محفوظ أ بوكيلة
الحوار المتمدن-العدد: 4319 - 2013 / 12 / 28 - 11:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في عالم تشكلت فيه الأفكار أثناء الحرب الباردة وعلى أثر الحقبة الأستعمارية، سيطرالشك العميق في كل مايتعلق بالتجارة الخارجية، ورأس المال خاصة عندما يكون أجنبيا والمباشر منه بالذات ( الذي يؤسس مصلحة دائمة عبر الحدود في شكل مشروعات، أو سيطرة إدارية فعالة على مشروع) باعتباره أداة في أيدي الدول الصناعية الأستعمارية وشركاتها متعددة الجنسية التي تستخدمه أساسا للاحتفاظ بسيطرة مضرة بالدول النامية. وقد رفضوا فكرة أن حركة رأس المال الحرة بين الدول يمكن أن تقدم تخصيصا كفؤا للموارد. وقد اعتبروا أن الاستثمار الأجنبي المباشر يتدفق إلى الدول الفقيرة كأداة للملكية والهيمنة الأجنبية، ودعوا لوضع قيود مشددة على كل أشكال التدفق المالي تقريبا.
ومما يدعو إلى الدهشة أن الاقتصاديين النيوكلاسيكيين وخاصة بالمنظمات الدولية قد اعتنقوا آراء مختلفة جذريا. فقد اعتبروا أن انتقال رأس المال عبر العالم فى جميع الحالات يخدم أغراضا متعددة. فهو يسمح للدول ذات المدخرات المحدودة بأن تجتذب تمويلا لمشروعات استثمار محلية منتجة. وهو يمكن المستثمرين من تنويع محافظهم المالية. ويوزع مخاطر الاستثمار على نطاق أوسع. كما أنه يشجع التجارة عبر الزمان، أي مبادلة سلع اليوم في مقابل سلع في المستقبل. وهكذا فإنهم قد انحازوا لأسواق مفتوحة أومحررة بالكامل، مع توقع تخصيص أكثر كفاءة للمدخرات، وإمكانيات متزايدة للتنويع في مخاطر الاستثمار، ونمو أسرع، والتخفيف من حدة دورات الأعمال. ورغم هذه الفوائد، نلاحظ أن أسواقا مالية محررة في الدول النامية قد تشوهت بفعل المعلومات غير المكتملة والتحركات الكبيرة والمتقلبة من وإلى النظام، ومشكلات كثيرة أخرى تؤدي إلى نتائج دون المستوى الأمثل تدمر الرفاهية العامة.
ويعتبر علم اقتصاديات التنمية الحديث الاستثمار الأجنبي المباشر مصدرا أفضل لرأس المال الأجنبي بالنسبة للدول النامية من تدفقات رأسمالية أخرى كالاستثمار في المحفظة المالية –المشتريات من الأسهم والسندات التي، على خلاف الاستثمار المباشر، لا تخلق مصلحة دائمة في مشروع أو سيطرة إدارية فعالة على مشروع- فهي قد تتحرك دخولا وخروجا إلى ومن البلاد بسرعة وبكميات كبيرة، مستهدفة أنشطة مضاربة (غالبا في أسواق الأوراق المالية أو العقارات) ومتسببة في فقاعات وتقلبات. إن الزيادة غير المسبوقة في التدفقات الرأسمالية الداخلة قصيرة الأجل مولت الفقاعات العقارية في اليونان وأيرلندا وأسبانيا ودول أوروبية أخرى عديدة، متسببة في أزمة ديون في منطقة اليورو. كما أن تدفقات المحافظ المالية الكبيرة على الاقتصادات الناشئة قد تسببت أيضا في فقاعات أوراق مالية وعقارات، وفي رفع سعر العملة، وفي تعقيد إدارة الاقتصاد الكلى.
وعلى العكس فالاستثمار الأجنبى يتوجه عادة إلى الصناعات المتسقة مع الميزة النسبية للبلد. ويجلب التكنولوجيا، وأساليب الإدارة الحديثة والنفاذ إلى الأسواق التي غالبا ماتفتقر إليها الدول النامية ولكنها ضرورية للتنمية الصناعية. فالقدرة على الاستفادة من الآثار الجانبية التكنولوجية للأستثمار الأجنيى المباشرهي غالبا متوقفة على قدرة البنية الأساسية والتعليم على استيعاب التكنولوحيا. وفى اقتصادات نامية تلقت مقادير كبيرة من الاستثمار الأجنبي المباشر، مثل هونج كونج والصين وجمهورية التشيك والمكسيك والفلبين، فإن الآثار الجانبية على السوق والتكنولوجيا كانت جوهرية. وهكذا فإن تدفق الاستثمار المباشر الوارد يجب أن يكون عموما مكوٍّنا جذابا في إستراتيجية تنمية أوسع نطاقا.
أما فيما يخص التجارة الخارجية فإن دعاة سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج قد تناولوها بطرق مختلفة، ولكن السمة السائدة هي الاعتقاد في أن الاندماج في الاقتصاد العالمي مرتبط بالتبعية للقوة العالمية، حيث الدول الغربية وشركاتها متعددة الجنسية تهيمن على الدول الأكثر فقرا وتستغل اقتصاداتها. ومن أجل كسر فخ التبعية، اتبعوا سياسات إعطاء الأولوية لإستراتيجيات بدائل الواردات، مع بقاء الاقتصادات النامية مغلقة ومحمية إلى أن تستطيع أن تتنافس مع الدول الصناعية المتقدمة في الأسواق العالمية.
وعلم اقتصاديات التنمية الجديد يتبنى الرأي القائل بأن الصادرات والواردات هي عوامل تتحدد داخليا طبقا للميزة النسبية التي تتحدد ببنية المؤهلات الطبيعية (وهي سمات أساسية للتطوير الصناعى). والعولمة تفتح طريقا أمام الدول النامية لاستغلال ميزة التخلف وتحقيق معدل أسرع للابتكار والتحول الهيكلي أكثر مما هو ممكن بالنسبة للدول التي هي بالفعل متقدمة تكنولوجيا. ولهذا فإن الانفتاح قناة أساسية للتقارب.
ومع ذلك، فإن علم اقتصاديات التنمية الجديد يدرك أن دولا نامية كثيرة قد بدأت الصعود على السلم الصناعي مع وجود ميراث من التشوه ورثته من إستراتيجيات الاقتصاد المخطط القديم القائمة على بدائل الواردات. وهذا هو السبب في أنه يقترح مدخلا تدرجيا إلى تحرير التجارة. وأثناء التحول، يمكن للدولة أن تأخذ في اعتبارها تقديم شيء من الحماية المؤقتة للصناعات غير المتسقة مع الميزة النسبية بينما تقوم بتحرير وتسهيل دخول المشروعات إلى قطاعات أكثر تنافسية كانت سابقا خاضعة للسيطرة أو الكبت. إن النمو الديناميكي في القطاعات المحررة حديثا تخلق الظروف لإعادة تشكيل القطاعات التي كانت ذات أولوية سابقا. وهذا المدخل البراجماتي ثنائي المسار يساعد على تحقيق أهداف النمو من دون تكبد خسائر كبيرة أثناء التحول.
#محفوظ_أ_بوكيلة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