أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - من هم الرابحون ومن هم الخاسرون سياسيا في الحرب السورية؟















المزيد.....


من هم الرابحون ومن هم الخاسرون سياسيا في الحرب السورية؟


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 4313 - 2013 / 12 / 22 - 20:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أسئلة تحتاج الى اجابات حول الواقع العربي والربيع العربي
السؤال السادس والستون:
من هم الرابحون ومن هم الخاسرون سياسيا في الحرب السورية؟

كي لا يذهب القارىء بعيدا، أود أن أنبه بأنني لا أقصد بالرابحين والخاسرين على أرض المعركة. فليس المقصود من هو الرابح او الخاسر عسكريا على تلك الأرض. بل المقصود هو الرابحون والخاسرون على أرض المعركة السياسية وليس المعركة العسكرية، رغم ارتباطهما ببعضهما. والرابحون على أرض المعركة السياسية حتى الآن هم خمسة:

أولا) أول الرابحين في المعركة السياسية، هو الرئيس بشار الأسد، الذي جاء المقاتلون من كل أصقاع الأرض ساعين لاسقاطه، واذا بموقفه يتعزز كثيرا، ويصبح بعيدا كل البعد عن احتمال السقوط أو الاختفاء عن المسرح السياسي. فهو باق حتى الآن في السلطة، بل ومرشح لخوض معركة انتخابية رئاسية جديدة، بموافقة العديد من الأطراف المشاركة في متابعة وتحديد مستقبل سوريا، باعتبار أن حقه في الترشح لدورة أخرى،(له فيها حظوظ كبيرة بالنجاح)، هو حق طبيعي لكل مواطن سوري، وهو حق يكفله الدستور، ويبقى الأمر منوطا بصوت الناخب السوري، وليس بصوت بنادق المقاتلين "الأشاوس".

فالمظاهرات "السلمية" والتي توقعوا لها أن تكون كافية لاسقاط "بشار"، لم تسقطه عن كرسي الرئاسة. والانشقاقات في صفوف الجيش السوري، والتي توقعوا لها أن تكون كافية لعزله، لم تعزله أيضا. ومثلها تدفق المقاتلين من الخارج السوري، والتي توقع لها أن تكون كافية لانهاء حكمه، لم تنجح أيضا وأيضا في انهاء حكمه، بل عززت موقفه كثيرا، وساعدت قدرته على الصمود، بل وحملت مزيدا من الاعجاب لشخصه القادرعلى التحدي رغم كل الصعوبات التي واجهها وما زال يواجهها حتى الآن. بشكل أو بآخر، استطاع الرئيس السوري أن يقترب كثيرا من الحصول على تصنيفه كشخصية العام لعام 2013، ولولا بعض التدخلات لحصل عليها. فالاعجاب بقدرته على الصمود والتحدي، خلافا لسقوط "مبارك" السريع، وسقوط "بن علي"، و"علي عبد الله صالح"، و"القذافي"، الذي شكل أيضا سقوط كل منهم سقوطا سريعا ومدعاة للتفكير والتأمل، أثار اعجابا بالرئيس "بشار" تجاوز حدود سوريا والشعب السوري، ليحظى أيضا تدريجيا باعجاب العديد من المواطنين العرب من خارج القطر السوري، مما رشحه لأن يوصف بالقائد، أسوة بالقائد العربي "جمال عبد الناصر"، أكثر من الاكتفاء بوصفه بالرئيس.

ثانيا) الرابح الثاني في دوامة هذه الحرب، كانت روسيا الاتحادية، التي استيقط فيها "الدب الروسي" الذي كان نائما لسنوات طويلة، مذكرا بأنه القطب الآخر في هذا العالم، بعد أن ظلت الولايات المتحدة، (منذ تفكك الاتحاد السوفياتي على يد "بوريس يالتسين"، السياسي الروسي المخضرم المعروف "بصداقته" الحارة للأميركيين)، تتمتع بصفة القطب الأوحد نتيجة معاناة "روسيا"، التي خلفت الاتحاد السوفياتي في موقعه، من مشاكل اقتصادية ومديونية كبرى، اضافة الى ظهور"المافيات" فيه منتهزة فترة ضعف الدولة وعجزها الاقتصادي الكبير نتيجة بعض الفساد الذي ألم بالاتحاد السوفياتي في أيامه الأخيرة. ولكن عندما تهددت "سوريا"، الصديق الأخير لروسيا في الشرق الأوسط ، نتيجة لتلك الحرب التي شنها البعض عليها، انتفض "الدب الروسي" مستيقظا من 2غفوته، مطلقا صرخة الاستعداد للمواجهة دفاعا عن صديقه السوري.

