أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - لا تغلقْ بوجهِ الريحِ باباً 1















المزيد.....

لا تغلقْ بوجهِ الريحِ باباً 1


صبري هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 4353 - 2014 / 2 / 2 - 13:20
المحور: الادب والفن
    


***
مِن كتابِ " طائر اللذّة "
***
جلبتْني الرّيحُ أنا طائر اللذّةِ إلى أرضِ الرؤيا فصرتُ أتنقلُ ـ كالعارفِ أو كالمقيمِ في البلادِ ـ مِن ضفّةٍ إلى ضفّةٍ وحتى في غيابِ القمرِ كنتُ أقرأُ تفاصيلَ المكانِ وأشمُّ رائحةَ طينِ الأعماقِ . كنتُ فيما مضى أُكنّى بطائرِ المتاهةِ لكنّ المصادفةَ بعثتْ إليَّ جسدَ نسمةٍ مغتلمةٍ فأشبعتهُ شهوةً .. أفرطتُ في تدليلهِ وبالغتُ في إكرامِه فردَّ النسيمُ على جميلِ صنعي وأسبغَ عليَّ كنيةً جديدةً هي " طائر اللذّة " وهذا تكريمٌ آخر. أنا الآن طائر اللذةِ وإنْ شئتم فأنا طائر المتاهةِ لا فرقَ عندي لكنني سأُحدثُكم عن شجونِ ماقبلَ تحولاتي فاسمعوني :
***
1 ـ
***
في دمشقَ ، في العامِ 1980 ، عودتْنا الحورياتُ على المجيء صباحاً . في كلِّ يومٍ مع أولِ الصبحِ تأتي الحورياتُ كي يغتسلنَ بماءِ بحيرةِ الخيالِ التي تستدرُّ فحولتَنا . في دمشقَ الفاتنةِ في تلك الأيامِ ، عودتْنا الحورياتُ على أنْ يبتهجْنَ بالكرومِ الكثيفةِ النبيلةِ . في تلك الأيامِ لم نعصرْ مِن تلك الكرومِ في أفواهِنا شيئاً إنما من عرقِ الحورياتِ ارتشفْنا الكثيرَ .
في أولِ الصبحِ مِن كلِّ صيفٍ نشربُ قهوتَنا ثم نُطهِّرُ ، مِن رجسِ الليلِ ، أنفسَنا ونظلُّ ننتظرُ كأسَ خمرتنا في أولِ المساءِ لندخلَ في الرجسِ ثانيةً . في كلِّ صيفٍ تأتي الحورياتُ بكلِّ الحياةِ التي بها حلُمْنا ونأتي إليهن بالحياةِ التي بها حلُمْنَ .
في دمشقَ البهيةِ على الدوامِ ، نصحو ، أحياناً ، على خوائنا فلا نجدُ قهوتَنا الصباحيةَ ولا تأتي الحورياتُ . تُغادرُنا البحيرةُ وزرقةُ السماء فنلوذ بالمقاهي التي تستعجلُ شايَنا الساخنَ ، ومع أنفسنِا نُرددُ : لن نبرحَ المكانَ . هذه الشامُ تعرفُنا كما لو أنها أدمنتْ الوجوهَ .
في الشامِ نتشبثُ بالمكانِ كما لو أنه بغدادُ بكلِّ ضواحيها . نتنفسُ ، إلى أعماقِنا ، الشامَ كأننا سنفقدُها إلى الأبد . في دمشقَ نحتطبُ كلَّ صباحٍ ، في غاباتٍ تأتي مع المخيلةِ كما تأتي الحورياتُ ، عشقَنا المؤجلَ .
