أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد الرازقي - عقيدة العروي الرافضة لتحديث لغة التدريس (2)















المزيد.....

عقيدة العروي الرافضة لتحديث لغة التدريس (2)


محمد الرازقي

الحوار المتمدن-العدد: 4301 - 2013 / 12 / 10 - 23:31
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ما الذي سنفهمه من كلام العروي في حواره الأخير حول تحديث لغة التدريس لو عكسنا السؤال التقليدي:"مالذي يريد قوله؟"، وقلنا: ما الذي لا يريد العروي الإفصاح عنه في هذا الحوار؟ أو بصيغة أخرى ما الذي تعمل لغته والسياقات التي يخلقها بمقارناته وأمثلته على إخفائه ؟
يقول العروي: "ليس الهدف أن تكون لغتنا الوطنية هي اللغة الدارجة...أنا لا أقبل هذا، لأن هذا سيفصلنا عن ثقافتنا العليا ومحيطنا الثقافي العام"
وما معنى الدارجة؟
يجيب العروي:" هي ترجمة عربية لمفهوم الفرنسويين " l arabe courant"..كان لزمهم كترجمة هو : العربية الجارية، ولكن ما بغاوش اقولو الجارية"، خوفا من فهمها بمعنى الأمة والخادمة.
وهذا يجرنا أيضا الى مسائلة الاستعمال أو المعنى المقصود بـ "اللغة الوطنية" ؟ وهل قيلت هنا بتواطؤ مع مصطلح "اللغة الرسمية"، أم استعملت عن قصد بهذه الصيغة؟. كما يدفعنا الى تبين الحدود التي يقيمها العروي بين "اللغة الأم" و"لغة الأم". بين لغة المدرسة، ولغة البيت أو الشارع. بين اللغة الوطنية واللغة الرسمية. بين "اللغة المكتوبة" واللغة المتشفه بها أو المحكية.. الخ.
إذن مما سبق يتبين أن هناك أزمة مصطلح ومفهوم أولا إن تركنا الاعتبارات الأخرى جانبا لحين، إذ غالبا ما لا يحصل الاتفاق المطلوب بسبب تعدد المعاني هذه المقصودة لدى كل طرف من المصطلح الموظف في الحوار والنقاش، وغالبا أيضا ما يقوم مثقفينا بلي عنق الواقع كي يستقيم مع بناءاتهم الفكرية والمفاهيمية القبلية، عكس تحيين نظرتهم للواقع لتستوعب التغييرات والتراكمات التي حصلت من خلال نقاش ليس بوليد اليوم بل يمتد الآن لسنوات عدة.
فعيوش مثلا الذي قرأ في إحدى توصياته بـضرورة "إستقبال الطفل بالمدرسة بلغته الأم، وأن يتمكن منها قبل أن يتعلم لغة ثانية"، لا يدل على المعاني التي يجرنا اليها العروي، بمعنى أن لغة الأم لا تكون في كل الأحوال مجرد صورة شاذة عن العربية الكلاسيكية، أو فرع لها، بل هو أمر حاصل في إحدى تعبيرات هذه اللغة الأم فقط، ذلك أن هناك تعبيرات أخرى لا علاقة لها باللغة العربية، ولكنها تدخل في باب اللغات الأم أو اللغة الوطنية، إذا فهمنا طبعا اللغة الوطنية بمعنى لسان المغاربة المتداول والمحكي في كل أرجاء الوطن.