وتصادف أن توقيت المعركة في سوريا، قد جاء ملائما ومتناسبا مع الوضع الداخلي في روسيا، وهو الوضع الذي كان ضعيفا ومهتزا، لكنه انتعش الآن كثيرا بعد أن نجحت الدولة الروسية للتو في التغلب على مصاعبها الاقتصادية، كما استطاعت تسديد مديونيتها الكبيرة، واعادة بناء قوة أمنها التي استطاعت بدورها احتواء مجموعات المافيا. وقد ساعدها على تحقيق ذلك، خطوة "غير ذكية" من الرئيس الأميركي "جورج بوش الابن" نتيجة غزوه للعراق، احد الدول النفطية الكبرى. اذ ارتفع عندئذ سعر برميل النفط ارتفاعا كبيرا، مما أفرز دخلا اضافيا غير متوقع في حسابات الميزانية الروسية، التي هي أيضا دولة نفطية كبرى تصدر النفط والغاز معا. فهذا الدخل الاضافي الناتج عن الارتفاع الطارىء في أسعار النفط،، (رغم أن ثمنه الكبير قد دفعه مئات الآلاف من الشهداء العراقيين الذين قضوا نحبهم نتيحة لتلك الحرب الجائرة ضد العراق)، قد ساعد روسيا الاتحادية على التغلب على كل مصاعبها السابقة من أمنية واقتصادية ومديونية، بل ووفر لها فائضا من الاحتياطي النقدي ساعدها على المواجهة مع الولايات المتحدة في المعركة من أجل سوريا، وها هو يساعدها أيضا على المواجهة مع الاتحاد الأوروبي في المعركة من أجل "أوكرانيا"، اذ عرض عليها قرضا (على شاكلة خصم سندات مالية لها بقيمة خمسة عشر مليار دولار)، وذلك بغية ابقاء "أوكرانيا" بعيدة عن الاتحاد الأوروبي، وأكثر قربا لجارتها روسيا. ففي ظروف الانتعاش الروسي هذه، جاءت القضية السورية (وبعدها الأوكرانية) في وقت ملائم تماما، ساعد على استيقاظ الدب الروسي، وعلى تأهله بالتالي للوقوف في مواجهة الولايات المتحدة وكل حلفائها المنغمسين في المجزرة السورية، اضافة الى مساعيه الحثيثة للاحتفاظ ب"أوكرانيا" جارة وصديقة له. وهكذا باتت روسيا، بشكل أو بآخر، هي المستفيد الثاني من مجريات الأمور على الساحة السورية، وعلى كل الساحات الأخرى من "اوكرانية" وغيرها من ساحات الصراع، كتلك الجولات التفاوضية أيضا بين "ايران" ومجموعة خمسة زائد واحد التي تشكل روسيا قطبا هاما ومؤثرا فيها.