***
2 ـ
***
نحن أبناء الغفلةِ . رومانسيون ، عشاّقُ الأزهارِ التي تهوى التلاقحِ في الهواءِ الطلقِ .. نسعى إلى الجبالِ كثوّارٍ مِن طرازٍ جديدٍ .. ثوّار من نوعٍ آخر إنما نخوضُ تجربةَ مَنْ سبقنا وإنْ آلت إلى فشلٍ ذريعٍ ولكي نصلَ إلى أهدافِنا علينا أنْ نجتازَ أراضٍ لثلاثةِ بلدان حتى نكونَ جيفاريين بالمعنى الدقيقِ للكلمةِ متناسين أنّ جيفارا لم ينتمِ لحزبٍ ولم يسترشدْ مثلَنا بأفكارِ قادةٍ أميين مِن الطرازِ الأولِ . كان جيفارا يسترشدُ بقناعاتِه . علينا أنْ نعبرَ مِن الأراضي السوريةِ إلى تركيا وتركيا ـ بلادُ الأناضول ـ هذه بلادٌ ملفقةٌ حديثةُ العهدِ لفّقها المسلمون العربُ في القرنِ الثاني عشر الميلادي بعد أنْ دمّروا قوّةَ بيزنطة المسيحيةَ الناطقةَ باللاتينيةِ ومِن هناك سنقطعُ السلاسلَ الجبليةَ الوعرةَ حيث أرض العراق .. علينا أنْ نجوبَ أراضي الامبراطورية الآشورية طولاً وعرضاً .. أنْ نحتلَّ الامبراطوريةَ ونُقيِّدُ الملكَ الآشوريَّ ثم نأخِذُهُ أسيراً لنقدمَه إلى مسؤولِنا الحزبي . أين ؟ اللعنةُ على التاريخِ كم رفعَ من شأنِ أممٍ همجيةٍ وشخصياتٍ لا تستحق الذكرَ وأحطَّ من قدرِ أقوامٍ كريمةٍ ورجالٍ شجعان أفذاذٍ فأذلهم حتى طواهم النسيانُ .
***
3 ـ
***
لا يعملُ ، بموجبِ مبدأ ميكافللي القائل : الغايةُ تُبررُ الوسيلةَ ، إنسانٌ شريفٌ .. إنما أنا أعتقدُ بأنَّ الأهدافَ النبيلة لابدّ وأنْ تكون وسائلُها نبيلة . لن أسعى إلى غايتي إلاّ بواسطةٍ نبيلةٍ . كنتُ في القامشلي قبل أنْ أدخلَ العراقَ قاصداً مواقعَ الأنصارِ الشيوعيين في الجبالِ العراقيةِ القصيةِ . زوجتي لها نفسُ الوجهةِ .. نفسُ الغايةِ . هدفُنا هو محاربةُ النظامِ القمعي في بغداد .. النظامُ الذي يقودهُ صدام حسين . عندما جئنا مِن عدنَ بعد اجتيازِ دورةٍ تدريبيةٍ على السلاحِ الخفيفِ والمتوسطِ والثقيلِ أيضاً لم تَثقلْ رؤوسَنا سوى فكرةٍ واحدةٍ هي إسقاطُ النّظامِ . في القامشلي تنازعتني فكرتان جاءتا على هيئةِ سؤالين ، الأولى تقول : هل نستطيعُ حقّاً إسقاطَ نظامِ صدام حسين من الجبلِ وليس من مناطقَ ومدنٍ متاخمةٍ للعاصمةِ أو مِن العاصمةِ نفسِها ؟ والثانية كانت أكثرَ خطورةً .. لقد ألهبتْ صدري وظلّت تأكل أحشائي وتقول : ماذا نسمي مَنْ يحملُ السلاحَ ضد وطنِه وجيشِه ، بغضِّ النظرِ عن طبيعةِ النظامِ الحاكم ، وهو في حالةِ حربٍ مع دولةٍ أخرى ؟
