أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - هل أدركت الولايات المتحدة أن زمن القطب الواحد قد انتهى؟















المزيد.....

هل أدركت الولايات المتحدة أن زمن القطب الواحد قد انتهى؟


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 4239 - 2013 / 10 / 8 - 22:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي
السؤال الرابع والخمسون :
هل أدركت الولايات المتحدة أن زمن القطب الواحد قد انتهى؟

منذ نهاية الإتحاد السوفياتي في بداية التسعينات، وجدت الولايات المتحدة نفسها تتربع على عرش القطب الأوحد المؤثر في اتخاذ القرارات الدولية، وأحيانا تتخذها بشكل منفرد، إذ باتت الدولة الأكثر تأثيرا في صناعة ذلك القرار.

وقد تجلى ذلك بشكل واضح في الأزمات السياسية الدولية الكبرى، وخاصة لدى اتخاذ القرارات في مجلس الأمن الخاصة بغزو أفغانستان عام 2002 ، ثم غزو العراق في عام 2003 ، إضافة إلى قضية التدخل الأوروبي في ليبيا في عام 2011 ، وهو القرار الذي اتخذ بشكل منفرد وخارج مجلس الأمن. ورغم أن القرارين الخاصين بأفغانستان والعراق قد اتخذا داخل مجلس الأمن، الا أنهما قد اتخذا دون تدخل يذكر من جانب روسيا الاتحادية. فالدولة الروسية رغم تواجدها على الساحة كوريثة للإتحاد السوفياتي الذي أعلنت منذ البداية أنها سوف تلتزم بتنفيذ كل التعهدات والاتفاقات التي عقدها خلال حياته الطويلة، لم تحاول خلال العشرين سنة التي انقضت بعد رحيل الاتحاد السوفياتي، الدخول في مجابهات كبرى مع الولايات المتحدة أو مع الدولتين اللتين اعتبرتا أيضا من الدول الكبرى ، أي بريطانيا وفرنسا.

وإذا كانت قضية غزو كل من أفغانستان ثم العراق قد حصلتا خلال عهد الرئيس "جورج بوش الابن" وموضوع أزمة ليبيا في عهد الرئيس أوباما، فإن عهد الرئيس بيل كلينتون قد شهد أيضا أزمات دولية تعلقت بشكل خاص في يوغوسلافيا السابقة ، وما نتج عن انشقاقات فيها، وهي الانشقاقات التي أدت إلى تمزق الدولة اليوغوسلافية إلى عدة دول كان آخرها دولة كوسوفو، مع بقاء الهيكل اليوغوسلافي قائما باسم دولة صربيا الأوروثوذكسية الانتماء ، وهو ذات الانتماء السائد لدى الغالبية العظمى من سكان روسيا .
ولكن رغم هذه التطورات بالغة الخطورة والمؤثرة تأثيرا واضحا على بعض المصالح الروسية نتيجة للانتماء العرقي والمذهبي بين دولتي روسيا ويوغوسلافيا السابقة، فان روسيا الاتحادية لم تفعل في حينه شيئا لايقاف الولايات المتحدة او الدول الأوروبية عن السعي لتفكيك يوغوسلافيا، الحليف السابق للاتحاد السوفياتي . وهكذا ولدت كل من كرواتيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود اضافة الى كوسوفو، كدول مستقلة انفصلت عن الجسم اليوغوسلافي الذي أسسه ورعاه القائد الشيوعي الفذ جوزيف بروز تيتو.

ولكن السبب في سكوت روسيا الاتحادية في مراحل الأزمة اليوغوسلافية ، كان مرده أن "بوريس يلتسين" كان يجلس في تلك المرحلة على كرسي الرئاسة في روسيا . والمعروف أن "يلتسين" لم يحاول وقف مساعي أميركا والغرب لتفكيك الاتحاد السوفياتي ذاته، وهو العضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الذي كان يحكم الاتحاد السوفياتي، بل وساعد على تفكيكه من خلال اعلانه انفصال روسيا الاتحادية التي كان رئيسا لها عن الاتحاد السوفياتي. فكيف يحاول اذن، وهو الذي روج عنه المحللون بأنه كان رجل أميركا في الاتحاد السوفياتي، أن يمنع تفكيك يوغوسلافيا بعد أن ساهم في تفكيك الاتحاد السوفياتي ذاته. فالرفيق السابق بوريس يلتسين، لم يعتبر روسيا الاتحادية التي كان رئيسها، ندا لأميركا ليقف في وجهها أو في مواجهتها، بل وربما اعتبرها دولة تابعة أو شبه تابعة لها، او على الأقل دولة تدور في فلكها.