ثالثا) جمهورية ايران الاسلامية، كانت هي المستفيد الثالث من هذه المأساة التي ألمت بالشعب السوري. فظهور "حسن روحاني" على الساحة السياسية الايرانية كرئيس معتدل نسبيا لجمهورية ايران الاسلامية، وطرحه في وقت ملائم لمبادرته حول تخصيب اليورانيوم، بل وفي وقت أكثر ملائمة لكون روسيا قد برزت فيه للتو كقوة عظمى مكنتها لأن تصل الى تفاهم مع الولايات المتحدة يسعى لايجاد حل سلمي للقضية السورية التي تلعب ايران فيها أيضا دورا مؤثرا...فهذا التطور، بل التطورات الهامة كنتيجة أيضا لوضوح خطر الارهاب "القاعدي" في سورية، دفع الولايات المتحدة لأن ترحب بالحلول المطروحة، منتهزة الفرصة السانحة لتحقيق ثلاثة أهداف في وقت واحد. وهذه الأهداف التي لاءمت المصالح الأميركية هي: 1) الوصول الى حل مرضي لأميركا وايران معا حول قضية تخصيب اليورانيوم، وهي القضية التي ظلت مستعصية على الحل لمدى سنوات طويلة. 2) الحصول نتيجة لذلك، على دعم ايران في المساعي الأميركية الروسية للوصول الى تسوية سلمية للقضية السورية. 3) هز العصا في وجه بعض حلفاء الولايات المتحدة، كالسعودية مثلا، العاصية (ولو الى حد ما فقط)، والمعارضة ( ضمن عصيانها ذاك) للحل السلمي للقضية السورية تطبيقا للاتفاق السري المتفق على خطوطه العريضة (كما يبدو) بين أميركا وروسيا الاتحادية، وهو الاتفاق الذي شجع عليه عدم الرغبة الأميركية في المواجهة مع روسيا، ومخاوف الأميركيين (من ناحية أخرى)، من تنامي قوة الاهابيين في سوريا، وهو الأمر الذي تبلور أخيرا أمامهم، كاشفا بأن سوريا قد بدأت تتحول تدريجيا الى "أفغانستان" أخرى.
ونتيجة لذلك حققت ايران لنفسها، هي الأخرى، أهدافا ثلاثة هي: أ) تحقيق حل مرض لقضاياها العالقة مع الغرب حول قضية تخصيب اليورانيم، ب) ضمان الوصول الى حل سلمي للقضية السورية، بأسلوب يحافظ على بقاء النظام السوري قائما كحليف استراتيجي لها لا ترغب في خسارته أو في الوصول الى حل يضعفه، ج) التأكيد لدول الخليج التي تناصبها العداء، كلها أو بعضها، (نتيجة الاعتقاد بأنها – أي ايران- تسعى لانتاج قنبلة نووية تعزز مكانتها السياسية والعسكرية في المنطقة، وتفرضها على دوله كالقوة الأقوى والمسيطرة)... هو اعتقاد خاطىء، مما قد يساعد على طمأنة تلك الدول، وبالتالي يؤهل الظرف لفتح صفحة جديدة في علاقتها معها. وقد تحققت لها بعض المكاسب التي تبلور منها حتى الآن المكسب الأول والثاني، وهي تسعى لانجاز المكسب الثالث أيضا بتحقيق الاطمئنان لدول الخليج.

رابعا) أما من يقف في المرتبة الرابعة بين الرابحين في المعادلة السورية، فهم الأكراد بشكل عام، وأكراد سوريا بشكل خاص. ذلك أن أكراد سوريا، وفي ضوء الوضع القائم حاليا في ذاك القطر، قد أعلنوا ادارة ذاتية لمنطقتهم، وهذه مقدمة لاعلان الحكم الذاتي أسوة بنظام الحكم الذاتي القائم في جارتهم "كردستان" العراق. وهذا الأمر قد يدفع أكراد تركيا أيضا للمطالبة بحكم ذاتي، مما سيضطر تركيا عاجلا أو آجلا للقبول به. فاذا حصل ذلك، وهو حاصل لا محالة، قد يؤدي في نهاية الأمر للحصول على دولة "كردستان" المستقلة التي طال انتظارها من قبل الأكراد. فالأكراد هم من أكبر الرابحين من وراء هذه الحرب الضروس. وقد دفع الأكراد ثمنا باهظا في مسعاهم للوصول الى ذلك. فمن اشتباكات مسلحة دامت طويلا في العراق، خاضها الأكراد ضد القوات العراقية على اختلاف الأنظمة التي تعاقبت على العراق في السبعين سنة الماضية، الى قتال حديث خاضه أكراد سورية ضد قوات "داعش" المنتمية لمنظمة القاعدة، اضافة الى العديد من المعارك التي خاضها أكراد تركيا ضد القوات التركية التي بدأت قبل اعتقال زعيمهم "أوجولان" وايداعه في السجن، واستمرت بعد اعتقاله أيضا، حيث كان الأتراك يلاحقونهم حتى داخل أراضي كردستان العراق. ولكن لكل شيء نهاية، وقد اقترب الأكراد من فصول النهاية السعيدة، رغم أن ذلك قد يحتاج الى سنوات أخرى ربما تكون طويلة.