عندما تجمع النص المكتوب في جريدة الأحداث المغربية للعروي، مع ما تلفظ به شفويا أثناء اللقاء الذي جمعه بعيوش في برنامج مباشرة معكم، تبدأ ملامح الرؤية تتوضح بقدر ما تغشوها ضبابة من كثرة الأمثلة وبعض السياقات والتجارب الدولية التي يقدمها العروي كرد على الدعوة لتحديث لغة التدريس بالرغم من أنه هو نفسه الذي يقول في نفس البرنامج أن "حالتنا ماشي هي حالة الدولة الاخرى"، ولا يجب أن تقارن بتجارب دول أخرى، كما يفعل خبراء اليونيسكو. انتبهوا أننا نناقش هنا مواقف العروي تحت سؤال "تحديث لغة التدريس" بشكل عام، حتى يفهم كلامنا في سياق النقاش حول التدبير اللغوي بالمغرب في عموميته، ولا نقصد تعبيرا خاصا من تعبيرات اللسان المحكي في هذا البلد، على اعتبار أن هناك تجارب ناجحة في تقعيد هذه اللغة المحكية كما هو الأمر بالنسبة للأمازيغية التي رسمها الدستور الى جانب العربية.
إدعى العروي أن مستوى الشفوي شئ، وأن المكتوب شئ آخر لا علاقة له بالأول، وهو ما يتناقض مع السياق التاريخي لتقنين اللغة العربية نفسها. جاء في كتاب "أخبار النحويين" لصاحبه أبو طاهر المقرئ: "أول من وضع العربية أبو الأسود الديلي، جاء إلى زياد بالبصرة فقال: إني أرى العرب قد خالطت الأعاجم وتغيرت ألسنتهم أفتأذن لي أن أضع للعرب كلاماً يعرفون أو يقيمون به كلامهم" وفي نفس الكتاب نقرأ لأول من وضع العربية أي أبو الأسود الدؤلي : " أنا أفعل ما أمر به الأمير فليبغني كاتباً لقناً يفعل ما أقول، فأتى بكاتب (.....) فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه فإن ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف وإن كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف فإن أتبعت شيئاً من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين".
وهذا يعني أنه لم يكن عند العرب في هذه الفترة تمايز بين المكتوب والشفوي، بل إن الأول هو صورة للثاني، لكن ليس هذا هو المأخذ الوحيد على الاستاذ العروي بل نجد أيضا أنه عندما يقول بأن تقعيد اللغة المتداولة ونقلها الى المكتوب، سيجعلها ثابتة وجامدة، في الوقت الذي ستواصل فيه اللغة المتشفه بها تطورها..الخ، ذلك أننا سنجد أنفسنا بعد عشرين سنة-حسب العروي- أمام نفس الاشكال، ولكن يجب أن ننتبه الى أننا سنجد أنفسنا أمام لغة محكية تطورت عن اللغة الأم التي قعدناها نحن سابقا، لا أمام لغة تطورت عن لغة تم تقعيدها قبل قرون، وفارق أربعة عقود من الزمن لا يمكن مقارنته مع عشرات القرون أو ما يزيد بالنسبة للغة العربية، بالاضافة الى أن اللغة التي ستقعد ستكون لغة مسايرة للعصر وقادرة على فتح مسالك جديدة في الفكر، ونظرتنا لذواتنا وللعالم، وأقرب الى حياتنا وواقعنا المعاش، سهلة الاعراب، وموجزة العبارة، وأقدر على استيعاب ومواجهة تحديات العصر، ومنفتحة على المستقبل أيضا. كما أنها ستخفف عنا من جهة أخرى ثقل التراث، وما تحمله اللغة الكلاسيكية من روح وإخفاقات قرون عديدة من ثقافة الانحطاط والتواكل والجمود الفكري. إذا اتفقنا أن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل فقط، بل هي الحامل لفكر وثقافة المجتمع..الخ.
لسنا هنا بصدد الدفاع عن توصيات عيوش، لأنها أبين من أن ندعمها ببرهان، لكونها توصيات تتجاوز الفهم المتسرع لمفهوم "الدارجة"، ولملامستها أحد أهم عوائق التدريس خصوصا في المستويات الأولى، بل نحن بصدد مناقشة بعض الاعتراضات التي قدمها العروي، لا على توصيات عيوش التي قالت بضرورة "استقبال الطفل بلغته الأم، وتمكينه منها قبل أن يتعلم لغة ثانية بحيث لا تكون هناك قطيعة لغوية مبكرة، وبالطريقة التي تمكنه من اكتساب المعرفة الأساسية"، لأن هذا أمر يحسب للعروي أنه كان جريئا في دعمه وموافقة عيوش عليها. إنما على اعتراضاته ومواقفه بخصوص لغة التدريس لما بعد روض الأطفال والمستوى الابتدائي.