ولكن زمن هذا التراجع في المواجهة بين الدول الكبرى قد انتهى بحصول أمرين هامين: أولهما نهاية عهد "بوريس يلتسين" في عام 1999، وثانيهما التطورات الاقتصادية الهامة التي أدت الى نهوض روسيا الاتحادية من كبوتها الاقتصادية، والتي كانت قد وضعتها تحت طائلة عجز مالي ضخم ومديونية بلغت عشرات المليارات من الدولارات . وهذا النهوض تسببت فيه أميركا "جورج بوش الابن" بغزوه لدولة نفطية هامة هي العراق في عام 2003، مما أدى الى ارتفاع سعر برميل النفط ارتفاعا هائلا، الأمر الذي زاد في دخل روسيا الاتحادية، التي هي أيضا دولة نفطية. اذ حقق الفائض في الدخل نتيجة ارتفاع سعر النفط عالميا، مبالغ اضافية وفيرة لم تساعد فحسب على نهوض روسيا من كبوتها الاقتصادية، بل أدت الى تسديد ديونها، وسد العجز المالي لديها، اضافة الى تحقيق مخزون مالي كاف للوقوف تدريجيا في وجه الولايات المتحدة.

ولعل في هذا التطور الهام في الدخل الذي تحقق للاقتصاد الروسي ، والذي ساعد على نهوض ذاك الاقتصاد من كبوته، أكبر دليل على قصر نظر المخططين الاستراتيجيـين الأميركان. اذ عندما فكر "بوش" الابن بغزو العراق بغية السيطرة على نفطه واعتقال رئيسه صدام حسين (الذي يبدو، كما يرى البعض، أنه قد بات العدو الشخصي لآل بوش)، ثم تنفيذ حكم الاعدام فيه، انما قدر أهمية النتائج الفورية والمباشرة لعمله ذاك، وهي السيطرة على النفط واعدام صدام . لكنه لم يبذل جهدا أكبر للتفكير بعمق في الاحتمالات الأخرى اللاحقة، وهو ذات الخطأ الذي ترتكبه أميركا باستمرار، والذي تجلى بشكل واضح في فشل سياستها في افغانستان ثم في ايران ، نتيجة عدم تعمقها في دراسة كل استراتيجية لدى التخطيط لها ، لتقدر نتائج تلك الاستراتيجية في نهاية مطافها، وليس على ضوء الأثر المباشر لها. فالاكتفاء بدراسة الأثر الفوري والمباشر، غالبا ما يؤدي في النهاية الى تفاعلات أخرى كثيرة تفرز كوارث للدولة الأميركية ولحلفائها، ككارثة تنظيم القاعدة، وكارثة النهوض الايراني لدرجة بات معها وجود احتمالات بتوصل ايران الى انجاز القنبلة النووية التي قد تضعها في مصاف الدول الكبرى. وكل هذا الفشل الأميركي سببه عدم اعتماد الولايات المتحدة لفكر "استراتيجية نهاية المطاف" الذي يقتضي على الدوام دراسة أي استراتيجية في عمقها الأخير، وفي نهاية مطافها ،وعلى ضوء كامل نتائجها: الفورية، المباشرة، واللاحقة، بل وما بعد اللاحقة. فتلك النتائج اللاحقة هي التي تجلب الكوارث على الدولة قصيرة النظر في تخطيط استراتيجياتها.