خامسا) الرابحون دائما وأبدا، هم تجار السلاح الذين يزودون المقاتلين بالأسلحة، ويستلمون مقابلها مليارات الدولارات. فهؤلاء لا يعانون من أي خسائر، وهم الرابحون على الدوام وفي جميع الأحوال.
أما الخاسرون فهم خمسة أيضا:
اولا) دول الخليج، وبالذات "السعودية" التي تدفع ثمن تلك الأسلحة وكلفة المقاتلين من تمويل وتموين، كانت هي الخاسر الأكبر، سياسيا وماديا، لأنها أنفقت مليارت الدولارات على الحرب في سوريا، وكلها ذهبت هباء منثورا. والواقع أن "السعودية" قد دفعت الكثير من أموال النفط، لتغطية نفقات الكثير من عمليات كهذه على مدى الخمسين عاما الماضية.

فقد مولت حرب الامام "البدر"،امام اليمن المعزول نتيجة انقلاب قاده المرحوم "عبد الله السلال" عام 1962. وكانت النتيجة ان السعودية الرافضة لنتائج التغيير الذي حدث في اليمن، خصوصا بعد اعلان الجمهورية، واستعانة اليمن الجمهوري بقوات مصرية للسيطرة على الوضع، قد مولت الامام "بدر" المعزول، ليخوض حربا ضروسا ضد اليمن الجمهوري وضد مصر، وكان من نتائج تلك الحرب، آلاف القتلى والشهداء سواء من الجيش اليمني أو من الجيش المصري الذين قطعت العديد من رؤؤس جنوده الأسرى في أعمال وحشية لم يرض عنها الضمير، أو ترحب بها القوانين الدولية. وقد نسب الكثيرون أسباب الهزيمة التي لحقت بمصر وبالعرب اثر حرب عام 1967، الى تسرع المرحوم الرئيس "عبد الناصر" في مطالبة القوات الدولية بالانسحاب من مضائق "ثيران" على البحر الأحمر، مما قدم المبرر للاسرائيليين للشروع بالحرب. كما نسب الى المرحوم المشير "عبد الحكيم عامر"، نائب الرئيس المصري وقائد القوات المصرية، فشله في الاستعداد للمعركة، أو في قدرته على ادارتها. ولكنهم نسوا الدور السعودي في تلك الهزيمة المنكرة. فمعنويات القوات المصرية كانت عندئذ في الحضيض، نتيجة الأعمال الوحشية التي ارتكبها "البدر"، بدعم وتخطيط سعودي، ضد الجنود المصريين. ذلك أن تلك الحرب المؤلمة، قد تسببت بخسائر فادحة لحقت بالجيش المصري الباسل، اضافة الى الروح المعنوية الخائرة لدى الجنود، بسبب نوعية القتل الذي كانت قوات البدر تمارسه بحق الجيش المصري، جيش كل العرب، وذلك (كما سبق وذكرت) باستخدام أسلوب قطع الرؤؤس ضد الأسرى المصريين واليمنيين.
ولم يتوقف الأمر على تقديم الدعم المالي والتسليحي لقوات البدر في الفترة بين أعوام 1962 و 1967 ، اذ تعدتها لتقديم التمويل والتسليح للمتقاتلين من الطرفين في الحرب الأهلية اللبنانية بين الأعوام 1975 و 1989، وهو ما شكل استنزافا آخر للأموال وللقوى العربية، وهو استنزاف لم يتوقف الا بعد عقد مؤتمر الطائف الذي أنهى أخيرا تلك الحرب البائسة.
ومرة أخرى شاركت السعودية "الكويت" في تقديم الدعم المالي لتغطية نفقات حرب أميركا وحلفائها عام 1991 ضد العراق، بذريعة تحرير الكويت من الاحتلال العراقي. وقد انتهت هذه الحرب بكوارث كبرى رزحت على صدر العراق والعراقيين، وخصوصا على أطفال العراق الذين عانوا كثيرا من آثار فرض الحصار على العراق نتيجة لقرار مجلس الأمن رقم 687.
ولكن اذا بالسعودية بعد ذلك كله، وبمشاركة "قطر"، أن قامت الدولتان في عام 1911 بتمويل وتدريب وتسليح آلاف المقاتلين للقتال قي سوريا ضد النظام القائم هناك.