لأنه في هذا المستوى نجد العروي غير واضح في موقفه، يعلقه بين تبسيط اللغة العربية الكلاسيكية، ورفع الدارجة المحكية التي هي في تصوره فرع عنها، لكي يلتقيا ويكونا لغة مغربية محلية كما وقع لبعض البلدان التي ذكرها، بحيث لا نحدث قطيعة مع ما سماه بالمحيط الثقافي العام، بمعنى آخر أن اللغة العربية الفصحى هي التي ستظل تخدم وتطعم بالترجمات..الخ، ويكفي تنقيحها من بعض الشوائب وبعض الترسبات الثقافية التي تعرقل اندماج الناشئة في الصيرورة التي يشهدها العالم الآن، وهي دعوة ربما تستفزنا كجيل تخرج من المدرسة المغربية التي اعتمدت هذه الرؤية لما يقارب خمسة عقود الى الآن، وهو الشعور الذي أحاول نقله الى الاستاذ العروي الذي يجلس في فرنسا، ويأتي من حين لآخر لكي ينظر لنا، كأنه يتشفى في جروحنا، نحن الذي تخرجنا بلغة لا تصلح لشئ، لا للأعمال اليدوية ولا حتى الفكرية بالدرجة المطلوبة، بل كل ما هنالك حروف وكلمات تفتح عينيك على ارث لا يمت بصلة الى المفاهيم الحداثية التي نظر لها العروي منذ سنوات، أو الأفاق الجديدة والمكتسبات والأشواط التي قطعناها منذ عقود في هذا المسار. بل إن مؤلفات العروي تكاد لا تظهر أمام هذا الكم الهائل من الكتب الصفراء التي تقدمها لنا العربية الكلاسيكية.
طبعا قد يتساءل متسائل: هل يخفى هذا على الاستاذ العروي الذي شاب شعره بالتأمل، وقضى عمره في معالجة مثل هذه المسائل؟
نقول نعم، وهذا يوضحه إعطاء العروي للمسألة اللغوية بعدا سياسيا كما بين ذلك في برنامج مباشرة معكم، أكثر مما فعل في حواره مع الأحداث المغربية، وأقصد هنا تلويحه بأن أي تحديث للغة التدريس قد يهدد أو يقوض الوحدة الوطنية، وهذا مستوى آخر من النقاش، لأنه يجعلنا نطرح السؤال على الأستاذ العروي: هل تتكلمون بصفتكم رجل ثقافة كما قلتم في الأحداث المغربية، أم بكونكم رجل سياسة يمارس الخطابة والاقناع على حساب معطيات الواقع والمعرفة؟ وإن كنتم تتكلمون بكونكم تجمعون الصفتين معا، فأين يمكن أن نتلمس حدود الثقافي في خطابكم مع ما هو سياسي؟ لكون مقتضيات المقامين أو الخطابين تختلف من حيث الآليات والأهداف.