العراقُ كان قد دخلَ الحربَ مع إيران والحربُ على أشدّها في العام 1981م . القانونُ يقولُ كما أعتقد : مَنْ يعطِ معلومةً لعدوٍ يُعتبر خائناً فماذا عمّن يحملُ السلاحَ ضد جيشهِ ونظامِه ؟ أفزعتْني الفكرةُ الثانيةُ . أفزعتْني كلمةُ خيانة . لم أُصارحْ زوجتي المندفعةَ بقوّةٍ إلى حملِ السلاحِ وكأنها تُريد أنْ تؤكدَ دورَ المرأةِ الفاعلَ في الكفاحِ المسلحِ . كنّا صادقين في مسعانا وجئنا برومانسيةٍ ثوريةٍ يتشوّقُ لها كلُّ مُتطلِّعٍ إلى الحريةِ . وسائلُنا كانت شريفةً ونبيلةً وهدفُنا المُجرّد كان نبيلاً أيضاً إنما لابدّ مِن وقفةٍ أكثرَ ثوريةً عمّا نحن عليه ، لكن كيف ؟ ومتى ؟ وأين ؟
***
4 ـ
***
سنقطعُ إلى أهدافِنا طريقاً عصيةً وسنقضي أياماً صعبةً . زوجتي بقيتْ في القامشلي .. أبقاها " الحزبُ " لشهرين آخرين قال الحزبُ : هذه الطريقُ لا يمضي بها إلاّ مَن حملَ جوازاً يمنياً جنوبياً ، هكذا قالوا . هي لا تملكُ جوازاً كهذا لكن كان مِن الممكنِ التّريّث إلى أنْ نسلكَ الطريقَ التي سوف تسلكُها . الحزبُ يستطيعُ أنْ يُفرِّقَنا . الحزبُ يستطيعُ أنْ يفعلَ بنا ما يشاء وهو لا يُخطئ أبداً ! كيف يُخطئ الحزبُ ؟ أيُّ خائنٍ يقول هذا ؟ كنّا مستسلمين له بصورةٍ مطلقةٍ .. إنّه ربُّنا الذي لا نعبدُ رباً سواه والحزبُ عندنا أهم وأغلى مِن الوطنِ . ماذا يعني الوطنُ بدون الحزبِ ؟ بعد ثلاثين عاماً التقيتُ برفيقٍ قديم لي مازال يحملُ نفسَ الأفكارِ عن عبادةِ الحزبِ . لِمَ الاستغراب ؟ فالأمرُ يتعلّقُ بالوعيِّ الذي ربّما لا يأتي حتى مع الشيخوخةِ .. وربما لا يأتي هذا الوعيُّ حتى لأولئك المثقفين مِن الشِّعراء والكتابِ وكبارِ المؤدْلِجين الذين مازالوا يتنطعون باسم الحزبِ . إنّه ربما لن يأتيَ مطلقاً وإنْ أتى على بعضِهم سترَهُ بملاءةِ المنفعةِ . يفعلُ هذا بعضُ شعراءِ الحزبِ وبعضُ كتّابِ الحزبِ مِن أجلِ تسويقِ بضاعتِهم الكاسدةِ . يفعلُ هذا مَن كان في حاجةٍ إلى حواريين حزبيين . كنّا نقولُ قال الحزبُ وأمرنا الحزبُ وقرر الحزبُ ولم يكن هذا الحزب غير المسؤول الحزبي الذي نُطيعُه طاعةً عمياء حتى لو كان أفاقاً ساقطاً وما أكثر ما رأيتُ من هؤلاء إبّان مسيرتي الحزبية . الأمرُ يحتاج إلى تفاصيلَ وأنا بطبعي لستُ ميالاً للتفاصيل و لا أحبُّها أصلاً فهي مملّةٌ على الدوامِ ، وإنْ شئت فما جدواها حين لا تجد مَنْ يصغي إليها ؟
***
5 ـ
***
كنّا ستةً مِن الرجالِ الشبابِ خرجْنا مِن القامشلي في عيدِ ميلاد القائد الأممي فلاديمير لينين في 22 ـ 4 ـ 1981 باتجاهِ تركيا أولاً ثم دارتْ بنا الأرضُ : حلب ، باب الهوى ، غازي عينتاب ، ديار بكر ، وان ، ديار بكر ثانية ، ماردين ، نصيبين ، عبور نهر دجلة ، عبور جبال وعرة وعصية ، عبور نهر هيزل وخابور وحافّات جبلية وأخطار لا تُعدّ ولا تحصى .
