفسه في كل شيء إلى أن كان يوم رجع فيه مخموراً إلى بيته ليجدها وقد نامت ، فلم يستطيع أن يهدىء نفسه الجامحة لحظتها ، ارتمى على الفراش بجانبها ممسكاً بها وقد قامت مذعورة كدجاجة في لحظة ذبحها...
صرخت جزعة ، أسكتها مُطبقاً على فمها بفمه ، ارتعدت كطائر جريح ، غرست أظافرها في جسده محاولة إبعاده عنها ، كان وحشاً ، بل كان ذلك الإنسان الذي يدعو طواعية ضد نفسه، في تلك اللحظات المدمرة لفعل الحياة ...
بعد لحظات لم يدرِ كم كانت ، انتبه إليها ، كانت منهارة ودماء على ثوبها وجسدها ، كانت نظراتها ذاهلة ، كانت مثل يرقة كازانتزاكي التي انتحرت لمجرد شعورها بالدفء لتخرج من شرنقتها قبل الأوان ليقتلها البرد ، وسيقتلني البرد حين لا أستطيع حمايتها والحفاظ عليها ، فقد دمرتُها ودمرتُ كلَّ الجمال فينا وسوف يستمر الحال إلى مالا نهاية ...
ليتني أملك مرآة صافية الآن لأرى وجهي، ترى هل هو نفس الوجه الذي كنته قبل هذه الليلة ؟ هذا الوجه المحبط المهزوم من كل شيء أمامه ، والذي كان ولا يزال يتمنى الكثير من الأمنيات التي تبدو مستحيلة ، لكنها الآن أضحت أمام عينيه واضحة المعالم ، يجب أن يقف ليختار مالم يتاح له اختياره من قبل ...
أمام هذه الحيرة الأزلية ، كانت الفتاة مازالت واقفة تبكي وتنتظر ، كان عليه أن يقرر ..
تساءل ..أمام هذه الحيرة القديمة التي تجمعت كلها في كيانه بما يشبه الرعشة التي تسري عند لحظات الاختيارات الحاسمة...ماذا عليَّ أن أفعل..؟
وقف فجأة و كمن مسَّه تيار كهربائي وبداخلِهِ إصرار لتحطيم ذلك الإطار الذي وضعه أولئك الذين أسسوا لانهياره ولانهيار إنسانيته .... !!

عائشة مشيش



#عائشة_مشيش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أريد أن أكون كاتبا ...
- الغوص في الذاكرة ..
- ماسح أحذية ...
- صفحة بيضاء ...
- المحاولة الثانية لنبش الداكرة ..
- محاولة النبش في الذاكرة ...
- الحرية .. الحلم الدائم .
- شهرزاد والحكاية ..


المزيد.....




- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عائشة مشيش - إختيار....