إذا سلمنا جدلا أن تحديث لغة التدريس يمكن أن تحدث مشاكل للوحدة الوطنية، إذن هل في نظركم أن الحل، وأن الحفاظ على الوحدة الوطنية يكمن في الانفراد باجتهاد العروي باعتباره المالك الوحيد لحقيقة هذا الوطن ، والذي ليست له خلفية ايديولوجية كما لخبراء اليونيسكو أو لباقي المواطنين، وليست لديه أفكار مسبقة، أو مصالح.. الخ؟
ألم يكن إقصاء اللغة الوطنية من النقاش العمومي في الماضي بهذه المبررات التي أشرنا اليها، هو السبب الحقيقي لما يمكن أن يحدث مشاكل للدولة؟ كيف سيكون الحس الوطني لدى الطفل الذي سيدخل الى المدرسة –كمؤسسة من مؤسسات الدولة- ويصدم بلغة لا علاقة لها بلغة الأم ولا البيت ولا ما ألف الحديث به في محيطه؟ وكيف سيقرأ أو ينشد النشيد الوطني المكتوب باللغة العربية الفصحى طفل في جبال الأطلس وهو لا يفهم ما يقرأه؟ هل سيفعل مثلما يفعل في الكتاب وهو يتلو الآيات للتعود على مخارج الحروف فقط دون النظر للمحتوى؟ أطرح هذا السؤال على العروي الذي أشار الى التجربة التركية، أي الى كون الأتراك لا يفهمون اليوم خطب مرجعهم مصطفى كمال.
وحتى في الأوقات التي يتمكن فيه الطفل من تملك لغة سبويه، ما الذي ستضيفه له هذه اللغة في ظل الوضع العالمي وفي ظل متطلبات سوق الشغل..الخ، غير أداة تمكنهم فقط من الإستماع الى مشايخ الشرق وهم يتباكون ليل نهار أمام الإذاعات والقنوات التلفزية؟ وغير نبرة الحزن ومشاهد الدمار والانحطاط التي تحملها اليهم؟ ألم تعد اللغة العربية الكلاسيكية مجرد وسيلة للتيه في هذا الكم الهائل من مطولات الفقه، والشروحات والأراجيز، ومعلقات عمرو بن كلثوم وأبيات تأبط شرا، على رفوف المكتبات أو على أرصفة الطرقات والتي غالبا ما تكون بالمجان ومؤدى عنها من طرف شيوخ البيترودولار؟
ما الذي أضافته لنا الللغة العربية تاريخيا منذ خمسة عقود الى وجودنا؟ وهل تنفع الطالب المغربي اليوم الذي يتخرج من الباكالوريا للولوج الى المدارس والمعاهد العليا؟ وهل تجدي لإيجاد مكان له في سوق الشغل بعد الاجازة أو التخرج؟ الا تجعلهم عالة على الدولة وعلى الوطن؟
وحتى على مستوى الأعمال اليدوية، هل من تكوين مهني أو حرفي سواء في إطار مؤسساتي أو في شكل المبادرات المهنية الحرة للمواطنين، تستعمل فيه هذه اللغة العربية الفصحى التي تتشدقون بها ليل نهار؟
إذن وفروا علينا هذه الأغاني الوطنية، لأن الوحدة الوطنية إن تقوت تاريخيا فإن الفضل يرجع في كثير من جوانبه الى مثل هذه المراجعات، وبالانتقال من وطن الحقيقة الوحيدة والصوت الأحادي، الى وطن يتسع لجميع أبنائه، عكس ما صرح به العروي في الاحداث أن "الصدر لا يتسع لقلبين"، ومن بلد مشدود الى صورة ماضوية جامدة، الى بلد متفاعل مع مستجدات العصر، بطريقة تكون فيه السياسات العمومية خاضعة للتقييم الجماعي والتشاركي، طبعا في إطار القانون وفي إطار مراعات خصوصية الوطن على مختلف المستويات. فحديثنا نحن أيضا هو تعبير عن حرقة لمواطنين أو بالأحرى لجيل كان ضحية لسياسة التعريب هذه، جيل تخرج بلغة لا تنفعه لشئ في الدنيا، بل لغة تاريخية يستثمرها البعض ويوجهنا بها الى ما بعد الحياة ! ولا أظن أن الاستاذ الحداثي عبد الله العروي سوف يضحي بلغة الحياة من أجل لغة الأموات.