في 16 ـ 5 ـ 1981 وصلْنا القاعدةَ الأنصاريةَ الأولى في بهدينان ـ شمال دهوك ـ مُنهكين تماماً. وصلنا سدرةَ المنتهى . هذا هو المشتهى إذاً ! في وادي الأفاعي أو ما يُعرف باللغةِ الكُردية " كَلي كوماته " المشترك بين تركيا والعراق وجدولٌ بعرضِ مترين يفصلُنا عن تركيا ولضيقِ أرضِ الوادي جعلنا منامَنا في قاعةٍ على الأرضِ العراقية وحمّامَنا في جذعِ شجرةٍ ضخمةٍ عَبْرَ الجدولِ على الأرضِ التركيةِ كذلك المرحاض . مِن هنا سنحررُ العراقَ ونصطادُ مَنْ هو في مرمى بنادقِنا مِن الجنودِ الأبرياء مِن أبناءِ الجنوبِ ، في الغالبِ ، مِن أخوانِنا عربِ العراق الفقراء المزروعين في رؤوسِ الجبالِ . هذه هي ثورتُنا المسلحةُ .
تساءلتُ : هل يعرفُ صدام حسين هذا المكانَ ؟
أجابني رفيقٌ شابٌّ حالمٌ هادئُ الطباعِ ، اسمهُ جعفر عبدالأئمة ، قتلتْه بعد سنتين قوّاتُ جلال الطالباني في بشتاشان مثلما قتلتْ رفاقي وأصدقائي الأعز قال:
لا أظنُّ . لو علم صدام بغربتِنا في هذا الوادي المقطوعِ عن العالمِ لرثى حالَنا وأرسلَ لنا كميةً مِن الأرزاقِ . كانت مزحةً على كلِّ حالٍ مِن الرفيقِ الجميلِ جعفر عبدالأئمة .
***
6 ـ
***
إنْ أتيتِ وتوقّف بك الدليلُ
فهنا انتظريني
على ضفّةِ هذا الجدولِ الموشوم بخرابِ الخرائط
هنا حيث لا مدى تُسرحين إليه النظرَ
إنْ أتيتِ وتعطلتْ بك المسافةُ
فانتظريني ها هنا
أو بالقربِ مِن شجرةِ التوتِ الباسقةِ
فوق استدارةِ الخابور
هنا يا يمامتي حيث يضيقُ بنا المكانُ
انتظريني
***
7 ـ
***
لم يعُد المشهدُ مُشجّعاً ولا باهراً كما صوّرهُ أو زيّنه بعضُ القادةِ إنما كان على قدرٍ كبيرٍ مِن العقمِ ، فالوضعُ الداخليُّ للحزبِ مُهلهلٌ والتباينُ القوميُّ والدينيُّ وحتى المناطقي جليّ وعلى درجةٍ عاليةٍ مِن الهشاشةِ فالكُرديُّ " الرفيق " غليظُ السلوكِ مع العربِ ويعتبرهم ضيوفاً على المنطقةِ وهم يعتبرون الأرضَ أرضَ بلادِهم والمسيحيّ الآشوريّ أو الكلدانيّ يتكتلُ مع أبناءِ طائفتِه الذين يهيمنون على القيادةِ العسكريةِ في بهدينان كذلك يفعلُ اليزيديُّ والصابئيّ ولكن بدرجةٍ أقل ومثل هذا يحصلُ لأبناءِ المنطقةِ الواحدةِ .. أنهم يعضدون بعضَهم بعضاً ويلتئمون في كلِّ مناسبةٍ . قُلتُ كان المشهدُ لأحوالِ الحزبِ الداخليةِ أقربَ للرثاءِ ودليلي على هذا هو الخروجُ الكبيرُ مِن صفوفِ الحزبِ في السنواتِ اللاحقةِ بحيث لم يبقَ في الحزبِ حتى العام 1990 غيرُ أقلّ مِن 15% مِن القاعدةِ الحزبيةِ التي خرجتْ مِن العراق في السنواتِ 1978 ـ 1981 ، وكان قد أُطيحَ بالقياداتِ الحزبيةِ العربيةِ في المكتبِ السياسي واللجنةِ المركزيةِ إبّان المؤتمر الرابعِ للحزبِ في العامِ 1985 .