وهناك عامل ثالث يمكن اضافته الى العاملين سابقي الذكر (رحيل يلتسين والنهوض الاقتصادي في روسيا )، وهو تولي "فلاديمير بوتين"، رجل المخابرات السوفياتية السابق (أي ال كي جي بي(، والذي يوصف أيضا بالرجل الحديدي، كرسي الرئاسة في روسيا في نهايات عام 1999 بداية عام 2000 . فهذا الرجل الذي تـنم نظرات عينيه الفولاذية عن طموح كبير، بات يتطلع الى أن تحل روسيا الاتحادية فعلا في مكانة الاتحاد السوفياتي السابق رغم الاختلاف في النهج السياسي بين الدولتين، وفي الحجم العسكري والسكاني أيضا. ولكن كان عليه منذ توليه الرئاسة للمرة الأولى مع بدايات عام 2000، أن ينتظر الفرصة المناسبة ليكشر عن أنيابه خصوصا وأن بلاده كانت تعاني الكثير من المشاكل عندئذ، أقلها المشاكل الاقتصادية، وعدم الاستقرار، وانتشار نفوذ عصابات المافيا . وقد ساعده على التغلب تدريجيا على مصاعب تلك الفترة العصيبة، أن الرخاء الاقتصادي والمالي قد هل على روسيا مع بدايات القرن الحالي، وهو الرخاء الذي حل منذ العام 2003 ، وتحقق نتيجة قيام "بوش الابن" بتدمير العراق عبر حرب انتقامية لم يكن هناك مبرر آخر لها، ولكن كان من نتيجتها ارتفاع كبير في سعر برميل النفط. ولكن هذا الرخاء الطارىء، قد مكنه تدريجيا ( أي مكن بوتين)، من التفرغ للقضايا الدولية التي كان يبعده عن الاهتمام بها ذاك القلق الناجم عن المشاكل الداخلية وابرزها نفوذ المافيا اضافة الى الصعوبات الاقتصادية السابق ذكرها والناتجة عن المديونية والعجز المالي . فمع تنامي القدرات المالية والاقتصادية لروسيا الاتحادية، بدأ الصوت الروسي في الارتفاع تدريجيا.

ولكن اللهجة الروسية التي كانت لم تزل خافتة في بدايات عام 2011 عندما شرعت طائرات الاطلسي في قصف ليبيا التي لم يكن للروس مصالح كبرى فيها، أخذت ترتفع تدريجيا لدى التزايد التدريجي للتدخل في سوريا التي كان للروس فيها مصالح استراتيجية هامة باعتبارها الحليف الوحيد لهم في المنطقة، اضافة الى كونها تملك الموانىء على البحر الأبيض االمتوسط وخصوصا ميناء طرطوس، الذي تلجأ اليه غالبا البوارج الحربية الروسية. وازدادت لهجة "بوتين" ارتفاعا، عندما تأكد (بعد استراحة قصيرة تولى خلالها رئيس وزرائه مقاليد الرئاسة لمدة أربع سنوات ) من اعادة انتخابه مؤخرا لرئاسة روسيا لمدة أربع سنوات جديدة، مع وجود الاحتمال القوي لتجديد انتخابه لدورة اضافية، وخصوصا اذا نجح في وضع روسيا في مركز الدولة القوية المنافسة لأهم قطب سياسي وعسكري في العالم.