تساءلت: من الذي سيختلف مع الأستاذ العروي لو دافع عن اعتماد لغة حية ثانية بعد اللغة الأم -أو اللغة الوطنية- للتدريس كاللغة الفرنسية أو الانجليزية مثلا في المراحل ما بعد الابتدائي الى جانب العربية؟ من الذي سيعارض موقف شجاع كهذا ممن تخرج من المدرسة المغربية ويعرف الآفاق والامكانيات التي يمكن أن تفتحهم هذه اللغات للطالب في حياته ومستقبله الدراسي والمهني؟
لكن للأسف لا يزال بإمكانك أن تقرأ في خطاب الاستاذ العروي بعض المسلمات الضمنية والثاوية خلف تحليله ونظرته للواقع ومواقفه بخصوص قضية اللغة هذه، أمام رؤية تقوم على نظرة تراتبية للمجتمع تشبه الفهم السائد في القرون الوسطى للعالم، بمعنى هناك ثقافة عليا نخبوية تقابلها ثقافة دنيا شعبية ومبتذلة. لغة عامة خالدة ومقدسة أحيانا من طرف البعض، وأخرى وطنية دونها، بل هي مجرد خادمة وجارية لها، أو صورة شاذة ومشوهة عن أصلها العربي، وخاضعة لقانون الكون والفساد. محيط ثقافي عربي أو غربي عام، وآخر دونه مجرد هامش عليه، يسبح في فلكه وحاشية عليه، ينفعل بهما أكثر مما يفعل، ويستورد أكثر مما يصدر.
وهنا نتساءل: أليس احتقار هذه الثقافة الوطنية أو الشعبية، والنظر اليها نظرة دونية هو الذي يدفع الناس الى البحث عن صورة الكمال في الماضي وفي التراث وفي الفكر الخرافي الشرقي؟ ألم تكن هذه النظرة إحدى الأسباب المؤسسة للتبعية الثقافية والاقتصادية.. الخ، كونها تنتج وأنتجت لنا أجيال غير قادرة على المبادرة وعلى الإبداع، وعلى الاعتزاز بانتمائها الوطني؟
يقول العروي بأن اللغة المحكية لا تنفع الا في المجالات التي تستعمل فيها اليد، وأنها تنتج يد عاملة رخيصة، لكونها تنتج لنا طبقة فوق الامية ودون "الثقافة العليا"، أو كما عبر عنها" ماشي أميين... ولكن مفاهيمهم محدودة"، ولكن لما نقارنها بلغة الحرف الكلاسيكية التي يقدمها العروي، بمعنى ألا تنتج لنا هي الأخرى يد عاملة رخيصة؟ أو ربما أقل من هذا، بمعنى لا تساوي شيئا في سوق الشغل؟ هل الطالب الذي يتخرج وهو متمكن من الآجرومية وألفية بن مالك وامتلأت جعبته بالأشعار.. الخ، ليس هو الآخر نموذج لهذه اليد العاملة الرخيصة؟ بل والتي لم تعد تنفع لشئ كما التي تخرجت من الكتاب-بضم الكاف- الذي ضرب به المثل؟
إذن ففي كل الأحوال، سواء نظرنا الى هذا الاشكال اللغوي من زاوية سياسية، فإننا نجد أن الاهتمام باللغة الوطنية يقوي الوحدة والشعور والحس الوطني، وينتج لنا مواطنا متصالحا مع ذاته، كما أنه يساهم في اقلاع اقتصادي حقيقي، بتحديث أهم مستوى من مستويات الوجود التاريخي للانسان المغربي، باستعمال لغة قادرة على التجاوب مع عصره ومحيطه، وليس كائنات لغوية مفارقة لسياقها التاريخي والمجتمعي، تسبح في الكلمات ورؤى القرون الوسطى.