فكم من مليارات دولارات النفط قد انفقت على مدى هذه السنوات لتمويل حروب استنزاف يائسة، في وقت تعاني فيه السعودية من مشاكل جمة، أبرزها وجود مليوني عاطل عن العمل في السعودية، كما قالت احدى القنوات التلفيزيونية مؤخرا، اضافة الى وجود مناطق سعودية كثيرة لا تزال تعاني من مشاكل اقتصادية وبيئية وتعليمية، بل وهناك الكثير من السعوديين الذين يقيمون في بيوت واهية من الصفيح. وهذا كله يتحقق في زمن تنفق فيه السعودية تلك الأموال الطائلة على حروب لا جدوى منها، الا الرغبة في السيطرة السعودية على القرار العربي. كما تنفق الكثير من أموال النفط الذي يفترض فيه أن يكون ثروة لكل العرب، على الأمراء من الأسرة المالكة، وهي أموال يبذرونها بدورهم على السيارات الفارهة، وعلى الاستمتاع بأجساد بعض النساء الغربيات، حتى لا نقول على موائد القمار أيضا، وذلك عوضا عن انفاقها على اصلاح حال الشعب السعودي البائس والمقيم في مملكة الرمال، كما سماها المخرج "نجدت أنزور".
ثانيا) تركيا هي الخاسر الثاني في هذه الحرب التي ساهمت في اشعالها عن طريق فتح حدودها لعبور المقاتلين والاسلحة الى داخل الأراضي السورية. وكان همها أن تحقق ثلاثة أهداف هي: 1) أن تدمر الصناعة السورية، المنافس الأكبر لصناعتها، عبر تدمير الدولة السورية. 2) أن تسقط النظام السوري، على أمل أن يحل محله نظام اسلامي متجانس مع النظام الاسلامي القائم حاليا في تركيا بقيادة "رجب طيب أردوغان". 3) أن تبعد خطر الاحتمال بأن تعود سوريا للمطالبة باقليم الاسكندرون، الذي كان ضمن القطاع السوري طوال الحكم العثماني، وظل كذلك على مدى عشرين عاما من الانتداب الفرنسي على سوريا، وهو الانتداب الذي ابتدأ بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وكان اقليم الاسكندرون أحد الأقاليم السورية التي يحكمها الفرنسيون على مدى عشرين عاما من الانتداب على الأراضي السورية. لكن فرنسا تخلت عنه الى تركيا لأسباب مجهولة في عام 1939، خلافا لمفهوم الانتداب الذي كان يفترض فيه أن تطور البلد المنتدبة عليه من قبل "عصبة الأمم"، وأن تحافظ على أراضيه وعلى حقوق شعبه على تلك الأراضي. واستمرت فرنسا بعد ذلك الاخلال بالمفهوم الدولي للانتداب، في حكم سوريا لستة أعوام أخرى.

