أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عائشة مشيش - أريد أن أكون كاتبا ...














المزيد.....

أريد أن أكون كاتبا ...


عائشة مشيش

الحوار المتمدن-العدد: 4368 - 2014 / 2 / 17 - 20:44
المحور: الادب والفن
    



قرأ قصة بأصابعه الطويلة الرقيقة فأعجبته ، قرر فجأة أن يصير كاتباً ، ماذا يحتاج لكي يكون كاتباً ..؟
سأل نفسه ..قلم وبعض الأفكار ..؟..
كان يوماً عظيماً ذاك وهو يركب الحافلة مع إشراقة الصباح ليصلَ إلى المكتبات ، متنقلاً بينها لاقتناء قلم يليق بالحدث ، ومذكرة كبيرة ، وكتاب يسع أحلامه ، وأوراق بيضاء للكتابة سيملؤها بذخيرته التي تنتظر الفرصة لإشباع حاجة الناس إلى الإبداع ..
ومن غيري يستطيع أن يشبع حاجتهم ؟ ألم أقرأ للمعري والجاحظ والمتنبي ..؟
ألم أقرأ لديكارت وابن خلدون وسقراط ..؟
ماذا ينقصني لأكون كاتباً ..؟
حتى تجربتي الإنسانية غنية ، فقد جئت للدنيا أعمى ، هكذا شاء القدر ، أحببت منذ ولعي الأول بالمدرسة أبا العلاء المعري ، و " ابرايل " ، فهما صنوان ، عين القلب عندهما ترى مالا يراه ذو الاثنتين الجاحظتين ...
تعلمت رغم حكم القضاء، فقد كان مرافقي قلمي وناقل دروسي، لا معرفة لي بالألوان
ولا بإشراقة الشمس ولا نور القمر ، حتى المسافات تنقص عندي أو تزيد حسب رغبتي بالوصول ..
الحواس صارت أقوى بعناد مستميت، أول أبجدية مرنتني هي ذبذبة الأصوات، وهي تنطلق عبر جدار الغرف الحاجزة بيني وبين الحياة، لكل صوتٍ خاصيةٌ على سمعي ، مع مرور الوقت صرت خزاناً لتفاصيلها ، أتفهم الآن كيف يمكن للإنسان أن يستعمل الحواس الأخرى التي مع وجود العين تهمل .. تشكّلت كل حواسي وصارت قوية حافزة منتصرة لنفسها..
كانت الحافلة مستمرة في دورانها ووقوفها ، إلى أن وخزه مرافقه ، فنهض معتمداًعلى نفسه، قائلاً في سره : " أعرف الطريق فلا تبالوا " .. ...
كان سعيداً ، شعره ممشوط ، وياقة قميصه مزررة ، ومساعده يحمل في يديه كراسة كبيرة واقلاماً مختارة بعناية ، فأصابعه تمرنت على الإختيار ، وأوراق بيضاء ناصعة ، تنتظر مِلْءَ بطنها بذخيرته من المعرفة ....
عاد إلى الحافلة زهواً بكنوزه ، اتكأ على النافذة بكتفيه ، وما لبث أن نام فاتحاً فمه ، يتململ مع رجرجة الحافلة ، غير عابئ بانعطافاتها الكثيرة المتوالية ، إلى أن جاء صوت السائق الأجش معلناً اسم المكان للذين سينزلون ، التفت يميناً وشمالاً وكأنه ينظر ويتحقق من أنّ المحطة هي وليست غيرها ، ناسياً مساعده ، الذي بدأ بوخزه على كتفه أنْ انهض فقد وصلنا...
مرت الأعوام وقد أصبح كاتباً أيضاً ككل الكتاب الذين قرأ لهم ، طبع كتباً باسمه وبدا له الأمر جيداً وسهلاً خصوصاً حين يقوم بإمضاء كتبه وكتابة إهداء لمقتنيه .. يزداد صدره اتساعاً وتتقوّس حواجبه ، ويزداد شعره شيباً .. فالشيب يضفي على الكاتب بعض الوقار وأيضا دليل معرفة ...
أصبح لديه مقهى ثابت ورفقاء ومعجبون ، وشعر بقيمة نفسه الكبيرة وبأهميته في العالم ......... لكنه ما أن يبتعد عنهم ويخلو إلى نفسه ويغوص في ذاته حتى يجد نفسه بدون أهمية تذكر ، وكل المارة من أمامه وبجانبه لا يعيرونه اهتماماً ، تهب عليه رائحة عرقهم وأنفاسهم دون أن يقفوا ليسلموا عليه ولا أن يستوقفوه لأخذ صورة تذكارية معه ..
لقد أصبح شغله الشاغل هو ملء الصفحات البيضاء مستعيناً بما قرأه ، مضيفاً له بعض التواريخ والمعلومات التي ينتقيها في مقهاه في أمسياته تلك....
ترى هل حقق ما كان يحلم به ..؟ .. هكذا تساءل ..
كان يعرف أن ما ينقصه هو أن يكون كاتباً ، ولم يكن أبداً ذلك الكاتب !! ..
كان دعاؤه الأخير وهو يقفل درجه على أوراقه مودّعاً إياها : " أتمنى من كل قلبي أن تُبهجي قلوب العميان مثلي وأن تريهم الحقيقة " ... هكذا قال مخاطباً الأوراق ..
كان آخر سطر كتبه ..
هذا ما جناهُ أبي علي ..وما جنيتُ على أحد ...

عائشة مشيش



#عائشة_مشيش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغوص في الذاكرة ..
- ماسح أحذية ...
- صفحة بيضاء ...
- المحاولة الثانية لنبش الداكرة ..
- محاولة النبش في الذاكرة ...
- الحرية .. الحلم الدائم .
- شهرزاد والحكاية ..


المزيد.....




- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عائشة مشيش - أريد أن أكون كاتبا ...