أو نظرنا اليها من زاوية نفعية برغماتية، فإن تجنب إحداث قطيعة لغوية مبكرة من شأنها تمكين التلميذ من المعارف الأساسية في أسرع وقت، بدل بذل جهد مضاعف ومزدوج، كما أنها قمينة بجعل تكوينه يتوافق ومتطلبات سوق الشغل، ومن الانفتاح على الانتاجات المعاصرة –في حال اعتماد اللغات الحية في المراحل المتقدمة في التعليم- في مختلف المجالات بشكل مباشر دون انتظار ترجمات المشارقة، أو وساطتهم مع الفكر الغربي وانتاجاته، كما سيوفر على الدولة هذه التكلفة الكبيرة من انتاج نخب غير قادرة على الاستجابة لمتطلبات وانخراط المتخرجين من المدرسة المغربي في الحياة العملية، ما يجعلهم عالة على الدولة، بل فقط كل ما يجيدونه الكر والفر في شوارع الرباط أمام البرلمان للمطالبة بالشغل، والقدرة على صياغة البيانات بلغة الجاحظ وكليلة ودمنة.
لم نقل أن اللغة المحكية هي الجسر المفتوح للعبور الى الحداثة بإطلاق، ولا أن اللغة العربية الكلاسيكية هي بوابة للخروج والعودة الى القرون الوسطى بإجمال، ولا أن اللغات الحية الأجنبية هي مفتاح النجاح واللحاق بركاب العصر، ولكن الذي أردنا الاشارة اليه، هو الحذر من وضع بيض ومستقبل الأمة كله في سلة لغة واحدة، تحت مسميات الثقافة العليا أو الارتباط بالمحيط الثقافي العام، وضرورة مراعات وامتلاك رؤية استشرافية تأخذ بعين الاعتبار كل هذه الحساسيات اللسنية التي تؤثث الفضاء اللغوي المغربي، كي لا تتكرر نفس الأخطاء، التي يمكن أن نقرأ نقاشنا اليوم حول الأزمة التي يشهدها التعليم أو القطاعات الأخرى من إحدى تجلياتها.
فالذود عن لغة تاريخية متآكلة هو عين التقوقع عن الذات، والتشكيك في وطنية المدافعين عن تحديث لغة التدريس، أو في من يساهمون في اقتراح البدائل في نفس السياق من أجل مغرب أفضل وممكن، ووصفهم بالشعوبيين، واتهامهم بخدمة الأغراض والمصالح الشخصية ..الخ، لا نعتقد أنه سلوك حضاري، كونه لا يكتفي بمقارعة الحجة بالحجة، أو ببناء الحقائق على أساس الحوار والنقاش، بل يقوم على أساس نظرة استعلائية تؤمن بالحقيقة الواحدة والوحيدة للوطن، ولا نعتقد أنه من الصحي أن يعيد الوطن انتاج نفسه بنفس المنطلقات والمفاهيم السابقة، في ظل عالم متحول وفي صيرورة دائمة.



#محمد_الرازقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقيدة العروي الرافضة لتحديث لغة التدريس (1)
- العيد أعلى هذه التلة
- العرس التمسماني أو زغرودة الحياة
- قراءة في كتاب -إمكان النهوض الإسلامي- -مراجعة نقدية في المشر ...
- اللغة الريفية والتأويل الغير ديموقراطي للدستور
- هل الوهابيون مواطنون مغاربة؟
- إلى الإدريسي: هذا ما عنيته بالهوية الريفية.
- تذكير للمحتجين ضد الخمور في المغرب
- المجلس الوطني للصحافة : انتظار بطعم القلق.
- ما الجديد في نشر قائمة المستفيدين من -لكريما-
- شكرا لك محمد بن عبد الكريم الخطابي على عودتك.
- العدالة والتنمية سقطت أخلاقيا
- المغرب: نحو علمانية جوانية
- قراءة في الخطاب السياسي ل-بنكيران-
- الى متى سيكف الفيزازي عن استفزاز عقول المغاربة ؟
- الگرمومة : السخرية كنقد للسلطة.
- ربيع الشعوب... وعولمة الثورة.
- وهم الصحوة الدينية بالمغرب ...والجبرية السياسية.
- الفساد والاستبداد يخوضان معركة وجود في المغرب
- في نهاية المطاف...نلتقي في المشترك.


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد الرازقي - عقيدة العروي الرافضة لتحديث لغة التدريس (2)