أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زين اليوسف - و جُعلتَ لي مسجداً















المزيد.....

و جُعلتَ لي مسجداً


زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)


الحوار المتمدن-العدد: 4370 - 2014 / 2 / 19 - 08:20
المحور: الادب والفن
    


كنت طفلة عندما إلتقيتك أول مرة..التاسعة أو ربما في العاشرة كنت..لعلك كنت جارنا منذ الأزل و لكني لم أبدأ في إدراكك إلا في ذلك العمر..كنت أحب اللعب مع أبناء شقيقتك فهم في عمري تقريباً..ابنتها على الأقل أما ابنها فقد كان يكبرني بعام و يغضبني وجوده لسنوات.

كانت والدتي تحذرني دائماً من الاقتراب منك..و كنت لا أدرك معنى تحذيرها المتكرر لي من تجنب وجودي معك منفردين بالرغم من أن شقيقتك من أعز صديقاتها..و لكنها كما يبدو كانت لديها تلك النظرة العبقرية أن طفلتها هي عرضة للانتهاك رغماً عنها متى ما حانت الفرصة للآخرين لفعلها..فكانت لا تثق بذهابي لأي مكان من دونها حتى لو كان لمحل البقالة الذي بجانب المنزل!!..فكوني بلغت العاشرة كان أمراً كافياً -بالنسبة إليها- لأصبح مصدراً لإثارة شهوات الرجال التي لا تنطفئ أبداً.

و لكني كنت أخالف أوامرها دوماً..و كنت أتحين الفرص لرؤيتك..و في كل مرة أتواجد فيها في منزلك كنت أراك تعتزل الجميع في غرفة صغيرة فيه..كان الفضول يقتلني لأرى ماذا يوجد في تلك الغرفة السحرية و التي تمنعنا شقيقتك من الدخول إليها سواء كنت في المنزل أو خارجه..كانت غرفة مُحرمة و لعلها لهذا السبب كانت مغرية..فمن قال أن الأطفال لا يملكون شهواتهم الخاصة تجاه كل شيء؟؟.

و ذات يوم تسللت إليها لأجد أنها غرفة ضيقة و لكن ما أثار ذهولي فيها هو أنها مليئة بالكتب إلى حد التخمة..تحتل جدرانها الثلاث بكل عشق مكتبة تكاد تصل إلى السماء حيث الله هناك يراقبني و يراقب ذنب لعله الأول لي..كتب في متناول اليد و كتب تتحدى طولي لكي أصل إليها..كتب لم أستطع أن أقرأ عناوينها و كتب عرفت عناوينها لأني أملكها كمجلة ماجد*!!..الآن بعد أن كبرت أصبحت أعلم السبب الذي جعلني أتسلل إلى صومعتك و لكني لم أعلم يوماً السبب الذي جعلني لا أغادرها لأتجنب الحرج الذي سيتولد عن مخالفتي لأوامر الجميع بدخولها.

حتى عندما ألقيت القبض علي في صومعتك المقدسة لم تغضب مني..بل ضحكت و لم أعلم سبب ضحكك..هل ضحكت لأني تسللت إليك بالرغم من الحصار و التحذير أم لأنك اكتشفت أن أسوارك ليست منيعة لذلك الحد؟؟..سألتني حينها:"هل تحبين الكتب؟؟"..و حينها أخبرتك أني أحب مجلة ماجد و كم أجد إجابتي الآن سخيفة و كم تمنيت بعدها بثلاثة أعوام أن أعيد صياغتها من جديد من أجلك.

