محفوظ أ بوكيلة
الحوار المتمدن-العدد: 4349 - 2014 / 1 / 29 - 11:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بدأت ثمار مشروعى محمد على التنموى والتنويرى تأتى بنتائجها فى سبعينيات القرن الثامن عشر، حيث بدء تشييد كيانات ومراكز الـتأثير الفكرى والثقافى والسياسى التى أرسيت قواعدها فى عصر محمد على. فقد صدرت جريدتى الأهرام والمقتطف فى1875، وانشئت عشرات المطابع ومصنع للورق وأعيد اعمار وتدعيم المجمع العلمى الذى أنشأته الحملة الفرنسية، كما إنشئت قاعة للمحاضرات العامة بإسم" الانفتياتر" وانشئت جمعية المعارف عام 1868 كأول جمعية علمية ثقافية ضمت 660 عضوا، والجمعية الجغرافية فى 1875 والجمعية الخيرية الإسلامية فى 1878 وتوالى إنشاء الجمعيات الخيرية والثقافية التى تستهدف " كما قال عبد الله النديم : تعليم الأطفال الأخوة فى الوطن وتبعدهم عن التعصب للدين أو العنصر وتنشئهم عل حب الوطن والإنسانية"
ومن أهم هذه التطورات أصدار الخديوى إسماعيل دستور وإنشاء مجلس نواب منتخب عام 1866 ظل يمارس دورة حتى عام 1879، وقد بدأ المجلس صوريا إلا إنه أنتهى بأن اصبح منبرا للفكرة الدستورية التى تبلورت فى لائحة وطنية ومشروع دستور جديد طالبت به جمعية وطنية تكونت من " حضرات أعضاء مجلس شورى النواب والعلماء والأعلام والذوات الفخام والمأمورين الكرام، ووجوه البلاد وأعيانه ومعتبرى الأهالى " وقدم أعضاء هذه الجمعية مطالبهم للخديو فى أبريل عام 1879 فى شكل لائحة وطنية حددت مطالب الشعب فى بندين أولهما مشروع تسوية مالية للديون الخديوية تعهدوا بتنفيذه، والبند الثانى مشروع دستور يتضمن نظام جديد لمجلس شورى نواب يمتلك السلطة المعترف بها للمجالس النيابية الأوروبية. ووقع الخديوى على الوثيقة وأقر بما طالبته به " بأن يتبع رأى الأمة ويقوم بتأدية مايليق بها من جميع الأوجة الشرعية " وبادر بتشكيل حكومة برئاسة شريف باشا وجاء فى خطاب التكليف " تشكل الوزارة من أعضاء أهليين مصريين يكونون مسؤلين أمام مجلس الأمة "، وبالفعل أعدت الوزارة المشروع وتقدمت به إلى مجلس النواب فى جلسة 17مايو 1879 وقبل أن يصدق النواب على مشروع الدستور خلع الخديوى فى 26 يونيو وفضت جلسات المجلس فى6 يوليو واستقالت الحكومة فى أغسطس. وخيم على البلاد حكما اسبداديا بوليسيا بطش بكل مظاهر الحريات الديموقراطية وعطلت الصحف أكثر من مرة ، وبدت البلاد وكأنها فى حالة حرب واعطى المديرين فى ذلك سلطة باطشة تذايدت فيها أعداد المعتقلين لتصل بدون أحكام إلى 912 معتقلا ناهيك عن المنفيين إلى السودان والمحددة إقامتهم، وسيطرت فيه العناصر الأجنبية والتركية والشركسية على المواقع المؤثرة فى جميع مناحى الحياة.
وقد واكب هذه الاحداث فى سبعينيات القرن التاسع عشر دخول المصريين فى سلك الضباط والترقى حتى رتبة بكباشى إعتبارا من عام 1854 فى عصر الخديو سعيد، وأزداد عدد الجيش فى عصر اسماعيل إلى أكثر من 30,000 جندى ومثلهم فى السودان، وفتحت الترقيات للرتب العليا.وعندئذ تصدى الضباط لكافة محاولات إنقاص أى حق من حقوقهم، وكونوا حزبا عسكريا سريا، واسقطوا الوزارة بمظاهرة عسكرية فى 18 فبراير 1879، وقاموا بالعديد من الحركات الإحتجاجية بلغت زروتها بهجوم عسكرى خاطف على قيادة القوات بقصر النيل لتحرير بعض قادتهم المحتجزين. وتهيأت الفرصة التاريخية لتلاقى أهداف قيادات الحركة الوطنية السياسية الدستورية والحركة الوطنية بالجيش، وبعد العديد من اللقاءات والمشاورات تم الاتفاق على العمل على اقامة حكم نيابى يسود فيه القانون طبقا لمشروع الدستور الذى لم يقر، ونقل السلطة من الخديو إلى البرلمان، وانتهى الأمر بأن وضع الجيش نفسة لأول مرة منذ انتهاء حكم الفراعنة موضع المنفذ لإرادة القوى الوطنية. وتمثل ذلك فى مظاهرة عابدين يوم 9 سبتمبر 1881 التى قدم فيها الجيش مطالب الأمة إلى الخديو توفيق والقناصل الأجانب.