وهكذا بدأت لهجة الرئيس بوتين في التصاعد التدريجي . وتمثل ذاك التصاعد باستخدام الفيتو أكثر من مرة في مجلس الأمن (بمشاركة الصين ) للحيلولة دون اقرار مشاريع مقترحات من الدول الكبرى الثلاث تدين سوريا. وازدادت النبرة تصاعدا خصوصا بعد أن توعد الرئيس "أوباما" بالتدخل عسكريا في سوريا اثر ظهور قضية استخدام السلاح الكيماوي الذي ادعى الغرب، وخصوصا فرنسا وأميركا، أن الحكومة السورية كانت وراء استخدامه. فاثر هذا التهديد من قبل الرئيس أوباما، شرع الرئيس بوتين برفع لهجة رده على التصريحات الأميركية. وكانت لهجته تزداد شدة مع ازدياد شدة التصريحات الأميركية. فبعد أن أعلن في بداية الأزمة أنه رغم قيام روسيا بتصدير بعض الصواريخ الى سوريا نتيجة اتفاق سابق بينهما، الا أنه سيوقف شحن بقية الصواريخ الى حين التأكد مما اذا كانت سوريا هي المسؤولة عن استخدام السلاح الكيماوي أم لا. فاذا ثبتت مسؤوليتها عن ذلك، لن يمضي قدما بارسال بقية الصواريخ المتفق عليها. لكنه بعد تصاعد اللهجة الأميركية التهديدية دون انتظار نتائج التحقيقات، بدل "فلاديمير بوتين " لهجته من المرونة الى الشدة المتناهية، مؤكدا بأنه اذا قامت الولايات المتحدة بقصف سوريا والتدخل فيها عسكريا بأي شكل كان، فهو عندئذ لن يستأنف شحن الصواريخ المتفق عليها مسبقا للجمهورية السورية، بل سوف يزودها أيضا بصواريخ أحدث، بل وأحدث كثيرا، كي تستطيع مواجهة التدخل الأميركي.

والواقع أن الرئيس باراك أوباما ربما لم يكن راغبا في البداية بالتصعيد كثيرا، اذ كان يبدو، كما قدر المراقبون، يفكر بتنفيذ ضربة عسكرية استعراضية ومحدودة لانقاذ ماء الوجه بعد أن كان قد حذر مرارا من قبل من مغبة استخدام السلاح الكيماوي . لكن المحافظين الجدد وفي مقدمتهم السناتور "جون ماكين"، هو الذي بدأ بالتصعيد حاثا الرئيس "أوباما"على تنفيذ ضربة طويلة قوية موجعة تستغرق، اذا اقتضى الأمر، ستين يوما قابلة للتجديد لثلاثين يوما أخرى. واذ بدا الرئيس الأميركي محرجا من هذه التصريحات المتشددة التي قدر المحللون أنه لم يكن راغبا في الوقوع في شباكها، وجد نفسه يتجه الى الكونجرس على أمل أن يأتي رفض مشروع العمل العسكري الكبير من الكونجرس، فيريحه من هذا العبء الثقيل الذي بات يدرك عواقبه وهو وقوع المواجهة العسكرية بين أكبر دولتين في العالم ، مع تقدير بينه وبين نفسه بأن روسيا لا بد مستعيدة لمكانتها كدولة عظمى.

وهكذا دخل "باراك أوباما" في حوار سري وصامت مع الرئيس بوتين الذي قدم اقتراحا بتوقيع سوريا على معاهدة حظر استخدام السلاح الكيماوي ، ونتيجة لذلك التوقيع، تضع سوريا مخزونها من السلاح الكيماوي تحت اشراف مراقبين دوليين ليقوم هؤلاء باتلافه بمعرفتهم وتحت اشرافهم.

وبطبيعة الحال خفتت عندئذ شدة التهديدات الأميركية رغم بقاء بعض الأصوات ترتفع أحيانا من فرنسا التي بدأت تحاول أن تلعب دور الدولة الأكثر تشددا. ولكن اذا كانت روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين قد كسبت الجولة الأولى في هذه المعركة ، فقد كان يترتب عليها أن تكسب أيضا الجولة الثانية التي كانت أشد وأقوى من الأولى . اذ بات يترتب على روسيا الاتحادية أن تكسبها أيضا لتأكيد اعتبارها دولة عظمى وقطبا من الأقطاب الخمسة ( بالتكافل والتضامن مع حليفتها الصين خصوصا بالنسبة للشأن السوري)، فلا يجوز بعد ذلك تجاهل دورهما ذاك أبدا.