***
8 ـ
***
أقيمي ها هنا بعد وقفةٍ
وانتظريني فأنا للعودةِ متشوقٌ
هنا يا حبيبتي يُداهمُنا المصيرُ الأخير
وإنْ متُّ فارثي حبيباً
وأنتِ شقيقة الرّوحِ سلي الخابورَ عني بعد غيابي
وسلي شجرَ الخابورِ كما فعلتْ ليلى بنت طريف
***
ليلى بنتُ طريف أو الفارعةُ أو فاطمةُ أطلقتْ مرثيةَ أخيها بعد مقتلِهِ وكان الوليدُ بن طريف الشيباني رأسَ الخوارجِ أرادهُ الرّشيدُ فقُطفَ على يدِ يزيد بن مزيد الشيباني . قالت :
بتل نهاكي رسمُ قبرٍ كأنه على جبلٍ فوق الجبالِ منيف
فيا شجر الخابور مالك مورقاً كأنك لم تحزن على ابن طريف
فتىً لا يحب الزاد إلاّ من التقى ولا المال إلا من قنا وسيوف
ثم أكملت :
وللبدر من بين الكواكب قد هوى وللشمس همّتْ بعدهُ بكسوف
***
أنتِ ستُرثين زوجاً لا أخاً . أنتِ النصفُ الآخر مِن الرّوحِ يرثي نصفَه المقتول، إنما بعد أنْ تستريحي سلي الخابورَ عني .

***
9 ـ
***
ما الذي حَذَفَني على الشيوعيةِ ؟ هل هو الجوعُ ؟ ربما ، والأحزابُ الشيوعيةُ جائعةٌ بحدِّ ذاتها لا تعطي خبزاً . هل هو الظلمُ الاجتماعيُّ ؟ ربما ، وقد رأيتُ شيوعيين أكثر ظلماً حتى من عتاةِ النازيين . هل هو الإلحادُ ؟ ربما وقد رأيتُ شيوعيين شيعةً أكثر تزمتاً مِن الشيعةِ المتعصبين وسنةً أكثر تزمتاً مِن السنةِ المُتشددين ومسيحيين أكثر كاثوليكيةً مِن البابواتِ الكاثوليك ويزيديين أكثر غلواً من رجالِ دينهم وصابئةً لا ينفكّون عن ممارسةِ طقوسِهم الدينيةِ حتى خارج الشعائر المفترضة . ما الذي دفعني إلى الشيوعيةِ إذاً ؟ هل هي محاولةٌ منّي لإزالةِ الظلمِ القوميِّ عن الآخرين ؟ ربما ولكن العربَ في العراقِ ، على الأقل ، ليسوا مُتعصبين إلى قوميتِهم لسببٍ بسيطٍ أنهم أكثريةٌ مطلقةٌ والأكثريةُ في الغالبِ لا تتعصبُ حيث لا تملك شعوراً بالدونيةِ ومَن يتعصبُ هم الأقليةُ هذا هو منطقُ الحياةِ ـ ألم يُصبح علي صالح السعدي الكردي الفيلي أميناً عاماً لحزب البعث العربي الاشتراكي في العام 1963 م وهو حزبٌ قوميٌّ ؟ـ وقد رأيتُ في الحزبِ أبناءَ قومياتٍ صغيرةٍ أكثر عنصريةً مِن أيِّ شوفينيِّ على سطحِ الأرض . سأسوقُ مثلاً : أنا حتى هذه اللحظةِ وقد قضيتُ في الحزبِ الشيوعيّ أكثرَ مِن عشرين عاماً لم أرَ ، مِن أبناءِ الأقلياتِ ، شيوعيّاً واحداً على الإطلاقِ ، فالمنتمي للأقليةِ قوميٌّ بامتياز ولن يُصبحَ شيوعياً أُممياً ولو التحى بلحيةِ ماركس واعتمر صلعةَ لينين . كذلك الحال مع أبناءِ الأقلياتِ الأخرى في العالمِ أجمع فالسيدُ جوزيف ستالين الجورجي الأصل حكمَ الاتحادَ السوفيتي ـ ومِن قلبِ روسيا القوميةِ الأكبر ـ بعقليةِ الفلاحِ الجورجي المتخلِّف فقتلَ مِن الروسِ بلا رحمةٍ أعداداً كبيرةً . أما كان عليه أنْ يكونَ أممياً وهو القائدُ الأوحدُ ؟ وهكذا رأينا الدولَ القوميةَ التي تشكّلتْ بسرعةِ البرقِ بعد تفككِ الاتحاد السوفيتي والمنظومةِ الاشتراكيةِ ألا يفترضُ بقادتِها أنْ يكونوا شيوعيين أممين لا تعنيهم المسألةَ القوميةَ . إذاً ما الذي أوصلني إلى بابِ الشيوعيةِ ؟ الشيوعيةُ لا شك فكرةٌ إنسانيةٌ عظيمةٌ فيما لو تحققت على الأرضِ ولكن تحتاج أبطالاً مِن صنفِ الملائكةِ ولهذا أخفقتْ مؤقتاً . لم يوهمْني أحدٌ بالشيوعيةِ أنا مَن ذهبَ إليها بنفسِه .