حينها أعطيتني إحداها و كانت مُرقَّمة بواسطتك كما اكتشفت لاحقاً أنها عادتك مع جميع كتبك..و طلبت مني أن أعيدها إليك عندما أنتهي..غضبت منك وقتها و طلبت منك أن تعطيني كتاب أنت تحبه..لم أحب أن أرى تلك النظرة المستخفة في عينيك و لم أرد أن تعاملني كطفلة..حينها ضحكت كثيرا و أهديتني كتاباً لا أجد الآن أنه من الطبيعي أن تمنحه لطفلة..فهل كنت تتحداني و تستفزني و تريدني أن أتحدى حتى توقعاتي تجاه ذاتي؟؟..هل كنت تعلم حينها أنك بعد موتك سيقوم أقربائك بإلقاء مكتبتك في سلة المهملات بينما سأحتفظ أنا بكتابك الوحيد المُرقَّم؟؟..هل كنت ترغب في أن يبقى جزء منك خارج نطاق الآخرين ليبقى معي ليثبت أنك كنت هنا يوماً ما؟؟.

قرأته و لم أفهم شيئاً منه..و كرهت كوني لم أفهمه..و كرهت من يفترض أنهم الأبطال أو من يمثلون الخير و تعاطفت مع من يفترض بي أن لا أتعاطف معهم!!..و عندما أخبرتك أني كرهت تلك الشخصية و أحببت الأخرى أخبرتني غير مندهش أن أعاود قراءته بعد فترة و ستسألني ذات السؤال..لعلك كنت حينها تتمنى أن أغير رأيي بعد فترة لأخبرك بأني فضلت الفتى الوسيم على الكهل..أو لعلك منذ رأيتني علمت أني سأملك دوماً تلك النفسية المعوجة و العاشقة لكل مختلف!!.

كنت أداوم على القدوم إلى دارك كلما سنحت لي الفرصة بحجة الاستذكار مع ابنة شقيقتك و لكني كنت أبحث عن الفرص لأراك..كنت أكبر و كنت ما زلت تراني طفلة تهديها الحلوى كلما صادفتها في ممرات المنزل أو حتى تتجاهلها و كأنك تعبر من خلالها..كنت أرى صومعتك و أتساءل هل لو وصلت لذات الكتب التي تستطيع أن تصل إليها ستبدأ في ملاحظتي؟؟..هل يجب أن أبلغها لأبلغك؟؟..هل هناك أخرى سبقتني إليك؟؟..أنت تقريباً في عمر والدتي و لكنك غير متزوج فهل أنت كما تصفك أمي و الجارات؟؟..و لكن كيف تكون رجولتك تغرقني بحضورها و لا تكون رجلاً كما يصفونك من وراء ظهرك؟؟..هل خلق لك الله رجولة تختلف عن تصورهم فأصبحت عقولهم عاجزة عن إدراكها؟؟..هل هناك أخرى تزاحمني عليك؟؟..إذاً أين هي منك و من محرابك؟؟.

كان يغضبني أني كنت أكبر و أتسلل إليك في صومعتك فتمنحني كتبك و تستمع إليَّ و أنا أبدي أرائي بها و لكني لم أشعر يوماً أنك تتساءل لم كل هذا العناء؟؟..هل كنت فعلاً تعتقد أني أُغرمت بجدران مكتبتك أكثر منك و أنت تقف أمامها لتختار مصير أيامي القادمة بين أناملك!!..أراقب أناملك و أنا متوترة و هي تختار كتاباً سأقضي الساعات في قراءته فقط لأقول لك ما أتمنى أنه ما كنت تنتظر مني أن أقوله؟؟.

سبع سنوات و أنت تُغرقني بالكتب دون أن تنظر إلي إلا كتلك الطفلة التي اقتحمت عالمك لتهديها مجلة للأطفال..سبع سنوات و أنا أنتظر أن أحصل منك على قُبلة تثبت لي أني على الأقل وصلت إلى حدودك و تمكنت من إثارة إعجابك..في البدء كنت أتمنى أن تكون على خدي و في كل سنة تمر علي متواجدة ضمن حدود مسجدك كان مكانها يتغير ليصبح أكثر جموحاً و شهوانية لامتلاكك و لامتلاكي بك.