وكانت الجولة الثانية بخصوص كيفية اصدار قرار مجلس الأمن حول قضية تدمير السلاح الكيماوي السوري . هل يصدر بموجب الفصل السابع الملزم والذي يؤدي الى فرض عقوبات قاسية ، كما فعل القرار 687 بالنسبة للعراق،أم يصدر بموجب الفصل السادس الذي صدرت بموجبه كل القرارات المتعلقة بفلسطين والتي أدان الكثير منها اسرائيل، دون أن تقدم الأمم المتحدة ممثلة بمجلس الأمن ، على فرض أية عقوبات على تلك الدولة المدللة (اسرائيل) نتيجة كون كافة القرارات الصادرة ضدها، لم تكن صادرة تحت بنود الفصل السابع . ونجحت روسيا بعد جدل طويل استغرق أسابيع وتمسكت خلاله الدولة الروسية بموقفها في فرض وجهة نظرها بألا يصدر قرار مجلس الأمن تحت بنود الفصل السابع، رغم محاولات أميركا المتشددة لفرضه مشمولا بذاك الفصل، اضافة الى المحاولات الفرنسية الأكثر تشبثا بمطالبتها باصدار القرار مشمولا ببنوده. وعزز الرفض الروسي، بالتعاون مع رفض حليفته الصين، تأكيد عودة الدولتين مرة أخرى لتبوء مركزيهما كقطبين رئيسيين يلغيان دور الولايات المتحدة كقطب أوحد. وكان أحد الأسباب الرئيسية الأخرى التي استدعت روسيا للتشبث برفض انضواء القرار تحت بند الفصل السابع، هو ذكريات الآلام والمآسي التي لحقت بالعراق نتيجة اصدار القرار 687 ضده مشمولا ببنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

ويبدو أن الولايات المتحدة بخطواتها التي قد توصف غالبا بالخطوات المستعجلة ، قدمت خدمات جليلة لروسيا الاتحادية. وكانت تلك الخطوات كالتالي: أولا ) انتعاش الاقتصاد الروسي نتيجة الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وما كان له من أثر في ارتفاع سعر النفط ارتفاعا كبيرا. ثانيا) اقدامها على اشعال الحرب الأهلية في سوريا، دفع الروس للتمسك بالحفاظ على النظام السوري القائم باعتباره يمثل حكومة صديقة وحليفة. وهذا التشبث الساعي للحفاظ على العلاقة الوثيقة مع سوريا، دفعها لأن تدخل في مواجهة سياسية كبرى مع القطب الأميركي، أكدت روسيا في نتيجتها تمسكها بكونها قطبا آخر يقف على قدم المساواة مع القطب الأميركي، مما أدى لانهاء مفهوم القطب الواحد الأميركي. ثالثا ) هذا التشبث الروسي في موقفه بالتمسك بالحفاظ على بقاء النظام السوري، جعل الولايات المتحدة تدرك أخيرا أن الحل العسكري لم يعد ممكنا لكون الاتحاد الروسي، المتشبث بتحالفه مع سوريا، والذي اضطرت أميركا للاعتراف به كقطب آخر قادر على مواجهتها، سيبذل الكثير من أجل الحفاظ على هذا النظام الصديق. ولقد اعترف اليوم (أي في السابع من تشرين أول) جون كيري وزير الخارجية الأميركي، باستحالة حسم المشكلة السورية عسكريا ، وأنه لا بد من اللجوء الى الحل السياسي. رابعا ) قدرت الولايات المتحدة بعد الاعلان المفاجىء عن تشكيل "جيش الاسلام"، اضافة الى تشكيل تكتل سلفي آخر بقيادة لواء التوحيد، ومع وجود تكتلي "داعش والنصرة" التابعين لمنظمة القاعدة في ساحة المعركة، وانكماش دور الجيش السوري الحر بعد الانشقاقات التي واجهها، انما يؤكد ما يرجحه بعض المحللين بأن اتجاه ثمانين بالمائة من المقاتلين ، هو نحو تأسيس دولة اسلامية في سوريا تحل محل الدولة العلمانية القائمة حاليا. صحيح أن الولايات المتحدة كانت تسعى للاطاحة بالحكومة السورية العلمانية، ولكن على أن تحل محلها حكومة ربما أقل علمانية، وأقل ممانعة لعملية السلام في المنطقة. أما أن تحل حكومة ذات تيار اسلامي متشدد محلها، بل وقد تبلغ في تشددها حد الانتماء لمنظمة القاعدة ، فهذا أمر لم يكن متوقعا أميركيا، وسيضطرها الى اعادة تقييم موقفها قبل فوات الأوان. ومن هنا لا يستبعد بعض المراقبين، أن يتخلى الأميركيون تدريجيا عن تقديم الدعم للمعارضة السورية، مما سيعزز الموقف الروسي في سوريا، ويكرس أيضا مكانتها كقطب آخر له مكانته على الساحة الدولية في مواجهة القطب الأميركي الذي لم يعد القطب الوحيد في هذا العالم الكبير.