ومع ذلك، فان تركيا لم تحقق طموحاتها كاملة، ومن المتوقع أن تدفع ثمنا باهظا لتصرفها ذاك. صحيح أنها ألحقت دمارا كبيرا بالصناعة السورية، ولكنه دمار قابل للتدارك في مدى اربع أو خمس سنوات قادمة، في وقت لحقت فيه بتركيا أضرار لم تكن تتوقعها، وقد لا يمكن تداركها. فالنظام السوري لم يسقط،، وان تحقق سقوطه فيما بعد نتيجة مفاجأة ما، فان المتوقع ان يحل محله نظام اسلامي متشدد، يهدد النظام الاسلامي القائم حاليا في تركيا، خلافا لما رغبت تركيا في تحقيقه، بأن تأتي على الجانب السوري من حدودها، بنظام شبيه لنظامها. لكن ما يلوح في الأفق الآن، أن النظام الذي من المحتمل أن يحل محل النظام السوري لو انتهى النظام السوري فعلا (وهو أمر قد يبدو مستبعدا)، سوف يكون نظاما متشددا مكونا من السلفيين ومن أتباع "القاعدة". ونظام كهذا سوف يزاود على الحكومة التركية الحالية ويحاول اسقاطها او ابتلاعها، لكون تركيا بنظامها الحالي، لا تتناغم مع توجهات الاسلاميين المتشددين، والذين يحاولون جديا، منذ بدء القتال، انشاء امارة اسلامية في شمال سوريا، لتكون خنجرا في ظهر النظام السوري القائم في دمشق، ان استطاع ذاك النظام، الاحتفاظ بقوته وسيطرته على باقي الأراضي السورية. وامارة اسلامية كهذه في شمال سوريا، أي على الحدود التركية، لا تقل خطرا عن سيطرة تيار الاسلام السياسي المتشدد على كامل الأراضي السورية.
ولكن الأهم من ذلك، تلك التطورات المتلاحقة والخاصة بالأكراد. اذ أعلن أكراد سوريا تشكيل ادارة ذاتية لاقليمهم (كما سبق وذكرت)، وبدأوا بالتنسيق مع اكراد العراق في اقليم كردستان العراق. وها هم يجتمعون في "اربيل" للتنسيق فيما بينهم بخصوص التمثيل الكردي في محادثات جنيف. فهذه الخطوة، والتي أفرزتها تلك الحرب التي ساهمت تركيا في اشعالها وفي اذكاء نارها، اضافة الى اقليم الحكم الذاتي الكردي في العراق، من المرجح أن يؤديا عاجلا أو آجلا، الى اضطرار تركيا لمنح حكم ذاتي مشابه لأكرادها أيضا، خصوصا وأن أكراد تركيا قد تراجعوا،على ضوء التطورات في سوريا، عن تنفيذ اتفاق كانوا قد وقعوه مع الحكومة التركية، يقضي بانسحابهم الى الجبال العراقية، مقابل منح أكراد تركيا بعض الحقوق. وهذا كله يكشف عن احتمالات الضرر الذي سيلحق بتركيا، وقد يلحق أيضا بحكومة "أردوغان" ذاتها عندما تواجه الانتخابات الجديدة في عام 2014، وهي انتخابات قد تؤدي الى خسارة "أردوغان" للأكثرية في البرلمان، فتكون عندئذ قد جنت على نفسها براقش (أو براعش).
ثالثا) الولايات المتحدة والدول الأوروبية، كانوا من الخاسرين بسبب حساباتهم الخاطئة في التخطيط الاستراتيجي. فهم قد سعوا لاسقاط الرئيس السوري، لكن الرئيس لم يسقط أو يرحل كما فعل "زين العابدين" و"علي عبد الله صالح". والنتيجة باتت معاكسة تماما لتوقعاتهم، لأن سوريا باتت تدريجيا مرتعا للارهابيبن المنتسبين للقاعدة وللسلفيين، بل تحولت الى آلة تدرب وتخرج مجموعات من المقاتلين الأميركيين والأوروبيين الذين يعودون الى بلادهم وقد هيئوا لارتكاب أعمال ارهابية في تلك البلاد. وهذا هو ما اضطر الرئيس "أوباما" للعدول عن توجيه ضربة عسكرية لسوريا كانت ستضعف الرئيس الأسد وتقوي شوكة الارهابيين. وهو لم يضطر فقط لالغاء مشروع الضربة العسكرية ضد سوريا، اذ اضطر أيضا (وأؤكد على اضطر) للتفاهم مع روسيا على أن الحل السلمي هو الطريق الوحيد، لا لوضع نهاية لحمام الدم فحسب، بل للحيلولة دون مزيد من التنامي في قوة الارهابيين، ان لم يكن أيضا للتنسيق مع روسيا لتوجيه ضربات جوية مشتركة ضد الاهابيين، (لا ضد الحكومة السورية) تحول دون تحولهم الى خطر أكبر يهدد أميركا، والدول الأوروبية، بل والدولة الروسية أيضا من خلال ذهاب بعض أولئك للعمل داخل الشيشان، ضد الحكومة الشيشانية الموالية لموسكو.