وقد أسفر هذا التحالف التاريخى بين الزعماء السياسيين الدستوريين والجيش عن تكليف شريف باشا ( احد رموز الحركة الوطنية الدستورية ). إلا ان شريف باشا " مدعوما من القيادات الوطنية رفض تشكيل الوزارة قبل الحصول عل تأكيدات من الجيش بعدم التدخل فى السياسة ، وقد حصل على التعهدات التى تؤكد خلوص نية الجيش ضمنها 1500 من"علماءومشايخ عمد وأعيان مصر وإسكندرية الثغور والوجهين البحرى والقبلى " وقدمها سلطان باشا ممثلا لهم إلى شريف باشا فى خطاب عام علنى جاء فيه "إن الأعيان متكفلون بالجيوش المصرية الذين هم فى الحقيقة أبناؤهم وإخوانهم". ونصت المادة الرابعة من برنامج الحزب الوطنى - الذى يمثل كافة القوى الوطنية الدستورية آنذاك – "إن الوطنين المصريين فوضوا أمرهم إلى أمراء الجهادية لأن رجال العسكرية هم القوة الوحيدة فى البلاد، وأن أمراء الجهادية عازمون على ترك التدخل فى السياسة متى فتح مجلس النواب. فهم الآن بصفة حراس على الأمة التى لاسلاح لها ".كما تعهد عرابى فى حديث له مع بلنت فى فبراير 1882 جاء فيه " لقد كسب الجيش للمصرين حق التعبيرفى مجلس النواب ونحن نساندهم ونؤيدهم – أى النواب – حتى لايخدعوا أو يضغط عليهم بالقوة، ومتى عرف برلماننا كيف يعبر تنتهى مهمتنا نحن الجنود". وتول شريف باشا رئاسة الوزارة وتطبيقا للضمان والعهد تم نقل آليات الجيش الثلاث الرئيسية إلى أماكن متفرقة خارج العاصمة وتخلى الجيش عن أى دور سياسى وأعيد تنظيم الجيش عل أسس إحترافية. وفى هذا الإطار انتخب مجلس النواب وعقدت أولى جلساته فى 26 ديسمبر1881، وأصدر المجلس الدستورالجديد فى7 فبراير 1882، طبقا لوثيقة أبريل 1879.
إلا ان التركيبة الذهنية العسكرية لرجال الجيش وإفتقادهم للخبرة والرؤية السياسية أدت بهم إلى عدم الاكتفاء بدور المنفذ لإرادة الأمة بل اتجهوا إلى انتزاع الحكم من يد الزعماء الدستوريين. ولم يدم شهر العسل بينهم والزعماء السياسين طويلا، واستقالت وزارة شريف فى يناير 1882 و تشكلت فى فبراير وزارة جديدة سيطرعليها العسكريين ترأسها محمود سامى البارودي وتولى عرابى فيها وزارة الحربية وأخذ الصراع على السلطة ينهى التحالف بين القوتين، حتى أن 66 عضوا فى مجلس النواب من اصل 72 قد عارضوا عرابى وكذلك كافة القوى التى ضمنت تعهداته، كما أنضمت غالبية المؤسسات الممارسة للسلطة إلى القوى الدستورية، وشهدت هذه المرحلة وحتى ضرب الأسكندرية فى11 يوليو تمردا عسكريا أنشا لنفسه مؤسسات يدير بها شؤن الاستعدادات للحرب. مما افقد الجيش قاعدته الإجتماعية واحتلت البلاد فى 11يوليو 1882. وبإستثناء موقعتى كفر الدواروالتل الكبير لم يجد الإحتلال أى مقاومة عسكرية أو سلمية ودخل القاهرة بإعتبارها مدينة مفتوحة ولم تقم ضده أى مقاومة على مدى عشرين عاما. وبعد دخول الإنجليز القاهرة بخمسة أيام أصدر الخديوى توفيق مرسوما بحل الجيش وتسريحة ، وتشكل بعد ذلك جيشا قوامه 6000 جندى بدون أى ضابط مصرى حتى عام 1936. وحل البرلمان والغى الدستور، وأستمرت مصر بلا دستورأوبرلمان حتى عام 1923.
ولخص شيخ المؤرخين المصررين الأستاذ عبد الرحمن الرافعى الموقف فى الجزء الثانى من كتابه " عصر اسماعيل" إذ قال " لو بقى العسكريين مناصرين لوزارة شريف باشا مستمعين لنصائحه وأراء السياسين لساروا فى طريق الحكمة والسداد، ولأمنت البلاد شر الإحتلال. ولكنهم ركبوا متن الشطط من يوم أن أنفصلوا عنهم فغامرو ا بالبلاد ومستقبلها وانقادوا إلى طموحهم للحكم والرئاسة.
#محفوظ_أ_بوكيلة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