حتى كلمة أحبك التي تمنيت أن أسمعني و أنا أنطقها لم أتمكن من نطقها لأني لم أكن أعلم كيف ستريدني أن أقولها لك؟؟..هل كنت ستريدها هامسة كما كانت ستنطقها غادة الكاميليا أثناء اعترافها الأخير؟؟..أم كنت ستريدها جامحة كما كانت ستقولها كارمن؟؟..أم هل كان يجب أن أنتظرك أنت لكي تبادر بها كما كانت ستفعل أي فتاة إنجليزية تعيش في القرن الثامن عشر؟؟.

حتى عندما تجرأت و كتبت لك رسالة أعترف لك فيها بحبي و إدراكي لفارق العمر و عدم اكتراثي لأي شيء قد يعوق ارتباطي بك لم أتجرأ لأضعها فوق مكتبك بل تسللت كما فعلت منذ سنوات لأضعها في جيب معطفك..و لأراقبك بعدها تخرج من المنزل دون أن تنتبه لها أو لي.

و عندما علمت بعدها بساعات أنك توفيت في حادث أثناء قيادتك لسيارتك لم أبكيك أو لم أستطع أن أبكيك فكل ما كنت أفكر فيه حينها..هل قرأتها؟؟..هل اكتشفتها في جيبك و أنت تقود سيارتك فشغلتك عن الطريق و لهذا فقدتك؟؟..هل قرأتها؟؟..أم أنك لآخر لحظة لم تدركني و لم تدرك جنوني بك؟؟..هل قتلتك بها أم قتلتُني؟؟..أخبرني أرجوك هل قرأتني أم أنك لآخر لحظة في حياتك لم تراها فتراني؟؟.

عدت بعد يوم من وفاتك إلى منزلك..و دخلت مسجد قبلتي الوحيدة متسللة إليه كالعادة..كانت أصوات البكاء في الغرف المجاورة تمزقني..نساء كُثر يبكينك فهل كن يعشقنك ليصدرن هذا النواح؟؟..هل تعبدنَّ إليك لسنوات كما فعلت ليبكين بتلك الحُرقة!!..هل هناك بينهن توجد "الأخرى"؟؟..و لماذا لا أبكي مثلهن؟؟..هل أحببتك يوماً؟؟..إن كان نعم فلم لا أستطيع أن أبكيك مثلهن؟؟..ستغفر لي أني لم أبكيك..فهل تبكي من فقدت قِبلتُها؟؟..لقد سألتني يوماً:"هل تبكين من تحبين لفقدهم؟؟"..و أخبرتك حينها أن عشقنا تُبتذل قيمته بالدموع عند بكاءنا لفقدانه..فنحن لا نبكي إلا ما نستطيع أن نشعر بألم فقدانه..و لكني الآن لا أشعرك و لا أعرف إلى أين أوجه صلاتي!!.

استندت على أحد جدرانك و نظرت إلى الأعلى..لم يكن متبقياً إلا عدة سنتيمترات فقط و أصل إلى حدودك..فهل كنت سأحصل حينها على قُبلتي أم أنك حينها كنت ستصيبني في مقتل و تهديني "مجلة ماجد"؟؟.

*مجلة أطفال شهيرة في الوطن العربي.



#زين_اليوسف (هاشتاغ)       Zeina_Al-omar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النوم على صدر الحُسين
- فتاة لليلة واحدة
- لهو رباني -قصة-
- الشهر الذي اُنزل فيه النفاق
- شيخ الخصيان – 5
- شيخ الخصيان - 4
- شيخ الخصيان – 3
- شيخ الخصيان – 2
- شيخ الخصيان - 1
- بنت الشيخ
- باسندوة ماشفش حاجة
- لماذا زين جوزيف؟؟
- غير طبيعية؟؟..طبيعية جداً؟؟
- كل شيءٍ هاديء في الضالع
- تتزوجها؟؟
- كل عامٍ و محمد بلا نسب
- التحرش الجنسي في اليمن
- قُبلة يهوذا
- دستور و مثلَّية و سرير – 2
- دستور و مثلَّية و سرير - 1


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زين اليوسف - و جُعلتَ لي مسجداً