رابعا) خسارة السعودية، وهذه المرة ليست على صعيد خسارة الأموال كما أوردنا سابقا، بل على صعيد الخسارة في الحسابات الاستراتيجية والسياسية. فالسعودية المنتمية للطائفة السنية بالنهج الوهابي، المتشبثة بعنادها في رفض جنيف والحل السلمي، بنت ايضا قراراتها على حسابات خاطئة، معتقدة أن طائفة السنة في سوريا، كونها الطائفة الأكبر بين مجموع الطوائف والاثنيات القومية والعرقية المتواجدة في سوريا، باتت مؤهلة لأن تحكم سوريا بعد اسقاط الرئيس "بشار الأسد". لكن حساباتها كانت خاطئة تماما. صحيح أن طائفة السنة في سوريا، تشكل فعلا ثلاثين الى أربعين بالمائة من السوريين، لكن السعودية تناست أن الستين أو السبعين بالمائة المتبقية من الشعب السوري، كانوا يشكلون وحدة متراصة متكاملة في وجه الأكثرية السنية، وكانوا جميعهم يقفون، وما زالوا، وراء الرئيس بشار الأسد. فقد تناسوا تماما أن هناك أكرادا رافضين للمشروع الوهابي، ومثلهم مسيحيو سوريا بكافة طوائفهم، وكذلك طائفة الدروز أي "الموحدين" الذين لم يرغبوا في رؤية طائفة السنة التي لا يكنون الود لها، تجلس على كرسي يحكمهم. ومثلهم أيضا "العلويين" الذين يشكلون وحدهم قرابة العشرين بالمائة من السكان. أضف الى كل هؤلاء، الأرمن والشركس ومجموعات اثنية أخرى، وكلها ترفض استبدال حكم الرئيس الأسد، رغم صبغته العلوية، بنظام سني يميل الى أن يطبق عليهم أحكام الشريعة بمفهومها السلفي المتشدد، وغير المقبول حتى من بعض أعضاء طائفة السنة الذين يجدون في الاسلام دينا سمحا، ودين "يسر ولا تعسر". فاذا كانت السعودية ترغب في تشجيع الفكر "الوهابي" باعتباره في الظاهر فكرا دينيا، في وقت تشجعه على أرض الواقع لأسباب سياسية، ربما رغبة منها في ابقاء الجهل منتشرا في السعودية تحت ستار الفكر الديني، فان الاسلاميين الآخرين في البلاد الأخرى، لا يقبلون بهذا النوع من الأفكار التي لا تتناسب مع تطورهم في الحضارة والمدنية.
ومع تجمع كل هؤلاء الذين يشكلون من ستين الى سبعين بالمائة من السكان بطوائفها واثنياتها المتعددة، كان هناك أيضا الكثير من السنة السوريين أنفسهم، غير الراغبين أيضا في تغيير النظام، أو في أن يجيء الى كرسي الحكم، تلك المجموعة من الاسلاميين المتشددين، رغم كون أولئك السوريين ينتمون أيضا لطائفة السنة التي ينتمي اليها أولئك المتشددون. فالمعروف تماما أن الشعب السوري هو شعب مسيس، وينتمي الكثير من أبنائه الى الأحزاب السياسية التي عرفتها سورية حتى أثناء الانتداب الفرنسي. فهناك المنتمون لحزب البعث، والمنتمون للحزب الشيوعي ، والمنتمون للأحزاب القومية والاشتراكية واليسارية. وهؤلاء رغم كونهم قد انتموا لطائفة السنة نتيجة مولدهم لدى عائلات سنية، الا أن ولاءهم لمعتقداتهم السياسية والحزبية، لا تضاهي فحسب المعتقدات الناجمة عن انتمائهم الديني، ، بل قد تتغلب عليها أحيانا، مما قد يترك نسبة لا تتجاوز العشرين بالمائة من السنة الراغبين فعلا في تبدل النظام السوري.
وهذا واقع لم يدركه الكثيرون ممن خططوا لتلك الحرب على أساس مذهبي، أو ربما أدركوه ولذلك لجأوا الى استدعاء مقاتلين من الخارج ليعززوا التواجد السني الموالي لهم على الأرض السورية. ولكن هؤلاء زادوا الطين بلة، عندما لجأوا الى استخدام الأساليب العنيفة المرفوضة من المجتمع الدولي، كقتل للأسرى، واغتصاب للنساء ، وقطع رؤؤس بعض المدنيين لمجرد الاشتباه (بمفهوم المتشددين) بأنهم قد جدفوا على الذات الالهية، اضافة الى الجلد في الشوارع، واستباحة الكنائس وسلب محتوياتها، وأخذ مطرانين واثنتا عشر راهبة كرهائن ودروع بشرية للاحتماء وراءهم. فهذا كله قد أثار حالة من الاشمئزاز أدت الى نفور الشعب السوري منهم، وكذلك نفورالمجتمع الدولي، وشروع ذاك المجتمع في التفكير بتقديم الدعم لكل من يقف في مواجهة هؤلاء، حتى لو كانوا من أنصار الرئيس السوري الذي خططوا سابقا لاسقاطه.
خامسا) الشعب السوري كان هو الخاسر الأكبر بسبب عدد الضحايا الذين قضوا نتيجة لتلك الحرب، والذين تجاوز عددهم المائة ألف، اضافة الى مليون مهجر يعيشون في المخيمات، ويعانون من البرد والجوع والتشرد.
فهل بعد ذلك كله، هناك من يزال يرغب في استمرار تلك الحرب الضروس رغم ما قيل عن فاشية "ولاديمقراطية" النظام القائم، والذي أبدى استعدادا للتغير والتبدل نحو الديمقراطية، بل وخطا خطوات واضحة نحو تحقيق ذاك الهدف، علما بأن هذه الديمقراطية التي يطالبون بها لبلاد غير بلادهم، لم تعرف بعد في بلادهم ذاتها. وها هم قد جاءوا بالمقاتلين من الخارج، بذريعة الرغبة في تحقيق تلك الديمقراطية وانهاء الفاشية، في بلاد غير بلادهم التي هي ذاتها تعيش حالة من الديمقراطية المعدومة تماما.