وقد تكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، الذي تفكر فيه تلك الدولة الأميركية بطريقة جدية وموضوعية، مبتعدة عن الارتجال، كما في السابق، وعن الاكتفاء بدراسة النتائج الأولية والمباشرة فقط لمخططاتها المستقبلية، فتـنظر الآن بالتالي الى ما هو أبعد كثيرا من أنفها. فهذا هو الطريق الصحيح، ان تأكد فعلا لجوءها اليه، وهو الأسلوب المتوقع منها التشبث فيه على الدوام في سياساتها الدولية المستقبلية ، على أمل أن يكون موقفها من القضية الفلسطينية ومن حقوق الفلسطينيين، على رأس جدول أعمالها المطالبة بمراجعته في أسرع وقت ممكن، لأن المستقبل اذا بقيت أميركا على سياستها في محاباة ربيبتها اسرائيل، قد لا يكون مستقبلا زاهرا. فتلك المحاباة غير العادلة، هي التي تدفع شعب المنطقة العربي والاسلامي، نحو التطرف الذي قد لا تحمد عواقبه في نهاية المطاف، وقد يتسبب بالمآسي للشعب العربي والاسلامي، وللشعب اليهودي أيضا، بل وللولايات المتحدة ذاتها.

Michel Haj



#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل معركتي-اعزاز- و-باب السلامة- هما لسيطرة -داعش- على موقع آ ...
- لماذا لم يزهر ربيع عربي في قطر. ولماذا تصر أصغر الدول العربي ...
- هل جاء دور إخوان السودان في الرحيل ، بعد رحيل إخوان مصر ؟
- هل يؤدي الانقلاب شبه العسكري داخل المعارضة السورية، إلى الشر ...
- هل هناك منظمة -قاعدة- شريرة ، وأخرى -قاعدة- شريفة ؟ كيف؟ وأي ...
- لماذا كانت المنطقة العربية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى ال ...
- لماذا يلاحق -أوباما-مخالفات لاتفاقية دولية تحظر استخدام السل ...
- هل تشكل معركة -إعزاز- علامة فاصلة في كوكتيل تحالفات المعارضة ...
- هل يدمر نتنياهو سلاح إسرائيل الكيماوي، بعد أن تعهدت سوريا بت ...
- متى يقوم -أوباما- باستبدال اسم سوريا ليصبح -سوريستان-؟
- هل يؤدي الاقتراح الروسي حول الكيماوي، إلى قرار شبيه بالقرار ...
- متى تسقط ورقة التين عن البعض، كما سقطت منذ حين عن البعض الآخ ...
- السؤال الحادي والأربعون : هل أصبح النفط نقمة ، ولم يعد نعمة ...
- السؤال الأربعون : هل باتت ما سميت بالثورة السورية ، هي الثور ...
- هل يتعظ اوباما من تجارب بوش وبوش في العراق ؟وهل انتهى زمن ان ...
- كم ستقتل الولايات المتحدة من السوريين، انتقاما لضحايا الكيما ...
- هل تسعى عملية دول الغرب العسكرية إلى إنهاء الحرب في سوريا، أ ...
- لماذا لا يسمح بإقامة التوازن النووي في الشرق الأوسط؟
- لماذا ...لماذا ...لماذا ؟؟؟
- متى يتعلم الأميركيون من أخطائهم ؟ متى ؟


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - هل أدركت الولايات المتحدة أن زمن القطب الواحد قد انتهى؟