***
10 ـ
***
هنا المُشتهى إذن بالقربِ مِن غضبِ الخابور
لا أتذكرُ أني حلُمتُ أكثرَ من الخروجِ مِن هذا المكانِ المأزقِ
في هذا المكانِ ولجْنا زمنَ الخيانةِ
جورُكم أخرجني مِن داري كما أنشدَ الوليدُ بن طريف حينما خرج للمبارزةِ :
أنا الوليد بن طريف الشاري قسورة لا يصطلي بناري
جوركم أخرجني من داري
مَن يُكمل معي أو معه أيها الأصدقاءُ الشعراءُ ؟ مَن يبرزُ لهذا الخارجيِّ الجميلِ التّهوّرِ ؟ مَن لهذا الممتلئ بالدماءِ النبيلةِ ؟ مَن لهذا المتفجِّرِ روعةً ؟
سيزولُ النظامُ وسيزولُ رأسُه ، سيُقطفُ هذا الرأسُ يوماً كما قُطفَ رأسُ الوليدِ والفرقُ بين قطفِ الرأسين كبيرٌ . قُطفَ رأسُ الوليدِ باطلاً إنما لابدّ مِن تثبيتِ رأيٍّ ما : هو أنني مع اختلافي مع صدام حسين وتبشيعي لشخصِه وتجريمي لنظامِهِ إنما أنا متعاطفٌ مع طفولتِه كبشرٍ . نعم أنا متعاطفٌ مع طفولةِ الرجلِ وتسجيل هذا الرأي سيُغضبُ كثيرين مِن أقراني ورفاقي . سيُغضبُ أصدقائي المُقربين إنما هذا الغضبُ لا يمنعُ مِن أنْ أقولَ رأياً . نحن مسؤولون ومديرُ مدرستِه ومعلموه وأمهُ وزوجُ أمهِ والمحيطُ الاجتماعي الظالمُ الذي مارسَ معه قسوةً وعنفاً .. نحن العراقيين مَن صنعَ منه دكتاتوراً . بأعلى صوتي أعلن تعاطفي مع طفولةِ صدام حسين المُعذَّبة وأُدينُ المجتمعَ الذي أطنبَ في ظلمهِ ضد طفلٍ كان يجب أنْ يُرعى كبقيةِ خلقِ الله لا أنْ يُعذَّبَ وينشأ مشوّهاً فينقضّ على رؤوسِنا بناؤه الخطأ .
***
11 ـ
***
هل تأتين ؟
تأخرتِ يا حبيبتي
وأنا أَخَذَني إلى أحضانِه نسيمٌ
حَمَلَني فوق رؤوسِ الجبالِ
وعبّرني إلى ضفّةِ المجهولِ ماءُ
وضِعتُ كما الذكرياتُ ضاعت
أهانَها الخابورُ
وارتحلتْ صوراً
تأتين ؟
أسرعي يا حبيبتي
فعلى بابي صهلَ الوقتُ
وفرّت مِن قفصي طيورُ التصبُّرِ



#صبري_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مِن المتن إلى الهامش
- ابن الرمال
- لا تَرْمِي كلَّ الأقمارِ
- مِن أجلِها لا تنمْ أيها الليل
- هذا الشاعر العظيم
- الضابط الصغير
- ذاكرة للمسافة
- امرأة الكوثر
- أنتِ مَن يقود البحر
- غيمةٌ في شرفة
- النَسْر
- خَيَالُ النَّجمة
- الحَفِيْد
- طه
- خلف الجدار رجاءُ
- غمام المعنى
- سقط البناء يا أبي
- وهمٌ سلجوقيٌّ
- هو البحر فلا تذهب بعيداً
- خسرتَ الرّهانَ


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - لا تغلقْ بوجهِ الريحِ باباً 1