ميشيل حنا الحاج Michel Hanna Haj
عضو جمعية الكتاب الأليكترونيين الأردنيين
عضو مركز حوار للدراسات الاستراتيجية الجديدة



#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل اقتنعت دول العالم أخيرا أن -القاعدة- خطر عليهم كثر من كون ...
- هل سميت الثورات العربية الحديثة بثورات -الربيع- لكونها ثورات ...
- أين استراتيجية -نهاية المطاف- في أدمغة قادة المعارضة السورية ...
- أين استراتيجية -نهاية المطاف- في أدمغة القادة الأتراك ، وأدم ...
- أين استراتيجية -نهاية المطاف- في أدمغة القادة الأميركيين ؟
- هل تلاشى الحلم العربي بالوطن العربي الكبير، ليصبح الأردن الو ...
- متى يزهر الربيع العربي في أروقة الجامعة العربية ويحولها الى ...
- متى يفجر العرب والايرانيون قنبلتهم الكبرى ؟ كيف ولماذا؟
- هل هو حقا الربيع العربي أم هو الدمار العربي ؟
- تعليقا واضافة للمقال الخاص بالاستشهاديين ، ينبغي التساؤل: هل ...
- هل نفذ باكورة الأعمال الاستشهادية في العصر الحديث منتمي لتيا ...
- هل أدركت الولايات المتحدة أن زمن القطب الواحد قد انتهى؟
- هل معركتي-اعزاز- و-باب السلامة- هما لسيطرة -داعش- على موقع آ ...
- لماذا لم يزهر ربيع عربي في قطر. ولماذا تصر أصغر الدول العربي ...
- هل جاء دور إخوان السودان في الرحيل ، بعد رحيل إخوان مصر ؟
- هل يؤدي الانقلاب شبه العسكري داخل المعارضة السورية، إلى الشر ...
- هل هناك منظمة -قاعدة- شريرة ، وأخرى -قاعدة- شريفة ؟ كيف؟ وأي ...
- لماذا كانت المنطقة العربية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى ال ...
- لماذا يلاحق -أوباما-مخالفات لاتفاقية دولية تحظر استخدام السل ...
- هل تشكل معركة -إعزاز- علامة فاصلة في كوكتيل تحالفات المعارضة ...


المزيد.....




- صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران ...
- إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
- كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت ...
- دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
- أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في ...
- لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير ...
- -الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ ...
- سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
- خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج ...
- زلزال يضرب غرب تركيا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - من هم الرابحون ومن هم الخاسرون سياسيا في الحرب السورية؟