|
صفحة بيضاء ...
عائشة مشيش
الحوار المتمدن-العدد: 4349 - 2014 / 1 / 29 - 19:44
المحور:
الادب والفن
لا أدري لِمَ فجأة فتحت عينيها ذات صباح فوجدت ذاكرتها صفحة بيضاء ؟! مُحيتْ كل الذكريات من رأسها .. وكأنها طفلة في أسبوعها الأول ..المكان نفسه كان أبيضاً ..ثلجياً ..بارداً ..جميلاً لكنه موحش... شيء واحد كان يلح عليها .. ماذا تفعل هنا ..؟ لما أتت ..؟ كل الأشياء التي تحيط بها كأنها تراها اليوم لأول مرة ..؟ لم تُشذب أوراق تلك الشجرة البيضاء منذ مدة.. وتلك المنازل القرميدية ببخارها المتصاعد لا تبعث الدفءَ في مكانٍ غير مكانها..سيارات متباعدة تمشي ببطء وكأن البرد جمد عجلاتها ...مصابيح نائية لا تضيء الا نفسها، ترى أي مكان هذا ..؟ قالت لنفسها .. و ماذا أفعل هنا ...؟ ومن أنا ...؟ نظرت الى المرآة فوجدت فتاة ! بعض الدم بدأ يزحف إلى وجنتيها ..وعيناها يملؤهما ألف سؤال وسؤال ....؟ شردت كعادتها مؤخرًا .. تريد إمساك أول الخيط ...؟ لعلها تعثر على سبب وجودها هناك وعن هويتها ..إسمها ..علاقتها بالمكان والزمان ....؟ اهتزت أعماقها اهتزازاً قوياً ..وأطرقت تتأمل هذه الخواطر اللعينة التي أنكرت عليها سبب وجودها ومعرفة هويتها ..وتميزها ...؟ استبد بها الشعور بالعبث ..عكر عليها أجواء الانتشاء بالمكان وبوهم الحياة ... الحياة ... ما هيَ ؟ هل هي هذا الهواء الداخل الى صدري رغماً عني ؟ أم هيَ هذا الخفقان الذي ينبض به قلبي ...؟ أم هيَ هذا البريق الذي يطل من عيني ...؟ ولستُ أدري هل انا في ذات الحياة أم في ذات الموت ؟ .... قالتْ متسائلة ... أليس من الجائز أن تكون هذه حياة وموت ..؟ لا تعلم ، فذاكرتها بيضاء ..!! اختنقت الأنفاس في حلقها ..وتجمد الدمع في عينيها ..كزجاجتين كريمتين ..رأت من خلالهما موكبَ رحيل مضى قبل شهور .. سقطت الزجاجتان من عينيها ...ورأت أول الخيط ..!! كان موكب رحيل إلى المثوى الأخير .. كان منزلاً لا قرميدَ له ..بل أشبه بقبو لا شمس فيه ولا شجر ...؟ وجدت نفسها تبكي ولم تكن تدري ، أتبكي على نفسها أم عليه ...؟ اتكأت على جدار الغرفة متطلعة إلى سقفها الأبيض .. كل شيء أبيض .. المكان كله أبيض .. حتى السماء بيضاء بسحبها الكثيفة تتخللها خصلات رمادية ..
تفاقم لديها الإحساس بالدوران والفراغ .. ويلح عليها ذاك السؤال الذي لا يريد مفارقتها .. من أنا ...؟ ماذا أفعل هنا ..؟ مضت فترة وهي شاردة تبحث عن تكملة لقصة الرحيل ، مشحونة بهلوسات وخيالات وظلال كافية لمقاومة تلك المشقة في استقدام ما لا تعرفه ...؟ انقطع فجأة صخب الحديث الدائر مع نفسها إثر ضجة خفيفة أثارتْها صديقتها بقولها : " تنامين وأنت تصارعين، ألا تهدأين ؟! ... نظرت اليها وهي في دهشة ...أين كانت ..؟ كانت على سريرها ترتعش من فكرها المتحفز دائماً ....!! ألا تكف عن الاسئلة ..؟ هكذا قالتْ لنفسها ... تنفست الصعداء ، فقد أحسَّتْ أنها كانت في جب عميق صهر أحاسيسها فراحت تندلقُ دفعة واحدة نحوى إنسان واحد حيٍّ وميتٍ معاً ..... وفي ذات الوقت أحسَّت أنها موجودة ... ليس في مكان واحد ، بل في كل الامكنة .. هنا وهناك .. أخذتْ نفساً عميقاً وأغمضت عينيها محاولة جمع أفكارها في نقطة واحدة ، ولكن ضعف التركيز يأبى عليها ... حين شعرت بفشل محاولتها ، عادت تنظر الى صديقتها التي كانت تضفي على المكان بعض الحياة بوضعها أزهاراً ملونة كألوان الحياة ، نظرت إليها بشيء من الإهتمام البعيد عن الخوف أو التهيب وكأنما تتأمل قصةً بطلها شخص آخر لا علاقة لها به ...؟ أحسَّت أنها كانت في يوم بعيد ، موغلة في الماضي ، لكنه قريب من مراكز الإحساس والتصوُّر ... أفاقت ورجعت من الغوصِ في أبحارها نحو التذكر على صوت صديقتها وهي تقول لها : " أرى وجهك بلون الورد الفاتح ، فنجان قهوة ينتظرك ، هيا أرينا مشاغبتك التي لطالما أزعجتنا ، وحاكياك اللامنتهية المشوقة للفرح، المستفزة للأسئلة "... لاح شعاع خافت من أقصى دهاليزالذاكرة، من ذلك المكان البعيد عن كل الأوطان ، قالَ لها : "أنتِ الوجود ذاته ، أنت الموت والحياة ، أنت معلقة بينهما .. أنت فردوسهما ... أنت المسافة بين هذه وتلك ..أنت الضفافُ بينَ الحياة وأموجِ الموتِ العاتية ... أنت الحياة والحياةُ موت ..." .......... عائشة مشيش ...
#عائشة_مشيش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المحاولة الثانية لنبش الداكرة ..
-
محاولة النبش في الذاكرة ...
-
الحرية .. الحلم الدائم .
-
شهرزاد والحكاية ..
المزيد.....
-
فنان مصري: -الزعيم- تقاعد واعتزل الفن دون رجعة
-
من إلغاء جولتها الفنية إلى طلاقها.. جنيفر لوبيز تكشف كيف -ان
...
-
غزة.. عزف الموسيقى لمواجهة البتر والألم
-
لعبة التوقعات.. هل يفوز عمل غير غربي بجائزة نوبل للآداب 2024
...
-
اندمج في تصوير مشهد حب ونسي المخرج.. لحظة محرجة لأندرو غارفي
...
-
تردد قناة روتانا سينما 2024 الجديد على نايل سات وعرب سات.. ن
...
-
الممثل الخاص لوزير الخارجية الايراني يبحث مع نبيه بري قضايا
...
-
سيدني سويني وأماندا سيفريد تلعبان دور البطولة في فيلم مقتبس
...
-
فشلت في العثور على والدتها وأختها تزوجت من طليقها.. الممثلة
...
-
-دبلوماسية الأفلام-.. روسيا تطور صناعة الأفلام بالتعاون مع ب
...
المزيد.....
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
المزيد.....
|